رهان التغيير: سياق وملامح الانتخابات الرئاسية في زيمبابوي
شهدت زيمبابوي انتخابات رئاسية بعد حالة من الأمل في التغيير أعقاب إزاحة الرئيس الأسبق روبرت موجابي 2017 بواسطة الجيش وتصعيد نائبه إيمرسون منانجاجوا والذي وعد بإجراء انتخابات عامة في 2018 أتت به رئيسًا للدولة تحت سيطرة المؤسسة العسكرية. وبعد انتهاء مدته الأولى جرت الانتخابات في 23 أغسطس الماضي بين “منانجاجوا” عن الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي – الجبهة الوطنية (ZANU-PF)، ومنافسه في انتخابات 2018 نيلسون شاميسا عن تحالف المواطنين من أجل التغيير(CCC)، وسط شكوك بسيطرة “منانجاجوا” على نتائج الانتخابات وتدهور الحالة الاقتصادية للبلاد، مما يفاقم حالة عدم الاستقرار.
إرث “موجابي”
خضعت زيمبابوي التي كانت تحت التاج البريطاني عام 1965 لسيطرة الأقلية البيضاء بزعامة إيان سميث، مما عرضها لمقاطعة اقتصادية دولية؛ نظرًا إلى الانتهاكات التي مارستها الأقلية البيضاء، حتى وصلت الأغلبية الأفريقية بقيادة روبرت موجابي عن جبهة تحرير زيمبابوي عام 1980، وظل منذ ذلك الحين يحكم البلاد بقبضة من حديد حتى الانقلاب عليه عام 2017.
ورغم أن الجيش كان أداته للسيطرة على البلاد، كان تحركه ضد “موجابي” مفاجئًا ومحل ترحيب من الجماهير التي خرجت تأييدًا للجيش حتى تم الضغط عليه فقدم استقالته في 21 نوفمبر 2017، ليحل محله نائبه إيمرسون منانجاجوا الذي وعد بإجراء انتخابات حرة عامة في 2018، لكنه فشل في إجراء الإصلاحات المطلوبة في قطاعات الأمن والإعلام والقواعد الانتخابية.
وأجريت الانتخابات في 2018 حيث فاز “منانجاجوا” كمرشح عن حزب الاتحاد الوطني – الجبهة الوطنية (ZANU-PF) في مواجهة نيلسون شاميسا عن تحالف الحركة من أجل التغيير الديمقراطي (MDC) الذي تغير إلى تحالف المواطنين من أجل التغيير (CCC)؛ إذ فاز الأول بنسبة 50.8 في المائة من الأصوات بينما حصل “شاميسا” على 44.3 في المائة.
وقد انضم “منانجاجوا” إلى الاتحاد الشعبي الأفريقي في زيمبابوي (ZAPU) في عام 1962 في الكفاح من أجل استقلال روديسيا الجنوبية البريطانية، ثم انضم إلى حزب ZANU-PF وفي 1977، حيث تم تعيينه رئيسًا للجناحين المدني والعسكري للحزب من قبل موغابي (رئيس الحزب). وقد تدرج في المناصب منذ 1980 حتى عُيّن نائبًا للرئيس عام 2014 وبعد ثلاث سنوات طرده “موجابي” من الحزب لضمان أن تصل زوجته للرئاسة خلفًا له، لكن بعد إزاحة “موجابي” رشح الحزب “منانجاجوا” ليحل محله.
وقد ترشح “شاميسا” في انتخابات 2018 عن حركة التغيير الديمقراطي ضد “منانجاجوا”، وقد انضم إليها عام 1999 بصفته رئيسًا لطلاب زيمبابوي الوطني، وكان من بين منظمي مظاهرات حاشدة مناهضة للحكومة في أواخر التسعينيات، وقد شغل منصب وزير تكنولوجيا المعلومات كأصغر عضو في مجلس الوزراء، وفق اتفاق تقاسم السلطة بين الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي – الجبهة الوطنية والحركة من أجل التغيير الديمقراطي.
