سيناريوهات مستقبل الأزمة في باكستان في ضوء سجن عمران خان
استمرارًا للأزمة الجارية في باكستان منذ أبريل 2022 حينما تم حجب الثقة عن رئيس الوزراء السابق عمران خان بقرار من البرلمان، أدان القضاء الباكستاني يوم 5 أغسطس الجاري “خان” بالسجن 3 سنوات بتهمة الفساد المالي أثناء توليه الحكم خلال الفترة (أغسطس 2018 – أبريل 2022)، قائلًا إنه باع هدايا رسمية بشكل غير قانوني تبلغ قيمتها 140 مليون روبية باكستانية (أي ما يعادل 635 ألف دولار أمريكي) شملت ساعات “رولكس” وخاتم وزوج من أساور اليد.
حيث قامت الشرطة الباكستانية مساء ذلك اليوم، بعد صدور هذا القرار، باعتقال عمران خان من منزله في مدينة لاهور الواقعة أقصى شرقي البلاد على الحدود مع الهند في إقليم البنجاب. وتُعد هذه المدينة واحدة من أغنى مدن باكستان قاطبة وثاني أكبر مدينة باكستانية من حيث عدد السكان بعد كراتشي جنوبًا على بحر العرب. وعقب إصدار الحكم وقبيل القبض عليه، دعا “خان” أنصاره مرة أخرى إلى النزول إلى الشوارع مع عدم استخدام العنف، ما يذكّرنا في الواقع بأحداث مشابهة وقعت عقب محاولة اعتقال “خان” المرة الأولى خلال شهر مايو 2023، وهو ما يقودنا من ناحية أخرى إلى محاولة إلقاء الضوء على مستقبل الأزمة في باكستان بعد اعتقال “خان” وقيام الرئيس الباكستاني، عارف علوي، في 9 أغسطس الجاري بحل البرلمان تمهيدًا لانتخابات برلمانية مقبلة متوقعة في غضون 90 يومًا، أي أنها من المرجح أن تجري في نوفمبر المقبل.
أبعاد متشابكة: لماذا استمرت أزمة عمران خان منذ عزله وحتى الآن؟
لقد بدأت الأزمة الحالية في باكستان مع قرار البرلمان في إسلام آباد سحب الثقة عن عمران خان بصفته رئيسًا للوزراء، وهو أثار غضبه وغضب مؤيديه وحزبه “الإنصاف” بشدة، وقاد بالتالي إلى اندلاع موجات من الاحتجاجات لم تهدأ منذ أبريل من العام الماضي وحتى اليوم سقط خلالها عدد كبير من القتلى والمصابين.
وعلى الرغم من أن هذه لم تكن المرة الأولى التي لا يُكمل فيها رئيس وزراء باكستاني مدته في الحكم، حيث واجه مختلفُ رؤساء الوزراء في إسلام آباد منذ استقلال البلاد عام 1947 عن الهند مصيرًا مشابهًا انتهى على أي حال بعدم استكمالهم مدتهم، إلا أن التوترات التي لا تزال تصاحب عزل “خان” من منصبه منذ العام الماضي تنبع من عوامل ثلاث تتمثل فيما يلي:
● عدم توازن واضطراب المعادلات السياسية التقليدية في باكستان بعد دخول حزب “الإنصاف” الذي أسسه “خان” عام 1996 معترك الحياة السياسية، حيث كان حزبا “الرابطة الإسلامية” و”الشعب” هما المسيطرين الرئيسين على الحياة السياسية في إسلام آباد منذ 1947، ما يعني أن محاولة حزب قوي مثل “حركة الإنصاف” بزعامة عمران خان سحب جزء كبير أو “كل” هذه السيطرة من هذين الحزبين تواجَهُ بحسم وحزم كبيرين من جانبهما وأنصارهما. وهنا نلاحظ أنه على الرغم من أن الحزب قد حصل على مقاعد في البرلمان الباكستاني قبل وصول عمران خان إلى السلطة في 2018، فإن تولي “خان” الحكم في العام المُشار إليه قد مثّل نقطة تحول كبيرة للغاية في مسار حزب “الإنصاف” وأيضًا في مسار الحياة والمعادلات السياسية في باكستان.
● افتقاد “خان” لعلاقات قوية مع المؤسسات الأمنية والعسكرية في باكستان على النقيض من حزب “الرابطة الإسلامية”. حيث تختلف الرؤى بين الجبهتين على أصعدة عدة من بين أهمها السياسة الخارجية والعلاقات مع الولايات المتحدة، علاوة على محاولة “خان” بالأساس الابتعاد ولو قليلًا عن مسار السياسة الخارجية التقليدي الباكستاني في ملفات أخرى إقليمية ودولية، لعل من بينها تعبيره عن دعم روسيا في مواجهة أوكرانيا والغرب إبان اندلاع الحرب ذات الصلة في فبراير 2022، ما قاد في الحقيقة إلى صدام قوي بين تلك المؤسسات وعمران خان.
● الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها حزب “حركة الإنصاف” وقائده عمران خان على وجه التحديد بين الشباب الباكستاني والرافضين لسياسات حزب “الرابطة الإسلامية” الباكستاني الذي تقوده أسرة رئيس الوزراء الحالي، شهباز شريف، وأخوه رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف الذي أقيل من منصبه في 2017 بسبب مزاعم فساد وكان يقضي عقوبة بالسجن 7 سنوات قبل أن يُمنح من جانب محكمة لاهور العليا كفالة لأجل غير محدد لأسباب طبية انتقل بعدها إلى العلاج في بريطانيا ولا يزال هناك.
إذ تدفع الحالة المجتمعية التي يمر بها المواطنون في باكستان، بعد فشل أحزاب بعينها في تحقيق طموحاتهم خلال العقود الماضية، الشعب إلى البحث عن بديل للحزبين الكبيرين. ويعتقد كثيرٌ من الباكستانيين هنا أنه يجب منح الفرصة لحزب عمران خان؛ خاصة في ظل الكوارث الطبيعية التي ألقت بظلالها على الاقتصاد الباكستاني مؤخرًا بعد تعرض البلاد لموجة فيضانات عارمة وعنيفة، ما جعل الناس يربطون ما بين طموحاتهم المستقبلية ومواصلة الحزب عمله ونشاطه السياسي بل وتمكنه من حكم باكستان، وهذه هي أصل المشكلة.
كيف يرى أنصار عمران خان عملية اعتقاله؟
لقد أعلن رئيس الوزراء الباكستاني السابق “خان” أكثر من مرة رفضه لكل الاتهامات الموجهة إليه، ووصفها بأنها “ذات دوافع سياسية” وأن المقصد من ذلك هو منعه من الترشح للانتخابات المقبلة. وقد اتهم “خان” رئيس الوزراء الباكستاني الحالي، شهباز شريف، بالاتفاق مع قادة الجيش الكبار على عزله من منصبه وسجنه لإبعاده عن الحياة السياسية؛ خوفًا من فوزه في الانتخابات المقبلة.
واتهم عمران خان كذلك الحكومة الحالية في إسلام آباد بـ “التعاون مع الولايات المتحدة من أجل عزله”، وهو ادعاء رفضته واشنطن وإسلام آباد معًا. وقد نفى الجيش الباكستاني أيضًا هذه الادعاءات والتي كان من بينها اتهامه بالضلوع في محاولة اغتيال عمران خان في 3 نوفمبر 2022.
وعلى أي حال، فإن هذه المزاعم التي تحدث “خان” بشأنها قد أثارت غضب الشباب الباكستاني الداعمين له ولسياساته الخارجية أيضًا، خاصة فيما يخص العلاقات مع الولايات المتحدة، حيث يتفق معه في الرأي كثيرٌ من أنصاره، وهو ما قد يُعد في الواقع مؤشرًا على مستقبل الأزمة في باكستان.
سيناريوهات مستقبل الأزمة في باكستان
في ضوء ما حدث في باكستان من اعتقال رئيس حركة “الإنصاف” ورئيس الوزراء السابق عمران خان الذي يتمتع بشعبية لدى قطاعات غير صغيرة في الداخل الباكستاني، وحل البرلمان انتظارًا لعقد انتخابات برلمانية مقبلة ستفرز رئيس وزراء جديد في إسلام آباد، يمكن القول إن سيناريوهات مستقبل الأزمة في باكستان سوف تتبلور على النحو التالي:
- استمرار التوترات في ظل عدم تمكن عمران خان وحزبه من المشاركة أو الفوز بالانتخابات:
من المرجح بشدة ألا يستطيع رئيس الوزراء الباكستاني السابق، عمران خان، المشاركة في الانتخابات المقبلة؛ وذلك لأن إدانته بالسجن 3 سنوات سوف تمنعه، طبقًا للقانون الباكستاني، من المشاركة في الحياة والمناصب السياسية لمدة 5 سنوات قادمة، ما يعني استبعاده هو شخصيًا بشكل كلي من المشاركة في هذه الدورة الانتخابية على الأقل.
ومع ذلك، لا يُتوقع أن تهدأ الاحتجاجات في باكستان حتى إجراء الانتخابات وتحديد رئيس الوزراء الجديد، وذلك بالتزامن مع هذه الأجواء المشحونة التي تم خلالها اعتقال وسجن رئيس حركة “الإنصاف” الذي يتمتع بشعبية غير ضئيلة في الداخل الباكستاني ظهرت بشكل واضح خلال الاحتجاجات العارمة التي شهدتها البلاد خلال الأشهر الماضية وخاصة في شهر مايو 2023.
بل إنه حتى ولو جاء رئيس وزراء جديد في باكستان ينتمي للرابطة الإسلامية على سبيل المثال، فإنه من غير المتوقع أن تخفت احتجاجات أو اعتراضات أنصار حركة “الإنصاف” خلال السنوات المقبلة بشكل تام؛ بسبب استبعاد زعيمهم، وعلى وجه الخصوص إذا ما تم استبعاد مرشحين آخرين من الحركة نفسها من خوض الانتخابات المقبلة أو الفوز بها.
- هدوء حذر مع تمكن حركة “الإنصاف” من الدفع بمرشح آخر غير عمران خان:
يُرجح بشدة أن تدفع حركة “الإنصاف” التي يقودها “خان” بمرشح أخر خلال الأيام المقبلة من أجل الترشح في الانتخابات القادمة؛ بديلًا لعمران خان. وهنا، لا يمكن استبعاد فوز مثل هذا المرشح؛ في ظل تمتع الحزب بشعبية في الداخل. وفي هذا الصدد، أكد المتحدث باسم حزب “الإنصاف” الباكستاني، عبد الصمد يعقوب، في 10 أغسطس الجاري على أن الحزب “سوف يفوز بالانتخابات البرلمانية المقبلة” وأن سجن زعيمه، عمران خان، “سوف يزيد تعاطف الناخبين معه”. وقد وصف “يعقوب” حزبه بأنه “الحزب الأكثر شعبية في باكستان، وسيكون الفائز في الانتخابات، والأحزاب الحاكمة مرتبكة من شعبية “خان”، وتستخدم كل التكتيكات لتأجيل الانتخابات”.
- إنهاء التوترات وإلغاء الحكم الصادر ضد عمران خان:
لقد أعلن محامو رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان استئنافهم ضد الحكم الصادر ضد موكلهم لمحاولة إبطاله، وأكد أحد أعضاء الفريق على أنه “من المهم أن نذكر أنه لم تتوفر أية فرصة لتقديم شهود ولم يجرِ تخصيص وقت لجمع البراهين”. وقد أوضح المحامون أن “الفريق القانوني لموكلنا طعن يوم 8 أغسطس الجاري في قرار إدانته”، مشددين على أن المحكمة العليا ستنظر في الطعن. وعلى الرغم من أن هذه الاحتمالية ضعيفة للغاية، إلا أنها تظل أحد السيناريوهات والذي يمكن أن يضفي زخمًا شديدًا للغاية على الانتخابات البرلمانية المقبلة في باكستان، والتي يمكنها أيضًا أن تنهي من الاحتجاجات في الشارع الباكستاني.
الاستنتاج
يظل مرجحًا سيناريو عدم إلغاء الحكم الصادر ضد عمران خان وعدم مشاركته في الانتخابات البرلمانية المقبلة، إلا أنه وفي الوقت نفسه فإنه من المتوقع أن يختار حزبه شخصية أخرى تترشح في تلك الانتخابات عوضًا عنه، ما يمكن أن يقود هو الآخر إلى تهدئة الشارع الباكستاني. ومع ذلك، فإن عودة أخرى لعمران خان إلى الحياة السياسية تظل أمرًا غير بعيد؛ ذلك لأن الحكم الصادر ضده يمنعه من المشاركة في الانتخابات والحياة السياسية لمدة 5 سنوات فقط.