
أدوار تكاملية… كيف أسهمت قبائل سيناء في التنمية الشاملة واجتثاث الإرهاب؟
أدت الأحداث المتسارعة التي شهدتها مصر بداية عام 2011 إلى ظهور العديد من التهديدات والمخاطر الأمنية التي هددت أمن واستقرار الدولة المصرية بشكل مباشر، وكان في مقدمتها الخطر الإرهابي الذي تفاقمت حدته في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013. فمنذ ذلك التاريخ، شهدت مصر موجة إرهابية ضخمة مدفوعة بممارسات جماعة الإخوان الإرهابية التي خاضت ما اعتبرته “معركة وجود” ضد مؤسسات الدولة المصرية بعد الإطاحة بحكمها.
وقد كانت هذه الموجه أشد خطرًا وفتكًا وشراسة من تلك التي شهدتها البلاد في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي على يد بعض التنظيمات الإرهابية النشطة آنذاك كالجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد؛ إذ اتسم النشاط الإرهابي بالضخامة من حيث الكم، مع ارتفاع حصيلة أعداد الهجمات الإرهابية، وبالتنوع من حيث طبيعة المستهدفين من تلك الهجمات، إلى جانب تنوع أنماطها التي جمعت ما بين أشكال الإرهاب التقليدية وغير التقليدية، والتوزيع الجغرافي لمناطق انتشارها؛ إذ لم تقتصر على شمال سيناء فقط، بل امتدت كذلك لتضرب في عمق محافظات الوادي والدلتا.
وانطلاقًا من ضخامة التهديدات الإرهابية، تبنت مصر استراتيجية شاملة استطاعت من خلالها ضرب الأسس والمُرتكزات الفكرية التي تنطلق منها التنظيمات الإرهابية، وتجفيف منابع التمويل المادي والدعم اللوجستي الذي يُعد إحدى الركائز الأساسية لتلك التنظيمات، وتأمين الحدود، وفرض معادلة الاستقرار الأمني الشامل في كافة أرجاء البلاد، مُقدمًة نموذجًا حظي بإشادة المُجتمع الدولي، وبات يُحتذى به من قبل العديد من دول العالم التي تُعاني من ويلات النشاط الإرهابي.
وقد كان لقبائل سيناء دور محوري في النجاحات التي حققتها مصر في حربها ضد الإرهاب؛ إذ اصطفت إلى جانب القوات الأمنية والعسكرية في التصدي للعناصر الإرهابية، سواء عبر المواجهات العسكرية التي أسهمت في نجاعتها، أو عبر جهودها في المشاركة في المشروعات التنموية التي تشهدها أراضي سيناء.
مهمة مزدوجة
اعتمدت استراتيجية الجماعات الإرهابية في مصر بعد عام 2013 على شن هجمات من شأنها بث الهلع والخوف والذعر في صفوف المدنيين، سواء عبر استهدافهم بشكل مباشر خصوصًا المتعاونين منهم مع قوات مكافحة الإرهاب، أو عبر استهداف المرافق الخدمية التي يستفيد منها المواطنون من محطات للمياه ومنشآت تعليمية وصحية وغيرها.
وقد كان لأهالي سيناء نصيب الأسد من تلك الهجمات، والتي تنوعت ما بين عمليات الخطف وقطع رؤوس العديد من أبناء ومشايخ القبائل وهجمات الكر والفر وغيرها، وهو ما دفع القبائل السيناوية إلى الدخول على خط المواجهة جنبًا إلى جنب مع قوات مكافحة الإرهاب ضد العناصر التكفيرية وأعلنت عزمها على مشاركة الجهات المعنية في معركتي الإرهاب والتنمية التي شهدتها سيناء خلال السنوات العشر الفائتة، وذلك على النحو التالي:
• أولًا، الجهود الأمنية:
لعبت المواجهات الأمنية التي قامت بها قوات مكافحة الإرهاب المصرية دورًا فعالًا في كسر شوكة التنظيمات الإرهابية، وتدمير قدراتها العسكرية، وقتل قياداتها، وتطويق نطاق امتداد نشاطها الإرهابي، حيث أسفرت الضربات العسكرية التي وجّهتها قوات الجيش والشرطة ضد معاقل العناصر التكفيرية، كالعملية “حق شهيد” و “العملية الشاملة –سيناء 2018” عن تطويق العناصر الإرهابية بشمال سيناء، وإجهاض بنيتها التحتية عبر تدمير المعدات اللوجستية التي تستخدمها من مخازن للأسلحة والعبوات الناسفة وأنفاق وخنادق وغيرها.
وقد اضطلعت قبائل سيناء وفي مقدمتها قبيلة الترابين بدور رئيس في نجاح هذه الضربات، من خلال تقديمهم الدعم المعلوماتي واللوجيستي لقوات الأمن انطلاقًا من خبراتهم الميدانية التي ساعدت في الكشف عن هوية العناصر التكفيرية والقبض عليها، والكشف عن الطرق التي تستخدمها في الاختباء ونقل الأسلحة قبل الانطلاق لتنفيذ أعمالها الإرهابية.
• ثانيًا، الجهود التنموية:
تلعب التنمية دورًا قياديًا في محاربة الإرهاب؛ كونها تُعد ركيزة أساسية لتحقيق الأمن والسلم الاجتماعي، وخلق بيئة طاردة للفكر المتطرف. لذلك عكفت الدولة المصرية ومؤسساتها كافة على النهوض بالاقتصاد المصري ومُؤشراته، وتطوير البنية التحتية ومشروعات التحول الرقمي، بالتزامن مع اعتماد مبادرات لتحسين الأوضاع الاجتماعية للمواطنين، لاسيما في مجالات تمكين المرأة والشباب والصحة والتعليم، ومنها برنامج “تكافل وكرامة”، ومبادرة “حياة كريمة”، ومشروعات المياه والصرف الصحي، والمشروعات الزراعية واستصلاح الأراضي.
وقد أولى الرئيس عبد الفتاح السيسي اهتمامًا متزايدًا بتنمية المناطق الحدودية خاصة سيناء؛ فإلى جانب الجهود العسكرية التي خاضتها الأجهزة الأمنية لتطهير أرض الفيروز من البؤر الإرهابية، انطلق قطار التنمية في كافة المجالات؛ إذ أعلن الرئيس السيسي في مطلع عام 2015 عن تخصيص 10 مليارات جنية لتنمية ومكافحة الإرهاب في سيناء، وطالب القوات المسلحة بالإشراف على عملية الإعمار والبناء بجانب الجهود الأمنية لملاحقة البؤر الإرهابية.
ونفّذت الجهات المعنية كذلك جملة من المشروعات القومية الزراعية والصناعية والخدمية والسياحية، مُستفيدة في ذلك من المقومات الطبيعية والتاريخية لسيناء ومدن القناة. وزادت قيمة الاستثمارات العامة الموجهة لهذه المشروعات بأكثر من 15 ضعفًا، مُسجلًة 73.3 مليار جنيه عام 2022/2023 مُقابل 4.8 مليارات جنيه عام 2013/2014.
وعلى غرار دورهم المحوري في المقاربة الأمنية لمكافحة الإرهاب، كان مواطنو سيناء في مقدمة المشاركين والمساهمين في المقاربة التنموية؛ انطلاقًا من وعي حكومي وشعبي مشترك بأهمية إشراك المواطنين في جهود وعوائد التنمية، بما يكفل تحقيق التوازن بين الأمن والتنمية والسلم الاجتماعي. وفي هذا السياق، كانت شركتا “أبناء سيناء” و”مصر سيناء” مساهمتين رئيستين في المشروعات التنموية المنفذة داخل النطاق الجغرافي لسيناء، ويمكننا استعراض أدوارهما على النحو التالي:
• شركة أبناء سيناء: فهي تمتلك خبرة واسعة في مجال الخدمات اللوجستية والمقاولات والإنشاءات وصناعات البناء، ومجال استيراد وتصدير مواد البناء والمواشي، وقد ضخت استثمارات في العديد من المشروعات ذات الطابع اللوجستي والزراعي والخدمي، إلى جانب أدوارها الاجتماعية الأخرى مثل: تقديم المساعدات الإنسانية والطبية، ودعم الجمعيات الخيرية والمستشفيات العامة، وهو ما حدا بها إلى رفع معدلات التوظيف.
ففي مجال الزراعة، قامت الشركة بإنشاء الصوب الزراعية واستصلاح الاراضي في المناطق المحيطة بالعريش والشيخ زويد. وفي مجال البنية التحتية، أسهمت الشركة في أعمال التوسعة بقناة السويس الجديدة من أعمال حفر وتوريدات للمواد والمعدات، وقامت بكافة الأعمال المتكاملة لتطوير وتوسعة صالات السفر والوصول والمكاتب الإدارية وأعمال الترميم بميناء رفح البري.
وكانت الشركة أحد المساهمين في مشروع محور 30 يونيو وهو طريق تبادلي موازٍ لقناة السويس ويسهم في تحقيق رؤية التنمية الشاملة لسيناء القائمة على فكرة نقل وربط فرص التنمية من غرب القناة إلى شرقها. ومنذ عام 2010، تعاقدت الشركة مع كل من شركة أسيك للتعدين وشركة أسمنت سيناء لتوريد ونقل المواد الخام الأولية (الجبس الخام – الرمل الزجاجي – الكاولين – الرمل الأبيض – أوكسيد الحديد) من المحاجر برأس سدر إلى المصانع بمنطقة شمال سيناء.
أما في مجال المحاجر، أدارت الشركة المحاجر الموجودة بوسط سيناء لإنتاج السن والديلوميت المستخدمين في أعمال التشييد والبناء، وذلك عن طريق التعاقد مع إدارة المحاجر بمحافظة شمال سيناء والجهاز الوطني لتنمية شبة جزيرة سيناء ومحجر جبل عتاقة بمحافظة السويس، وأيضًا استغلال المحجر الخاص بالشركة بمنطقة “وادي أم ثميلة والمغارة” بجبل الحلال. وفي مجال الخدمات اللوجستية، تستأجر الشركة مساحات تخزينية ولوجستية بالميناء البري برفح، وأيضًا مكتب داخل صالة بالمنفذ القديم من الهيئة العامة للموانئ البرية والجافة؛ وذلك للقيام بكافة الخدمات والأعمال اللوجيستية بكفاءة تامة.
ومن منطلق إيمانها بأهمية المسؤولية المجتمعية للشركات ودورها في استدامة جهود التنمية، أسهمت شركة أبناء سيناء في عدد من الأنشطة المجتمعية ومنها: الاحتفال بيوم اليتيم وتوزيع جهاز العروسين، وحفر أكثر من 50 بئرًا في الشيخ زويد، وتزويد مستشفى العريش العام بكمية كبيرة من الأدوية لتغطية جميع الحالات التي تتطلبها والتبرع لوحدة الأورام بمستشفى العريش العام، وتطوير مدرسة الشيخ زويد، ومساعدي ذوي الهمم من خلال توفير كراسي متحركة لهم، وتعويض أسر الشهداء، وتوزيع المستلزمات المدرسية، وتوزيع بطاطين ومساعدات على كبار السن والأسر الفقيرة، وتوزيع كراتين رمضان.
• شركة مصر سيناء: هي شركة متخصصة في التنمية الصناعية والاستثمار، ونجحت في تحقيق الريادة في كافة المجالات التي تعمل بها ولعل أبرزها استصلاح الأراضي، والتوريد والتصدير، واستخراج وتركيب الرخام. ففي مجال التوريدات، أسهمت الشركة بشكل كبير في التوريدات لمشروع قناة السويس الجديدة. أما في مجال التصدير، فإنها تصدر المواد الغذائية والسيارات وحديد المباني والأخشاب وغيرها إلى قطاع غزة عن طريق معبر رفح. وفي مجال استخراج الرخام، فتحت الشركة محجرًا لإنتاج الرخام بجبل سحابة بشمال سيناء لاستخرج الرخام واستخدامه في التوريدات وأعمال التركيب.
ختامًا، تضيف جهود أبناء وقبائل سيناء نقطة مضيئة إلى تاريخ نضالهم ضد كل من تسول له نفسه الإضرار بأمن سيناء، سواء كان محتل أجنبي أو إرهابي يحمل السلاح ضد أبناء الوطن. وعلى الرغم من أن اصطفافهم إلى جانب الجهود الأمنية والتنموية التي قادتها الدولة المصرية لمحاربة الإرهاب في سيناء وضعهم على الخطوط الأمامية في مواجهة التنظيمات الإرهابية، وجعل أبنائهم ومشايخهم وذويهم عرضة للاستهداف المباشر من العناصر التكفيرية، إلا أن معين عطائهم لم ينضب مستمرين في تقديم أرواحهم وجهدهم في سبيل الحفاظ على أمن بوابة مصر الشرقية وتنميتها.