آسياالأمريكتان

ماذا وراء استضافة الولايات المتحدة لليابان وكوريا الجنوبية في قمة كامب ديفيد الثلاثية؟

يستضيف الرئيس الأمريكي جو بايدن كلًا من رئيس وزراء اليابان ورئيس كوريا الجنوبية يوم الجمعة 18 أغسطس 2023. وتعد هذه القمة الأولى من نوعها لكونها أول قمة قائمة بذاتها على الإطلاق بين البلدان الثلاثة؛ إذ عادة ما كان القادة الثلاثة يعقدون لقاءات على هامش قمم جماعية مختلفة، ولكن هذه المرة الأولى التي يعقدون فيها قمة منفردة؛ وذلك لتشكيل ما يعتقدون أنه حقبة جديدة في التعاون الثلاثي بين بلادهم.

التحركات على الساحة العالمية

تشهد الساحة العالمية، في إطار الحرب الروسية الأوكرانية والأوضاع المتوترة في منطقة بحر الصين الشرقي والجنوبي والمنافسة الجيوسياسية والاستفزازات النووية تحركات سياسية وعسكرية سريعة، خاصة من الصين وروسيا وكوريا الشمالية باتجاه المناطق المتنازع عليها وخاصة تايوان، ومحاولات من الولايات المتحدة لمساندة الأخيرة، والسعي إلى بسط النفوذ الأمريكي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. 

العلاقات الدبلوماسية والتحركات السياسية: تأتي هذه الزيارة في إطار عدة زيارات مقلقة من الجبهة الشرقية، حيث قام وزير الدفاع الروسي “سيرجي شويجو” ووفد صيني برئاسة عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي “لي هونغ تشونغ” بزيارة لكوريا الشمالية، في يوليو الماضي، تزامنًا مع احتفال بيونج يانج بيوم النصر، حيث أكدوا التضامن بينهم، والاتجاه نحو استمرارية علاقاتهم وتوطيدها. 

هذا وتأتي قمة كامب ديفيد كذلك عقب زيارة مسبقة، هذا الأسبوع، قام بها وزير الدفاع الصيني “لي شانغو” إلى روسيا وبيلاروسيا على هامش مشاركته في مؤتمر موسكو للأمن الدولي؛ وذلك في استعراض لدعم تلك الدول التي سعى الغرب إلى عزلها بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. ومن المتوقع، أن يقوم “لي” بزيارة عدد من المنشآت العسكرية في البلاد ويناقش القضايا الملحة للتعاون العسكري الثنائي مع قادة البلاد ومسؤولي وزارة الدفاع. وخلال هذه الزيارة، صرح وزير الدفاع الصيني أنهم سيواصلون تعزيز آليات التعاون الأمني مع شركائهم في منطقة شنغهاي للتعاون ومع بيلاروسيا التي وقعت معها، مؤخرًا، مذكرة التزام من شأنها أن تقوم بتمهيد الطريق لعضوية بيلاروسيا الكاملة فيها. ومن المتوقع أن تكون زيارته لبيلاروسيا، والتي تعد الأولى على مدار الخمس سنوات الماضية، خطوة باتجاه تعزيز التعاون العسكري والدفاعي بينهما. 

ومن ناحية الولايات المتحدة وحليفتيها اليابان وكوريا الجنوبية، فقد كانت الدول الثلاث في إطار التفاوض على اتفاق بشأن تبادل البيانات في الوقت الفعلي حول إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية، في مايو لهذا العام. هذا وأعلنت الدول الثلاث، في يونيو، أنها ستبدأ في مشاركة بيانات تهديد الإنذار المبكر في الوقت الفعلي لإطلاق الصواريخ الكورية الشمالية بحلول نهاية العام. 

التعاون العسكري: شهدت الفترة السابقة العديد من المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة بحر الصين الشرقي والجنوبي، بما فيها اليابان وكوريا الجنوبية؛ ردًا على تلك التي تقوم بها الصين وكوريا الشمالية في استعراض لصواريخها. هذا وقد سمحت الصين لكوريا الشمالية أن تستخدم بحر الصين لإطلاق عدة صواريخ “كروز” للالتفاف على عقوبات الأمم المتحدة في الشهر الماضي، هذا بالإضافة إلى اشتراك الصين وروسيا في مناورات جوية وبحرية تهدف إلى “حماية” أمن الممرات المائية في بحر اليابان. 

علاوة على ذلك، تستعد الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية حاليًا لإجراء مناورات عسكرية مشتركة كبرى، الأسبوع المقبل، على مدار عشرة أيام بدءًا من 21 أغسطس؛ وذلك ردًا على التهديدات النووية والصاروخية المتطورة من كوريا الشمالية. ليس هذا وحسب، بل من المتوقع أن تعلن الولايات المتحدة عن خطط لتوسيع التعاون العسكري في مجال الدفاعات الصاروخية الباليستية وتطوير التكنولوجيا في مواجهة القلق المتزايد بشأن البرنامج النووي لكوريا الشمالية. 

هذا وقد أمر الزعيم الكوري الشمالي، يوم 14 أغسطس، بزيادة كبيرة في إنتاج الصواريخ والأسلحة الأخرى، ما يأتي في الوقت الذي يعتقد فيه مسؤولون أمريكيون أن وزير الدفاع الروسي تحدث، مؤخرًا، مع كوريا الشمالية بشأن بيع المزيد من الأسلحة لروسيا في حربها مع أوكرانيا. هذا وقدم “كيم” توجيهات ميدانية في زيارة قام بها للمصانع التي تصنع الصواريخ والقاذفات والعربات المدرعة والذخائر، والتي كانت ثاني زيارة له في غضون أسبوع تقريبًا، حيث سلطت الضوء على التهديد الأمني الذي تشكله بلاده في الوقت الذي تسعى فيه إدارة “بايدن” للحصول على مساعدة من سيول وطوكيو لردع الطموحات النووية للزعيم الكوري الشمالي.

تحذيرات وتهديدات المتبادلة: على الرغم من تأكيد وزير الدفاع الصيني أن التعاون العسكري بينها وبين روسيا ليس موجهًا ضد دول ثالثة وأنها لا تزال طرفًا محايدًا وداعية للسلام، إلا أنها باتت تحذر الولايات المتحدة من “اللعب بالنار” فيما يخص قضية تايوان، مؤكدًا أن محاولة استخدام تايوان لاحتواء الصين ستنتهي بالفشل. وكذلك اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتحدة بإضافة الوقود إلى النار في الصراعات العالمية. وفي إطار التهديدات الصينية لتايوان وتحذيرها للولايات المتحدة من استقبال نائب الرئيس التايواني “وليام لاي”، قام الأخير بهذه الزيارة وأعلن في خطابه في نيويورك أن تايوان لن تتراجع أبدًا عن تهديدات الصين. بالإضافة إلى ذلك، تهتم الصين بمراقبة ردود الأفعال الغربية على الحرب في أوكرانيا؛ بهدف فهم ردود الأفعال المحتملة على أي تحركات مستقبلية محتملة ضد تايوان، مما يمثل تهديدًا غير مباشر ولكنه لا يزال واردًا. كما كانت هناك تهديدات من بايدن لكوريا الشمالية، وهي الأولى من نوعها، بإنهاء النظام في كوريا الشمالية إذا قررت الأخيرة استخدام الأسلحة النووية ضدهم. 

الدوافع والاهداف

المبادرات المشتركة: في سياق المخاوف المشتركة والمتزايدة بشأن الصين في المنطقة، تعمل الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية على إطلاق سلسلة من المبادرات المشتركة بشأن التكنولوجيا والدفاع، وذلك من خلال اجتماع زعماء الدول الثلاث في كامب ديفيد، حيث ستكون هناك مناقشات حول سبل تكثيف التدريبات الدفاعية الثلاثية. هذا وتأتي استضافة واشنطن لكل من سيول وطوكيو في إطار العلاقات الدبلوماسية الوطيدة بين الولايات المتحدة وكلا البلدين، والتي تدفع بدورها اليابان وكوريا الجنوبية على إصلاح علاقاتهما بسرعة، في الوقت الذي تعمقان فيه التعاون الأمني الثلاثي مع واشنطن؛ ردًا على التهديدات الإقليمية المتزايدة من كوريا الشمالية والصين والتي تزداد حزمًا. 

ومع ذلك، ليس من المتوقع أن تسفر القمة عن ترتيب أمني رسمي يلزم الدول بالدفاع عن بعضها البعض، ولكن من المرجح أن تقوم بتعزيز التفاهم المتبادل حول المسؤوليات الإقليمية، وإنشاء قناة اتصال ثلاثية في أوقات الأزمات. ليس هذا وحسب، بل يأمل المسؤولون الأمريكيون أن يكون اجتماعًا سنويًا بين زعماء الدول الثلاث؛ لإضفاء الطابع الرسمي على علاقاتهم وتعاونهم. 

مواجهة بيئة غير مستقرة: تأتي هذه الزيارة بهدف توطيد العلاقات لمواجهة البيئة الخارجية غير المؤكدة وغير المستقرة، والتي على الرغم من عدم وجود حرب مباشرة في هذه المنطقة، إلا أن الحرب الروسية الأوكرانية أسهمت في تقليص الفجوة بين مسارح أوروبا والمحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، ودفع الدول إلى التفكير لإعطاء الأولوية للأمن القومي على القضايا الأخرى التي قد تعترض طريقها أحيانًا. 

هذا وقد ازدادت حالة عدم اليقين وجعلها أقرب لبلادهم نتيجة لسلوك الصين الحازم في مضيق تايوان، وخططها فيما يتعلق ببرنامج أسلحتها النووية، بالإضافة إلى حملة الصواريخ في كوريا الشمالية وسباق التسلح النووي، حيث قامت الأخيرة باختبار صاروخ باليستي عابر للقارات يعمل بالوقود الصلب مرتين، وهو ما لم تفعله من قبل. وعليه، تتطلع الدول إلى محاولة خلق المزيد من اليقين في بيئتها، وهذه العلاقة الثلاثية هي أحد أسباب ذلك، خاصةً وأن الأمن بين البلدان الثلاثة مرتبط، وأن قدرًا من التهديد لأحدها يمثل تهديدًا للجميع.

الأمن الاقتصادي الثلاثي: من المرجح أن يكون أحد أسباب هذه الزيارة هو أجندة الأمن الاقتصادي والتي من المتوقع أن تتعلق ببناء سلاسل توريد أكثر مرونة، وربما تقاوم الإكراه الاقتصادي، وإدارة المنافسة التكنولوجية مع الصين، خاصةً وأن الجانب الكوري يضغط من أجل حوار أمني اقتصادي بين الحلفاء الثلاثة، وأنه يعد ركيزة أساسية مهمة أخرى للشراكة الثلاثية. 

وتأتي قمة كامب ديفيد بعد اتفاق القادة في القمة السابقة في “بنوم بنه” في نوفمبر الماضي، والتي عقدت بعده الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان أول حوار للأمن الاقتصادي في فبراير 2023. وحضر ذلك مسؤولون كبار من مجالس الأمن القومي في الدول الثلاث، حيث ناقشوا مجموعة من القضايا، وتحديدًا التعاون في التقنيات الناشئة والأساسية، مثل البيولوجيا والفضاء. وناقشوا طرقًا لزيادة مرونة سلاسل التوريد في أشباه الموصلات والبطاريات والمعادن المهمة، وكيفية تنسيق استجابتهم للإكراه الاقتصادي وحماية التكنولوجيا الحساسة. هذا وبما أن العالم يتحول بشكل متزايد إلى بيئة يكون فيها الأمن الاقتصادي أمنًا قوميًا، لذا، من المتوقع أن تظهر قضايا الأمن الاقتصادي بشكل بارز في الاجتماع الثلاثي.

رسائل ودلالات

في إطار التوترات والتحركات السريعة على الساحة العالمية والتي تقوم بها الصين وبجانبها روسيا وكوريا الشمالية، تأتي هذه الزيارة في موضع مثير للقلق والشعور بالتهديد من الولايات المتحدة، على وجه الخصوص. ويظهر ذلك من خلال جعل المحادثات حول الردع الموسع التي جعلتها الأخيرة أكثر رسمية، هذا وبعد أن كانت تلتقي الولايات المتحدة باليابان وكوريا الجنوبية في ضوء قمم أخرى أو كانت تعقد اجتماعات ثنائية مع الحلفاء، لكن هذه هي المرة الأولى التي يقوم بها القادة الثلاثة بقمة منفردة. هذا ما يجعل العملية أشبه بحلف شمال الأطلسي المصغر، والذي يهدف إلى إبقاء بكين وبيونج يانج تحت السيطرة، خاصة بعد أن رفض “الناتو” إقامة تحالفات مع دول منطقة بحر الصين الشرقي والجنوبي، وعلى رأسهم ألمانيا وفرنسا، بما أسفر عن عدم استطاعة الولايات المتحدة فرض رأيها ورغبتها في إقامة تحالفات بين “الناتو” وبعض الدول الآسيوية.

هذا وقد يشير إعلان مثل هذا اللقاء المباشر والمستقل إلى إظهار اليابان وكوريا الجنوبية جديتهما في حماية أراضيهما ضد أي تهديد من الصين وكوريا الشمالية، وإظهار استعدادهما لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة؛ لضمان عدو الصين الأول كحليف لهما، ما يثير غضب الأخيرة ويزيد من قلقها لتعارضه مع رغبتها في الحفاظ على سيطرتها ونفوذها في منطقة بحر الصين الشرقي والجنوبي. 

وعليه، يصبح هذا الاجتماع أكثر من كونه نوعًا من اجتماع الوساطة للسلام، بل اجتماع أكثر تتويجًا وتصديقًا على التقدم المحرز في العلاقات الثنائية والثلاثية، وفرصة للاحتفال نوعًا ما وتسليط الضوء على ذلك. ليس هذا وحسب، بل إضفاء الطابع المؤسسي على التقدم المحرز في العلاقات الثلاثية يجعل من الصعب على قادة المستقبل في أي من هذه البلدان الابتعاد عنه، هذا لأنه لا يزال يعد تقدمًا هشًا ومن الممكن أن يختار قادة المستقبل عكسه، خاصة وأن العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية كانت في حالة من التوتر حتى شهر مارس لهذا العام. 

لهذا، من ناحية، يمكننا القول إن الجبهة الأكثر اتحادًا بين اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة هي أكثر بكثير من مجرد مضاعف للقوة العسكرية، فهي ضرورة جيوسياسية في وقت تتبنى فيه الصين وروسيا مفهومًا مغايرًا للمفهوم الأمريكي للأمن العالمي، وتسعيان إلى حشد أكبر عدد من الدول العالم لتبنيه.

وعليه قد ترى واشنطن أنه يمكن للقوة الجماعية لثلاث من أهم الديمقراطيات والاقتصادات وقادة التكنولوجيا في العالم أن تكون بمثابة حصن للنظام الدولي القائم على القواعد –وفقًا لمنظورها- إذا تمكنوا من الحفاظ على الوحدة. من ناحية أخرى، فهو لا يزال أكثر من مجرد تحالف ضد الصين؛ فبوصف الدول الثلاث مهمين في التجارة والصناعة والابتكار، فهي تعمل بشكل مكثف على تعاون أوثق في القضايا الحيوية مثل التكنولوجيا وسلاسل التوريد والأمن الاقتصادي، ويمكن أن تصدر القمة وثيقة تستعرض التقدم المحرز حتى الآن في هذه المجالات وتضع رؤية للبناء على ذلك.

ختامًا، تأتي هذه القمة في ضوء توترات شتى على الساحة العالمية والتي، بدورها، تزيد من تفاقم الفجوة بين التحالفين، كل منهما في مواجهة الآخر. هذا وقد يزيد التوترات في منطقة بحر الصين الشرقي والجنوبي ويعمق بؤرة الصراعات الحالية في المناطق المتنازع عليها في أراضي تايوان والفلبين، مؤديًا إلى تشابك ملفات النزاع بين الولايات المتحدة والصين في المنطقة التي تحاول كل منهما الحفاظ على سيطرتها فيها.

ميرنا أسامة

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى