مصر

دلالات انعقاد المؤتمر العالمي الأول للسكان والصحة والتنمية

يأتي المؤتمر العالمي الأول للصحة والسكان والتنمية الذي تنظمه وزارة الصحة والسكان بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الفترة من 5 إلى 8 سبتمبر 2023، في توقيت استراتيجي خاصة وأن دول العالم تقف في منتصف الطريق نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة. فإذا كان وصول تعداد سكان العالم إلى 8 مليارات نسمة يشير إلى أوجه تحسن تم إنجازها في مجال الصحة العامة، كان من شأنها الحد من مخاطر الوفاة وزيادة متوسط العمر المتوقع، لكن هذا يثير أيضًا مخاوف بشأن العلاقة بين النمو السكاني والفقر وتغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

دلالات المؤتمر

يشهد العالم العديد من التحولات السياسية والاقتصادية، والتي تشكل تحديات تعوق تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة سواء من ضمان حياة صحية أو تحقيق الرفاه للجميع؛ فطبقا للبيانات الأمم المتحدة استغرق الأمر حوالي 12 عامًا حتى ينمو عدد سكان العالم من 7 إلى 8 مليارات، ولكن من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 9.7 مليارات في عام 2050، حيث تتركز أكثر من نصف الزيادة المتوقعة في عدد سكان العالم حتى عام 2050 في 8 دول من بينهم مصر، وأن يصل عدد سكان العالم إلى حوالي 10,4 مليارات شخص خلال ثمانينيات القرن الحالي وأن يظل عند هذا المستوى حتى عام 2100.

قد تكون صورة ‏نص‏

ولم تكن بمصر بمنأى عن تلك القضية، حيث تعد مشكلة الزيادة السكانية هي التحدي الأكبر الذي يعرقل جهود التنمية والنمو الاقتصادي، خاصة مع وصول عدد السكان داخل مصر إلى 105 ملايين مواطن بالإضافة إلى 10 ملايين ضيف، مما أدى إلى خلل في التوزان ما بين السكان والموارد والخدمات، فما هي دلالات انعقاد المؤتمر العالمي الأول للصحة والسكان والتنمية؟

منصة لطرح حلول لقضية الزيادة السكانية العالمية، لتبادل الخبرات والمعارف للتأكيد على الترابط بين السكان والصحة والتنمية المستدامة، وتعزيز صحة ورفاه السكان مع دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى الوصول إلى توصيات وخارطة طريق لسبل التكيف لمواجهة التحديات العالمية وتحسين المخرجات الصحية. علاوة على تمكين ومشاركة جميع الأطراف المعنية في تشكيل برامج للصحة والتنمية العالمية؛ لتعزيز الشراكات ذات القيمة، وحشد الموارد لتنفيذ تدخلات فعالة ومؤثرة، وتعزيز تطبيق البحوث القائمة على الأدلة والتوصيات العلمية لمواجهة التحديات السكانية والصحية والتنموية.

إطلاق الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية 2023-2030، خلال فعاليات المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية، تم إطلاق الاستراتيجية في ضوء أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، ودستور جمهورية مصر العربية، والاستراتيجية القومية للسكان والتنمية والمشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية. تضم الاستراتيجية 7 محاور، وهي (ضمان الحقوق الإنجابية، والاستثمار في الطاقة البشرية، وتدعيم دور المرأة، التعليم والتعلم، والاتصال والإعلام من أجل التنمية، والتغيرات المناخية وديناميكية السكان، وحوكمة الملف السكاني).

أُعدت الاستراتيجية القومية للسكان والتنمية 2023 -2030 استنادًا إلى نتائج المسح الصحي للأسرة المصرية ٢٠٢١ والذي أظهر ضرورة إجراء تدخلات وتعديلات جديدة على الخطط الخمسية للاستراتيجية القومية للسكان والتنمية ٢٠١٥-٢٠٣٠؛ لتتمكن من تحقيق مستهدفات ۲۰۳۰، منها على سبيل المثال إطلاق المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية في عام ٢٠٢٢؛ ليكون بمثابة النواة الرئيسة لتحديث الاستراتيجية، وليمثل قاطرة دفع لتنفيذ الاستراتيجية المحدثة.

كذلك تحقيق أهداف المبادرات الرئاسية الحالية والتي تهدف إلى تحسين مستوى معيشة الفرد وتحسين خصائص السكان، مثل: مشروع تنمية الأسرة المصرية، ومشروع حياة كريمة، ومشروع تكافل وكرامة، ولتتماشى أيضاً مع أهداف الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة ۲۰۳۰ بالإضافة إلى استراتيجية الطفل. فضلًا عن دعم المبادرات القومية الحالية الخاصة بالمجال الصحي ومتابعة تنفيذها، مثل: مشروع التأمين الصحي الشامل، ومبادرة ١٠٠ مليون صحة، ومبادرة صحة المرأة للكشف عن أورام الثدي، ومبادرة صحة الأم والجنين.

النظر إلى السكان بوصفهم أحد عناصر القوة الشاملة للدولة:  وذلك من خلال التركيز على حق الأسرة في تحديد عدد أبنائها، ومسؤولية الدولة عن توعية أفراد المجتمع بأخطار معدلات الانجاب المرتفعة، والإشارة إلى أن القضية السكانية في مصر ليست قضية عدد ولكن كبر حجم الأسرة يؤثر سلبًا على حقوق الطفل، لذلك تستهدف الدولة تحسين الخصائص السكانية للمواطنين من خلال تحسين الخصائص الديموجرافية (معدل المواليد والوفيات، الخصائص التعليمية بين نسبة الأمية ونسبة المتعلمين، جودة الخدمات الصحية، دخل السكان).

استكمال الجهود السابقة لمؤتمرات السكان والتنمية، عقدت الأمم المتحدة عدة مؤتمرات لمناقشة قضية الزيادة السكانية، والتي كان من أبرزها المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عقد بالقاهرة عام 1994، والذي يعد أكبر مؤتمر حكومي دولي معني بالسكان والتنمية على الإطلاق، حيث شاركت فيه 179 حكومة وحوالي 11000 مشارك مسجل من الحكومات ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة والمنظمات الحكومية الدولية، علاوة على المشاركة غير المسبوقة من جانب المجتمع المدني.

كان التحدي الأكبر في هذا المؤتمر هو ضمان تنفيذ السياسيات السكانية كجزء من جهود العامة في تحسين حياة الافراد، وتحويل اهتمامات السياسية السكانية التي تركز على الجوانب الديموجرافية إلى منظور آخر وهو نوعية حياة الافراد في إطار معايير حقوق الإنسان.

وتبع ذلك المؤتمر الدولي للسكان والتنمية عام 2019 في نيروبي، والذى عُقد بعد مرور خمسة وعشرين عاماَ على المؤتمر الدولي للسكان والتنمية التاريخي في عام 1994، وتمثلت توصياته في دعم حقوق الإنسان لجميع الناس، بما في ذلك: حقهم في الصحة الجنسية والإنجابية، وتسريع جميع الجهود لدعم المساواة بين الجنسين وتمكين النساء، مع التركيز بشكل خاص على الفئات الأكثر ضعفا، والقضاء على العنف القائم على نوع الجنس ضد النساء، والقضاء على الحاجة غير الملباة لتنظيم الأسرة التي تقيد حقوق ورفاهية الملايين من النساء والشباب وتحد من إمكاناتهم. علاوة على دعم الاستثمارات المعنية بقدرات المراهقين والشباب، وتهيئة الظروف اللازمة التي يمكنهم من خلالها تحقيق إمكاناتهم من خلال ضمان الوصول إلى التعليم الجيد والمهارات المناسبة على كل المستويات.

ختامًا، يمثل المؤتمر العالمي الأول للسكان والصحة والتنمية خطوة جديدة ضمن مجموعة من الخطوات والآليات المتبعة والتي يتم من خلالها اتخاذ ما يلزم في إطار الارتقاء بالخصائص السكانية وجودة حياة المواطن المصري والشواغل الاجتماعية للأسرة المصرية جنبًا إلى جنب مع جهود ضبط النمو السكاني.

منى لطفي

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى