الأمريكتان

بين المتوقع والمفاجئ.. وضع المرشحين الجمهوريين بعد المناظرة التمهيدية الأولى

عُقدت المناظرة التمهيدية الأولى بين مرشحي الحزب الجمهوري للرئاسة مساء يوم الأربعاء 23 أغسطس 2023، بحضور 8 من المرشحين الأساسيين للحزب، ليحاول كل منهم اكتساب أكبر عدد من المؤيدين ليصبح المرشح النهائي للحزب الجمهوري في الانتخابات المقرر عقدها في نوفمبر من العام المقبل. وأعلن الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري الأوفر حظًا دونالد ترامب عدم حضوره لهذه المناظرة وتسليمه لنفسه في مقاطعة فولتون بولاية جورجيا، بعد إدانته في قضية محاولة التلاعب وإلغاء انتخابات 2020. ونتج عن عدم حضور “ترامب” المناظرة عدم حصولها على الاهتمام المنتظر، وبالرغم من حدوث الكثير من المتوقع إلا أنها لم تخلُ من المفاجآت والتحولات.

من خرج فائزًا؟

كان من المتوقع سيطرة حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس، لأنه حاز على تأييد النسبة الأعلى بعد “ترامب” في استطلاعات الرأي من قبل، وكان التفسير الأساسي لهذه الشعبية هو تقارب توجهاته السياسية مع توجهات “ترامب” بشكل كبير، بالإضافة إلى محاولته تسويق نفسه على أنه يحمل نفس سياسات “ترامب” ولكن بدون التصادم والمشاكل التي يشتهر بها الرئيس السابق، وهو ما لم يكن في صالحه تمامًا لأن التصادم والمشاكل التي يشتهر بها “ترامب” جزء لا يتجزأ من أسباب شعبيته الكبيرة بين الجمهوريين. 

وعلى الرغم من أن غياب “ترامب” عن المناظرة كان بمثابة فرصة ذهبية “لدي سانتيس” حتى يكسب على الأقل نسبة من مؤيدي “ترامب”، فإنه لم يستطع الصمود أما هجوم بقية المرشحين وخاصة: “بنس”، و”هيلي”، و”راماسوامي”، خاصة في قضايا الإجهاض والدعم الأمريكي لأوكرانيا.

أما بالنسبة لمرشحين مثل تيم سكوت أو كريس كريستي فكان تأثيرهم متوسطًا بالشكل المتوقع، بالرغم من اختلافهما الشديد عن بعض، حيث تبنى “كريستي” استراتيجية توجيه الهجمات للجميع، وقد أصاب الكثير منها منافسيه واستطاع إحراجهم في أكثر من مناسبة، ولكن في الكثير من الأحيان لم تضر هجماته أي شخص غير نفسه، حيث تلقى الكثير من صيحات الاستهجان من الجمهور الحاضر خصوصًا حين توجيه الهجوم “لترامب”. 

وعلى النقيض المرشح تيم سكوت الذي لا يمتلك الكثير من الحظوظ في السباق الرئاسي، إلا أن أسلوبه اللطيف –على غير عادة المرشحين الجمهوريين- وعدم دخوله في صراعات، مثلما لا يؤهله للفوز في الانتخابات التمهيدية، يرفع أيضًا من حظوظه في توليه منصب نائب رئيس الجمهورية في حالة فوز مرشح الحزب الجمهوري.

وساعدت الخبرة الكبيرة للمرشح مايك بنس الذي تولى منصب نائب الرئيس في ولاية “ترامب”، في إدارة موقفه في المناظرة، مما جعله يظهر بشكل جيد رفع حظوظه بعدما كانت منخفضة بشكل واضح، ونجح في مهاجمة “راماسوامي” المرشح الذي يبلغ من العمر 38 عامًا فقط، عن طريق إبراز عدم خبرته قائلًا: “الآن ليس وقتًا للتدريب أثناء العمل”، هذا بالإضافة إلى على تأكيده على أهمية منع الإجهاض بشكل تام على مستوى الدولة كلها، وهو الرأي الذي لن يساعده إذا وصل للانتخابات العامة، ولكن بإمكانه مساعدته بشكل كبير في كسب المؤيدين الجمهوريين.

وأيضًا هناك نيكي هيلي سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة، والتي بالرغم من تقليل الكثير من قدرتها على خوض هذه المعركة فإنها لم يسبق لها أن خسرت معركة انتخابية من قبل، بالطبع لا ينفي هذا قلة حظوظها، خاصة مع وجود “ترامب” في الساحة، لكنها استطاعت بتوجهها الوسطي الواقعي لدرجة كبيرة إثبات نفسها بشكل واضح، وهو ما رفع احتمالية نجاحها في تولي منصب نائب رئيس الجمهورية، أو حتى خوض انتخابات 2028 بشعبية ودعم أكبر.

ولكن بالرغم من هذا كان فيفيك راماسوامي هو المفاجأة الكبرى في المناظرة، فبالرغم من كونه مستبعدًا لدرجة كبيرة في الفترة السابقة بسبب صغر سنه وقلة خبرته الناتجة عن كونه المرشح الوحيد الذي لم يتولَ أي منصب سياسي رسمي من قبل، إلا أنه كان البطل الأول للمناظرة؛ إذ استطاع أن يكسب معظم المعارك والنقاشات التي دخل فيها واستطاع توجيه الضربات لكل منافسيه الموجودين والصمود أمام الكثير من الهجوم الموجه إليه، وحازت أفكاره وتوجهاته قبول الكثير من الحضور حتى ارتفعت نسبة مؤيديه لتكون مساوية لنسبة رون دي سانتيس –التي انخفضت بعد المناظرة- لتصبح ثاني أعلى نسبة بعد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. 

ترامب الحاضر الغائب

بالرغم من وجود الكثير من المفاجآت في هذه المناظرة وسطوع الكثير من النجوم، فإن  الوضع لا يزال على ما هو عليه بالنسبة لتفوق “ترامب” الكبير على كل المرشحين الجمهوريين، حيث حصلت المناظرة، المذاعة على قنات “فوكس نيوز” الأمريكية على ما يقرب من 130 ألف مشاهدة بينما، نجحت مقابلة “ترامب”، التي نشرها على منصة “X” –المعروفة سابقًا بـ”تويتر”-، في الحصول على أكثر من 250 ألف مشاهدة، مما يشير إلى قوة شعبية “ترامب” حتى بعدما أدين في قضية انتخابات 2020، بالإضافة إلى عدم حضوره للمناظرة.

Donald Trump mugshot: Supporters viewing 'symbol of shame' as 'defiance to  tyranny'; campaign rolls out t-shirts for fundraising | World News - Times  of India

وكان “ترامب” مخيمًا على المناظرة بشكل واضح بالرغم من عدم وجوده، فالحديث عنه بين المرشحين سيطر على الجزء الثاني من المناظرة بالكامل والذي بدأ بالسؤال عما إذا كان المرشحون سيؤيدونه في حالة الحكم عليه بشكل نهائي، وهو ما وافق عليه جميع المرشحين باستثناء، كريس كريستي وأسا هاتشنسون، وقوبل “كريستي” بصيحات الاستهجان من الجمهور عند اعتراضه على هذا المبدأ. وحتى الهجوم الذي واجهه “ترامب” من قبل المرشحين كان ضعيفًا للغاية نظرًا لعدم وجوده للرد. ونتج عن ذلك خروج “ترامب” مستفيدًا بالقدر الأكبر من المناظرة بالرغم من عدم حضوره إياها.

وأكدت هذه الأحداث الأخيرة على مهارة “ترامب” السياسية الشديدة؛ إذ إن قراره بعدم حضور المناظرة وتصريحه بأن مؤيدي الحزب الجمهوري يعرفونه جيدًا وأنه لا يحتاج لمناظرة لإظهار آرائه وسياساته، المصحوب بقراره لتسليم نفسه؛ دعم صورته عند مؤيديه بشكل أكبر مما كانت عليه، حيث يؤكد عدم اهتمامه بالمشاركة في المناظرة على تمسكه بآرائه وسياساته المعروفة والتي تجمع حوله الكثير من المؤيدين الجمهوريين، بالإضافة إلى تسليم نفسه الذي يزيد من شعور مؤيديه بالتضييق المقصود من إدارة “بايدن” لإجباره على الابتعاد عن المشهد السياسي، وهي الرواية التي يصدقها معظم مؤيدي الحزب الجمهوري إن لم يكن كلهم.

