الولايات المتحدة وأستراليا.. ما هي أبعاد التحالف غير القابل للكسر بين البلدين؟
حتى مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، ومواجهة الولايات المتحدة سلسلة طويلة من التحديات لحماية الأمن الأوربي؛ تظل منطقة المحيطين الهندي والهادئ المسرح الأساسي للمنافسة الاستراتيجية لميزان القوى المدفوع بالتحديث العسكري المستمر للصين، وتزايد إصرار الولايات المتحدة وأستراليا وحلفائهما في المنطقة لمواجهة القدرات العسكرية الهائلة للصين.
وبإضافة بُعد جديد للعلاقات الأمريكية الاسترالية، نجحت جهود التعاون الدفاعي الأمريكية في توطيد العلاقات مع الحلفاء والشركاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ للحفاظ على تفوقها في مواجهة القوة العسكرية المتنامية للصين. وفي إطار سلسلة من الاتفاقات مع أستراليا، اتفق البلدان خلال المشاورات الوزارية السنوية الثالثة والثلاثين بينهما (AUSMIN) على تشكيل مركز استخبارات مشترك، داخل منظمة استخبارات الدفاع الأسترالية بحلول عام 2024 لمراقبة القضايا ذات الاهتمام الاستراتيجي المشترك في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وستشهد أستراليا كذلك وصول المزيد من القوات الأمريكية مع عدد من الطائرات والسفن والأسلحة الثقيلة؛ في خطوة لتعزيز التعاون العسكري، بالإضافة إلى اتفاقيات لزيادة الوجود العسكري الأمريكي، وإشراك أستراليا في التعرف على القدرات الدفاعية الأمريكية. وتشمل الاتفاقيات بين الولايات المتحدة وأستراليا أيضًا مزيدًا من التعاون في مجال الفضاء والاستثمارات في البنية التحتية العسكرية الأسترالية.
أهداف متعددة
تدرك أستراليا جيدًا أنها بحاجة إلى تعزيز دورها في الحفاظ على النظام الإقليمي في سياق التراجع النسبي لنفوذ الولايات المتحدة في آسيا، وترى أن الولايات المتحدة رمانة الميزان التي لا غنى عنها في المنطقة. بالتوازي، تسعى الولايات المتحدة إلى استعادة ريادتها في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ، حيث يبلغ عدد القوات الأمريكية في المنطقة نحو 106 آلاف جندي، لذلك حمل الاتفاق بين الولايات المتحدة وأستراليا العديد من الأهداف، أبرزها:
تعزيز قدرات القوات الأمريكية: وزيادة التعاون الدفاعي الصناعي مع كانبيرا، وهي خطوات لا توسع البصمة العسكرية لواشنطن في المنطقة فحسب، بل تجعلها أكثر مرونة في مواجهة التهديدات المحتملة. ولن تتوقف فقط على نشر القوات والسفن والطائرات والأسلحة الأمريكية في أستراليا، ولكن أيضًا دمج اليابان في المبادرات العسكرية بين الولايات المتحدة وأستراليا، بما في ذلك التدريبات الخاصة بمقاتلات “F-35”. وتأتي التعزيزات وسط توتر متصاعد بين الغرب من جهة وموسكو وبكين من جهة أخرى، بالتزامن مع ما يشبه سباق تسلح تشهده المنطقة في المحيط الهادئ من قبل حلفاء أمريكا من جهة وبكين من جهة أخرى. فقد شهد بحر الصين مؤخرًا استعراضًا للقوة، حيث مر العديد من السفن الحربية الأمريكية بوتيرة متزايدة خلال السنوات الماضية.
توسيع قاعدة إنتاج الصواريخ: ستساعد الولايات المتحدة أستراليا في إنتاج أنظمة صاروخية موجهة متعددة الإطلاق بحلول عام 2025. وسيتم توسيع قواعد القوات الجوية الشمالية النائية لاستيعاب الطائرات الأمريكية، وستبدأ الولايات المتحدة في تخزين الإمدادات العسكرية في أستراليا. هذه التحركات لا تتعلق بالدفاع عن أستراليا بقدر ما تتعلق بتحويل البلاد إلى قاعدة للعمليات الأمريكية الهجومية في آسيا والمحيط الهادئ، حيث يعتقد الكثيرين أن الصراع أمر لا مفر منه في المستقبل القريب. خاصة أن المواقع الأسترالية أقل عرضة للأسلحة الصينية بعيدة المدى.
الضغط على سلاسل الإمدادات: ستتعاون واشنطن مع أستراليا لتطوير صناعتها الصاروخية الناشئة من أجل تأمين إمدادات موثوقة لقواتها المسلحة مستقبلًا؛ فقد شكلت الحرب الروسية الأوكرانية ضغطًا كبيرًا على سلاسل إمدادات الأسلحة في الولايات المتحدة وأدت إلى تراجع مخزونها من الصواريخ وغيرها من الذخائر. وتعمل أستراليا حاليًا على تعزيز قواتها المسلحة مع التركيز على امتلاك قدرات على توجيه ضربات عسكرية بعيدة المدى لإبعاد أعداء محتملين مثل الصين. كذلك وافقت كانبيرا على إعادة تأهيل قواعد عسكرية في شمال البلاد الذي يتسم بأهمية استراتيجية، حتى تتمكن من إيواء تدريبات وتسمح بتكثيف مناوبات القوات الأمريكية.
