أفريقيامصر

قمة نيروبي والدور المصري لتعزيز التكامل الاقتصادي القاري

تقوم مصر بتحركات دبلوماسية مُكثفة لتعزيز أواصر التعاون وتنسيق المواقف مع الدول الإفريقية؛ إذ هناك حرص من القيادة المصرية على المشاركة في الدورة الخامسة من قمة منتصف العام التنسيقية التابعة للاتحاد الإفريقي، المُنعقدة اليوم الأحد الموافق 16 يوليو 2023 في العاصمة الكينية نيروبي. وتتسم تلك القمة بغلبة الطابع الاقتصادي؛ حيث حملت شعار “تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية”، وتسعى القمة لمتابعة التكامل الاقتصادي الإقليمي في القارة الإفريقية، والتعجيل بإنجاز أحد المشاريع الرئيسة لأجندة 2063؛ “أفريقيا التي نريدها”.

أبعاد القمة

 تأتي قمة منتصف العام التنسيقية التابعة للاتحاد الإفريقي المٌنعقدة في كينيا، في ظل سياق تعاني فيه القارة من الأزمات والصراعات المُشتعلة، فهناك الصراع المشتعل في السودان منذ إبريل الماضي، واستمرار هجمات حركة الشباب الإرهابية في الصومال، وتدهور الأوضاع الأمنية في شرق الكونغو الديمقراطية في ظل تعدد وتنوع الحركات المسلحة، وعدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في دول غرب إفريقيا، لا سيما مالي وبوركينا فاسو وغينيا. وكذلك نجد على الصعيد الدولي استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وانعكاسات هذه الحرب سلبًا على الأمن الغذائي في إفريقيا. وسيتم استعراض مستوى الحضور في القمة، وكذلك الأهداف المنشودة جراء انعقاد القمة، وذلك على النحو التالي:   

  • مستوى الحضور: تُشارك مصر في القمة باعتبارها الرئيس الحالي للجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات الوكالة الإفريقية للتنمية “النيباد”، وكذلك بصفتها الرئيس الحالي لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ أمام جلسة البيئة والتغيرات المناخية. كما يشارك في القمة خمس دول تشكل أعضاء مكتب الاتحاد الأفريقي (جزر القمر وبوتسوانا وبورندي والسنغال)، و8 دول تشكل رؤساء التجمعات الاقتصادية الإقليمية بالقارة؛ بوروندي (جماعة شرق إفريقيا)، وجيبوتي (الهيئة الحكومية للتنمية)، وزامبيا (السوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقي)، وجمهورية الكونغو الديمقراطية (جماعة التنمية للجنوب الإفريقي)، ونيجيريا (الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا)، وتشاد (تجمع دول الساحل والصحراء)، وليبيا (اتحاد المغرب العربي)، والجابون (الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا).  
  • أهداف قمة كينيا: تسعى قمة منتصف العام التنسيقية التابعة للاتحاد الإفريقي، للقيام بتحقيق مجموعة من الأهداف، والتي يمكن إجمالها على النحو التالي: 

– تقييم حالة التكامل القاري وتنسيق الجهود لتسريع عملية التكامل. 

– تنسيق ومواءمة سياسات الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية بهدف تسريع عملية تكامل إفريقيا.  

– تحديد مجالات التعاون وإنشاء آليات للتعاون الإقليمي والقاري والعالمي في كل قطاع أو قطاع فرعي. 

– مراجعة وتقييم حالة تنفيذ القرارات والآليات القانونية المتعلقة بالعلاقة بين الاتحاد الإفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية والدول الإقليمية.

الجهود المصرية لتعزيز التكامل الاقتصادي القاري

تُعد القمة المنعقدة اليوم بكينيا استكمالًا لجهود مصرية بدأت عام 2019، وهو العام الذي تولت فيه مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي، حيث حرصت مصر على تعزيز التكامل الاقتصادي بين دول القارة الإفريقية، لذا عملت على استحداث آلية القمة التنسيقية الإفريقية لمتابعة مدى التقدم في عملية تحقيق التكامل الاقتصادي القاري، والتي تحرزها المفوضية باعتبارها الذراع التشغيلي والتنفيذي للاتحاد الإفريقي، بالتنسيق مع  التجمعات الاقتصادية الإقليمية الثمانية المُعترف بهم من جانب الاتحاد الإفريقي، والتي يمكن استعراضها بشكل سريع وهي؛ الجماعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا (ECCASجماعة شرق إفريقيا (EAC)، الهيئة الحكومية للتنمية ( (IGAD، الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)، جماعة التنمية للجنوب الإفريقي (SADC)، السوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقي (COMESA)، اتحاد المغرب العربي (AMU)، تجمع دول الساحل والصحراء (CEN-SAD). 

ويقع على عاتق مفوضية الاتحاد الإفريقي والتجمعات الاقتصادية الإقليمية، إحراز تقدم فيما يتعلق بإنجاز الهدف المتعلق بوجود منطقة تجارة حرة قارية إفريقية، والتي أيضًا تم إطلاقها خلال تولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي.  ويمكن استعراض أبرز المكاسب المتوقعة جراء تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية والتحديات التي قد تعرقل تنفيذها، وذلك على النحو التالي: 

أ- المكاسب: نجد أن هناك تعويلًا على منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، لتحقيق عدد من المنافع، والتي يمكن استعراضها بحسب ما ورد على موقع الاتحاد الإفريقي، وذلك على النحو التالي:   

  • ستكون منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية أكبر منطقة تجارة حرة، بالنظر إلى عدد سكان إفريقيا الحالي الذي يبلغ 1.2 مليار نسمة. 
  • زيادة نسبة التجارة بين الدول الإفريقية والتي تتراوح حاليًا بين 15-18٪. 
  • تحفيز الإنتاج من خلال تطوير سلاسل القيمة الإقليمية، لضمان تحفيز القطاعات الاقتصادية المتعلقة بالصناعة والزراعة، والأنشطة الأخرى في جميع أنحاء القارة. 
  • تعزيز قدرات الشركات الإفريقية للوصول إلى الأسواق العالمية وتزويدها.
  • تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية والتجارية الإفريقية.

ووفقًا لتقرير وفقًا  صادر  في يونيو 2022عن البنك الدولي ، ستعمل منطقة التجارة الحرة الإفريقية على تحقيق عدد من النتائج الاقتصادية الإيجابية، والتي يمكن ذكرها على النحو التالي: 

  • انتشال 30 مليون شخص من الفقر المدقع بحلول عام 2035.
  • تنويع الصادرات. 
  • تحقيق الاندماج التنافسي الاقتصادي للدول الإفريقية في الاقتصاد العالمي.
  • زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر.
  • خلق قرابة 18 مليون وظيفة جديدة.
  • تحقيق معدلات مرتفعة من الناتج المحلي الإجمالي. 
  • تخفيض معدلات البطالة. 

ب- العراقيل: هناك تحديات تواجه إقامة منطقة التجارة الحرة: ونجد أنه على الرغم من المنافع التي يمكن تحقيقها جراء تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية، نجد أن هناك تحديات قد تعرقل إتمام ذلك، والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:  

  1. تضاؤل حجم التجارة البينية الإفريقية: تُشكل حجم التجارة البينية الإفريقية مقارنة بالتجارة القارة الإفريقية مع العالم الخارجي 17% فقط من حجم التجارة الخارجية الإفريقية، وهي نسبة منخفضة للغاية في حين نجد أن تجارة الدول الإفريقية مع دول العالم الخارجي كالصين والولايات المتحدة الأمريكية نسبتها مرتفعة. 
  2. البنية التحتية في القارة الإفريقية: نجد أن البنية التحتية في القارة في حاجة للتطوير وبناء شبكة للطرق بمعايير عالية لربط الدول الإفريقية ببعضها، وهو ما سيساهم في سهولة حركة البضائع والعمال، وتعزيز التجارة بينها.  ولذلك نجد أن المقاربة المصرية حيال تفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية تقوم على تطوير البنية التحتية وتمويلها بالقارة، باعتبارها ركيزة أساسية لتحقيق التنمية والربط بين الدول الإفريقية، وزيادة القيمة المضافة الصناعية في الاقتصاديات الإفريقية باعتبارها أولوية خلال رئاسة مصر للنيباد.
  3. تصاعد الاضطرابات السياسية والأمنية: تعاني أغلب الدول الإفريقية من عدم استقرار سياسي وأمني، في ضوء احتدام الصراعات والحروب الأهلية الداخلية وكذلك الصراعات بين الدول الإفريقية، وهو ما يؤثر سلبًا على تعزيز التكامل الاقتصادي بين دول القارة. ونجد أن هناك جهود تبذلها الدولة المصرية لمعالجة الأزمات الإقليمية، وكانت أبرز هذه الجهود فيما يتعلق بالملف السوداني وقمة دول جوار السودان التي استضافتها القاهرة الخميس الماضي، في محاولة لحلحلة الأزمة وتقليل تداعياتها السلبية على دول الجوار. وكذلك نجد أن القاهرة تضع من ضمن أولوياتها خلال رئاستها للنيباد على مدار العامين المقبلين، العمل على حشد الموارد المالية اللازمة لإعادة إعمار الدول التي عانت من الصراعات.  
  4. التغير المناخي: لا شك في أن التغير المناخي الذي تعاني منه بعض بلدان القارة، يؤثر على تراجع إنتاجية القطاع الزراعي وتراجع مستويات الأمن الغذائي. ولذلك جاءت مخرجات قمة الأمم المتحدة للمناخ التي استضافتها مدينة شرم الشيخ في نوفمبر الماضي، على مواجهة التغير المناخي من خلال توفير التمويل اللازم لتعويض الخسائر والأضرار للدول المتضررة من الفيضانات والجفاف والكوارث المناخية الأخرى، وتبلغ الاحتياجات التمويلية لمواجهة تداعيات تغير المناخ في إفريقيا حوالي 3 تريليونات دولار حتى 2030، ولذلك هناك حاجه للتنسيق مع الشركاء الدوليين لتوفير هذه الموارد المالية.  

وفى الختام، يمكن القول إن تحقيق تقدم فيما يتعلق بتحقيق التكامل الاقتصادي القاري، سيساهم بدوره تسهيل عملية التبادل التجاري، وإزالة التعريفات الجمركية والحواجز غير الجمركية، وخلق سوق يتمتع بحرية حركة السلع والخدمات والأفراد، وحرية تدفق رأس المال، وسيساعد على حل المشاكل الاقتصادية التي تواجه الدول الإفريقية، وتحقيق مستويات معيشة مرتفعة لشعوب القارة، وهو ما سيحدث إذا كانت هناك متابعة من جانب القادة الأفارقة للجهود المبذولة لتسريع الخطوات لتحقيق التكامل الاقتصادي، ومعالجة التحديات التي تواجه ذلك، خاصة في ضوء العلاقة الارتباطية بين النهوض بالقطاعات الاقتصادية والحد من الصراعات التي تعج بالقارة الإفريقية. 

أسماء عادل

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى