سورياالعراق

تعزيز الشراكة: أبعاد زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى سوريا

قام رئيس الوزراء العراقي” محمد شياع السودانى” بزيارة إلى سوريا في السادس عشر من يوليو 2023 لمدة يومين، وهي الزيارة الأولى لرئيس وزراء عراقي منذ بدء الأزمة السورية في 2011.  وقد استضافه الرئيس “بشار الأسد” في قصر الشعب بدمشق؛ بهدف بحث عدد من القضايا المُلحة والمشتركة بين الدولتين، وبناءً على دعوة وجهها الرئيس السوري للعراق خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السوري” فيصل المقداد” إلى بغداد في يونيو الماضي. وعليه، تناقش هذه الورقة خصوصية العلاقات العراقية- السورية وأبعاد التعاون بين الدولتين.

أولًا: خصوصية العلاقات

تُعد العلاقات العراقية –السورية علاقات تاريخية ووثيقة، وتمتعت بخصوصية في فترة العزلة التي شهدتها سوريا خلال الفترة الماضية منذ اندلاع الثورة السورية؛ إذ دائمًا ما ساند العراق سوريا في المحافل الدولية والإقليمية، وكان داعمًا لعودتها إلى الجامعة العربية لا سيّما وأن العراق كان من الدول المُتحفظة على قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة في نوفمبر 2011. ويستمر الموقف العراقي الداعم لسوريا في ملف رفع العقوبات المفروضة على الأخيرة، وحرصه على ضمان وصول المساعدات إلى الشعب السوري، والتخفيف من وطأة المعاناة الإنسانية، علاوة على مساندة سوريا في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية.

حافظت الدولتان على تعاون وثيق على المستوى الأمني والاقتصادي طوال الفترة الماضية بالرغم من جمود العلاقات بين سوريا وبعض الدول العربية وسحب بعض الدول لسفرائها. وتدلل الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي على التوجه الانفتاحى لسوريا ودعم محاولات استعادتها إلى محيطها العربي، من خلال تعزيز العلاقات العربية- العربية، لاسيما بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية ومشاركتها في القمة العربية الثانية والثلاثين في مدينة جدة بالسعودية في 19 مايو الماضي. 

وبالنظر إلى الوفد المرافق لرئيس الوزراء العراقي “محمد شياع السوداني” فإنه ضم نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية “فؤاد حسين”، ووزير التجارة “أثير سلمان” والفريق الركن “قيس خلف رحيمه” نائب قائد العمليات المشتركة، بما يعنى أن الأبعاد الأمنية والاقتصادية على رأس أولويات هذه الزيارة؛ بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي في مختلف القطاعات: التجارة، والنقل، والسياحة، والمياه، ومواجهة آثار التغير المناخي، فضلًا عن التنسيق الأمني لمكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات ” الكبتاجون” من سوريا إلى العراق. 

وبحسب تصريحات “فرهاد علاء الدين” مستشار الشؤون الخارجية لرئيس الوزراء العراقي، من المتوقع فتح آفاق للشراكة الاستراتيجية بين الدولتين عبر إعادة فتح خط أنابيب لتصدير النفط في البحر المتوسط، مما يساعد العراق على تنويع طرق تصديره، إذ يتم تصدير النفط العراقي عبر ميناء “بانياس” بمحافظة طرطوس شمال غرب سوريا إلى البحر المتوسط.

وقد يسهم ذلك في تحقيق نقلة في تاريخ العلاقات التعاونية، خاصة أن كلا الدولتين عانتا خلال الفترة الماضية من تحديات عدم الاستقرار الأمني، فمن ناحية نتيجة الثورة السورية المندلعة في عام 2011 وما شهدته من عدم استقرار وفرض لبعض العقوبات  الدولية وتعرضها لخطر داعش، وعليه تسعى سوريا للخروج من هذه الدائرة وفك العزلة والتعافي الاقتصادي من آثار الحرب؛ ومن ناحية أخرى عانى العراق ما بعد الغزو في 2003 من كونه ساحة للتجاذبات، ويعمل على الخروج أيضًا من هذا السياق وإحداث التوازن في علاقاته الخارجية، واستعادة دوره الإقليمي ومواجهة التحديات الاقتصادية التي يعاني منها. ومن ثم  فإن هناك اهتمامًا متبادلًا ودوافع مشتركة لتعميق التعاون وتعزيزه بين الدولتين، وهناك حرص عراقي على استقرار سوريا وحمايتها من استمرار تعرضها للمخاطر الأمنية بما ينعكس إيجابيًا على العراق.

ثانيًا: قضايا مٌلحة

تبين من خلال اللقاء حرص الدولتين على تعزيز الشراكة والتعاون في مواجهة بعض القضايا المشتركة والملحة والتي يتم توضيحها على النحو التالي: 

تعزيز التعاون الأمني: يُمثل الإرهاب تحديًا لكل من العراق وسوريا، بما يفرض ضرورة التعاون المشترك، خاصة أنهما يشتركان في حدود طولها 600 كيلومتر، تمتد في خط جغرافي  في محافظتي الأنبار والموصل العراقيتين، بالإضافة إلى وجود ثلاثة منافذ حدودية مشتركة بين الدولتين تحت سلطة العراق، وتُمثل هذه المنافذ رابطًا تجاريًا واقتصاديًا لعبور البضائع والسلع بين الدولتين، أو طريقًا لدخول السياح العراقيين والوافدين السوريين. ونظرًا لأن الخط الحدودي بين الدولتين تحت إدارة مشتركة بين القوات المسلحة وقوات الحشد الشعبي في العراق من جانب والقوات المسلحة السورية وبعض الفصائل الإيرانية من جانب آخر، فإنه يتطلب تنسيقًا وتعاونًا مشتركًا عالي المستوى بين الجانبين.

وقد تعاونت كل من بغداد ودمشق في مواجهة داعش من خلال التنسيق بين الأجهزة الأمنية في المناطق الحدودية. وعليه، دار النقاش خلال زيارة “السوداني” حول تهديدات مخيم الهول في سوريا الذي يضم آلاف العراقيين الذين لهم صلات بمقاتلي داعش، ويقع في شمال شرق سوريا بالقرب من الحدود العراقية، ويضم حوالى 51 ألف شخص من مختلف الجنسيات المنخرطين في داعش، ويقدر العراقيون منهم بنحو 7 آلاف. وعمل العراق خلال الفترة الماضية على عودة بعض العائلات وخضوعهم لبرامج تأهيل؛ إذ تم نقل نحو 94 أسرة من مخيم الهول إلى مخيم الجدعة في محافظة نينوى لإعادة التأهيل.

على الجانب الآخر، تتجه الدولتان إلى التنسيق والتعاون لمكافحة تجارة المخدرات “الكبتاجون” الذي يتم تهريبه من سوريا إلى العراق. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 25 مليون حبة دخلت العراق في الأشهر الأولى من عام 2023، وعلى مدار السنوات الماضية أكثر من 54 مليون حبة ونحو 350 كليو كوكايين. وعليه، تقود هذه التهديدات إلى التعاون بين الأجهزة الأمنية السورية والعراقية لتبادل المعلومات والتنسيق الاستخباراتي لضبط أمن الحدود بينهما.

تعزيز العلاقات التجارية: تحرص بغداد ودمشق على رفع مستوى التبادل التجاري، وعلى إثر ذلك عقدت اللجنة السورية-العراقية المشتركة اجتماعها الحادي عشر في مايو الماضي؛ لتسهيل دخول السلع العراقية مثل التمور والمواد البتروكيماوية إلى سوريا، وكذلك دخول السلع السورية إلى العراق. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الدولتين نحو 314.03 مليون دولار في عام 2022، ووصلت صادرات سوريا إلى العراق في عام 2022 نحو 310,51 مليون دولار؛ إذ يحتل العراق  المركز السابع في الصادرات السورية. فيما بلغت الواردات السورية من العراق نحو 3.52 ملايين دولار في عام   2022 بما يعنى أن الميزان التجاري يميل لصالح سوريا. ويُعد معبر البوكمال في دير الزور السورية ومنفذ القائم في الأنبار العراقية من أهم المعابر الحدودية لعبور البضائع والمسافرين بين الدولتين.

مواجهة ندرة المياه: من التحديات الملحة التي تواجه الدولتين هي أزمة نهر الفرات الذي يمر بكل من تركيا وسوريا والعراق، وتبلغ مساحته 444000 ك م2، منها 37.4% داخل الأراضي التركية، و16% في سوريا، و46.3% في العراق. لكن تواجه بغداد ودمشق ندرة في تدفق المياه؛ إذ تحولت العديد من المجاري المائية إلى مناطق فقيرة في العراق وسوريا، وقد أعلنت وزارة الموارد المائية العراقية في مارس 2023 عن إطلاق المياه من سدود دوكان ودربندخان والموصل باتجاه نهر دجلة لرفع منسوب النهر بعد تراجع منسوب المياه، لذا يحتل ملف المياه مساحة مشتركة بين الدولتين، ومن المتوقع اتجاههما إلى تفعيل لجانهما المشتركة المعنية بالحصص المائية.

عودة اللاجئين: هناك اهتمام من جانب دول المنطقة بعودة اللاجئين؛ إذ أدت الحرب في سوريا إلى لجوء السوريين إلى الدول المجاورة، واستضافة تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر نحو 5.5 ملايين لاجئ. ويستضيف العراق حوالي 260 ألف لاجئ سوري بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتسكن الغالبية العظمى منهم في إقليم كردستان، ويقدر عدد اللاجئين الذين يسكنون المخيمات 95,745 شخص، وعليه هناك دعم عراقي لتأمين عودتهم بعد استقرار الأوضاع في سوريا.

ختامًا؛ عكس اللقاء الذي جمع الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني توجهًا لتعميق وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين، وبوادر لتعزيز العلاقات الاقتصادية البينية، وتوسيع آفاق الشراكة والتعاون؛ لتعزيز انفتاح سوريا على محيطها العربي وتحقيق استقرار الدولة، من ناحية، ومن ناحية أخرى استكمال مسارات العراق في استعادة الدور وتحقيق التوزان في علاقاته الخارجية، والبناء على خطواته السابقة في تعزيز الاستقرار الإقليمي والقيام خلال الفترة الماضية بالوساطة لتعزيز آفاق الحوار السعودي- الإيراني.

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى