أثر العدوى… محفزات وتداعيات الانقلاب العسكري في الجابون
على الرغم من الإدانات الدولية للانقلاب العسكري الذي حدث في النيجر أواخر شهر يوليو الماضي، فإن ظاهرة الانقلابات العسكرية قد انتقلت بسرعة إلى الجابون الواقعة في وسط أفريقيا، حيث شهدت يوم 30 أغسطس2023 عملية مفاجئة لتدخل المؤسسة العسكرية في المشهد السياسي؛ إذ قامت مجموعة مؤلفة من نحو 12 ضابطًا بالإطاحة بنظام حكم “علي بونجو أونديمبا” والسيطرة على مقاليد السلطة. وتسعى هذه الورقة البحثية للإجابة عن التساؤلات المُتعلقة بالمستجدات الطارئة في الجابون، والمسببات التي حفزت النخبة العسكرية في الجابون للقيام بالانقلاب العسكري، وما هي التداعيات المحتملة؟
ما الذي حدث في الجابون؟
كان هناك حالة من التذمر داخل المؤسسة العسكرية في الجابون حيال النظام الحاكم، ويبدو أن هناك عملية مُرتبة ومنظمة للإطاحة بنظام الحكم، وهو ما تجلى في قيام نخبة عسكرية تتشكل من الحرس الجمهوري المنوط بحماية الرئيس، فضلًا عن جنود من الجيش وعناصر من الشرطة بالسيطرة على وسائل الإعلام الرسمية، والإعلان عن عبر القناة الأولى في التلفزيون الجابوني إنهاء نظام الحكم القائم. وقد قدموا عددًا من المبررات التي دفعتهم إلى القيام بذلك، فضلًا عن تشكيل خارطة طريق جديدة للبلاد، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
المحفز الرئيس: نجد أن السبب المباشر الذي دفع النخبة العسكرية في الجابون للإطاحة بنظام الحكم القائم يتضح في البيان الذي القاه أحد العسكريين وهو عقيد في الجيش في بيان بث بعد ذلك عبر القناة الأولى في التلفزيون الجابوني؛ بأن الانتخابات العامة الأخيرة التي جرت في 26 أغسطس الجاري اتسمت بعدم الشفافية، وهو ما سيؤدى الى تدهور في التماسك المجتمعي، وجر البلاد إلى مستقنع الفوضى والعنف.
الإعلان عن خارطة طريق: يترتب على القيام بالانقلاب العسكري في الجابون بلورة ترتيبات لإدارة المشهد السياسي والأمني في البلاد في أعقاب الإطاحة بنظام حكم “علي بونجو أونديمبا” تتضح معالمها في تشكيل لجنة تُسمى ب”لجنة الانتقال واستعادة المؤسسات”، والتي ستتولى إدارة المشهد تحت قيادة قائد الحرس الجمهوري الجنرال بريس أوليغي نجيما الذي سيقود المرحلة الانتقالية. واتخاذ عدد من الإجراءات التي تتمحور حول إلغاء نتائج الانتخابات العامة، وحل جميع مؤسسات الجمهورية، ولا سيما: الحكومة، ومجلس الشيوخ، والجمعية الوطنية، والمحكمة الدستورية، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمركز الجابوني للانتخابات، وإغلاق حدود البلاد حتى إشعار آخر، وتمسك الجابون بالتزاماتها حيال المجتمع الدولي.
مُحفزات الانقلاب
نُحاول في هذا الجزء من الورقة البحثية تقديم مجموعة من العوامل التي أدت إلى اندلاع انقلاب عسكري في الجابون، والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:
أولًا: العوامل الداخلية
تراجع الحالة الصحية للرئيس: نجد أنه في أكتوبر 2018، أصيب “علي بونغو أونديمبا “بجلطة دماغية استمر بعدها لمدة عشرة أشهر من دون ظهور علني. وعلى الرغم من استمرار معاناته فإنه كان لديه إصرار على البقاء في الحكم. ونجد أن الحاشية المُحيطة بالرئيس قد استغلت ذلك للقيام بأعمال منافية للقانون واستغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية، ولذلك نجد أن الجيش الجابونى قد اعتقل بعد الانقلاب عددًا من مستشاري الرئيس بتهم الخيانة العظمى ضد مؤسسات الدولة، واختلاس أموال عامة على نطاق واسع، واختلاس مالي دولي من قبل عصابة منظمة، والتزوير، وتزوير توقيع رئيس الجمهورية، والفساد النشط، والاتجار بالمخدرات. وفيما يتعلق بمصير الرئيس نجد أنه قيد الإقامة الجبرية.
جمود المشهد السياسي في البلاد: أسفرت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الجابون عن استمرار حكم عائلة “بونجو” التي تسيطر على الحكم في البلاد منذ 56 عامًا. وبحسب النتائج التي أعلنها مركز الانتخابات قبيل حدوث الانقلاب العسكري، فإن علي بونجو أونديمبا فاز بفترة رئاسية ثالثة بعد حصوله على 64.27% من الأصوات، وقد جاء ألبرت أوندو أوسا، منافس “بونجو” الرئيس في المركز الثاني بـ 30.77% من الأصوات.
ولذلك نجد أن هناك حالة من التذمر لدى المعارضة السياسية في الجابون التي شككت في مصداقية نتائج الانتخابات، لاسيما في ضوء التعديلات الدستورية التي أقرها البرلمان في أبريل الماضي، وبموجبها تم تقليص ولاية الرئيس من سبع إلى خمس سنوات وإنهاء العمل بجولتي التصويت، ما وصفته المعارضة بأن الرئيس يعمل على توظيف أنصاره الذين يشكلون أغلبية في البرلمان لإقرار تشريعات تسهل من بقائه في الحكم لأطول فترة ممكنة. بالإضافة إلى غياب المراقبين الدوليين وقطع خدمة الإنترنت وفرض حظر التجول ليلًا في جميع أنحاء البلاد بعد الانتخابات.
ثانيًا: العوامل الخارجية
نجد أن الانقلاب العسكري الذي حدث في النيجر في السادس والعشرين من يوليو الماضي بقيادة الجنرال “عبد الرحمن تشياني” الذي كان يشغل في السابق منصب قائد الحرس الرئاسي وأطاح بالرئيس النيجري محمد بازوم، كان بمثابة عامل محفز للنخبة العسكرية في الجابون للقيام بانقلاب عسكري، والإطاحة بنظام الحكم القائم، وعدم التخوف من العقوبات التي سوف يفرضها المجتمع الدولي على الجابون. وذلك بالقياس على الأوضاع في النيجر؛ إذ نجد أن الضغوط (الدبلوماسية والعسكرية) التي تبذلها مجموعة “إيكواس” لإقناع قادة الانقلاب في النيجر للإفراج عن الرئيس المعزول لم تؤتِ ثمارها.
تداعيات مُحتملة
من خلال القراءة الأولى للمستجدات التي طرأت في الجابون، يُمكن القول إن هناك عددًا من التداعيات التي ستترتب على هذا الانقلاب، والتي يمكن ذكرها على النحو التالي:
تزايد شعبية المؤسسة العسكرية: نجد أن الانقلاب العسكري الذي حدث في الجابون ينضم الى سلسلة الانقلابات العسكرية التي اجتاحت القارة الأفريقية مؤخرًا في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ونجد أن الانقلابات العسكرية تحظى بظهير شعبي، وهو ما يتجلى في مشهد خروج الآلاف في مظاهرات داعمة ومؤيدة للجيش، وهو ما تكرر في حالة الجابون، وسط احتفالات مصحوبة بأداء النشيد الوطني.
تداعيات اقتصادية: تُعد الجابون من الدول المنتجة للنفط في أفريقيا، وهي عضو في منظمة أوبك، ولذلك نجد أنه من المُحتمل أن تشهد أسواق النفط بعض الاضطرابات ونقص الإمدادات، لاسيما في ضوء أنباء توقف حقول النفط في الجابون وتعليق بعض الشركات أعمالها؛ إذ أعلنت شركة التعدين الفرنسية “إراميت” بعد ساعات من الانقلاب أنها علقت كافة عملياتها في البلاد.
تقلص النفوذ الفرنسي: يُشكل الانقلاب العسكري الأخير في الجابون انتكاسة جديدة للنفوذ الفرنسي في القارة الأفريقية؛ لكون الجابون كانت من المستعمرات الفرنسية السابقة، ولذلك نجد أن الخارجية الفرنسية قد أدانت الانقلاب في الجابون، ودعت إلى احترام نتائج الانتخابات الأخيرة. ونجد أن هناك تصاعدًا في موجة العداء لفرنسا على صعيد النخبة وكذلك على صعيد الرأي العام في البلدان الأفريقية، ونجد أن تضاؤل النفوذ الغربي ربما يشكل فرصة لروسيا لملء هذا الفراغ في القارة الأفريقية.
وفى الختام، يمكن القول إن القار ة الأفريقية تشهد تحولات استراتيجية في ضوء صعود نخبة عسكرية للسلطة، وهناك اتجاه عام للبحث عن حلفاء جدد والابتعاد عن الشركاء التقليدين، لاسيما فرنسا التي تواجه موجة انتقادات باستغلالها الأوضاع الأمنية المضطربة في البلدان الافريقية لزيادة حضورها من أجل استنزاف الموارد والثروات التي تزخر بها القارة.