ولم تصدر عن “ترامب” أي تصريحات بعد أن سلم نفسه يوم الخميس 24 أغسطس، وبالرغم من ذلك فإن صورته من السجن التي نشرتها صفحات حملته الانتخابية مصحوبة بجملة “لا تستسلم أبدًا” انتشرت بشكل كبير على كل مواقع التواصل الاجتماعي واستخدمها القائمون على حملة ترامب الانتخابية لطباعتها على قمصان وأكواب ومنتجات أخرى وبيعها لتذهب الأرباح بالكامل لدعم الحملة الانتخابية، وهي الخطوة الذي نتج عنها حصول الحملة الانتخابية على دعم يفوق 7 ملايين دولار أمريكي إلى الآن فقط من بيع هذه المنتجات.

يؤكد الوضع الحالي على تفوق “ترامب” الكاسح على سائر المرشحين الجمهوريين، واحتمال تفوق أي مرشح آخر عليه في الانتخابات التمهيدية يزداد اقترابًا مع الوقت إلى الاستحالة، ويضع هذا الحزب الجمهوري في مواجهة عدة مخاطر وأهمها:

● احتمالية عدم قدرة “ترامب” على الانتصار في الانتخابات العامة؛ إذ إن شعبيته الضخمة تكاد تنحصر بين مؤيدي الحزب الجمهوري، وفي ظل إدانته بقضية انتخابات 2020 واحتماليات إدانته بتهم أخرى من الموجهة إليه فإن ذلك يهدد زيادة تأييده من الشريحة غير المنتمية لحزب من الحزبين –وهي الشريحة الأهم في الانتخابات العامة-، فبالرغم من انخفاض شعبية الرئيس الحالي جو بايدن بشكل كبير مؤخرًا، إلا أنه قد يكون أفضل الخيارين بالنسبة للناخبين هذه الشريحة، خصوصًا في حال إدانة “ترامب” بالمزيد من التهم.

● تغطية شعبية “ترامب” الزائدة بين الجمهوريين على سائر المرشحين من الحزب؛ ففي حال مُنع “ترامب” من خوض الانتخابات لأي سبب، سيكون هناك تشتت كبير بين المرشحين الجمهوريين سواء داخل الحزب ومؤيديه أو حتى خارجهم، لأن شعبية “ترامب” الكبيرة تجذب اهتمام الشعب ووسائل الإعلام، وينتج عن هذا عدم معرفة باقي المرشحين وتوجهاتهم وبرامجهم الانتخابية بشكل كافٍ للناخب حتى يستطيع أن يتخذ قراره بانتخاب مرشح الحزب الجمهوري.

ختامًا، هناك بدائل قوية داخل الحزب الجمهوري قادرة على المواجهة ويمكنها الانتصار في الانتخابات العامة غير “ترامب”، خاصة: نيكي هيلي، وفيفيك راماسوامي، ويأتي في المرتبة التالية مايك بنس؛ فقد أظهر كل منهم في المناظرة جوانب قوته بشكل جيد، واستطاعوا الصمود أمام معظم الهجوم الموجه لهم، وأظهروا أيضًا قدرة لا بأس بها على إدارة حملاتهم الانتخابية بشكل كبير يؤهلهم للفوز في الانتخابات العامة. لكن لم يكن هذا مجديًا بأي درجة في ظل وجود “ترامب” في المشهد بأي شكل، فحتى في غيابه عن المناظرة كان موضوع نقاش أساسي، وحصلت آراء باقي المرشحين وتصريحاتهم عنه على أكبر اهتمام بالمقارنة ببقية المواضيع والقضايا التي تم تناولها في المناظرة. 

يؤكد هذا الوضع على أن “ترامب” سيكون مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات العامة، ما لم يتم منعه من قبل السلطة القضائية، وهو ما يمثل فائدة للحزب الجمهوري بقدر ما يمثل خطرًا؛ بسبب انخفاض شعبية “ترامب” بين الناخبين غير المنتمين إلى الحزب الجمهوري من جانب، ومن الجانب الآخر عدم إتاحة فرصة ظهور أي مرشحين جمهوريين آخرين في ظل اكتساح شعبية “ترامب” بين مؤيدي الحزب الجمهوري. وفي النهاية يظل مصير كل من الحزب الجمهوري والانتخابات الرئاسية متعلقًا بدرجة كبيرة بالأحكام النهائية التي سيواجهها “ترامب”.

بيير يعقوب

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى