تداعيات وسيناريوهات أزمة النيجر .. هل يحدث تدخل عسكري؟
تصعيد مستمر منذ إعلان قائد الحرس الرئاسي عبد الرحمن تياني الانقلاب على رئيس النيجر محمد بازوم، واحتجازه منذ نهاية يوليو الماضي، وهو ما انعكس على تصارع الأحداث في البلاد، بدايةً من الموقف الغربي مقابل النفوذ الروسي المتصاعد في المنطقة، إلى الشأن الداخلي في البلاد، وأخيرًا التهديدات باستخدام مبدأ الحلول الأفريقية عبر التدخل العسكري لاستعادة الديمقراطية من قبل “الإيكواس” وبدعم غربي للحفاظ على مصالحهم في البلاد. ما هي تداعيات الانقلاب والسيناريوهات المتوقعة خلال الفترة القادمة؟
تداعيات ممتدة
أطاح القائد العسكري عمر عبد الرحمن تياني، والذي كان قائد الحرس الرئاسي، بالرئيس الفعلي للبلاد محمد بازوم، في 26 يوليو الماضي، ونصب نفسه رئيس المجلس العسكري بعد احتجاز الأخير. وقام بسلسلة اعتقالات لعدد من الوزراء والسياسيين؛ بدعوى الانعدام الأمني في البلاد. فيما تداول البعض خبر الخلاف بين “بازوم” و”تياني” على خلفية أن الرئيس السابق “يوسوفو” هو من قام بتعيينه والذي بدوره منع عنه انقلابين سابقين متتاليين.
فيما برز الخلاف بين “تياني” و”بازوم” إلى حد أن تداولت وكالات الأنباء خبرًا عن إمكانية عزله من منصبه وعمل إصلاحات كبيرة. ليكون الانقلاب الحالي هو أبرز ثالث انقلاب في منطقة الساحل الأفريقي بعد مالي وبوركينا فاسو، والتي انعكست على عدد من الأوضاع في المنطقة عقب رفض الغرب لتلك الإجراءات، وتعميق الوجود الروسي في المنطقة.
ومن ثم فإن هناك انعكاسات عدة لانقلاب النيجر نتيجة تغير موقف الغرب، وبالتالي فإن الورقة الأخيرة لهم في منطقة الساحل ستدفع بعدم التخلص والانسحاب بشكل كامل كما حدث مع دول الجوار، وبالتالي سيؤدي الانقلاب لعدد من التداعيات والتصعيد على المستوى الاقتصادي والأمني والعسكري والاستقرار الداخلي، وهو ما يبرز في التالي:
الرعايا الدوليين: بدا الموقف الغربي المناهض للانقلاب في تصريحات عدة من القادة الأوروبيين والولايات المتحدة في المطالبة بعودة الديمقراطية والاستقرار للبلاد. وعلى غرار الوضع السوداني، بدأت الدول الكبرى مثل فرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا وألمانيا بعمل خطة لإجلاء رعاياها من النيجر، وهم ما بين 500 إلى 600 مواطن، وذلك على خلفية العداء الواضح من الوجود الفرنسي، في ظل مظاهرات مناهضة لوجود “الاستعمار الفرنسي”، وبداية رفع العلم الروسي على غرار ما حدث في مالي وبوركينا فاسو.
انقسامات داخلية: ينحدر الرئيس المعزول محمد بازوم، المنحدر من الأقلية العربية المتمركزة في شرق النيجر والتي تمثل نحو 1,5% من السكان، فكان أول رئيس عربي يتسلم السلطة منذ استقلال النيجر عام 1960. ويعد عزله تهديدًا للقبائل العربية التي كان يغلب عليها طابع البداوة، في ظل حملة الاضطهاد من الحكومة النيجرية، والتي وصلت إلى حد طلب ترحيلهم إلى تشاد. وانخرطت هذه القبائل مؤخرًا -بجانب الرعي والزراعة والصناعة- في الحياة السياسية والجيش؛ في محاولة لمواجهة التهميش التي تعاني منه، ولعل أبرز المناصب التي حصلت عليها هو وصول “بازوم” إلى رأس السلطة، بجانب نسبة وجودهم في البرلمان، وهو ما سيحتاج إدارة واعية للحفاظ على مكاسبهم التي تحققت. فضلًا عن أن انتشار القبائل العربية في النيجر وتهم مشاركتها بجانب قبائل تشاد في السودان والحديث حول تعاون القبائل المسلحة في المنطقة، قد يزيد من حالة الهشاشة الأمنية وزيادة قوة القبائل المسلحة.
وتعيش في النيجر 5 عرقيات تتحدث بنحو 5 لغات مختلفة، واللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية بالرغم من ديانة نحو 90% من مواطني الدولة هي الإسلام. وأبرز هذه العرقيات: الهوسا والمنتشرة في دول الجوار وخاصةً نيجيريا، بجانب السونجاي، والطوارق، والفولان، والكانوري. وعزا المحللون إلى هذا الاختلاف السبب في التفكك الداخلي في دعم البعض لقادة الانقلاب ومهاجمة منزل الرئيس المعزول رافعين الأعلام الروسية بدعوة من حركة “إم 62″، وهي ائتلاف يضم منظمات المجتمع المدني، مقابل خروج مظاهرات أخرى لتأييد محمد بازوم ودعوة الجيش للرجوع إلى مساكنه، حيث لا ترغب القبائل العربية خسارة مكاسبها السياسية المحققة بوصول محمد بازوم.
وعلى المستوى السياسي، فإن الأحزاب المعارضة لسياسة “بازوم” وبعض منظمات المجتمع المدني انتقدت الانقلاب؛ دعمًا لفكرة الديمقراطية. فيما كان هناك حديث عن انقسام عسكري نفاه رئيس الحركة الوطنية والمجلس العسكري عبد الرحمن تياني.
وعلى الصعيد الأمني، فبجانب أزمة اللاجئين والمقدرة أعدادهم بنحو 255 ألف في 2022 قادمين من مالي ونيجيريا، يشهد المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينافاسو نشاطًا إرهابيًا من “داعش” تزايد بعد سحب القوات الأممية من مالي “مينوسما”، بجانب “بوكو حرام” التي تنشط في نيجيريا وتشاد.
وفي ظل تجميد الاتفاقيات العسكرية، وسحب المساعدات المالية، والخلاف بين العسكرين والسياسيين، والدعم الخارجي لطرف دون الآخر في ظل التنافس الروسي الفرنسي وعدم وجود نية للحوار، بجانب الجماعات الإرهابية المحلية المنقسمة طائفيًا وعرقيًا مثل أنصار الدين والمرابطون وكتيبة ماسينا” والتي سيطرت على موارد الدولة من اليورانيوم؛ فإن الوضع سيشهد تأزمًا داخليًا خلال الأيام القادمة.
الصادرات من اليورانيوم: برز ملف اليورانيوم على الساحة عقب إعلان المجلس العسكري وقف التعاون مع فرنسا والاتحاد الأوروبي في تصدير اليورانيوم، والمستخدم في إمدادات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، وتمثل صادرات اليورانيوم إلى فرنسا وحدها نحو 35% من الاحتياجات الفرنسية، وكان من المتوقع أن تتزايد مع زيادة الخطة الفرنسية في زيادة عدد المحطات.
واستحوذت النيجر على 4.7% من الإنتاج العالمي لعام 2021، وانتجت نحو 2.9 ألف طن محققة المركز السادس عالميًا حتى أخر عام 2020 بحسب بيانات الرابطة النووية العالمية، متفوقة على كلٍ من روسيا والصين وأوكرانيا والولايات المتحدة، وهو ما أدى إلى تحرك أوروبي؛ في محاولة لتقليل الأزمة “على المدى القصير”، فصرحت وكالة إمداد الطاقة النووية التابعة للاتحاد الأوروبي أن تخفيض صادرات النيجر من اليورانيوم لن يؤثر على المدى القصير نتيجة وجود مخزون كافٍ من الممكن أن يستمر لثلاث سنوات، كما سبق وأن انتهجن فرنسا سياسة تنوع مصادر الطاقة عقب تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية على إنتاجها، وبالتالي وقعت فرنسا اتفاقية مع منغوليا لإنتاج اليورانيوم بعقد لمدة 30 عامًا.
على الرغم من هذا الإنتاج الضخم، فإن الدولة المنتجة لم تستطع أن تستفيد بهذا الإنتاج الضخم المتراجع مؤخرًا؛ نتيجة انسحاب العديد من الشركات الكبرى لعدم توافر الموارد. وكذلك يمثل اليورانيوم ما لا يزيد عن 5% من حجم موازنة الدولة؛ فالمستفيد الأكبر هي الشركات التي تعمل في الإنتاج والتنقيب، وهو ما أثر على استخدام ضعف الدولة في الضغط على الانقلاب الحالي لإفشاله، فأعلنت نيجيريا قطع الكهرباء عن النيجر في ظل عقوبات مجموعة غرب أفريقيا الاقتصادية “الإيكواس” للضغط لعودة “بازوم”، في ظل اعتماد النيجر على الكهرباء النيجيرية بنسبة 70%.
تهديدات التدخل العسكري: لم تتوقف تهديدات مجموعة “الإيكواس” واتخاذ نيجيريا -التي تتولى رئاسة المجموعة- قرار قطع الكهرباء، بل أعلنت مجموعة غرب أفريقيا عن خطة للتدخل العسكري بعد انتهاء مهلة المجلس العسكري بالتراجع عن الانقلاب في آخر بيان لها في 4 أغسطس الماضي، وذلك عقب فشل وفد المنظمة في مقابلة قائد الانقلاب عبد الرحمن تشياني، بعدما لم تتمكن تشاد في الوساطة لعودة “بازوم”. وفي السياق ذاته، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تأييده لقرارات “الإيكواس”، مع نفي وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا أي تدخل فرنسي عسكري في النيجر، وذلك عقب اتهام “تشياني” لباريس بالتخطيط للتدخل عسكريًا من أجل إعادة تنصيب “بازوم”.
وكانت تنظر الولايات المتحدة وفرنسا إلى النيجر بوصفها شريكًا موثوقًا فيه، ولكن في ضوء تراجع الوجود الغربي في المنطقة، تقف الولايات المتحدة في جانب عودة الرئيس المنتخب “بازوم”، وسبق وأن أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن ضرورة الإفراج عن رئيس النيجر، وحماية الديمقراطية، وأكد كذلك وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بالتزام الولايات المتحدة بإعادة الحكومة المنتخبة إلى السلطة وحماية حق الشعب في اختيار حكومته من المدنيين، دون التصريح المباشر بإمكانية التدخل عسكريًا.
وفي المقابل، تباينت مواقف الدول الأفريقية المجاورة للنيجر؛ ففي الوقت الذي أعلنت فيه السنغال وبنين قبيل انتهاء مهلة “الإيكواس” لإعادة “بازوم” للحكم استعدادها لإرسال قوات عسكرية، حذرت الجزائر من خطورة التدخل بجانب تشاد وليبيا. ورفضت كل من بوركينا فاسو ومالي التدخل عسكريًا في البلاد، وأنها على استعداد للوقوف أمام كل من يحاول الدخول، وهو ما ظهر في تشديد بيان المجلس العسكري النيجري على أن “أي عدوان أو محاولة عدوان” على دولة النيجر سيشهد ردًا فوريًا ودون إنذار من قوات الدفاع والأمن النيجرية باستثناء الدول الصديقة المعلقة عضويتها، في إشارة إلى بوركينا فاسو ومالي، فيما انضمت إليها غينيا في رفض العقوبات الاقتصادية التي فرضتها المجموعة على النيجر.
وهو ما أدى إلى غلق المجال الجوي النيجري مع انتهاء المهلة المقررة، في ظل أنباء حول تحرك دول مجاورة عسكريًا وحشد قواتها على حدود النيجر، وهو ما دفع قادة الانقلاب للحديث حول وجود وفد للتفاوض مع مجموعة “الإيكواس”، وذلك بعد رفض مقابلة “تياني” لهم خلال الزيارة الأخيرة للعاصمة نيامي، وعدم قدرة رئيس تشاد محمد ديبي على الوساطة لعودة الرئيس المعزول “بازوم”.
العقوبات الاقتصادية: فرضت القمة الطارئة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” المنعقدة في نيجيريا، سلسلة من العقوبات على قادة الانقلاب في النيجر، بجانب منح قادة الانقلاب مهلة أسبوع والتي تبعتها بالتهديد بالتدخل العسكري في النيجر، وتمثلت في: “حظر سفر وتجميد أصول المسؤولين عن الانقلاب، بجانب تجميد الدولة في البنوك المركزية للدول الأعضاء بها، وإيقاف جميع المعاملات التجارية والمالية بين النيجر وجميع الدول الأعضاء فيها.”
