
مشاركة المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية في فعاليات مؤتمر ليبيا الدولي لمكافحة الإرهاب السيبراني
شارك وفد من المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية في فعاليات الدورة الرابعة من مؤتمر ليبيا الدولي لمكافحة الإرهاب السيبراني الذي نظمته الأكاديمية العسكرية للعلوم الأمنية والاستراتيجية بالقيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية في مدينة بنغازي على مدار ثلاثة أيام، في الفترة 6-8 أغسطس 2023، تحت شعار “التكنولوجيا الحديثة بين التكتيكات الإرهابية والاستراتيجيات الوطنية”.
شهد هذا المؤتمر مشاركة واسعة من الخبراء والمتخصصين المحليين والدوليين، حيث شاركت في فعالياته وفود من: مصر، ولبنان، والأردن، والعراق، والإمارات، وتونس، والمغرب، والجزائر، وبلجيكا، وفرنسا، وبريطانيا، بالإضافة إلى الأساتذة الجامعيين والخبراء الليبيين الذين مثلوا جامعة بنغازي وأكاديمية تقنية المعلومات الليبية وقسم الذكاء الاصطناعي وأكاديمية الدراسات العليا، وكذا حضور عدد كبير من طلاب الأكاديمية العسكرية الليبية وضباط القوات المسلحة العربية الليبية، والمهتمين بتقنيات الأمن السيبراني.
تضمنت الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر، حضورًا مميزًا ورفيع المستوى للقيادات السياسية والعسكرية في الدولة الليبية، من بينها ممثل القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية، الدكتور الصديق خليفة حفتر، والسيد رئيس الأكاديمية العسكرية للعلوم الأمنية والاستراتيجية اللواء عون الفرجاني، والدكتور عبد القادر أرحيم، رئيس ومؤسس مؤتمر ليبيا الدولي لمكافحة الإرهاب السيبراني، وأعضاء مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء الليبي، الدكتور أسامة حماد، ووزراء الدفاع والداخلية بالحكومة الليبية، وعدد من القيادات السياسية والأمنية.
تألفت فعاليات المؤتمر من خمس جلسات؛ لمناقشة الأوراق البحثية المقدمة للجنة العلمية الخاصة به، والتي بلغ عددها 32 ورقة بحثية، بالإضافة إلى انعقاد ثلاث جلسات حوارية مفتوحة، تم خلالها مناقشة كافة الجوانب المتعلقة بالإرهاب السيبراني وسبل التصدي له والحد من تأثيراته وتبعاته المدمرة.
وقد تمثلت مشاركة وفد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية في هذا المؤتمر، في تقديم باحثيه أربع أوراق بحثية، بجانب إشرافهم على تسيير الجلسة الحوارية الختامية للمؤتمر التي انعقدت في اليوم الثالث والأخير من فعالياته.
الورقة البحثية الأولى التي قدمها المركز خلال مشاركته في هذا المؤتمر عُرضت خلال الجلسة الثانية من جلسات المؤتمر في اليوم الأول من انعقاده، تحت عنوان “التجربة المصرية في مكافحة الإرهاب السيبراني: رؤية تحليلية”. وقد دارت تلك المشاركة حول ريادة التجربة المصرية في مجال الأمن السيبراني عمومًا، ومكافحة الإرهاب السيبراني خصوصًا، لا سيما مع تعدد الركائز التي تنهض عليها التجربة المصرية ذات الركائز القانونية والمؤسسية والإعلامية. فقد تعددت النصوص القانونية ذات الصلة بالأمن السيبراني المصري ومكافحة الإرهاب السيبراني، وتجلى في الدستور المصري الذي نص في المادة 31 منه على أن “أمن الفضاء المعلوماتي جزء أساسي من منظومة الاقتصاد والأمن القومي”، وكذلك قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (القانون رقم 175 لسنة 2018)، والقانون رقم 94 لسنة 2015 لـمكافحة الإرهاب.
وقد تضمنت هذه الورقة مجموعة من التوصيات، أهمها ضرورة مكافحة الإرهاب السيبراني من مداخل عدة تشمل: المكافحة الأمنية من خلال تفعيل دور الأجهزة الأمنية، والتثقيف المستمر من خلال عقد الدورات والندوات التثقيفية حول الإرهاب السيبراني، والمطالبة بتجريمه دوليًا، وتوطين وسائل التواصل الاجتماعي، وتحصين الشباب ضد الأفكار المغلوطة، وتسليح العلماء والدعاة بأسلحة من جنس ما يتسلح به الأعداء من تقنيات تكنولوجية حديثة، والإسراع في إصدار قوانين لمكافحة الجرائم السيبرانية وتعديل قانون الإجراءات الجنائية، والتوسع في تدريس محتويات علمية ونظرية عن الأمن السيبراني. وجميعها توصيات أمكن بلورتها من خلال ثراء تجربة مصر في مكافحة الإرهاب السيبراني التي تنهض على مداخل أمنية تعليمية مؤسسية ثقافية برعاية رئاسية.
الورقة البحثية الثانية لوفد المركز المصري، تم عرضها خلال الجلسة الخامسة المنعقدة في اليوم الثاني للمؤتمر، وكانت تحت عنوان “الأنشطة السيبرانية كمصدر لتمويل الجماعات الإرهابية”، حيث تناول مقدم الورقة -الباحث محمد منصور- ما يمكن اعتباره كان أحد الجوانب الحاسمة فيما يتعلق بالإرهاب السيبراني –والذي غالبًا ما يتم تجاهله أو عدم التركيز عليه– وهو ارتباطه الوثيق بملف تمويل الأنشطة الإرهابية. استهدف هذا البحث استكشاف الروابط التي تجمع بين الإرهاب السيبراني وتمويل الإرهاب، وتسليط الضوء على مخاطر هذه الروابط وكيفية مواجهة هذه المخاطر، بحيث يمكن من خلال ذلك تكوين فهم أفضل للتحديات التي نواجهها في مجال مكافحة هذه الأنشطة الخبيثة.
وأشار البحث إلى أنه بعد التراجع الواضح في سيطرتها الجغرافية، أصبحت الجماعات الإرهابية الرئيسة تركز بشكل أكبر في الآونة الأخيرة علي استغلال وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونيَّة؛ لتحقيق جملة من الأهداف، تتراوح بين الترويج لأفكارها ورسائلها، واستقطاب المزيد من العناصر، بالإضافة إلى البحث عن مصادر جديدة لتمويل أنشطتها الإرهابية، حيث تعد مسألة التمويل عُنصرًا رئيسًا ومحوريًّا لضمان استمراريَّة أنشطة التنظيمات المتطرِّفة.
وحرصت تلك التنظيمات على وجود مصادر تمويل متنوعة تضمن استمراريتها واستقلاليتها في الوقت ذاته؛ ففي الفترة التي كان يسيطر فيها تنظيم “داعش” الإرهابي على بعض المناطق في سوريا والعراق، اعتمد في تمويل عملياته الدموية وخططه الخبيثة بشكل رئيس على سلب ثروات البلدان ونهبها كالبترول مثلًا، أو مصادرة أموال الأفراد بالقوة، أو الاتجار بالأعضاء والأدوية المخدرة.. إلخ. لكن بعد سقوط معاقله الرئيسة، تحول جزء كبير من أنشطة هذا التنظيم وتنظيمات ارهابية أخرى إلى الفضاء الإلكتروني.
علاوة على ذلك، يعد تمويل الإرهاب أحد أهم أسباب ودواعي الأنشطة السيبرانية التي تمارسها المجموعات الإرهابية، حيث يعد الحصول على الأموال أمرًا بالغ الأهمية للتخطيط للهجمات وتنفيذها ، فضلًا عن تجنيد الأفراد المتورطين وتدريبهم. يوفر المشهد الرقمي فرصًا كبيرة للإرهابيين لاستغلال الأنظمة المالية وإخفاء هوية المعاملات وتحويل الأموال عبر الحدود بسهولة نسبية. وتوفر بعض المنصات الإلكترونية، خاصة تلك التي توجد في ما يعرف بـ “Dark Web” –وهو جزء من الإنترنت يمكن الوصول إليه فقط من خلال برامج محددة- ملاذًا للإرهابيين السيبرانيين، عبر عباءة إخفاء الهوية، ما يجعل من الصعب على السلطات تتبع وتعطيل هذه التدفقات المالية غير المشروعة.
وقد تضمنت هذه الورقة عرض أبرز التقنيات والوسائل التي تستخدمها أو قد تستخدمها الجماعات الإرهابية في الفضاء الإلكتروني للحصول على التمويل، وهي: “انتحال الهوية”، و”التزييف العميق”، و”الهندسة الاجتماعية عبر الإنترنت”، و”البرمجيات الخبيثة”، و”برامج الفدية”، و”التمويل الجماعي”، و”العملات المشفرة”.
وتضمنت كذلك مجموعة من التوصيات، منها: دفع آليات تبادل المعلومات المالية بين الحكومات ووكالات إنفاذ القانون والمؤسسات العسكرية والاستخباراتية، حيث يمكن أن يعزز التعاون القدرة على اكتشاف الأنشطة السيبرانية الإرهابية المرتبطة بالجوانب المالية. وإيجاد منصة لتبادل المعلومات حول الهجمات السيبرانية المرتبطة بالأنظمة الاقتصادية بين البنوك العربية، تعنى بشكل خاص برصد احدث التكتيكات السيبرانية التي تهدد الأنظمة المالية العربية، بحيث يتم تحديث أنظمة الحماية البنكية بشكل دوري ومواكب للتهديدات. والتعاون بين وزارات الشباب والوزارات المسؤولة على الاتصالات في الدول العربية؛ لتنفيذ حملات توعوية مشتركة بين مستخدمي الشبكة العنكبوتية –خاصة الفئات الشبابية– للتوعية بمخاطر تداول البيانات المالية عبر الإنترنت.
وكذلك تكثيف التوعية بأهمية توخي الدقة والحرص فيما يتعلق بأوجه التبرع المالي، سواء من الجانب القانوني أو حتى الجانب الشرعي، والعمل على نشر الوعي على المستوى الوطني والعربي بأهمية الأمن الإلكتروني واستخدام برامج الوقاية من الفيروسات والجدران النارية لحماية الحواسيب الشخصية وأجهزة الهاتف النقال، وتفادي زيارة المواقع الإلكترونية غير الموثوقة، أهمية تسريع عملية دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في القطاعات الحكومية والعسكرية والتعليمية العربية، وهو ما قد يساعد في تحديد الهجمات الإلكترونية ومنعها، وزيادة مناعة الأشخاص والمؤسسات ضد الهجمات السيبرانية.
البحث الثالث الذي قدمه وفد المركز في هذا المؤتمر، تم عرضه خلال الجلسة السابعة المنعقدة في اليوم الثاني للمؤتمر، وكان تحت عنوان “وسائل التواصل الاجتماعي كساحات جاذبة لنشاط التنظيمات الإرهابية”، حيث عرض خلاله الباحث محمود قاسم، الملامح العامة التي تشير إلى حدود توظيف الجماعات والتنظيمات الإرهابية لوسائل التواصل الاجتماعي، والتي تتلخص في:
● تحول الفضاء الإلكتروني إلى ساحة للمواجهة البديلة: فمع تراجع وارتفاع تكلفة المواجهات المباشرة، أصبح الفضاء الالكتروني والسيبراني ضمن ساحات أو ميادين المواجهة التي توظفها الدول ضد بعضها البعض أو الفاعلين من دون الدول، وعليه فإن توظيف هذا الأمر ليس قاصرًا على أحد.
● الرغبة في تجاوز الأنماط التقليدية: ففي ظل حالة التقييد ومع تراجع سيطرة التنظيمات في عديد من المناطق، أصبحت تنظر للإرهاب الالكتروني، أو ما يصطلح عليه الجهاد الرقمي، بوصفه أحد الطرق لتجاوز الأنماط التقليدية في ممارسة نشاطها، وبالتالي أصبح الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ساحة جذب وميدانًا مغريًا لتلك التنظيمات.
● القدرة على التكيف والابتكار: حيث أثبتت الجماعات الإرهابية أنها مبتكرة وقابلة للتكيف، عبر توظيف الأدوات الحديثة والثورة التكنولوجيا في تحقيق أهدافها، خاصة أن معظم منصات الانترنت مملوكة أو تخضع لسيطرة شركات خاصة، وبالتالي قد لا تخضع لولاية الدول، ما يصعب أعمال الرقابة عليها.
● تعزيز فكرة الشبكات الإرهابية العالمية: سمح الانتشار العالمي لمنصات التواصل الاجتماعي للشبكات الإرهابية بالاندماج عبر الحدود الوطنية بحيث أصبحت إرهابًا رقميًا معولمًا، من هنا ظهرت التحالفات العالمية؛ فعلى سبيل المثال مع ظهور “داعش” في سوريا والعراق، بدأت بعض أفرع التنظيم خارج “دولة الخلافة” في مبايعة التنظيم عبر مقاطع فيديو نشرتها على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، كما تم قبول البيعة بذات الطريقة.
● مضاعفة القوة والنفوذ: فقد استخدمت التنظيمات الإرهابية وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة (فيس بوك، تويتر، انستجرام، ساوند كلاود، مدونات خاصة، مواقع تحميل الملفات)؛ وذلك بهدف استعراض القوة ومضاعفة النفوذ؛ إذ إن الانتشار الواسع في الفضاء الإلكتروني يوفر لتلك الجماعات ميزتين رئيسيتين، الأولى سرعة نشر أفكارهم وأيديولوجياتهم. الأمر الثاني يساعد هذا الانتشار في إظهار التنظيم بصورة تبدو أقوى من الواقع.
● الإدراك المتزايد لأهمية تلك المنصات في مجهودهم ونشاطهم الإرهابي، ففي وقت سابق قال أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الراحل إن أكثر من نصف المعركة التي يخوضها التنظيم موجودة على الساحة الإلكترونية والإعلامية، وكان يرى أن أي مشهد يُذاع ويعبر عن فكر التنظيم يمثل نفس أهمية إطلاق صاروخ أو تفجير قنبلة في عملية إرهابية.
تضمنت هذه الورقة عددًا من التوصيات والاقتراحات، من بينها: تعزيز الجهود الجماعية والشراكة بين القطاع الخاص الذي يسيطر على وسائل التواصل الاجتماعي والمؤسسات الوطنية لمنع التطرف على وسائل التواصل الاجتماعي، والعمل على تعزيز جهود حظر انتشار المحتوى والدعاية الإرهابية من خلال توظيف آليات وأدوات رقمية، والاعتماد على نمط “إعادة التوجيه” والتي تركز على ضرورة توظيف الشراكة بين المجتمعات البحثية وشركات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي ومراكز الفكر فيما يرتبط بعملية إعادة التوجيه، بمعنى تطوير الخوارزميات المرتبطة بتحديد أولئك الذين يبحثون عن محتوى متطرف وعنيف سواء على الفيس بوك أو يوتيوب أو جوجل، ثم عرض روايات أو سرديات مضادة لما يبحثون عنها، هذه الروايات يتم وضعها من قبل علماء النفس ورجال الدين أو المنشقين عن تلك الجماعات والتنظيمات للاستفادة من خبراتهم داخل تلك الجماعات ومن ثم القدرة على تفنيد الحجج التي تقدمها تلك الجماعات وتعتمد عليها في استقطاب هؤلاء.
هذا بالإضافة إلى تفعيل القوانين الوطنية في الدول العربية المرتبطة بمكافحة الجريمة الإلكترونية والعمل على سن قوانين ولوائح؛ لمعاقبة كل من يساهم في نشر خطاب متطرف أو يروج لأفكار التنظيمات والجماعات الإرهابية. ووضع حد فاصل بين التشريعات الضرورية لفرض قيود على المحتوى الإرهابي وحذفه عند نشره، وبين حرية التعبير، وعليه يجب أن يتم وضع تعريفات محددة وواضحة لطبيعة المحتوى المتطرف أو الإرهابي.
شارك المركز بشكل فعال في الجلسة الختامية لهذا المؤتمر، حيث تولى الباحث محمد منصور تسيير وإدارة هذه الجلسة، في حين قدم وفد المركز خلال هذه الجلسة ورقة حملت عنوان: “توظيف التنظيمات الإرهابية للتكنولوجيا العسكرية في منطقة الساحل والصحراء: رؤية مستقبلية”.
وقد أكدت تلك الورقة على أن المشهد الأمني في منطقة الساحل والصحراء اتخذ منعطفًا خطيرًا في السنوات القليلة الماضية، حيث مزقت المنطقة العديد من النزاعات المسلحة، والتنظيمات الإرهابية. وهو ما يتفاقم سوءًا مع تطورات سياسية متلاحقة تلقي بظلالها على الأوضاع الأمنية. وتعرضت تلك المنطقة كذلك لأشكال مختلفة من الإرهاب والهجمات السيبرانية التي هددت دول تلك المنطقة، وتعددت في الأخيرة صور توظيف الإرهاب لتكنولوجيا المعلومات بجانب التكنولوجيا العسكرية.
ففي عام 2018، بدأت جماعة “بوكو حرام” في استخدام “الدرونز” في شن هجمات ضد قوى الأمن النيجيرية في تطور نوعي لقدرات التنظيمات الإرهابية في أفريقيا. فقد لجأت بعض التنظيمات الإرهابية إلى تنفيذ هجمات بطائرات مسيرة لاستهداف مواقع في أفريقيا والشرق الأوسط مثل القواعد العسكرية ومواقع تخزين النفط والمطارات. إذ تتميز “الدرونز” بعدد من الخصائص التي شجعت التنظيمات الإرهابية مثل: توفير المعلومات، وانخفاض أسعارها في بعض الحالات، والقيام بالعمليات بكفاءة وفعالية، وعدم الكشف عن هوية مستخدميها. لذا من المتوقع تزايد الاعتماد عليها مستقبلًا لا سيما في ضوء التطورات التي من المحتمل أن تشهدها تلك الصناعة على نحو يزيد من قدراتها الهجومية والرقابية.
والجدير بالذكر في هذا الإطار أن هناك عدة سمات واتجاهات عالمية في مجال التكنولوجيا العسكرية؛ ذلك أن الاستخدام العسكري للطائرات بدون طيار بات هو المحور الأساسي لاستخدامات هذه التقنية التي باتت جزءًا لا يتجزأ من الترسانات العسكرية لقسم كبير من جيوش العالم، وتستخدمها التنظيمات الإرهابية على نطاق واسع. ووفقًا لبيانات موقع (Globe Newswire)، فمن المتوقع أن يصل حجم السوق العالمية للطائرات بدون طيار إلى 23.78 مليار دولار بحلول عام 2027. وستؤثر تقنيات الذكاء الاصطناعي على استراتيجيات الدول، ولا سيما تلك المتعلقة بالأمن القومي، وعلى التخطيط للعمليات أو لغيرها، وعلى القدرة على التعديل السريع لهذه الخطط وعلى التنسيق بين القوات وعلى ابتكار أسلحة جديدة.
في المقابل، تتعدد إشكاليات التكنولوجيا العسكرية؛ فقد تعددت الجهود الدولية الرامية إلى تقنين التكنولوجيات الجديدة وبخاصة تلك القائمة على الذكاء الاصطناعي، بيد أن تلك الجهود تعاني من عدد من الإشكاليات التي يأتي في مقدمتها: النهج الانتقائي الاختياري للمعايير والأخلاقيات التي يجب أن يتأسس عليها الذكاء الاصطناعي، وغياب النهج الشامل والعالمي الذي يمكنه تسخير الذكاء الاصطناعي من أجل التنمية المستدامة، واستبعاد القارة الإفريقية من المشاركة الكاملة في أي تحولات تتصل به، وتفاوت المعارف والخبرات من دولة إلى أخرى، وغياب الاتفاق بين الدول الأعضاء على تحديد المبادئ الأخلاقية التي تؤطر الذكاء الاصطناعي.
وعلاوة على ذلك، تفتقر كثير من التطبيقات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي إلى الضمير والأصالة والضوابط الأخلاقية، ولا تملك الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا العسكرية حلًا سحريًا لمجابهة التداعيات السلبية التي قد تنجم عن استخدام/إساءة استخدام تلك التكنولوجيا في المعارك والحروب.
وفي ختام اليوم الثالث للمؤتمر، أعلن رئيس المؤتمر، الدكتور عبد القادر أرحيم، عن التوصيات الختامية له، وجرى توزيع شهادات التكريم على كافة الخبراء والباحثين المشاركين في فعالياته.
وقد دخل أعضاء وفد المركز في نقاشات بناءة ومثمرة حول جلسات المؤتمر وفعالياته مع عدد من كبار ضباط الجيش الليبي، ومنهم اللواء أحمد المسماري، المتحدث العسكري للقوات المسلحة العربية الليبية، بجانب طلاب الأكاديمية العسكرية الليبية، والباحثين المشاركين في المؤتمر، ومن ثم انتقل الجميع إلى مقر الأكاديمية العسكرية الليبية للعلوم الأمنية والاستراتيجية، حيث تجولوا في مرافقها وتجهيزاتها المختلفة، بصحبة قائد الأكاديمية، اللواء عون الفرجاني، واطلعوا على التقدم الكبير الذي طرأ على هذه الأكاديمية، وهو ما أثار انبهار كافة الحضور، الذين تجولوا قبل هذه الزيارة بيوم واحد في أحياء مدينة بنغازي، وأسعدهم ما شاهدوه من حفاوة استقبال أهالي المدينة، والتحسن الواضح في الأوضاع الأمنية والمعيشية فيها.