أوروباالأمريكتان

أهداف ودلالات زيارة بايدن لأوروبا

توجه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى أوروبا يوم الأحد 9 يوليو 2023 لحضور قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتي عقدت يوم الثلاثاء 11 يوليو 2023. وقام الرئيس الأمريكي بزيارة لبريطانيا للاجتماع مع رئيس الوزراء ريشي سوناك، وأيضًا الملك تشارلز الثالث في أول لقاء لهما منذ تتويجه رسميًا، حيث لم يحضر بايدن مراسم التتويج ونابت عنه زوجته جيل بايدن. وتوجه بايدن كذلك لزيارة العاصمة الفنلندية للاجتماع مع قادة العديد من دول شمال أوروبا بعد الانضمام فنلندا الحديث لحلف الناتو.

زيارة بريطانيا

تعد زيارة الرئيس الأمريكي لبريطانيا هي المحطة الأهم بالنسبة لأهداف واشنطن على الرغم من أن الوجهة الرئيسة هي قمة الناتو، حيث أكد بايدن في لقائه مع سوناك على قوة العلاقات بين لندن وواشنطن وأهميتها على كافة الأصعدة. مكّن الاجتماع كلًا من بايدن وسوناك من تقديم جبهة موحدة فيما يتعلق بدعمهما لأوكرانيا، على الرغم من اختلافهما سابقًا حول مدى الوضوح فيما يتعلق بقدرة كييف على الانضمام إلى الناتو. بينما يتفق كلاهما على أن أوكرانيا يجب ألا تنضم حتى تنتهي حربها مع روسيا، وبدت المملكة المتحدة أكثر دعمًا لجهود أوكرانيا للانضمام، بينما كانت الولايات المتحدة أكثر حذرًا، بسبب خطر الانفتاح على صراع عسكري مباشر مع روسيا.

فبينما كان يقول سوناك إن المكان الصحيح لأوكرانيا هو في الناتو ويؤكد على دعم لندن لكييف في محاولاتها للانضمام، أشار بايدن إلى أنه يفضل توفير مسار لأوكرانيا وتقديم المساعدات التي تدفعها لتخطي الأزمة، بدلًا من إدخال البلاد في الحلف على المدى القصير، وهو ما سينتج عنه التصعيد وانخراط الناتو في الحرب بشكل مباشر. وكان من المهم لواشنطن التأكد بأن واحدة من أهم الأعضاء في الحلف “المملكة المتحدة” تشاركها في نفس الرأي قبل انعقاد قمة الناتو.

كما تحدثا عن تسليم الولايات المتحدة الأخير والمثير للجدل للقنابل العنقودية إلى أوكرانيا، حيث وقعت المملكة المتحدة وأكثر من 120 دولة أخرى على اتفاقية تحظر استخدام مثل هذه الأسلحة بسبب التهديد الذي تشكله على المدنيين. وقال متحدث باسم رئيس الوزراء، إن بايدن وسوناك “ناقشا الالتزامات التي تعهدت بها المملكة المتحدة بموجب تلك الاتفاقية، بعدم إنتاج أو استخدام الذخائر العنقودية وتثبيط استخدامها”، وصرح سوناك بأنه فعل ما في وسعه للتعبير عن موقف المملكة المتحدة بشأن الأسلحة؛ لكن سيتم نقلهم إلى أوكرانيا كما هو مقرر.

كما كانت عضوية السويد في الناتو على جدول الأعمال، حيث دفعت الحرب الروسية الأوكرانية، فنلندا والسويد إلى طلب عضوية الناتو، وعارضت تركيا سابقًا انضمام كل من فنلندا والسويد بسبب ما اعتبره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعم هذه الدول للجماعات الكردية التي تعتبرها تركيا منظمات إرهابية، وبسبب حظر الأسلحة الذي تفرضه الدولتان على تركيا. وكانت تركيا قد حسمت في السابق اعتراضاتها على طلب فنلندا، وأعلنت يوم الاثنين أنها قررت قبول محاولة السويد للانضمام.

إلى جانب الناتو، تناقش الزعيمان أيضًا في مزيد من الإجراءات بشأن “إعلان الأطلسي”، وهو اتفاق تم التوصل إليه في يونيو الماضي بهدف زيادة التعاون في مجال التصنيع التكنولوجي والذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة. بعد محادثته مع سوناك، التقى بايدن أيضًا بالملك تشارلز للمرة الأولى، وركز بشكل كبير على العلاقات المشتركة في جهود مكافحة تغير المناخ. وتحدث الاثنان مع ممثلين من القطاع الخاص لمناقشة كيفية قيام الشركات باستثمارات تساعد في معالجة هذه المشكلة.

قمة الناتو

أصبحت قمة الناتو جزءًا رئيسًا من رحلة بايدن، حيث تواصل مع قادة من الدول الأعضاء في الحلف البالغ عددها 31 دولة، بهدف جعل الناتو يوافق على خطة لدعم أوكرانيا على المدى الطويل، بدلًا من الانضمام السريع.

وأعلنت قمة الناتو على الموافقة على ضم أوكرانيا إلى الحلف ولكن بعد انتهاء الحرب، إذ أكد بايدن والعديد من قادة الناتو أن انضمام كييف وهي في حالة حرب يعتبر دخول الناتو في الحرب بشكل رسمي. وفي المقابل أكد بايدن على توصل الناتو لخطة دعم عسكري لأوكرانيا طويلة المدى، لتساعد كييف على بناء عسكري قوي وسليم للتصدي للقوات الروسية، حتى بعد انتهاء الحرب لتكون في وضع قوة غير مهدد. ووصف الرئيس الأوكراني زيلينسكي نتائج القمة بأنها ممتازة وقال إنها كانت ستصبح مثالية إن وافق الحلف على انضمام كييف.

وكان هناك توافق عام بين الأعضاء على ضرورة انضمام أوكرانيا للحلف، ولكن كان الاختلاف على كيفية وسرعة انضمامها. ونجح الرئيس الأمريكي في إقناع أعضاء الحلف بتطبيق وجهة نظر واشنطن، القائمة على دعم أوكرانيا والمواصلة في إمدادها بالمساعدات العسكرية اللازمة للتصدي للقوات الروسية، ولكن عدم ضمها وهي ما زالت في حالة حرب.

وعلى الجانب الآخر، لم تلق هذه القرارات رضى الجانب الروسي، فعلى الرغم من قرار الناتو بعدم ضم أوكرانيا للحلف ما دامت في حالة حرب، إلا أن الخارجية الروسية صرحت بأن قرارات الناتو تشبه تصرفات هذه الدول في فترة الحرب الباردة، وحذر رئيس مجلس الأمن الروسي أن الناتو بهذه القرارات أصبح على شفا الدخول في حرب مع روسيا. وعد رد الفعل الروسي هذا منطقيًا من وجهة نظر موسكو، فعلى الرغم من  عدم ضم أوكرانيا وهي في حالة الحرب، هناك تأكيد على ضمها في حالة انتهاء الحرب، هذا بالإضافة إلى إعلان خطة الدعم العسكري طويل الأمد للجيش الأوكراني، مما يعني تقديم كل المساعدات الممكنة لأوكرانيا كعضو في الحلف بدون ضمها بشكل رسمي.

كان انضمام السويد إلى الناتو قضية مهمة أخرى مطروحة للنقاش، قبل أن تعلن تركيا أنها ستتخلى عن اعتراضاتها يوم الاثنين. واجهت تركيا ضغوطًا ملحوظة من الدول الأعضاء الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة لتغيير موقفها في الآونة الأخيرة، واقترحت تركيا أنها قد تكون على استعداد للقيام بذلك إذا تم منحها عضوية في الاتحاد الأوروبي، وهو أمر من غير المرجح أن يحدث، وسمح لها بشراء طائرات مقاتلة من طراز F-16 من الولايات المتحدة، وهو أمر أشار بايدن إلى دعمه له.

وكجزء من الصفقة للتخفيف من معارضة تركيا، “وافقت السويد على المساعدة في تنشيط طلب تركيا لدخول الاتحاد الأوروبي، وسيقوم حلف شمال الأطلسي (الناتو) بإنشاء “منسق خاص جديد لمكافحة الإرهاب”، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.

الآن، بدلًا من محاولة إقناع تركيا بتغيير رأيها، ناقشت الدول كيفية دمج السويد في التحالف. ومع ذلك، فإن الصراع المطول حول ضم السويد يشير إلى انقسامات داخل المجموعة. وسيكون سد هذه الفجوات أمرًا حيويًا للحفاظ على وحدة التحالف، فلو لم تغير تركيا رأيها كان من الممكن أن يسبب هذا صدعًا كبيرًا داخل الحلف.

زيارة فنلندا

بعد قمة الناتو، توجه بايدن إلى هلسنكي يوم الخميس. وكان الهدف من زيارته هو إحياء ذكرى انضمام فنلندا إلى الناتو، وكذلك لإرسال رسالة إلى بوتين مفادها أن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم المساعدة لفنلندا إذا انتهكت روسيا الحدود المشتركة بين البلدين. وشملت تلك القمة لقاءات مع قادة من دول الشمال الأوروبي بما في ذلك النرويج والسويد وفنلندا وأيسلندا والدنمارك. بالنظر إلى أن فنلندا الآن عضو في الناتو، فمن المرجح أن تشهد البلاد دعمًا متزايدًا من الدول الأعضاء عندما يتعلق الأمر بتعزيز دفاعها على طول حدودها الروسية. وكان هناك قضايا أخرى مثل الوصول إلى الموارد في القطب الشمالي، حيث رسخت روسيا والصين نفسيهما، مطروحة على الطاولة أيضًا، ومن المرجح أن يصبح القطب الشمالي عنصرًا أكبر في المنافسة الاقتصادية والأمنية في السنوات القادمة.

ختامًا، إن جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن في أوروبا كانت في غاية الأهمية بالنسبة لواشنطن، حيث استطاع تحقيق العديد من الأهداف بنسب نجاح عالية، فبدأ بالتأكيد على اتفاق الأمم المتحدة والمملكة المتحدة على سياسات واحدة فيما يتعلق بانضمام أوكرانيا للناتو، ولم يضطر للتراجع عن دعم كييف بالقنابل العنقودية، وفي نفس الوقت أمن التحالفات الاقتصادية بينهم بالشكل الأنسب لواشنطن. وبالنسبة لقمة الناتو فالقرارات التي نتجت عنها تعبر هي وجهة النظر الأمريكية كاملة، حيث نجح في زيادة الضغط على روسيا بتقديم مساعدات أكبر ومنتظمة لأوكرانيا بدون الانخراط في الصراع بشكل رسمي. وأخيرًا أكد على تواجد الولايات المتحدة بقوة في منطقة شمال أوروبا بزيارته لفنلندا، قبل اختتامه لجولته بعدها أمس الخميس 13 يوليو 2023.

بيير يعقوب

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى