مصر والأردن ونموذج التعاون العربي المنشود
شهدت الأراضي الأردنية انعقاد اجتماعات الدورة الـ 31 للجنة العليا المصرية الأردنية، بمشاركة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي. وترتبط أهمية زيارة رئيس الوزراء والوفد المرافق له إلى الأردن، بعدد من الاعتبارات الرئيسية وعلى رأسها: كم التحديات المشتركة التي تواجه البلدين والمنطقة في هذه الفترة الحرجة، فضلاً عن اعتبارات أخرى ثنائية ترتبط بشكل رئيس بكون العلاقات المصرية الأردنية نموذجًا للتعاون العربي المشترك المنشود؛ إذ تتطابق رؤى الدولتين في العديد من الملفات، خصوصًا إزاء الأزمات التي تشهدها المنطقة.
زيارة حافلة بالمباحثات
بدأت بمقر رئاسة الوزراء بالعاصمة الأردنية عمان، اجتماعات الدورة الحادية والثلاثين للجنة العليا المصرية الأردنية المشتركة، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وبشر الخصاونة، رئيس مجلس الوزراء الأردني، بحضور عدد من الوزراء وكبار المسؤولين من الجانبين المصري والأردني.
وحضر اجتماعات الدورة الحادية والثلاثين للجنة العليا المصرية الأردنية المشتركة، من الجانب المصري: محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، وطارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، وخالد عبد الغفار، وزير الصحة والسكان، وهالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، ورانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، وكامل الوزير، وزير النقل، وأحمد سمير، وزير التجارة والصناعة، وحسن شحاتة، وزير العمل، ومحمد سمير، سفير مصر لدى الأردن، وعلاء موسى، مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية، ومسؤولو الجهات المعنية.
فيما حضر الاجتماعات من الجانب الأردني: يوسف الشمالي، وزير الصناعة والتجارة والتموين ووزير العمل، وماهر أبو السمن، وزير الأشغال العامة والإسكان ووزير النقل، وصالح الخرابشة، وزير الطاقة والثروة المعدنية، وفراس الهواري، وزير الصحة، وزينة طوقان، وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، وأمجد العضايلة، سفير الأردن لدى مصر، ومندوبها الدائم بجامعة الدول العربية، وعدد آخر من المسؤولين الأردنيين.
وفي سياق متصل، استقبل الملك عبد الله الثاني بن الحسين عاهل المملكة الأردنية الهاشمية، رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، وعلى هامش اللقاء أشاد ملك الأردن بعلاقات الأخوة التاريخية التى تربط مصر والأردن، مُعربًا عن تقديره لأخيه الرئيس عبدالفتاح السيسي، وما يجمعهما من علاقات أخوية وتنسيق متواصل، مشيدًا بتطابق المواقف والرؤى بين مصر والأردن تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية. وأعرب الملك عبد الله الثانى عن ترحيبه بما تم التوافق عليه بين الوفدين المصري والأردني من موضوعات تعاون مختلفة، مؤكدًا حرصه على المتابعة المستمرة لمسيرة تطوير وتعزيز العلاقات مع مصر، وأشار كذلك إلى ضرورة بذل الجهد لتسريع تنفيذ مجالات التعاون الثلاثي مع العراق الشقيق.
وتعكس معطيات الزيارة لا سيما على مستوى طبيعة المسؤولين المشاركين في المباحثات الثنائية، فضلًا عن الملفات التي تم طرحها على طاولة النقاش، الأهمية الكبيرة للزيارة، وكونها جزءًا من التطور الكبير الذي شهدته العلاقات بين البلدين، ووصولها إلى مستوى كبير من الشراكة الاستراتيجية.
تطابق كبير في الرؤى
يمكن القول إن العلاقات المصرية الأردنية مثلت في السنوات الأخيرة، نموذجًا للتعاون والتكامل العربي المنشود، حتى أن بعض الدوائر تنظر إلى التعاون المصري الأردني العراقي على أنه نموذج لتحالف جديد في المنطقة يُطلق عليه “مشروع المشرق الجديد”. ويمكن بيان خصوصية العلاقات المصرية الأردنية واستراتيجيتها في السنوات الأخيرة، وذلك على النحو التالي:
1- استراتيجية تعزيز العلاقات القائمة: يجد المتابع لمسار التعاون المصري الأردني في السنوات الأخيرة أن هذا المسار اعتمد على نهج يستهدف تعزيز العلاقات القائمة والدفع بها إلى مستويات أكثر صلابة وأعلى تنسيقًا، وهو النهج الذي ارتكز على عدد من المشتركات بين البلدين، خصوصًا ما يتعلق بالسعي إلى تعزيز العمل العربي المشترك، في مواجهة التحديات الإقليمية الراهنة.
2- رؤى مشتركة تجاه أزمات المنطقة: جاء النهوض الكبير والتكامل المصري الأردني في السنوات الأخيرة مدفوعًا بوجود أسس سياسية له، إذ تتطابق الرؤى المصرية الأردنية بخصوص العديد من قضايا المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والتهديدات الأمنية التي تعاني منها المنطقة، فضلًا عن الموقف الثابت من التدخلات الخارجية في شؤون دول المنطقة، وهو الموقف الذي يقوم على رفض هذه التدخلات، والتأكيد على ضرورة الحفاظ على مفهوم الدولة الوطنية.
3- تعاون اقتصادي واعد: إحدى الركائز الأساسية للعلاقات المصرية الأردنية تتمثل في الجانب الاقتصادي، وذلك في ضوء بعض المؤشرات الرئيسة، فعلى سبيل المثال تعد مصر واحدة من أكبر شركاء التجارة للأردن في منطقة الشرق الأوسط، وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع قيمة الصادرات المصرية للأردن لتصل إلى 669 مليون دولار خلال الـ11 شهرًا الأولى من عام 2022 مقابل 654 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 2.3%، وبلغت قيمة الواردات المصرية من الأردن 225 مليون دولار خلال الـ11 شهرًا الأولى من عام 2022 مقابل 180 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 25%.
وفي سياق متصل، شهدت مصر والأردن زيادة في حجم الاستثمارات المتبادلة في السنوات الأخيرة، وبلغت قيمة الاستثمارات الأردنية في مصر 52.5 مليون دولار خلال العام المالي 2020 /2021 مقابل 22.8 مليون دولار خلال العام المالي 2019 /2020 بنسبة ارتفاع قدرها 130.3%، وتشترك مصر والأردن في اتفاقيتين للتجارة الحرة، هما اتفاقية أغادير والجافتا “منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى”، والتي يصل حجم تداولها إلى 1.185 مليار دولار سنويًا، فضلًا عن العديد من أوجه التعاون الاقتصادية الأخرى.
4- نواة لتحالف عربي جديد: تمثل العلاقات المصرية الأردنية، وما تشهده من نهوض استراتيجي ومسار تكاملي، نواة لتحالف عربي جديد يشترك فيه إلى جانب مصر والأردن، دولة العراق، وهو التحالف الذي عبر عنه عقد العديد من القمم المشتركة، والتي أنتجت “سكرتارية تنفيذية” يكون مقرها بالتناوب سنويًا في إحدى الدول الثلاث، وهي الخطوة التي تمخضت عن القمة التي عُقدت في الأردن في أغسطس 2020، وعكست وجود توجه نحو ترجمة هذا التقدم الذي تشهده العلاقات عبر آليات مؤسسية تسهم في تنفيذ الخطط التنموية والاقتصادية المُتفق عليها.
وفي الختام يمكن القول إن التحالف المصري الأردني في السنوات الأخيرة يمثل تجسيدًا لنموذج التعاون والتكامل العربي المنشود، خصوصًا أن هذا التحالف يقوم على ركائز متنوعة تاريخية وثقافية وسياسية، فضلًا عن أنه يأتي مدفوعًا بوجود عدد من التهديدات المشتركة التي تواجه البلدين والمنطقة.