تعزيز التعاون الاستخباراتي: سيسهم مركز الاستخبارات المشترك في زيادة تعزيز التعاون طويل الأمد في مجال الاستخبارات بين البلدين، وستكون مهمته تحليل القضايا ذات الاهتمام الاستراتيجي المشترك في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وسيتم إرسال المحللين العسكريين الأمريكيين للعمل في منظمة استخبارات الدفاع الاسترالية حيث يكثف الحليفان جهودهما المشتركة للتدقيق في تحركات الصين وروسيا وكوريا الشمالية في المنطقة.
ردع النفوذ الصيني: الهدف المشترك هو أن يرد البلدان بقوة على التحدي الأمني المتزايد للصين، لقد كانت أستراليا لسنوات عديدة ترى الصين فرصة اقتصادية كبيرة، وسوقًا جاهزة لصادراتها من خام الحديد والمعادن، وقوة جاهزة لقبول أستراليا كجزء من جنوب شرق آسيا. لكن هذه الآمال تبددت، وأصبحت أستراليا، التي كانت قلقة دائما من الدول الآسيوية المكتظة بالسكان في شمالها ومخاوفها من الهجرة الجماعية، مهددة بحرب تجارية من قبل الصين في عام 2020 بعد التشكيك في مصدر كوفيد-19، مما أثار حفيظة بكين.
وبالتالي فإن الاتفاق الجديد مع واشنطن يجعل من أستراليا قوة إقليمية هائلة ومتنامية في حد ذاتها. وتحتاج الولايات المتحدة هذا الحليف في وقت يمكن فيه الآن أن تصل الصواريخ الصينية إلى قواعدها الأمامية في غوام واليابان والفلبين. وهو ما يعد بناء على الخطوات السابقة التي اتخذها البلدان ومعهما المملكة المتحدة منذ توقيع اتفاقية أوكوس بين الدول الثلاث في 2021 لتزويد أستراليا بغواصات نووية وتبادل المعلومات حول الدفع النووي البحري.
السيطرة على المخاوف الأمنية: كثفت الولايات المتحدة وأستراليا جهودهما الدبلوماسية في منطقة المحيط الهادئ خلال الاثني عشر شهرًا الماضية، بعد الإعلان المفاجئ في أبريل 2022 عن توقيع الحكومة الصينية اتفاقية أمنية مع جزر سليمان. وأثارت جزر سليمان مخاوف أستراليا حليفتها التقليدية، والولايات المتحدة. وتخشى كانبيرا وواشنطن من أن تسمح الاتفاقية لبكين بإقامة وجود عسكري في الأرخبيل الذي يقع على بعد ألفي كيلومتر عن أستراليا. وأوضحت جزر سليمان أن توقيع الاتفاقية مع بكين تم لأن قوات حفظ السلام التي أرسلتها أستراليا ودول أخرى في المحيط الهادئ أثبتت خلال أعمال الشغب في الأرخبيل في نوفمبر 2021 أنها غير قادرة على حماية السفارة الصينية والجالية الصينية في جزر سليمان.
وتوفر الاتفاقية الأمنية بين بكين وهونيارا تفويضًا واسعًا للصين لتدخل مُحتمل إذا تعرضت استثماراتها الأجنبية وشتاتها لتهديد، بتوسيع نطاق عرضها لقوتها العسكري، ما يُثير مخاوف بين حلفاء الولايات المتحدة، تحديدًا أستراليا ونيوزيلندا، بشأن النفوذ الصيني في منطقة تمتعوا فيها بنفوذ كبير لعقود. وإثر ذلك الاتفاق، عزز الدبلوماسيون الأمريكيون والأستراليون، بمن فيهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزيرة الخارجية الأسترالي بيني وونج، من انتظام زياراتهم إلى المنطقة.
مكاسب محتملة
لا شك أن هناك العديد من المكاسب الاستراتيجية التي انطوى عليها الاتفاق الأمني بين الولايات المتحدة وأستراليا، التي يمكن تناول أبرزها فيما يلي:
تطوير الردع المتكامل: تصف استراتيجية الولايات المتحدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ الردع المتكامل بأنه “حجر الزاوية” في نهج أمريكا لتعزيز الأمن الإقليمي. وأن واشنطن ستدمج جهودها بشكل أكثر إحكامًا عبر مجالات مختلفة لضمان قدرة الولايات المتحدة، إلى جانب حلفائها وشركائها في المنطقة. وتؤكد الاستراتيجية أن للولايات المتحدة مصلحة حيوية في ردع الصين وروسيا وغيرهما. فضلًا عن أن الفترة الجديدة تتجاوز عتبة الصراع التقليدي، ما يعني أن واشنطن لا تستطيع تحمل الاعتماد فقط على القوات التقليدية والردع النووي. يجب أن تحافظ الاستراتيجية الدفاعية على الردع وتعززه.
توسيع قاعدة الحلفاء: تتفق أستراليا والولايات المتحدة على ضرورة تعزيز نهج جماعي للردع والدفاع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وقد تعزز هذا الإجماع خلال السنوات الخمس الماضية بسبب جهود الصين المكثفة لتحدي توازن القوى السائد، والاعتراف المتزايد في كل من كانبيرا وواشنطن بأن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الدفاع عن النظام الإقليمي بمفردها. في حين أن هناك اجماعًا واسعًا على أن أستراليا والولايات المتحدة واليابان يجب أن تشكل العمود الفقري للجهود الجماعية لردع التهديدات. واتفقت الولايات المتحدة وأستراليا على مواصلة التعاون مع الهند واليابان وإندونيسيا والفلبين وكوريا لضمان أمن واستقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ في المشاورات الوزارية الثالثة والثلاثين بين أستراليا والولايات المتحدة (AUSMIN).
تعزيز دور كانبيرا: الوجود العسكري الأمريكي المنتظم في أستراليا وتطوير التعاون الدفاعي والاستخباراتي مع واشنطن يعزز دور كانبيرا في المنطقة. في الوقت نفسه، تهدف الولايات المتحدة إلى دعم المشروع المتمثل في جعل الوجود العسكري الإقليمي الأوسع لواشنطن “أكثر مرونة واستدامة”، وإنشاء شبكة من القواعد العسكرية أكثر انتشار بدلًا من تركيز القوات الدفاعية في اليابان وكوريا الجنوبية، وهو أمر ضروري إذا أرادت الولايات المتحدة أن تجعل وجودها العسكري الإقليمي أكثر مرونة في مواجهة القوة العسكرية المتنامية للصين، وخاصة قدراتها الصاروخية.
استجابة سريعة للتهديدات: ستوفر المنشآت الأسترالية للقوات الجوية والبحرية الأمريكية مواقع تشغيل ووصول خارج نطاق معظم قدرات الصواريخ التقليدية الصينية، وستكون قريبة بما يكفي من نقاط الاشتعال الإقليمية لتوفير استجابة سريعة للأزمات المحتملة. وسيتم تطوير وسائل إنتاج الذخائر وصيانتها في أستراليا. ولهذا السبب، أعلن الجانبان عن إنشاء مصنع مشترك لإنتاج الصواريخ في أستراليا، والذي من المقرر أن يبدأ في تصنيع أنظمة الإطلاق المتعددة الموجهة بحلول عام 2025. وتخطط أستراليا لشراء ثلاث غواصات هجومية تعمل بالطاقة النووية من فئة فرجينيا (SSN) من الولايات المتحدة الأمريكية. وستصبح أستراليا سابع دولة في العالم تشغل غواصات تعمل بالطاقة النووية.
ردت الصين على الصفقات بالنقد ، حيث اتهمت وسائل الإعلام التي تديرها الدولة أستراليا بأنها “رأس جسر هجومي” للولايات المتحدة. وحذرت صحيفة “جلوبال تايمز” المملوكة للدولة: “إذا قدمت أستراليا معقلًا أو سلاحًا لردع الصين أو مهاجمتها ، فإنها ستواجه بلا شك انتقامًا صارمًا من الصين”. “هذا ليس كلامًا مثيرًا للذعر ، بل هو الفطرة العسكرية. يجب ألا يكون لدى أستراليا أي أوهام “.
وقد جاء الاتفاق مع أستراليا بعد يوم واحد فقط من زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن لبابوا غينيا الجديدة لمناقشة تنفيذ اتفاقيتين أمنيتين بارزتين ، بما في ذلك اتفاق يقال إنه يمنح القوات الأمريكية “الوصول دون عوائق” إلى ستة مواقع في الدولة الجزيرة ، بما في ذلك قاعدة بحرية.
ختامًا، عززت أستراليا والولايات المتحدة علاقاتهما الأمنية بشكل كبير منذ عام 2021 في ظل المنافسة الاستراتيجية المتزايدة بين واشنطن وبكين. وعلى الرغم من أن الصين، تعد أكبر شريك تجاري لأستراليا بهامش كبير، فإن واشنطن وكانبيرا لديهما تحالف طويل الأمد يعود تاريخه إلى الحرب العالمية الثانية. وكلا البلدين عضوان في تحالف “العيون الخمس” لتبادل المعلومات الاستخباراتية، إلى جانب كندا ونيوزيلندا وبريطانيا. وتشير درجة التكامل العسكري التي اتفق عليها وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ووزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارليس إلى أن القرارات المستقبلية بشأن الصراعات في المنطقة من المرجح أن تتخذها الولايات المتحدة وتصادق عليها أستراليا. وسيكون لهذا تأثير كبير على كيفية قدرة أستراليا على تشكيل العلاقات مع الدول الآسيوية، وخاصة الصين، وهو ما يعني أن أستراليا قد تكون رهينة لقرارات الولايات المتحدة.