طريق الاستثمار في مصر
عقد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي مؤتمرًا صحفيًا من العاصمة الإدارية الجديدة استعرض خلاله موقف الطروحات الحكومية، وإجراءات دفع وزيادة مشاركة القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية، مشددًا على أن الهدف الرئيس للدولة خلال هذه المرحلة هو زيادة تواجد القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، تمهيدًا لتوليه القيادة بالكامل خلال الفترة المقبلة، مضيفًا أن الحكومة حرصت على عدم الإفصاح عن هذا الملف المهم إلا بعد الانتهاء فعليًا من العقود والصفقات التي وعدت بها سابقًا.
طروحات الحكومية
في ديسمبر ٢٠٢٢، أصدرت الحكومة المصرية وثيقة سياسة ملكية الدولة التي تستهدف تخارج الدولة من الشركات وتمكين القطاع الخاص على مراحل وبشكل تدريجي، وفي إطار الالتزام بالوثيقة أعلنت الحكومة المصرية في مارس الماضي عن برنامج الطروحات الحكومية الذي يشمل 32 شركة ترغب الحكومة في بيع حصص منها، سواء لمستثمرين رئيسين أو من خلال الطرح بالبورصة.
وجاء يوم الحادي عشر من يوليو ليصرح رئيس الوزراء المصري بأنه تم تحقيق عقود مع القطاع الخاص بإجمالي 1.9 مليار دولار هي قيمة تخارج الدولة من عدد من الشركات، وخلال الفترة القادمة سيتم الإعلان عن مجموعة أخرى تتجاوز المليار دولارًا، مضيفًا أن الحصيلة الدولارية من الصفقات المنجزة بلغت 1.65 مليار دولار، بالإضافة إلى مبالغ بالجنيه المصري تعادل 250 مليون دولار، ووفقًا لوزيرة التخطيط المصرية “هالة السعيد”، فإن الصفقات المنجزة حتى الآن أو المسمى بالطرح الأول شمل التالي :
- بيع حصة تمثل 31% من شركة “عز الدخيلة” بقيمة 241 مليون دولار، 60% منه بالدولار والـ 40% الأخرى بالجنيه المصري.
- بيع حصص تراوحت بين 25% إلى 30% من 3 شركات هي “إيلاب” و”الحفر المصرية” و”إيثيدكو” إلى شركة أبو ظبي التنموية بقيمة إجمالية 800 مليون دولار.
- بيع حصة 37% في 7 فنادق إلى شركة “أيكون للاستثمارات” التابعة لرجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى مع شريك أجنبي، عبر زيادة رأس المال وبلغت حصة زيادة رأس المال في هذه الشركة 700 مليون دولار، مما يتيح زيادة عدد السائحين والوصول إلى مستهدف 30 مليون سائح.
وأضافت “هالة السعيد” بأن الصفقات المحتملة، وهو الطرح الثاني شمل:
- بيع محطات توليد الطاقة من الرياح بجبل الزيت في أكتوبر المقبل بقيمة تتجاوز 300 مليون دولار.
- بيع شركة “وطنية” قبل نهاية العام الجاري.
فيما يتمثل الطرح الثالث في :
- محطات تحلية المياه، حيث توجد لدينا خطة خمسية في وزارة الإسكان خاصة بطرح 21 محطة بإجمالي طاقة 3.3 ملايين متر3 يوميًا، باستثمارات تتعدى 3 مليارات دولار في المرحلة الأولى منها التي تنتهي في 2025.
- بالإضافة لـ 4 محطات وسيكون خلال الربع الرابع من عام 2023، هذا بالإضافة إلى محطة “سيمنس” المتوقع الانتهاء منه خلال الربع الأول من 2024.
كذلك تم إنشاء وحدة للإشراف على برنامج الطروحات، ودور الوحدة هو الإشراف والمساعدة في الإطار الإداري واستكمال الإجراءات الإدراية للإسراع في عملية الطروحات، وتستهدف الحكومة المصرية زيادة حصيلة الإيرادات الدولارية بنحو 70 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، بحيث تتمكن بحلول عام 2026 من أن تصل الإيرادات الإجمالية للدولة المصرية من العملة الصعبة إلى حدود 191 مليار دولار، وقد أعلنت الحكومة المصرية مسبقًا، عن استهداف رقم 2 مليار دولار لعمليات الطروحات والاستحواذ من القطاع الخاص في عدد من الأصول التي تمتلكها الدولة.
تحفيز الاستثمار
وفقًا لالتزام الحكومة المصرية بوثيقة ملكية الدولة بتمكين القطاع الخاص وتشجيعه، فقد أقرت الحكومة بعض القرارات المهمة، منها: إقرار بعض الحوافز لجميع المشروعات الاستثمارية المقامة سواء قبل العمل بأحكام قانون الاستثمار أو في تاريخٍ لاحق، وتوسيع نطاق الشركات التي تحوز على الرخصة الذهبية، والتي كان القانون يقصرها على المشروعات الاستراتيجية الكبرى، حيث تم إدخال تعديل ليمتد الحصول على الرخصة لأي مشروعات يرى مجلس الوزراء أنها تستحق الحصول عليها.
كذلك تم تخفيف القيود التي كانت تعوق أو تأخر تأسيس الشركات والسماح بترخيصها، خصوصًا الصناعات المرتبطة بالغاز الطبيعي مثل صناعات البتروكيماويات، حيث تم السماح لها بالعمل بنظام المناطق الحرة، وتمت زيادة الفترة التي يمكن أن تؤسس الشركات أو المنشآت الجديدة حتى ٩ سنوات، بالإضافة إلى إقرار موافقة عامة من قبل مجلس النواب لمنح حوافز لعدد من المشروعات التي يحددها المجلس والإعفاء من مقابل الانتفاع للأرض المخصصة لإقامة المشروع لمدة 10 سنوات، فبمجرد بدء تشغيل المشروع يمكن أن تقوم الحكومة بإعفاء المستثمر من مقابل حق الانتفاع لمدة 10 سنوات، أو رد جزء من قيمة الأرض التي يتملكها.
بالإضافة إلى إمكانية السماح بإنشاء منافذ جمركية لصادرات المشروعات الاستثمارية ووارداتها بالاتفاق مع وزارة المالية، كما تم إعفاء مشروعات محددة من نصف تكلفة تأسيس البنية الأساسية المخصصة لهذه المشروعات، ويمكن أن تتحمل الدولة المصرية جزءًا من قيمة استهلاك المرافق لمدة 10 سنوات لمشروعات معينة، أما بالنسبة للأنشطة الصناعية التي يحددها مجلس الوزراء، ستتمتع بحافز استثماري يتمثل في رد ما بين 35 – 55% من قيمة الضريبة المسددة بالإقرار الضريبي نقدًا، بالإضافة إلى 10 قرارات تم تنفيذها من الـ 22 قرارًا الصادرة عن المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة السيد رئيس الجمهورية.
كذلك تم إلغاء حد تملك المستثمر الأجنبي للعقارات أو الوحدات السكنية بعد أن كان الحد الأقصى وحدتين فقط، كما تم إجراء بعض التعديلات على القانون رقم 7 الخاص بالاستثمار؛ للسماح بقيد المستثمر الأجنبي في سجل المستوردين حتى إذا لم يكن يحمل الجنسية المصرية لمدة 10 سنوات، حتى يتمكن من اتخاذ الإجراءات اللازمة له في عملية استيراد مستلزمات الإنتاج والمواد الخام، والسماح بتجديد رخص التشغيل للمشروعات الصناعية لمدة خمس سنوات بدلًا من سنة واحدة، وإنشاء وحدة بمجلس الوزراء تختص بحوكمة وإدارة ملف الشركات الناشئة لمساعدة الشباب لإنشاء الشركات، بالإضافة إلى تصميم منصة إلكترونية موحدة تختص بتأسيس وتشغيل وتصفية الشركات والمشروعات.
وأعدت الحكومة حوافز لمشروعات الهيدروجين الأخضر، إذ تم إطلاق مبادرة “القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية” بقيمة 160 مليار جنيه، حيث تم إعفاء 20 قطاعًا ونشاطًا صناعيًا من الضريبة العقارية لمدة 3 سنوات، بحيث تتحمل الدولة تلك الضريبة لتخفيف العبء عن كاهل القطاع الصناعي، وتعمل تلك القرارات على تقليل الفاتورة الاستيرادية، وزيادة الصادرات المصرية، وميكنة كافة إجراءات رد أعباء الصادرات وتخصيص ما يقرب من 30 مليار جنيه لدعم أعباء الصادرات خلال الفترة القادمة، وهناك 10 مليارات جنيه سيتم بدء صرفها من الغد والخاصة بدعم الصادرات.
وعملًا بمبدأ الحياد التنافسي وتعزيز الشفافية والالتزام بوثيقة ملكية الدولة، وافق المجلس النواب على مشروع قانون مُقدم من الحكومة، يهدف إلى إلغاء جميع الإعفاءات من الضرائب والرسوم المقررة لجهات الدولة في الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية، لتحسين مناخ الاستثمار والعمل على تشجيعه عن طريق كفالة فرص عادلة لجميع الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية في المعاملات المالية المنظمة لتلك الأنشطة، ودعم اقتصاديات السوق الحر، وخلق بيئة استثمارية تنافسية.
النتائج التي تم تحقيقها والمتوقعة
في ظل ما ذكرناه مسبقًا من جهود وعمل من جانب الحكومة المصرية ودورها في تحفيز الاستثمار وتمكين القطاع الخاص، يبقي السؤال حول ثمار تلك القرارات والمبادرات؟ فقد ارتفعت الصادرات المصرية على مدار السنوات الخمس الماضية بنسبة 16% في المتوسط، وتستهدف 20% على الأقل سنويًا، ارتفعت الصادرات المصرية السلعية غير النفطية بدرجة كبيرة؛ ففي عام 2022 تم تحقيق 35 مليار جنيه من الصادرات السلعية غير النفطية، وبعد إضافة صادرات النفط يتم تجاوز 52 مليار جنيه.
كذلك حدثت طفرة نوعية في قطاعات الصناعة، والزراعة، والسياحة خلال الفترة الماضية، حيث تم تنفيذ 35% من برنامج الإصلاحات الهيكلية في سنتين فقط من إجمالي 5 سنوات، ونتج عن ذلك زيادة نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي، وزادت مساهمة القطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي الإجمالي من 26% إلى 30% حاليًا، وتراجع معدل البطالة رغم الأزمة العالمية، ويوضح الشكل التالي نتيجة الجهود للدولة في خفض معدل البطالة:
نتيجة لجهود الحكومة المصرية في قطاع السياحة، استقبلت مصر 7 ملايين سائح في النصف الأول من العام الجاري، لتقترب من تحقيق المستهدف على مستوى العام عند 15مليون سائح، لتكون مصر قد حققت زيادة بنسبة 43% في أعداد الزوار في النصف الأول من 2023، بالإضافة إلى تحقيق قناة السويس إيرادات قياسية في العام المنتهي في يونيو الجاري، بوصولها إلى 9.4 مليارات دولار، في ضوء تحقيق أعلى حمولة صافية سنوية في عام بلغت 1.5 مليار طن، بالإضافة إلى تصدر مؤشر البورصة المصرية مكاسب الأسواق العربية في النصف الأول من العام الجاري، بدعم من انخفاض قيمة الجنيه المصري بأكثر من 50% أمام الدولار منذ مارس 2022، وفقًا لـ “بلومبرج”.
استكمالًا للخطوات الإيجابية التي حدثت في مصر خلال الفترة الماضية، ارتفع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر خلال عام 2022 إلى 11.4 مليار دولار مقابل 5.2 مليارات دولار في 2021، وهذا يوضح دور القرارات الصائبة التي أحدثت طفرة كبيرة حيث إن مصر جاءت في المركز الأول في مؤشر التدفقات الواردة من الاستثمار الأجنبي على مستوى إقليم شمال أفريقيا، بالإضافة إلى احتلالها المرتبة الأولى عربيًا لجهة نمو الاستثمارات الأجنبية، إذ زادت بنسبة 123% عن 2021 لتصل إلى 11.4 مليار دولار، وفقًا لتقرير منظمة “الأونكتاد”.
واحتلت مصر المرتبة 14 من بين أفضل الأسواق الناشئة الجذابة والموثوقة في العالم للاستثمارات الأجنبية، متقدمة على تركيا والمغرب وجنوب إفريقيا وروسيا ، ووفقًا لتقرير صادر عن شركة الاستشارات الإدارية العالمية الأمريكية كيرن العالمية التي تقدم المشورة الاستراتيجية للشركات والحكومات والمؤسسات وتعمل منذ ما يقرب من 100 عام حتى الآن، فإن تقرير الثقة عن الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) لعام 2023 الصادر عن Kearney أن المستثمرين على مستوى العالم يعطون الأولوية لعوامل مثل شفافية اللوائح الحكومية والقدرات التقنية ومعدلات الضرائب في اتخاذ قرارات الاستثمار، وفقًا لشركة Kearney.
وتستهدف الحكومة المصرية خلال السنوات الثلاث القادمة بحيث تتمكن الحكومة بحلول عام 2026 من أن تصل الإيرادات الإجمالية للدولة المصرية من العملة الصعبة إلى حدود 191 مليار دولار، مقسمة كالتالي:
- زيادة الصادرات السلعية بـ 20% في السنة، وبحلول عام ٢٠٢٦ تصل إلى 88 مليار دولار.
- زيادة إيرادات القطاع السياحي بـ 20%، إلى أن يصل إلى ٢٠ مليار دولار.
- زيادة تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 10%، إلى أن يصل إلى ٤٥ مليار دولار.
- زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنحو 10% سنويًا، وصولًا إلى ١٣ مليار دولار.
- متحصلات قناة السويس بنحو 10% سنويًا، وصولاً إلى ١٧ مليار دولار.
- خدمات التعهيد والخاصة بالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنسبة 10%، وصولًا إلى ٩ مليارات دولار.
النتائج الأولية للسنة المالية 2022/2023، بلغ إجمالي الإيرادات 1.5 تريليون جنيه بمعدل نمو بلغ 11.5%. بالإضافة إلى إيرادات ضريبية بقيمة نحو 1.2 تريليون جنيه بمعدل نمو، بعد تدقيق الأرقام، يصل إلى نحو 23%، وهو معدل غير مسبوق على الإطلاق، وبلغ إجمالي المصروفات 2.13 تريليون جنيه بنسبة نمو 16.3%. ويعني ذلك بشكل مبدئي وجود فائض أولي بنحو 157 مليار جنيه، مقارنة بـ 100 مليار جنيه فائض أولي في العام الماضي، وفيما يتعلق بالعجز الكلي، قال الوزير إنه يمثل حوالي 618 مليار جنيه، ومن المتوقع بعد تدقيق الأرقام أن يكون في حدود 6.2% مقارنة بـ 6.1% في العام الماضي، مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع أسعار الفائدة بشكل كبير، وكذا تأثير سعر الصرف.
خلاصة القول، إن الحكومة المصرية لها هدف واضح لسنوات المقبلة، وهو تمكين وزيادة دور القطاع الخاص التزامًا بوثيقة ملكية الدولة التي أقرتها، وتعمل الحكومة خلال الفترة الحالية على تعديل القوانين وزيادة المحفزات لزيادة اجتذاب المستثمرين وتهيئة سوق استثماري، واستطاعت حتى الآن إلى الوصول إلى نتائج إيجابية تبشر بالمزيد من التقدم والنمو الاقتصادي.