ما هي التأثيرات الأمنية لانتشار عدوى الانقلابات العسكرية في الساحل الأفريقي؟
مع الإعلان في 27 يوليو المنصرم عن قيام قوات الحرس الرئاسي في النيجر بتنفيذ انقلاب على الرئيس محمد بازوم، ذهبت العديد من التقديرات إلى أن هذا الانقلاب الجديد يأتي كاستمرار لانتشار ما تصفه الأدبيات السياسية بـ “نظرية العدوى الانقلابية”، في إشارة إلى التوسع في استنساخ النماذج الانقلابية التي انتشرت في القارة الأفريقية منذ الانقلاب الأول الناجح في توجو عام 1960، لتشهد القارة حتى اليوم ما يزيد على الـ 200 انقلاب عسكري، وبعيدًا عن الأسباب والسياقات الداخلية التي يمكن في ضوئها تفسير الانقلابات الأخيرة التي شهدتها منطقة الساحل الأفريقي، أو حتى الوقوف على النظريات السياسية المفسرة لها، إلا أن هذه المتغيرات تحمل معها بلا شك العديد من الارتدادات الأمنية التي ستلقي بظلالها على المنطقة التي تعاني بالأساس من العديد من الأزمات الأمنية.
عدوى الانقلابات العسكرية
لا يمكن فصل ما حدث في النيجر عما تشهده منطقة الساحل الأفريقي منذ عام 2020، من توسع في الأزمات العميقة بمنظومة الحكم التي تشهدها منطقة الساحل الأفريقي، إذ إن النيجر تعد الدولة الثالثة منذ عام 2020 التي تشهد انقلابًا عسكريًا، بعد كلٍ من مالي وبوركينا فاسو، وتتنوع المحاولات التفسيرية لما يجري في هذه المنطقة، بين من يرى أن ذلك نتاج طبيعي لحجم الصراع الدولي الدائر في هذه المنطقة، حيث يتراجع نفوذ بعض القوى التقليدية كفرنسا، في مقابل صعود نفوذ دول أخرى كروسيا والصين، وهو ما عبر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقوله “عصر أفريقيا الفرنسية قد انتهى”، وفي هذا السياق كانت أحد الاتهامات الرئيسة التي توجه للرئيس محمد بازوم هي أنه “رجل فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي”.
وبين اتجاهات أخرى ترى في هذه المتغيرات نتاجًا طبيعيًا لأزمات الحكم المركبة والعميقة، وغياب منظومة الحكم الرشيد على كافة المستويات، بما ينعكس على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى الحد الذي يدفع المواطنون إلى تحويل بوصلتهم السياسية نحو تأييد فكرة الانقلابات العسكرية، فقد أظهرت بعض استطلاعات الرأي التي أجرتها بعض المؤسسات الغربية أن مدى معارضة المواطنين للحكم العسكري قد انخفض بنسبة 10 نقاط مئوية على مدى العقد الماضي، حتى أن 53% من المواطنين الذين شملهم استطلاع وبيانات Afrobarometer، أعربوا عن استعدادهم لتأييد التدخل العسكري إذا استغل القادة المنتخبون سلطتهم خارج نطاق التفويض الشعبي، أو فشلهم في تحقيق الأمن أو السيطرة على المؤسسات الأمنية أو مع انتشار العنف والجريمة في البلاد.
تداعيات أمنية محتملة
يحمل الانقلاب العسكري في النيجر العديد من التداعيات الأمنية المحتملة، التي لا يقتصر مداها على النطاق الداخلي، بل يمتد ليشمل منطقة الساحل وغرب أفريقيا بشكل عام، خصوصًا وأنه يأتي بالتزامن مع سياقات محفزة لنمو هذه التهديدات، وذلك على النحو التالي:
1- حالة سيولة أمنية محتملة: على الرغم من أن السردية المستخدمة في الانقلابات الثلاثة التي شهدتها منطقة الساحل منذ 2020، تتمثل في “الرغبة في استعادة الأمن”، إلا أن الواقع يُشير إلى عكس ذلك، فوفقًا للعديد من التقارير والمؤشرات الدولية فإن دولتي مالي وبوركينا فاسو شهدتها حتى منتصف عام 2022 أكثر الأعوام دموية منذ نشوب الصراع في منطقة الساحل قبل عقد من الزمان، وتذهب المؤشرات الأولية في النيجر إلى أن الوضع لن يختلف كثيرًا، ففي أعقاب الانقلاب مباشرةً شهدت البلاد موجة عنف وفوضى كبيرة، من قبل متظاهرين رافضين للمتغيرات الجديدة، وهي الحالة التي يُرجح أن تستمر، في ضوء رفض قطاعات شعبية وسياسية عديدة للأوضاع الجديدة.
2- التأثير على جهود مكافحة الإرهاب: كانت النيجر واحدة من أهم دول منطقة الساحل المنخرطة في جهود مكافحة الإرهاب، وكان يُنظر إليها من الدول الشريكة خصوصًا الولايات المتحدة وفرنسا على أنها شريك رئيس في عمليات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، إلا أن بعض الاعتبارات التي صاحبت الانقلاب الأخير وترتبت عليه قد تدفع باتجاه تراجع النيجر عن لعب هذا الدور، وعلى رأس هذه الاعتبارات توجه عدد من الدول الكبيرة المنخرطة في جهود مكافحة الإرهاب نحو سحب جنودها من النيجر مثل فرنسا، فضلًا عن أن انصراف أولويات القادة العسكريين في النيجر حاليًا نحو تثبيت الأوضاع الجديدة، قد يدفع باتجاه تراجع أولوية محاربة الإرهاب.
3- استغلال تنظيمات العنف والجريمة للأوضاع: كما سبق الإشارة فإن الانقلاب الأخير في النيجر، سوف يدفع باتجاه تغيير الأولويات الأمنية للقادة الجدد في البلاد، فضلًا عن دفع هذه المتغيرات باتجاه تشكيل حالة من السيولة الأمنية، بالإضافة إلى احتمالية تراجع الدول الغربية عن دورها التقليدي في مكافحة الإرهاب على المدى القريب والمتوسط خصوصًا مع توتر العلاقات مع القادة الجدد في النيجر، وهو سيناريو حدث في حالة مالي.
وفي هذا السياق سوف تسعى تنظيمات العنف في إطار نهج “فقه استغلال الأزمات”، فضلًا عن تنظيمات الجريمة المنظمة إلى استغلال هذه الأوضاع من أجل تعزيز تمركزها في المنطقة، والجدير بالذكر أن النيجر تمثل حاضنة لعدد من تنظيمات العنف والإرهاب الرئيسة في منطقة الساحل، ففي منطقة الحدود الشمالية مع الجزائر يتمركز عدد من الجيوب الخاصة بتنظيم قاعدة المغرب الإسلامي، وفي الحدود الشمالية الشرقية مع ليبيا يوجد تمركزات لجيوب تابعة لداعش، فضلًا عن مجموعات أخرى تتبع بوكو حرام “داعش” وعدد من التنظيمات في المناطق الحدودية مع مالي وتشاد ونيجيريا.
بالإضافة إلى أن النيجر تمثل بوابة رئيسة للعبور من شمال أفريقيا إلى منطقة الساحل عن طريق البوابة الليبية، ومع تغير الأولويات الأمنية للقادة الجدد في النيجر، وحالة السيولة الأمنية المنتشرة في البلاد خلال الأيام الماضية، وما سيصاحب ذلك من ضعف الرقابة على الحدود، فإن عصابات الجريمة المنظمة سوف تسعى إلى استغلال هذه السياقات بما يدعم تعزيز أنشطتها.
التنظيم | التمركز |
قاعدة المغرب الإسلامي | الحدود الشمالية مع الجزائر |
جيوب تابعة لداعش | الحدود الشمالية الشرقية مع ليبيا |
ولاية الساحل “داعش” | الحدود مع مالي ونيجيريا وتشاد |
مناطق التمركز الرئيسية للتنظيمات في النيجر
وفي الختام، يمكن القول إن الانقلاب الأخير في النيجر سوف يُضاف إلى جملة من الاعتبارات والعوامل والمتغيرات التي تدفع في مجملها باتجاه تأزم الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصًا وأن النيجر كانت تعد القاعدة الرئيسة في العملية الدولية لمكافحة الإرهاب في المنطقة، فضلًا عن أن المتغيرات الجديدة تأتي في أعقاب إنهاء مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي مهمة حفظ السلام الأممية في مالي (مينوسما)، استجابة لرغبة باماكو، وكذلك أنهت فرنسا أيضًا العام الماضي وجودها العسكري في مالي.