وعود وسياقات انتخابية
حينما ترشح “منانجاجوا” في انتخابات 2018 قطع وعودًا بتوفير فرص عمل وتعويض أولئك الذين استولت الحكومة على أراضيهم في الماضي، وإجراء انتخابات نزيهة وديمقراطية، وتحقيق الاستقرار المالي. دون أن يفي بشيء من تلك الوعود؛ فقد بلغ معدل التضخم ذروته عند 280% في ديسمبر 2022 كأحد أعلى معدلات التضخم في العالم، حيث كان الدولار الزيمبابوي يتم تداوله عند 700 مقابل الدولار الأمريكي فأصبح يتداول عند 930 في السوق الموازية في نفس الشهر.
وتسبب ارتفاع معدل التضخم وضعف العملة المحلية في زيادة عدد سكان البلاد الواقعين في الفقر المدقع إلى نصف عدد السكان (7.9 ملايين شخص) بين عامي 2011 و2022، مع توقعات صندوق النقد الدولي بأن ينخفض الناتج المحلي الزيمبابوي بنسبة 3.5 % في عام 2023، وهي الأوضاع التي يستغلها منافسه “شاميسا” في الانتخابات الحالية.
وكانت القضايا الاقتصادية على رأس أولويات السباق الانتخابي، حيث يحتل الوضع الاقتصادي صدارة اهتمام المواطن الزيمبابوي في دولة تتمتع برأس المال البشري مقارنة بالاقتصادات ذات الدخل المرتفع في جنوب أفريقيا؛ إذ تعاني البلاد من الفقر، رغم ما تتمتع به البلاد من معادن وثروات، وهي العوامل التي ينظر البنك الدولي وفقًا لها لزيمبابوي كدولة تمتلك أساسًا قويًا لتسريع النمو الاقتصادي المستقبلي وتحسين مستويات المعيشة.
ويعاني الاقتصاد الزيمبابوي من ارتفاع معدلات التضخم وتباطؤ النمو، إذ تشير التقديرات إلى أن النمو الاقتصادي قد تباطأ من 8.5% في عام 2021 إلى 3.4% في عام 2022 بسبب تدهور الظروف الزراعية والتضخم الذي تجاوز ثلاثة أرقام مما أدى إلى تقييد طلب القطاع الخاص، وقد توقع ممثلو صندوق النقد الدولي انخفاضًا إضافيًا في الاقتصاد بنسبة 3.5% هذا العام.
ويضاف إلى تلك التحديات مشكلة الفساد المستشري في البلاد، فقد وعد “منانجاجوا” بمعالجة الفساد في الوقت الذي أظهرت فيه تقارير تورطه في تهريب الذهب من البلاد. ورغم ذلك ظلت الساحة الانتخابية مائلة لصالح حزب الجبهة الوطنية، خاصة في المعاقل التقليدية في الريف، بينما كان هناك تقدم حققه تحالف المواطنين من أجل التغيير في المناطق الحضرية، مما زاد من شكوك حول قمع تمت ممارسته في المناطق الحضرية ضد المعارضة؛ إذ اتسم السياق الانتخابي بمزيد من التقييد من السلطات للرأي العام وحرية التعبير، مما زاد من إحباط الناخبين في أية فرصة لتعزيز المناخ الديمقراطي في البلاد، وتزايد الشكوك في اللجنة الانتخابية المسيسة.
نتائج الانتخابات
أعلنت الحكومة عن فوز الرئيس الحالي إيمرسون منانجاجوا، في الوقت الذي رفضت فيه المعارضة النتائج الانتخابية واعتبرتها جرت وسط سياق من التعتيم والترهيب وأنها افتقدت للنزاهة، واقترن الأمر بتشكيك بعثتي مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي والاتحاد الأوروبي في العملية الانتخابية، حيث تم التقييد على المعارضة ووسائل الإعلام.
وقد تعرضت مراكز الاقتراع للمعارضة للتضييق، حيث تم ترهيب الناخبين وهدفت حملات التضليل لتثبيط الناس عن الحضور، وتم اعتقال المراقبين المحليين، ومنع المراقبين الأجانب من دخول البلاد. وشكك الحزب المعارض في نتائج الانتخابات وفوز الرئيس “منانجاجوا” بنسبة 53%.
وبعد نتيجة الانتخابات تنتظر البلاد مواجهة التحديات والاضطرابات الاقتصادية والقمع السياسي والقضايا الإنسانية، حيث يعد إجراء انتخابات حرة ونزيهة أحد الشروط التي بموجبها يوافق الدائنون على إعادة جدولة ديون زيمبابوي البالغة 14 مليار دولار، حتى تستطيع الحصول على دعم جديد من المؤسسات المالية الدولية؛ إذ شرّعت الولايات المتحدة تشريعًا يحظر دعم التمويل متعدد الأطراف أو الائتمان لزيمبابوي حتى تجري انتخابات نزيهة. وقد تترك تلك الأوضاع الشباب يعاني من التضخم وتضاؤل فرص العمل في ظل هيمنة نخبة اقتصادية محدودة مستفيدة من الأوضاع وغير راغبة في التغيير.
ومن المتوقع أن تؤدي أزمة زيمبابوي إلى عواقب إقليمية وخيمة، حيث أدت الأوضاع الاقتصادية المتردية إلى تعطيل خطط التكامل والتنمية الإقليمية ومشروعات البنية التحتية، فضلًا عن نزوح ثلاثة أرباع مليون مواطن إلى جنوب إفريقيا مما تسبب في أزمة سياسية في جنوب أفريقيا حول وضعهم. ويلقي البعض باللوم على دول الجوار الإقليمي (سادك) الذين يترددون في سياسات الهيمنة للحزب الحاكم في زيمبابوي، ربما لأنهم يتشاركون في هيمنة أحزاب حركات التحرير مثل الحزب الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا، وربما يكون إدانة “السادك” للانتخابات خط البداية لمواجهة استمرار القمع والهيمنة في زيمبابوي.
وقد أسهم عدم الاستقرار السياسي في البلاد والعقوبات الاقتصادية في جنوح “منانجاجوا” لروسيا والصين على حساب الغرب، حيث تتشارك زيمبابوي وروسيا الشعور بالمعاناة من العقوبات الغربية، وتمتلك الصين وروسيا مصالح تعدينية في البلاد، في الوقت الذي تعد فيه زيمبابوي وجهة غير جاذبة لممارسة الأعمال التجارية للفساد وضعف مناخ الاستثمار.
ورغم الأهمية التي تحظى بها زيمبابوي كدولة منتجة للّيثيوم وما له من دور في التحول إلى الاقتصاد الأخضر، فإن المناخ السياسي والحريات لا يزال غير جاذب لإقامة علاقات ثنائية مع الدول الغربية. ورغم عدم فرض عقوبات شاملة على البلاد -فهناك عقوبات مفروضة على كيانات وشركات بمفردها- فإن حالة القمع السياسي وغياب الحريات قد تمثل فرصة للغرب لفرض عقوبات شاملة عليها، مما يفاقم من المعاناة الاقتصادية للمواطنين.
في النهاية، يبدو أن المستقبل السياسي في زيمبابوي يواجه المجهول في ضوء نتائج الانتخابات المختلف عليها بعد رفض حزب تحالف المواطنين من أجل التغيير المعارض النتيجة التي حصد فيها ممثله “شاميسا” نسبة 44% من الأصوات. وفي وسط سياق إقليمي من الانقلاب في تقاطع بين السياسي والعسكري، تتصاعد المخاوف من احتمالات الانقلاب العسكري على السلطة، رغم أن التقارب بين النخب العسكرية والحزب الحاكم بزعامة “منانجاجوا” يضعف من هذه الاحتمالية في الوقت الراهن. ولا يزال الجدل مستمرًا في الأوساط الزيمبابوية حول ما يمكن فعله للطعن في نتيجة الانتخابات بين من يرى أهمية اللجوء للقضاء ومن يرى عدم جدوى من التقاضي في ظل تسييس القضاء، ومن يرى ضرورة إعادة صياغة نظام انتخابي ودستوري جديد وإجراء انتخابات جديدة. وفي جميع الأحوال، تعكس تلك الآراء المستقطبة حالة الغليان السياسي في بلد يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة ويتموضع في سياق إقليمي يشهد حالة من التراجع الديمقراطي وصعود الآلة العسكرية للتغيير الذي فشل فيه صندوق الاقتراع.