أزمة “بريكسيت”.. وتقييد “الخروج دون اتفاق”
تصاعدت أزمة “بريكسيت” نهاية شهر أغسطس الماضي، بعد طلب الحكومة البريطانية التي وجهته للملكة إليزابيث الثانية لتعليق جلسات مجلس العموم، وقبل أسابيع فقط من موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الـ 31 أكتوبر. وقد صدقت الملكة على طلب الحكومة بأن يبدأ تعليق مجلس العموم بين التاسع من سبتمبر والـ 12 منه، على أن يستمر حتى الـ 14 من أكتوبر.
الوصول إلى قرار بتقييد خيار دون اتفاق
ترتب على قرار تعليق البرلمان سلسلة من الأحداث، قادت إلى القرار المنتظر التصديق عليه اليوم، الذي يقيد قدرة الحكومة على الخروج دون اتفاق.
ساهم في الوصول لهذا ردود الأفعال المعارضة من حزب العمال المعارض وحتى من داخل بعض أعضاء حزب المحافظين الحاكم. فقد علق جيريمى كوربين رئيس حزب العمال بأنه “صعق ازاء تهور حكومة جونسون، الحكومة التي تتحدث عن السيادة في الوقت الذي تسعى فيه لتعليق عمل البرلمان من أجل تجنب الرقابة على خططها الرعناء لإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق”.
وأضاف “هذا عمل مشين ويمثل تهديدا لنظامنا الديمقراطي”.
ولم تكن التعليقات من جانب المعارضة فقط فقد وصف النائب المحافظ – والوزير السابق – دومينيك جريف (عضو حزب المحافظين) تصرف الحكومة بأنه “تصرف مشين”.، بالإضافة لتعليق رئيس مجلس العموم جون بيركو بأن قرار حكومة جونسون “عبارة عن انتهاك للقيم الدستورية”.
ترتب على ذلك، أنه بمجرد عودة مجلس العموم لجلساته في الثالث من سبتمبر. شرع النواب في التحكم بجدول الأعمال الخاص بمجلس العموم عن طريق تصويتهم بواقع 328 صوتا مقابل 301 وبدأوا في توجيه الانتقادات لرئيس الوزراء بوريس جونسون.
وعلى إثر ذلك الوابل من الانتقادات لجونسون وحكومته. مرر قانون بتصويت 317 عضوا لصالح القانون مقابل رفض 299 عضوا، منهم 21 عضوا من أعضاء حزب المحافظين الحاكم لصالح المعارضة، في تحدٍ لتعليمات رئيس الحزب والحكومة، بوريس جونسون وتم طرد هؤلاء الأعضاء من قبل جونسون واستقال واحد بنفسه وانتقل لحزب الديمقراطيين الأحرار.
ما هو القانون الذي قد يعرقل رغبة جونسون في الخروج دون اتفاق؟
قدم النائب العمالي هيلاري بن قانونا يٌمهل رئيس الوزراء حتى 19 من أكتوبر، للتوصل إلى اتفاق خروج من الاتحاد الأوروبي والنجاح في تمريره بالبرلمان أو أن يتمكن من إقناع البرلمان بقبول الخروج من الاتحاد الأوروبي دون التوصل إلى اتفاق. هذا التاريخ الذي يلي قمة الاتحاد الأوروبي المزمع عقدها في 17 و18 أكتوبر ببروكسل لمناقشة قضية البريكسيت.
وفي حال لم يتمكن رئيس الوزراء من تحقيق أي من الأمرين، يجبر القانون رئيس الوزراء على الطلب من الاتحاد الأوروبي تمديد مهلة الخروج إلى 31 من يناير 2020. تلك المهلة التي يجب أن تحصل على موافقة كل الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتمريرها.
وإذا عرض الاتحاد الأوروبي تاريخا آخر للخروج، سيكون أمام رئيس الوزراء مهلة يومين لقبول الموعد الجديد المقترح. وخلال هذين اليومين، سيكون أمام البرلمان، وليس الحكومة، حق رفض الموعد المقترح.
ما الذي ترتب على هذا القانون المقترح؟
بمجرد الموافقة على القانون بمجلس العموم تم تمريره الجمعة الماضية إلى مجلس اللوردات. وتم الموافقة عليه من قبل مجلس اللوردات وتم تمريره. ومن المنتظر أن يصبح قانوناً نافذاً اليوم(الإثنين) بمجرد تصديق الملكة عليه.
إلا أنه قوبل بالكثير من المعارضة من قبل رئيس الوزراء بوريس جونسون. فقد حاول بعد الموافقة على القانون بمجلس العموم، تمرير قرار يمهد لانتخابات عامة مبكرة حيث صرح بأن ” هذا القانون أفرغ المفاوضات من محتواها، والمخرج الوحيد هو الانتخابات العامة”. ولكنه كان بحاجة إلى أصوات ثلثي النواب لإقرار إجراء الانتخابات العامة، ولكنه حصل على 298 صوتا فقط، أي 136 صوتا دون النصاب المطلوب.
واعتبر جيريمى كوربين أن تلك الخطوة من قبل جونسون تعد تحايلاً من أجل فرض الخروج دون اتفاق، ووصف زعيم المعارضة دعوة رئيس الوزراء إلى إجراء انتخابات مثل “دس السم في العسل”. وقال بأن حزبه سيدعم إجراء انتخابات عامة بعد التصديق على القانون وليس قبل ذلك. وعلى الجانب الأخر فإن أنصار جونسون انتقدوا المعارضة التي كانت تطالب بإجراء انتخابات عامة منذ سنتين، وإذا بها اليوم تصوت ضدها. وهو نفس الانتقاد الذي وجهه جونسون لكوربين.
هل بات جونسون مجبراً على عدم الخروج دون اتفاق؟
إن عدم التزام جونسون بالقانون حال التصديق عليه، سيعرضه لدعوى قضائية ضده. وهو ما بدأت الأحزاب المعارضة بالفعل في التحضير إليه. حيث شكل النواب المعارضون فريقا قانونيا وباتوا على استعداد للذهاب إلى المحكمة لفرض التشريع، إذا اقتضى الأمر.
إلا أن جونسون يمكنه أن يحل الحكومة بنفسه لإجبار المجلس على إجراء انتخابات عامة وهو خيار يحمل مخاطرة كبيرة بأن لا يحصل على الأغلبية التي يُمنى بها نفسه، وإن ارتفعت شعبية الحزب منذ وصول جونسون، إلا أن هذا ليس الحاكم الوحيد للقرار.
أو يستطيع ان يقوم بوضع قانون جديد، يلغى موافقة ثلثي أعضاء المجلس لإقامة الانتخابات العامة، ولا يحتاج حينها إلا أغلبية بسيطة لتمريره، ولكن هل أصبح جونسون يملك تلك الأغلبية فعلاً؟!
أما الخيارات التي لا تتعلق بجونسون موجودة أيضاً. فمن ناحية يمكن أن ترفض دول الاتحاد الأوروبي الموافقة على التمديد، أو يأتي الاتحاد بموعد لا يوافق عليه مجلس العموم البريطاني ويتم حينها الخروج سواء باتفاق أو بدونه.
أو أن يتم تشكيل حكومة جديدة لتمرير قرار عدم الخروج من قبل جيريمى كوربين زعيم حزب العمال ولكن هذا يعد مستبعداً، فالأحزاب المختلفة المعارضة لجونسون لها الكثير من المأخذ عليه أكثر من بوريس جونسون ذاته.
ختاما ، فإن الموقف يحمل عديدا من التعقيدات ويزداد تعقيدا ورغبة جونسون في الخروج دون اتفاق ما هي إلا رغبة بحلحلة الأمر بأي ثمن كان. لذا فإن الأيام القادمة ستحمل كثيرا وعلى كل الأطراف حينها التكاتف للخروج من هذا الوضع المهدد لكل أطراف النخبة السياسية البريطانية.