هذا وقد جمد البنك الدولي أنشطته وصرف أمواله لجميع عملياته في النيجر، نتيجة ما أسماه مساعي للإطاحة بالحكومة الديمقراطية، مع الاستمرار “بحذر” الشراكة مع القطاع الخاص. وسبق وأن أنفق البنك الدولي في النيجر 1,5 مليار دولار عام 2022، فيما لم يعلن صندوق النقد الدولي إيقاف برامج المساعدة بعد. وفي الوقت الذي أعلنت فيه باريس وقف المساعدات التنموية، أكدت الولايات المتحدة أنها ملتزمة بالعمل نحو إيجاد تسوية سليمة لاستمرار النيجر كشريك قوى في مجال الأمن الإقليمي والتنمية، بحسب تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر. هذا بجانب تعليق المساعدات البريطانية والألمانية التنموية طويلة المدى لدعم ميزانية النيجر، وتأييد الاتحاد الأوروبي على لسان مسئول السياسة الخارجية جوزيب بوريل إجراءات مجموعة “الإيكواس”.
النفوذ الروسي مقابل الانسحاب الغربي: تسعى الدول الغربية إلى حماية آخر قوات موجود لديها في دول الساحل الأفريقي، وذلك عقب إعلان المجلس العسكري إنهاء مهام سفراء النيجر في الدول التي وقفت ضد الانقلاب مثل: “فرنسا والولايات المتحدة ونيجيريا وتوجو”، بجانب إلغاء عدد من اتفاقيات التعاون العسكري المبرمة مع باريس وتتعلّق بـ”تمركز” الكتيبة الفرنسية، حيث تمتلك فرنسا نحو 1500 جندي في النيجر للمساعدة في مواجهة هجمات “داعش” و”القاعدة”، بجانب إعادة الولايات المتحدة 1000 جندي إلى قاعدة أغادير النيجرية لمكافحة الجماعات المسلحة في منطقة الساحل. في المقابل قررت فرنسا تعليق المساعدات التي وصلت إلى 120 مليون يورو حتى العام الماضي.
وهي خطوات تصعيدية من المجلس العسكري ضد الوجود الفرنسي في الساحل الأفريقي عقب انسحاب القوات الفرنسية من مالي الحليف الأول للغرب قبل انقلاب 2020، فقد كان لدى فرنسا حوالي 5400 جندي متمركزين في مالي وبوركينا فاسو، ذلك مقابل تمدد روسيا التي أنشأت علاقات عسكرية من خلال انتشار “فاجنر” في مالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى؛ لضرب استراتيجية “ماكرون” تجاه أفريقيا.
فبعد أن كانت المنطقة تمثل مركزًا لإقامة الجسور بين شرق العالم ودول الجنوب، صاغ الرئيس الروسي “بوتين” استراتيجية في القمة الروسية الأفريقية الأخيرة حول ضرورة تعاون دول الجنوب لمواجهة استغلال واستعمار الغرب، وتعميقها عبر التعاون بين مجموعة دول “البريكس” والمقرر انعقاد اجتماعها المقبل في جنوب أفريقيا.
وهو ما جعل من النيجر الحليف الغربي الوحيد في المنطقة، وبالتالي فإن نجاح الانقلاب يعني سقوط النفوذ الغربي، خاصة في ملفي الإرهاب والهجرة غير الشرعية، والاستفادة من الموارد الاقتصادية، خاصةً بعد تأييد قائد مجموعة “فاجنر” الروسية يفجيني بريجوزين، للانقلاب في النيجر، وظهر كذلك في خطاب “بازوم” وتصريحه بأن سقوطه يعني سقوط المنطقة تحت تأثير النفوذ الروسي عبر مجموعة “فاجنر” شبه العسكرية، وسط وجود تكهنات حول الدعم العسكري الذي تقدمه لقادة الانقلاب.
سيناريوهات مستقبلية
تنفيذ التهديد العسكري: وهو أمر من شأنه إشعال المنطقة المشتعلة بالفعل، نتيجة تداخل الأطراف الفاعلة؛ ففي حال تنفيذ تهديدات مجموعة “الإيكواس” المنقسمة من عملية التدخل، ستشهد المنطقة -المضطربة بالفعل على الحدود الجزائرية نتيجة الأزمات في ليبيا والسودان، والإرهاب في خليج غينيا ودول الساحل- مزيدًا من التدخلات الدولية التي تدعم فكرة “الحرب بالوكالة” من خلال دعم طرف ضد الآخر، خاصةً مع تحرك بعض جيوش المنطقة لدعم النيجر حسبما أعلنت بوركينا فاسو ومالي.
المشهد التفاوضي: تتمسك مجموعة “الإيكواس” والدول الغربية بعودة الرئيس المعزول “بازوم” إلى السلطة، فيما يتمسك قادة الانقلاب بالحكم في ظل حالة الانقسام الداخلي. ويلاحظ أن خطاب “الإيكواس” تغير من فكرة العقوبات الاقتصادية وتعليق العضوية التي نفذتها مع انقلابي مالي وبوركينا فاسو إلى التدخل العسكري في النيجر -الورقة الاخيرة لفرنسا في المنطقة- إلا أن الدخول في حالة حرب سيوسع من رقعة الصراع نتيجة دخول دولتي مالي وبوركينا فاسو وإعلانهما أن أي تعدٍ على النيجر هو بمثابة تعدٍ عليهما، بجانب الانقسام الداخلي في دعم العمل العسكري مع تغير مواقف بعض الدول مثل نيجيريا التي رفض برلمانها تلك العملية العسكرية. علاوة على أن “الإيكواس” ستجد صعوبة في التحرك العسكري تتمثل في استخدام الأراضي الحدودية الشمالية التي رفضت العملية العسكرية والتي ستضطرها لحماية حدودها وأهمها الجزائر بجانب تشاد وليبيا، مما يجعل التحرك جنوبًا في نيجيريا –التي تغير موقفها نتيجة وجود قبائل الهوسا كأغلبية على رأس الجيش النيجيري وهم القبائل المنتشرة في النيجر وينحدر منها قائد الانقلاب الحالي عمر تياني– وبنين، وبالتالي حشد القوات النيجرية في الجنوب.
وربما تقابل هذه التحديات العسكرية تحركًا تفاوضيًا من المجلس العسكري الرئاسي تجاه مجموعة “الإيكواس” مع انتهاء المهلة المحددة للتفاوض حول قيادة البلاد، والتي سيغلب عليها خارطة طريق انتقالية مثلما حدث مع مالي وبوركينا فاسو، تتمثل في وضع خريطة زمنية لمجلس انتقالي حالي، وصولًا إلى انتخابات ديمقراطية عقب عملية الإصلاح السياسي والأمني. وهو ما بدأ بالفعل بإعلان المجلس العسكري في النيجر تعيين حكومة جديدة برئاسة الخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق علي الأمين.
الحرب بالوكالة مقابل التفاوض: وينذر هذا المشهد الذي قد ينتج بدفع من قوى خارجية للحفاظ على مصالحها بدعم النظام المعزول، في ظل الانقسام الداخلي، لفرض السيطرة على الأرض في ظل وجود قوات أجنبية وقواعد عسكرية لفرنسا والولايات المتحدة في الداخل، مقابل نشاط “فاجنر” في المنطقة المحيطة، والنشاط الإرهابي لداعش في المثلث الحدودي مع مالي وبوركينا فاسو، وبالتالي صعوبة التعاون العسكري البري بين الدول الثلاث في المثلث الحدودي، والتي ستكون بمثابة إنذار لكل من يرفض التدخل الخارجي ويبعد عن عباءة الغرب، لتكوين مشهد هش يسيطر عليه الغرب. يدفع بعد ذلك إلى مشهد تفاوضي عقب السيطرة على أرض النيجر وإضعاف مقدراتها، والعودة إلى الحديث عن الفترات الانتقالية، والمواءمات السياسية في ظل انقسام الساسة والعسكريين بين رفض الوجود الاستعماري الغربي ودعم روسيا.
تضعنا المشاهد السابقة أمام حالة مستعصية جديدة على غرار حالات كل من ليبيا وسوريا والسودان، بدءًا عملية إجلاء الرعايا تمهيدًا لطرح التدخل العسكري الذي أصبحت المنظمات الأفريقية تتبناه مثل مجموعة “الإيجاد” بخصوص السودان، أو مجموعة “الإيكواس” بخصوص النيجر، في ظل رفض الانقلاب على الديمقراطية بينما تدعم تلك المنظمات فكرة “استعادة الديمقراطية بالقوة” بدعم من قوى خارجية اتخذت مبدأ الحرب بالوكالة. وهو ما يتطلب موقفًا من الاتحاد الأفريقي؛ لوقف مثل هذه التدخلات التي أضعفت مقدرات الدول الوطنية وأعطت فرصة لسيطرة الغرب المرفوض داخليًا في ظل خطة تقسيم الموارد الأفريقية وإضعافها نتيجة تقاربها مع روسيا، وظهر ذلك في مواقفهم الدولية السابقة. وربما ستشهد الفترة المقبلة مسرحًا عسكريًا جديدًا في حال فشل المفاوضات التي ستقوم على مبدأ المواءمات والمصالح الدولية في المنطقة.