دول المشرق العربيمصر

تعزيز الشراكة: أبعاد التعاون بين مصر والأردن

أجرى رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي زيارة إلى العاصمة الأردنية عمّان مساء 6 أغسطس الجاري، في سياق الانعقاد الدوري لاجتماعات اللجنة المصرية- الأردنية المشتركة في دورتها الحادية والثلاثين في 7 أغسطس 2023، وسبقتها الدورة الثلاثون في فبراير 2022. كان في استقباله رئيس الوزراء الأردني “بشر الخصاونة”، وعلى هامش الزيارة التقى بالملك “عبد الله الثاني “العاهل الأردني، والأمير “الحسين بن عبد الله” ولى العهد. ورافق رئيس الوزراء كل من وزير الكهرباء والطاقة المتجددة محمد شاكر، ووزير البترول والثروة المعدنية طارق الملا، ووزير الصحة والسكان خالد عبد الغفار، ووزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد، ووزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط، ووزير النقل كامل الوزير، ووزير التجارة والصناعة أحمد سمير، ووزير العمل “حسن شحاتة”. ضمن هذا الإطار تناقش هذه الورقة أبعاد الشراكة بين مصر والأردن، ومخرجات اجتماعات اللجنة المصرية الأردنية المشتركة. 

أبعاد الشراكة

تُعد الزيارة خطوة مكملة للمسار المتبع منذ إطلاق اللجنة المصرية -الأردنية المشتركة منذ ثمانينيات القرن الماضي في عام 1985، وبما يعكس حجم وتنامي الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين، فضلًا عن نجاح مخرجات الاجتماعات السابقة؛ إذ كان أبرز إنجازاتها خط الغاز العربي لتأمين إمداد الغاز للدولتين، بالإضافة إلى خط الربط الكهربائي للتمكن من تبادل الطاقة مع العراق والدول الأخرى. وهناك تطلعات مستقبلية لتحقيق طفرة في تجارة “الترانزيت” في ضوء عمليات التطوير التي تشهدها الموانئ المصرية على البحرين المتوسط والأحمر، بالإضافة إلى تطوير شبكة الطرق؛ بما يعزز فرص التصدير مع الخارج بأقل تكلفة، وبما يحقق مكاسب لكلا الدولتين. 

في هذا الصدد؛ يتم التطرق هنا إلى أبعاد الشراكة بين مصر والأردن على النحو التالي: 

• علاقات وثيقة: تتسم العلاقة بين الدولتين بالشراكة الاستراتيجية، وترسخت دبلوماسيًا في 1946 عقب حصول الأردن على استقلاله. ويعكس تنامى عدد الزيارات بين الطرفين خلال الفترة الأخيرة مستوى التعاون والشراكة الاستراتيجية سواء على مستوى القيادات أو ووزراء الخارجية، وكمؤشر يدلل على طبيعة العلاقات العربية التعاونية. 

وتتمتع الدولتان برؤية مشتركة تجاه قضايا الأمن العربي، وتُعد القضية الفلسطينية قاسمًا مشتركًا في السياسة الخارجية لكل من الأردن ومصر؛ إذ تبذل الدولتان جهودًا حثيثة لخفض التحديات التي يواجهها الأشقاء في الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى العمل على تحقيق السلام العادل والشامل وفقًا للثوابت العربية ومقررات الشرعية الدولية، بالإضافة إلى أهمية الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة، فضلًا عن الدور المصري في وقف التصعيد المتكرر ضد غزة.

تمثلت هذه الجهود في استضافة قمم ولقاءات بين أطراف القضية في سبيل تحقيق السلام وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، وآخرها اللقاء المنعقد في شرم الشيخ في مارس 2023 بين مصر والأردن وإسرائيل وفلسطين والولايات المتحدة؛ استكمالًا للقاء العقبة في فبراير 2023، والتي دارت مخرجتها حول العمل على تحقيق السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ووقف الاستيطان الإسرائيلي، وعدم المساس بالوضعية التاريخية القائمة للأماكن المقدسة.

من ناحية ثانية؛ تتمتع القيادة السياسية في الدولتين بتوافق في الرؤى تجاه أزمات المنطقة، مع التأكيد على الحفاظ على الدولة الوطنية، وتحقيق الاستقرار في الدول العربية، والعمل على التوصل إلى حل سياسي لأزمات ليبيا واليمن وسوريا والعراق ولبنان والسودان. بالإضافة إلى الدور المهم للأردن والداعم لمصر في ملفها المائي؛ نظرًا لكون الأمن المائي المصري جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، ومساندة مصر والسودان في حماية حقوقها مع دعم التوصل إلى حل يحفظ حقوق جميع الأطراف في مياه النيل.

• المشرق الجديد: جمعت عدة لقاءات مسؤولي الدولتين على مستوى القادة والرؤساء والوزراء مع نظرائهم العراقيين؛ بهدف تعزيز التعاون الثلاثي، ومنها اجتماع آلية التنسيق المشترك بين الدول الثلاث في أكتوبر 2020. بما يمثل تجسيدًا للتعاون والتنسيق المشترك بين مصر والأردن والعراق، والتي سبقها لقاءات قمة عقدت في العاصمة عمان في 25 أغسطس 2020 بين الرئيس “عبد الفتاح السيسي” والملك “عبد الله الثاني” ملك الأردن ورئيس الوزراء العراقي السابق “مصطفى الكاظمي، وقد سبقها أيضا قمة ثلاثية في القاهرة بين الدول الثلاث في عهد رئيس الوزراء العراقي الأسبق “عادل عبد المهدى” في 24مارس 2019، وأخرى في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في سبتمبر 2019.

وكان لمصر والأردن جهود حثيثة في جذب العراق إلى محيطه العربي عبر تعزيز التكامل من خلال مشروع المشرق الجديد، يرتكز المشروع في جوهره على التعاون الاقتصادي في مجالات الطاقة والكهرباء حيث يتم في مجال الطاقة مد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق إلى ميناء العقبة في الأردن ثم إلى مصر، ويقوم العراق باستيراد الكهرباء من مصر والأردن، بالإضافة إلى تطوير المناطق الصناعية المشتركة، والتعاون في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة ودعم الابتكار وريادة الأعمال والتعاون في قطاعات الصحة والبنية التحتية بالإضافة إلى زيادة التبادل التجاري. 

• الشراكة الصناعية: تتمثل أحد أبعاد الشراكة الاستراتيجية بين مصر والأردن في الانضمام إلى مبادرة الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة والتي أُطلقت في التاسع والعشرين من مايو 2022 في الإمارات، وقد انضمت البحرين لاحقًا في الاجتماع الثاني للمبادرة( وتضم بذلك مصر والأردن والإمارات والبحرين). وتمثل المبادرة خطوة مهمة لتعزيز التنافسية ومكانة المنطقة في مجال التصدير؛ إذ تقود تعزيز دور القطاع الصناعي إلى زيادة في نمو الإنتاج المحلي، وخفض تكلفة المنتجات، مع منح شركات القطاع الخاص التوسع في أعمالها بما يخلق فرص عمل جديدة.

التجارة والاستثمار: وقعت الدولتان اتفاقية التبادل التجاري الثنائي الحر في عام 1998، ويقدر حجم الاستثمارات الأردنية في مصر بنحو ملياري دولار، وتُقدر الاستثمارات المصرية في الأردن بنحو مليار دولار. ومن أهم الصادرات الأردنية لمصر: الأسمدة، والأدوية. بينما تتركّز الواردات المصرية للأردن في: منتجات الألبان، والمنتجات الغذائية، والأثاث، والحديد، والفولاذ، والخضراوات. وقد بلغ حجم الصادرات الأردنية إلى مصر في الربع الأول من عام 2023 نحو 46.1 مليون دولار، فيما بلغت الصادرات المصرية إلى الأردن نحو 229.3 مليون دولار في الفترة ذاتها.

على نحو آخر؛ تُسهم العمالة المصرية في قطاعات حيوية في الأردن منها الإنشاءات والزراعة والتعدين، ووفقا لتقديرات وزارة الخارجية الأردنية فإن هناك نحو 800 ألف مصري في الأردن، وتستضيف مصر نحو 20 ألف أردني. وفى مجال التبادل الثقافي؛ يبلغ عدد الطلبة الأردنيين في مصر 5 آلاف طالب، أما عدد الطلبة المصريين في الأردن فبلغ نحو 7 طلاب.

مخرجات الدورة الحادية والثلاثين لاجتماعات اللجنة المصرية- الأردنية

عقب اجتماعات اللجنة المصرية الأردنية في دورتها الحادية والثلاثين المنعقدة في عمان في 7 أغسطس الجاري وبحضور رئيس الوزراء المصري” مصطفى مدبولي، ورئيس الوزراء الأردني ” بشر الخصاونة” تم توقيع عدد من الوثائق في مجالات عديدة بما يعزز التعاون الثنائي بين الدولتين، خاصة في مجال رسم السياسات الاقتصادية والتنموية، وتبادل الخبرات بين وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية بمصر، ووزارة التخطيط والتعاون الدولي بالأردن، وأخرى بين الهيئة العامة للرقابة المالية بمصر، وهيئة الأوراق المالية بالأردن. ومذكرة للتفاهم بين الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي في مصر والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي الأردني، وأخرى بين وزارتي الصحة في مصر والأردن، ومذكرة للتفاهم بين وزارة الأوقاف المصرية ونظيرتها الأردنية، بالإضافة إلى اتفاق ثنائي بين الهيئة القومية للبريد بمصر، ومؤسسة بريد الأردن في مجال خدمات الدفع البريدي الإلكتروني.

ذلك فضلًا عن توقيع البرنامج التنفيذي للتعاون بين الدولتين في مجال حماية البيئة للفترة من 2023-2025، وبرنامج تنفيذي للتعاون في مجال الشئون الاجتماعية للأعوام 2023/2024، وبرنامج تنفيذي للتعاون الثقافي للفترة 2023-2026، وأيضًا برنامج تنفيذي للتعاون في مجال التدريب المهني لعامي 2023-2024، والبرنامج التنفيذي السابع لاتفاقية التعاون في مجال القوى العاملة لعامي 2023-2024. 

ومن المرجح الاتجاه إلى تعزيز التعاون في مجالات مستقبلية مثل: الطاقة الجديدة والمتجددة، وطاقة الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، وربط الدولتين من خلال شبكة بنية أساسية خاصة أن ربط مشروعات الربط الكهربائي بين مصر والأردن تصل قدرته إلى 550 ميجا وات ومن المستهدف الوصول بقدرته إلى 2000 ميجا وات بهدف نقل الطاقة الكهربائية إلى عدد من الدول الأخرى. 

ختامًا؛ يعكس التنسيق المستمر ودورية انعقاد اجتماعات اللجنة المصرية- الأردنية تنامي مستوى الشراكة واتجاهًا نحو تحقيق التنمية متعددة الأبعاد في مختلف المجالات؛ الأمر الذي ينعكس على مستوى معيشة المواطنين، وبما يواكب التحديات التي تطرأ بين حين وآخر. وتمثل الشراكات في إطار مشروع المشرق الجديد أو مبادرة الشراكة الصناعية التكاملية لتحقيق تنمية مستدامة نماذج مهمة للعمل العربي المتعدد الأطراف والتكاملي.

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى