“دعائم قرار 3 يوليو”.. الانحياز للشعب وحماية النظام الجمهوري
منذ ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952، أخذت المؤسسة العسكرية المصرية على عاتقها حماية النظام الجمهوري المصري، الذي كانت القوات المسلحة المصرية من أهم أدوات تأسيسه والحفاظ عليه بعد عقود من الحكم الملكي المستبد. وعلى مدار العقود التالية، ظل الجيش المصري بمعية الجموع الشعبية جنبًا إلى جنب في كل استحقاق مفصلي في تاريخ الأمة المصرية، بداية من تأميم قناة السويس مرورًا بالعدوان الثلاثي عام 1956 ونكسة يونيو 1967، وصولًا إلى نصر أكتوبر العظيم عام 1973، وما تلاه من تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية. وتغير المشهد بشكل كلي في مصر عقب ثورة 25 يناير، ودخول البلاد في مخاض عسير لمحاولة الخروج من دائرة العنف والفوضى إلى بر الأمان.
القوات المسلحة المصرية، التي وجدت نفسها مسؤولة بشكل شبه كامل عن الجمهورية المصرية بعد رحيل نظام مبارك، تمكنت من الحفاظ على تماسك الدولة المصرية رغم الموجات المتضادة والمتلاطمة في الساحة السياسية المصرية، والتي امتدت آثارها إلى الشارع، على شكل مظاهرات واشتباكات باتت شبه يومية خلال عام 2011 والقسم الأول من عام 2012.
وتمكنت المؤسسة العسكرية في النهاية من الوصول بالبلاد إلى انتخابات تشريعية ورئاسية، أفضت إلى تسلم محمد مرسي العياط، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، منصب رئيس الجمهورية، وقد احترمت المؤسسة العسكرية الخيار الذي أنتجه الصندوق الانتخابي، رغم علم القيادة العسكرية المصرية – بالنظر إلى تجارب الأشهر السابقة مع جماعة الإخوان – أن مرسي سيكون رئيسًا صوريًا، وأن المتحكم الوحيد في قرار الدولة المصرية وخياراتها سيكون جماعة الإخوان المسلمين.
بدء استشعار خطوات أخونة الدولة
أفتتح محمد مرسي أولى خطاباته العلنية الموجهة إلى الشعب المصري بعبارة “أهلي وعشيرتي”، في إشارة لا لبس فيها إلى أنه بات يرى أن أتباع جماعة الإخوان هم ظهيره الشعبي وهم من سيضعهم نصب ناظريه من الآن فصاعدًا.
منذ ذلك التوقيت، بدأت تتضح تباعًا نوايا جماعة الإخوان المسلمين للسيطرة على كافة مفاصل الدولة المصرية، وأخونة كافة المؤسسات والهيئات، بشكل يمنع أي محاولة مستقبلية لمواجهتهم أو التصدي لهم، وهذا أتضح من خلال مسار طويل من الممارسات السياسية القمعية وغير الدستورية، التي كانت سببًا أساسيًا في تصاعد الغضب الجماهيري بشكل مطرد منذ منتصف عام 2012، من هذه الخطوات:
– تحدى محمد مرسي وجماعة الإخوان المؤسسة القضائية المصرية في الثامن من يوليو 2012، بإصدار الرئاسة المصرية قرارًا بعودة مجلس الشعب المنحل إلى الانعقاد مرة أخرى، رغم صدور حكم نهائي من المحكمة الدستورية العليا بعدم قانونية المواد الدستورية التي تضمنها قانون الانتخاب الذي على أساسه أجريت الانتخابات التشريعية عام 2010.
– شابت المناقشات التي دارت في الجمعية التأسيسية للدستور التي كانت تبحث مواد الدستور المصري الجديد، خطوات إقصائية متعمدة من جانب مندوبي التيارات الإسلامية، الذين ضيقوا الخناق على كافة محاولات التيارات المدنية وممثلي الكنائس داخل الجمعية، لدرجة دفعت ممثلي الكنائس إلى الانسحاب من الجمعية التأسيسية للدستور في السادس عشر من نوفمبر 2012، احتجاجًا على الإخلال بمبدأ أساسي من مبادئ الدولة المدنية وهو “التعددية”.
– هذه الخطوات كانت تتم بالتزامن مع بدء عناصر الجماعة في التسلل إلى النسيج الحكومي والوظيفي القيادي، عبر سلسلة من التعيينات التي وضعت منتسبي تيار الإسلام السياسي في وظائف رفيعة في المحليات ومجالس المحافظات، وكذا في وزارات خدمية مثل التعليم، والصحة، ووصل الأمر إلى إلحاق منتسبي الجماعة في الكليات الأمنية والعسكرية، وهي الخطة التي لو قدر لها الاستمرار لكانت كلمة مرشد الجماعة هي المهيمنة على كافة الوزارات السيادية والخدمية.
– مهد نهج جماعة الإخوان فيما يتعلق بالجمعية التأسيسية للدستور، للصدام الأكبر على المستوى السياسي بين جماعة الإخوان والقوى السياسية المدنية، وهو إصدار مرسي إعلان دستوري مكمل في الثاني والعشرين من نوفمبر 2021، حصن فيه قرارته من الطعن عليها، ومنع حل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور، وكذلك تضمن هذا الإعلان الدستوري تعديًا جديدًا على السلطة القضائية، بإصداره قرار غير مسبوق بإقالة النائب العام وتعيين شخص آخر، بالمخالفة لقانون استقلال السلطة القضائية، وقد مثلت هذه الخطوة البداية الحقيقية لخطة أخونة الدولة المصرية ومؤسساتها.
– تسبب هذا الإعلان الدستوري وما تضمنه من بنود مخلة بالدستور والقانون والحريات، في موجة غضب عارمة اجتاحت الأوساط السياسية والشعبية في مصر، وقد حاولت المؤسسة العسكرية في ذلك التوقيت الدعوة إلى حوار وطني جامع حول هذا الإعلان، إلا أن مؤسسة الرئاسة تجاهلت هذه الدعوة، وتصاعد الغضب الشعبي والحزبي منذ ذلك التوقيت، وكانت البداية باجتماع كافة القوى السياسية المعارضة في مقر حزب الوفد المصري، وإعلانهم الرفض القاطع لهذا الإعلان وكل ما يترتب عليه من قرارات، تبع ذلك استقالة عدد من كبار المسؤولين الحكوميين من مناصبهم احتجاجًا على هذا الإعلان، من بينهم عدد من مساعدي ومستشاري رئيس الجمهورية، مثل سكينة فؤاد وفاروق جويدة وسمير مرقص وسيف عبد الفتاح وعمرو الليثي ومحمد عصمت سيف الدولة ورفيق حبيب.
– صدرت كذلك ردود فعل غاضبة على هذا الإعلان من عدة مؤسسات دينية وقضائية، منها المجمع الأعلى للكنيسة الإنجيلية، الذي أصدر بيانًا رافضًا لهذا الإعلان وبنوده التي تدفع في اتجاه إحداث شرخ في العلاقة بين مكونات المجتمع المصري، وكذلك أصدر المجلس الأعلى للقضاء بيانًا مماثلًا اعتبر فيه أن هذا الإعلان يعد اعتداء غير مسبوق على استقلالية القضاء وأحكامه.
– انتقدت بعض الهيئات الدولية هذا الإعلان أيضًا، مثل المفوضية السامية لحقوق الإنسان في جنيف، التي اعتبرته “يتعارض مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتتنافى مع الوصول إلى العدالة والإنصاف”.
استهداف مؤسسات الدولة التي فشل الإخوان في اختراقها
التصادم بين رأس الدولة المصرية آنذاك محمد مرسي، ومن خلفه جماعة الإخوان المسلمين، وبين المؤسسات الأساسية في مصر كان لافتًا خلال هذه الفترة، خاصة المؤسسات التي لم تفلح جماعة الإخوان في اختراقها، وعلى رأسها المؤسسة القضائية، حيث استهدفتها الرئاسة المصرية بعدة إجراءات كانت بدايتها مع الإعلان الدستوري السالف ذكره، مرورًا بمحاولة سن قانون يخفض سن تقاعد القضاة من 70 إلى 60 عامًا، وهذا يعني عمليًا إحالة أكثر من ثلاثة آلاف قاضي إلى المعاش، وصولًا إلى حدث غير مسبوق في التاريخ المصري وهو حصار أنصار إحدى فصائل الإسلام السياسي الموالية لجماعة الإخوان “حركة حازمون” للمحكمة الدستورية العليا، في ديسمبر 2012، وقامت بتهديد القضاة ومنعهم من ممارسة أعمالهم أو الوصول لمقراتهم.
المرافق الإعلامية كانت أيضًا هدفًا لمؤيدي ومناصري جماعة الإخوان، حيث حاصرت جموعهم لأسابيع مدينة الإنتاج الإعلامي في مارس 2013، ما أثر بشكل كبير على حرية ممارسة الإعلاميين والصحفيين لدورهم في هذه المرحلة، وكان هذا الحدث بمثابة تأكيد آخر على المنحى الفوضوي والميليشياوي الذي باتت تتجه إليه مصر في هذا التوقيت.
اللعب على وتر البعد الديني والطائفي
من أهم ملامح فترة حكم محمد مرسي محاولات اللعب على الوتر الطائفي والديني، وهذه النقطة بشكل أساسي كانت من أهم بواعث تحرك المؤسسة العسكرية واستجابتها للرغبة الشعبية في الثالث من يوليو، فقد ركزت جماعة الإخوان بشكل واضح على استهداف المكون المسيحي في المجتمع المصري، دون مراعاة لحقوقهم ودورهم الوطني والتاريخي، وذلك من أجل استمالة ضعاف النفوس ودفعهم لتأييد ودعم جماعة الإخوان المسلمين من منطلق “الحفاظ على الإسلام ومواجهة العلمانية ومؤيديها”.
لهذا لم يكن مستغربًا أن تبدأ الاشتباكات الطائفية في الظهور بشكل متكرر خلال فترة حكم مرسي، وقد تصاعدت هذه الاشتباكات باستمرار خاصة في منطقة الصعيد، وكانت ذروة هذه الاشتباكات الطائفية ما حدث في أبريل 2013 في منطقة الخصوص بمحافظة القليوبية، حيث اشتبك عشرات المسلمين والمسيحيين، وقد تلت هذه الاشتباكات اعتداء لأنصار تيار الإسلام السياسي على مسيرة قام الأقباط بتنظيمها في القاهرة للتنديد بما حدث في الخصوص، وقد تضمن هذا الاعتداء هجوم غير مسبوق على الكاتدرائية المرقسية في منطقة العباسية، ما وضع المعادلة الوطنية الداخلية في مصر على المحك، وهذا على ما يبدو كان الهدف الرئيس من وراء وضع التيارات الإسلامية المكون القبطي المصري في دائرة الاستهداف خلال تلك الفترة، وهذا ما اتضح بشكل أكبر من خلال موجة الهجوم على الكنائس المصرية بعد ثورة 30 يونيو 2013.
اللعب على الوتر الطائفي لم يقتصر فقط على مناهضة المكون القبطي، بل تعدى هذا ليصبح موجهًا في اتجاهات أخرى مثل الطائفة الشيعية، فقد تسبب الشحن الطائفي الذي مارسه شيوخ ومنتسبي التيارات الإسلامية في هذا الاتجاه، إلى هجوم أهالي قرية “أبو مسلم” في محافظة الجيزة، في الرابع والعشرين من يونيو 2013، على منزل يقطنه عدد من الشيعة، بسبب ممارستهم بعض الطقوس الشيعية داخله، ما أسفر عن مقتل أربع أشخاص واحتراق عدة منازل، في دولة تعد مثالًا على مدار تاريخها للتعايش المشترك والتماسك الوطني بين كل المكونات والمذاهب والطوائف.
شرارة الاقتتال الداخلي تشتعل عند أسوار رمز الجمهورية المصرية
وجدت المؤسسة العسكرية والأمنية المصرية نفسها أمام وضع مقلق على مستوى الشارع المصري، خاصة في ظل إصرار جماعة الإخوان ومحمد مرسي على المضي قدمًا في تنفيذ إعلانهم الدستوري هذا رغم كافة الاعتراضات السياسية والشعبية والمؤسسية عليه، حيث تمترس مرسي خلف مكونات الإسلام السياسي التي كانت الداعم الوحيد لهذا الإعلان الدستوري، في حين بدأت المجموعات السياسية والشبابية في الدعوة منذ أوائل ديسمبر 2012 إلى الاعتصام أمام أسوار قصر الاتحادية الجمهوري، للتعبير عن الرفض الشعبي لهذا الإعلان الذي يضع أرضية ممهدة أمام حكم جماعة الإخوان لمصر.
وأصبح المشهد دمويًا بعد أن أعلن حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، عن تنظيم مسيرات مؤيدة للإعلان الدستوري انطلاقا من بعض المساجد في اتجاه قصر الاتحادية، تلا ذلك هجوم المئات من أعضاء الحزب على منطقة الاعتصام الشعبي في محيط القصر صباح الخامس من ديسمبر 2012، وشهدت هذه المنطقة على مدار ثلاثة أيام مئات الانتهاكات التي طالت المعتصمين، تضمنت حرق خيامهم، واعتقال العشرات منهم و ربطهم على أعمدة الإنارة وأسوار القصر، وأسفر هذا الهجوم وما تبعه من تنكيل بالمعتصمين عن مقتل عشرة أشخاص وإصابة نحو 800 شخص، وهو ما غذى بشكل أكبر الغضب الشعبي من رأس النظام القائم، الذي كان داخل قصره يتحدث في مؤتمر صحفي، وخارج هذا القصر مشهد دموي يسقط فيه العشرات بين قتلى وجرحى.
– حالة التوتر والاستقطاب الداخلي بدأت في التصاعد بشكل دراماتيكي عقب تلك الحادثة، حيث بدأت التظاهرات الرافضة لحكم مرسي في الانتشار في كافة المحافظات المصرية منذ صباح السادس من ديسمبر، حيث تركزت تلك التظاهرات في محيط مقرات حزب الحرية والعدالة في كافة المحافظات، بالإضافة إلى ميدان التحرير بوسط القاهرة والتي كانت تطالب بإسقاط حكم المرشد.
تفاقم الفشل الحكومي والسياسي والاقتصادي
تركيز “دولة الإخوان” بشكل أساسي على ترسيخ سيطرة جماعة الإخوان على مفاصل الدولة، واكبه تدهور مستمر في الأداء الحكومي الداخلي على المستوى الخدمي والاقتصادي، وتردي في الأداء الدبلوماسي والسياسي على المستوى الخارجي. داخليًا، بدأت تظهر بشكل واضح أواخر عام 2012، آثار هذه السياسات على الخدمات الأساسية المقدمة للمواطن، خاصة فيما يتعلق بملف الكهرباء والوقود، حيث عانت كافة المحافظات المصرية من انقطاعات كبيرة في التيار الكهربائي نتيجة لنقص المواد البترولية، وباتت مشاهد الصفوف الطويلة من السيارات المتوقفة أمام محطات الوقود، مشاهد معتادة ويومية، ونتيجة طبيعية لغياب أي استراتيجية واضحة للتنمية ولحل هذه المشكلات.
وكان ملف المواصلات العامة، من ضمن الملفات التي تعهد محمد مرسي خلال برنامجه الانتخابي بإيجاد حلول جذرية لها خلال المائة يوم الأولى من حكمه للبلاد، لكن ما حدث كان العكس تمامًا، فاستفحلت مشكلة المواصلات وتكررت بشكل يومي حوادث الطرق، في ظل غياب أية مشاريع لتدشين طريق جديدة أو إصلاح الطرق الحالية، وهو ما ترافق مع تدهور ملحوظ في السكك الحديدية، حيث شهد هذا المرفق عدة حوادث متتالية، منها حادثين في نفس الشهر “نوفمبر 2012″، في الأول تصادم قطارين، وفي الثاني توفي نحو 50 تلميذ بعد اصطدام قطار بحافلة مدرسية قرب منفلوط في محافظة أسيوط.
وعلى المستوى المالي، تدهور بشكل كبير الأداء المالي العام للاقتصاد المصري، ويعزى هذا التدهور بشكل أساسي للأداء الرئاسي والحكومي، فمثلا تلقت البورصة المصرية خسائر فادحة تقدر بنحو 37 مليار جنيه من رأسمالها السوقي، مباشرة عقب إصدار محمد مرسي الإعلان الدستوري المكمل. كما تناقص بشكل سريع الرصيد الاحتياطي من النقد الأجنبي، نتيجة للسحب المستمر منه، ليصل إلى أدنى حد له على الإطلاق 13.6 مليار دولارفي يناير 2013، وهروب الاستثمار الأجنبي نتيجة حالة الاحتقان السياسي والمظاهرات المستمرة ضد جماعة الإخوان.
سياسيًا، انعكست الأوضاع الداخلية على الأداء الدبلوماسي المصري وتأييد عدد من المشروعات التي تهدد استقرار الدولة برعاية دول إقليمية في المنطقة، مثال على ذلك، تنظيم الرئيس المعزول “محمد مرسي” مؤتمر “نصرة سوريا” بحضور عناصر جماعة الإخوان وتيارات الإسلام السياسي وإعلانه قطع العلاقات مع الحكومة السورية، والأخطر كان تلويحه بإرسال قوات ومقاتلين إلى سوريا. باكورة هذه المواقف السياسية الغير متوافقة مع الدور التاريخي لمصر وخبرتها السياسية والدبلوماسية الضاربة جذورها في التاريخ، كان الاجتماع الذي تم عقده في الثالث من يونيو 2013، برئاسة محمد مرسي، لمناقشة ملف سد النهضة الإثيوبي، والذي احتوى على مجموعة من المغالطات والتصريحات الصبيانية البعيدة كل البعد عن التناول الموضوعي والسياسي لهذا الملف المهم والمصيري.
فتح الأبواب للعناصر الإرهابية والممارسات الأصولية
ربما يمكن اعتبار إصدار محمد مرسي عقب توليه منصبه، قرارات جمهورية بالعفو عن بعض المدانين في قضايا متعلقة بالإرهاب، وتعيين بعضهم في مناصب قيادية بالدولة، مثل القيادي في تنظيم “الجماعة الإسلامية” عادل الخياط، الذي عينه مرسي أواخر يونيو 2013 في منصب محافظ الأقصر، علمًا أنه كان ضمن منفذي “مذبحة الأقصر” عام 1997، التي راح ضحيتها عشرات السائحين، وكانت الأقصر – للمفارقة – مسرح هذه العملية الإرهابية، يمكن اعتبار ما سبق دليلًا دامغًا على الأبواب التي فتحتها جماعة الإخوان في وجه تنظيمات الإسلام السياسي – بما في ذلك التنظيمات التي انتهجت العنف سابقًا – في الداخل المصري. ولهذا السبب لم يكن مشهد وجود كبار العناصر الإرهابية الذين شاركوا في ترويع وقتل المصريين خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بجوار محمد مرسي على منصة الاحتفال بنصر أكتوبر، غريبًا أو خارج السياق.
لكن الدليل الأكبر على هذه التوجهات كان في الخامس من أغسطس 2012 في شهر رمضان المعظم، حين أستشهد 16 ضابط وجندي من قوات الجيش المصري من سلاح حرس الحدود في منطقة رفح شمالي سيناء، بعد هجوم من جانب عناصر إرهابية على نقطة تمركزهم أثناء تناولهم طعام الإفطار. ردود الفعل من جانب محمد مرسي على هذه العملية كانت بمثابة مؤشر خطير التقطته المؤسسة العسكرية المصرية، على أن جماعة الإخوان باتت في تنسيق كامل مع المجموعات المتواجد في سيناء، لتوحيد الجهود من أجل خدمة الأهداف السياسية لجماعة الإخوان وتحقيق الهيمنة الكاملة على مصر، عبر كسر واختراق المؤسسة العسكرية والأمنية.
الدلائل على هذا كانت عديدة، منها تصريحات مدير المخابرات العامة المصرية حينها اللواء مراد موافي، حول أنه قام بإرسال معلومات وافية حول احتمالية حدوث هذا الهجوم إلى مؤسسة الرئاسة، وهو التصريح الذي تمت إقالته عقبه مباشرة. استغل مرسي هذا الهجوم – الذي علم به مسبقًا كما تقدم – لإنهاء دور المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان بشكل كامل، وكذا إلغاء الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري في يونيو 2012، ويتضمن إعطاء الحق للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في مناقشة الموازنة المخصصة لوزارة الدفاع، والحق في الاعتراض على بعض البنود المقترح تضمينها في الدستور الجديد.
تصاعد الغضب الشعبي والوصول إلى 3 يوليو
جاء إقرار الدستور الذي أشرفت على إعداده جماعات الإسلام السياسي في يناير 2013 – متجاهلة غياب الميثاقية ووجود اعتراضات جذرية ومهمة من جانب كتل أساسية في المجتمع المصري – ليعمق بشكل أكبر الشرخ الداخلي الذي بدأ منذ إقدام محمد مرسي على خطوة إصدار الإعلان الدستوري المكمل. وهذا أدى، بجانب كل ما سبقت الإشارة إليه من عوامل، إلى نشوء عدة حركات شبابية، تنادي بسقوط دولة الإخوان وحكمهم، وقد توحدت هذه الحركات تحت أسم حركة “تمرد” في السادس والعشرين من أبريل، وشرعت في حملة جمع توقيعات من كافة أفراد الشعب المصري، للمطالبة بانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في مصر.
ونجحت حركة تمرد في جمع أكثر من 30 مليون توقيع تطالب بعقد الانتخابات المبكرة، وقد أعتصم مئات المصريين خارج مقر وزارة الدفاع المصرية منذ 21 يونيو 2013، للمطالبة بتدخل المؤسسة العسكرية لحل الأزمة السياسية القائمة، وهو ما بدأته المؤسسة العسكرية بالفعل بإعطاء مهلة أسبوع لكافة القوى الداخلية كي تتحاور في ما بينها لإيجاد حل لهذه الأزمة، وحاول وزير الدفاع المصري آنذاك الفريق أول عبد الفتاح السيسي، أن يحث محمد مرسي على الاستجابة لهذه الدعوة، لكن كان رد الفعل من جانب الرئاسة والحكومة هو الإصرار على المضي قدمًا في ترسيخ الوضع القائم، وذلك عبر حشد أنصار تيارات الإسلام السياسي للاعتصام في ميداني رابعة العدوية والنهضة في 21 يونيو 2013، في خطوة خطيرة كانت دليلًا على عدم وضع محمد مرسي وجماعة الإخوان لأية مصلحة وطنية في الاعتبار، حيث كان لهذه الخطوة مخاطر كبيرة على السلم الأهلي، وكانت مؤشرًا على احتمالات كبيرة لتحول الأوضاع داخل مصر إلى ما يشبه حرب أهلية.
وكان موقف المؤسسة العسكرية في ذلك التوقيت واضحًا من خلال تصريحات أدلى بها الفريق السيسي منتصف يونيو 2013، خلال إحدى الندوات التثقيفية، حيث قال “الجيش لمصري لن يظل صامتًا أمام انزلاق البلاد نحو صراع تصعب السيطرة عليه، وقد تجنبت القوات المسلحة خلال المرحلة الماضية الدخول في المعترك السياسي، إلا أن مسؤوليتها الوطنية والأخلاقية تجاه الشعب تحتم عليها التدخل لمنع انزلاق مصر في نفق مظلم من الصراع والاقتتال الداخلي، لذلك نحن ندعو الجميع إلى إيجاد صيغة تفاهم وتوافق مصالحة حقيقية لحماية مصر وشعبها ولدينا من الوقت أسبوع فقط”.
كان رهان جماعة الإخوان المسلمين على أن القطاعات الشعبية المناهضة لحكم محمد مرسي سوف ترضخ أو تخشى من سطوة مكونات الإسلام السياسي كان خاسرًا، حيث دعت الحركات الشعبية المناهضة لحكم الإخوان الشعب المصري إلى التظاهر في الثلاثين من يونيو لإعلان رفضهم لنهج الحكم القائم. وبالفعل تدفق ملايين المصريين على الميادين الرئيسة في القاهرة وكافة المحافظات في الثلاثين من يونيو 2013، لإعلان رفضهم استمرار الأوضاع القائمة، والتأكيد على مطالبهم المتعلقة بالانتخابات العامة والرئاسية المبكرة، وهنا بدأت المؤسسة العسكرية والأمنية المصرية في التحرك لحماية خيارات الشعب، خاصة بعد أن اثبت الرصد الجوي الحجم غير المسبوق للتظاهرات الشعبية التي عمت كافة المدن المصرية، حيث تعدت الأعداد المقدرة في هذا اليوم من جانب وزارة الداخلية 20 مليون شخص، وهي تقديرات قامت وزارة الداخلية بإعلام الرئاسة المصرية بها، في محاولة أخيرة كي تحفزها على إتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ المطالب الشعبية.
وأصدرت المؤسسة العسكرية المصرية بيانًا في الأول من يوليو 2013، علقت فيه على هذا المشهد التاريخي، جاء فيه:
“شهدت الساحة المصرية والعالم أجمع أمس مظاهرات وخروجًا لشعب مصر العظيم ليعبر عن رأيه وإرادته بشكل سلمي وحضاري غير مسبوق. لقد رأى الجميع حركة الشعب المصري وسمعوا صوته بأقصى درجات الاحترام والاهتمام. ومن المحتم أن يتلقى الشعب ردًا على حركته وعلى ندائه من كل طرف يتحمل قدرًا من المسؤولية في هذه الظروف الخطرة المحيطة بالوطن. إن القوات المسلحة المصرية كطرف رئيسي في معادلة المستقبل، وانطلاقا من مسؤوليتها الوطنية والتاريخية في حماية أمن وسلامة هذا الوطن، تؤكد على الآتي:
إن القوات المسلحة لن تكون طرفا في دائرة السياسة أو الحكم ولا ترضى أن تخرج عن دورها المرسوم لها في الفكر الديمقراطي الأصيل النابع من إرادة الشعب. وإن الأمن القومي للدولة معرض لخطر شديد إزاء التطورات التي تشهدها البلاد، وهو يلقي علينا بمسؤوليات كل حسب موقعه للتعامل بما يليق من أجل درء هذه المخاطر.
لقد استشعرت القوات المسلحة مبكرا خطورة الظرف الراهن وما تحمله طياته من مطالب للشعب المصري العظيم. ولذلك فقد سبق أن حددت مهلة أسبوعا لكافة القوى السياسية بالبلاد للتوافق والخروج من الأزمة، إلا أن هذا الأسبوع مضى دون ظهور أي بادرة أو فعل. وهو ما أدى إلى خروج الشعب بتصميم وإصرار وبكامل حريته على هذا النحو الباهر الذى أثار الإعجاب والتقدير والاهتمام على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي.
إن ضياع مزيد من الوقت لن يحقق إلا مزيدًا من الانقسام والتصارع الذى حذرنا ولا زلنا نحذر منه. لقد عانى هذا الشعب الكريم ولم يجد من يرفق به أو يحنو عليه، وهو ما يلقي بعبء أخلاقي ونفسي على القوات المسلحة التي تجد لزامًا أن يتوقف الجميع عن أي شيء بخلاف احتضان هذا الشعب الأبي الذى برهن على استعداده لتحقيق المستحيل إذا شعر بالإخلاص والتفاني من أجله. إن القوات المسلحة تعيد وتكرر الدعوة لتلبية مطالب الشعب وتمهل الجميع 48 ساعة كفرصة أخيرة لتحمل أعباء الظرف التاريخي الذي يمر به الوطن الذي لن يتسامح أو يغفر لأى قوى تقصر في تحمل مسؤولياتها. وتهيب القوات المسلحة بالجميع بأنه إذا لم تتحقق مطالب الشعب خلال المهلة المحددة فسوف يكون لزامًا عليها استنادا لمسؤوليتها الوطنية والتاريخية واحتراما لمطالب شعب مصر العظيم، أن تعلن عن خارطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها وبمشاركة جميع الأطياف والاتجاهات الوطنية المخلصة بما فيها الشباب الذى كان ولا يزال مفجرا لثورته المجيدة، ودون إقصاء أو استبعاد لأحد”.
عقب بيان المؤسسة العسكرية، طالبت عدة أحزاب تنتمي للتيار الإسلامي، مثل حزب النور السلفي والدعوة السلفية، محمد مرسي بالموافقة على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتلا ذلك موجة من الاستقالات، ضمت استقالة خمس وزراء من الحكومة، ومستشار الرئيس للشؤون العسكرية الفريق سامي عنان، و30 عضوًا في مجلس الشورى. وكان رد فعل مؤسسة الرئاسة على خطوة المؤسسة العسكرية معبرًا عن الذهنية التي كانت سائدة في هذا التوقيت، فقد خاطب محمد مرسي مناصريه مساء الثاني من يوليو 2013، لمدة 45 دقيقة، تحدث فيها مرارًا وتكرارًا عن الشرعية، ولوح فيها بالمواجهة الداخلية بين مناصريه ومناهضيه، وهو ما حدث بالفعل في عدة مناطق مساء هذا اليوم، مثل محيط جامعة القاهرة، وهي اشتباكات استمرت حتى صباح اليوم التالي، وأسفرت عن مقتل 22 شخص وجرح العشرات.
هذا الموقف تم تعزيزه برفض رئيس حزب الحرية والعدالة -الذراع السياسية لجماعة الإخوان- حضور الاجتماع الذي دعت له المؤسسة العسكرية في الثالث من يوليو، وقد حضرت هذا الاجتماع كافة القوى السياسية، واستمر لمدة ثلاث ساعات، أصدر بعدها وزير الدفاع المصري بيانًا قال فيه:
“إن القوات المسلحة لم يكن في مقدورها أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب التي استدعت دورها الوطني، وليس دورها السياسي على أن القوات المسلحة كانت هي بنفسها أول من أعلن ولا تزال وسوف تظل بعيدة عن العمل السياسي. ولقد استشعرت القوات المسلحة – انطلاقا من رؤيتها الثاقبة – أن الشعب الذي يدعوها لنصرته لا يدعوها لسلطة أو حكم وإنما يدعوها للخدمة العامة والحماية الضرورية لمطالب ثورته.. وتلك هي الرسالة التي تلقتها القوات المسلحة من كل حواضر مصر ومدنها وقراها وقد استوعبت بدورها هذه الدعوة وفهمت مقصدها وقدرت ضرورتها واقتربت من المشهد السياسي آمله وراغبة وملتزمة بكل حدود الواجب والمسئولية والأمانة. لقد بذلت القوات المسلحة خلال الأشهر الماضية جهودا مضنية بصورة مباشرة وغير مباشرة لاحتواء الموقف الداخلي وإجراء مصالحة وطنية بين كل القوى السياسية بما فيها مؤسسة الرئاسة منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2012.. بدأت بالدعوة لحوار وطني استجابت له كل القوى السياسية الوطنية وقوبل بالرفض من مؤسسة الرئاسة في اللحظات الأخيرة.. ثم تتابعت وتوالت الدعوات والمبادرات من ذلك الوقت وحتى تاريخه. كما تقدمت القوات المسلحة أكثر من مرة بعرض تقدير موقف استراتيجي على المستوى الداخلي والخارجي تضمن أهم التحديات والمخاطر التي تواجه الوطن على المستوى الأمني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ورؤية القوات المسلحة بوصفها مؤسسة وطنية لاحتواء أسباب الانقسام المجتمعي وإزالة أسباب الاحتقان ومجابهة التحديات والمخاطر للخروج من الأزمة الراهنة.
في إطار متابعة الأزمة الحالية اجتمعت القيادة العامة للقوات المسلحة رئيس الجمهورية في قصر القبة يوم 22 / 6 / 2013 حيث عرضت رأى القيادة العامة ورفضها للإساءة لمؤسسات الدولة الوطنية والدينية، كما أكدت رفضها لترويع وتهديد جموع الشعب المصري. ولقد كان الأمل معقودا على وفاق وطني يضع خارطة مستقبل، ويوفر أسباب الثقة والطمأنينة والاستقرار لهذا الشعب بما يحقق طموحه ورجاءه، إلا أن خطاب السيد الرئيس ليلة أمس وقبل انتهاء مهلة الـ48 ساعة جاء بما لا يلبى ويتوافق مع مطالب جموع الشعب.. الأمر الذى استوجب من القوات المسلحة استنادا على مسؤوليتها الوطنية والتاريخية التشاور مع بعض رموز القوى الوطنية والسياسية والشباب ودون استبعاد أو إقصاء لأحد.. حيث اتفق المجتمعون على خارطة مستقبل تتضمن خطوات أولية تحقق بناء مجتمع مصري قوى ومتماسك لا يقصى أحدا من أبنائه وتياراته وينهى حالة الصراع والانقسام وتشتمل هذه الخارطة على الآتي:
– تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت.
– يؤدى رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة.
– إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس جديد.
– لرئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الانتقالية.
– تشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية.
– تشكيل لجنة تضم كل الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذي تم تعطيله مؤقتا.
– مناشدة المحكمة الدستورية العليا لسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب والبدء في إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية.
– وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن.
– اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب في مؤسسات الدولة ليكون شريكًا في القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة.
– تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات.
وتهيب القوات المسلحة بالشعب المصري العظيم بكل أطيافه الالتزام بالتظاهر السلمي وتجنب العنف الذى يؤدى إلى مزيد من الاحتقان وإراقة دم الأبرياء.. وتحذر من أنها ستتصدى بالتعاون مع رجال وزارة الداخلية بكل قوة وحسم ضد أي خروج عن السلمية طبقا للقانون وذلك من منطلق مسؤوليتها الوطنية والتاريخية. كما توجه القوات المسلحة التحية والتقدير لرجال القوات المسلحة ورجال الشرطة والقضاء الشرفاء المخلصين على دورهم الوطني العظيم وتضحياتهم المستمرة للحفاظ على سلامة وأمن مصر وشعبها العظيم”.
المؤسسة العسكرية المصرية … البوصلة هي خيارات الشعب ومصلحة النظام الجمهوري
“أقسم أن احترم النظام الجمهوري”، ربما كان تلفظ محمد مرسي بهذه الجملة اثناء تلاوته القسم الرئاسي، هو بداية الأخطاء والجرائم التي ساهم هو وجماعة الإخوان المسلمين في ارتكابها، فقد تعرض النظام الجمهوري المصري – كما سبقت الإشارة – إلى مخاطر جمة تراوحت بين التردي الاقتصادي والخلل الأمني والاضمحلال السياسي داخليًا، والتقزم الخارجي لدرجة تصبح فيها الدولة صاحبة الريادة عبر التاريخ مجرد دولة تابعة تتلقى المساعدات والمعونات وترهن قرارها لصالح قوى إقليمية اخرى.
تحرك المؤسسة العسكرية في الثالث من يوليو كان تصحيحًا لأخطاء فادحة وقعت فيها القوى المدنية والسياسية بعد ثورة يناير 2011، ومن خلالها أخطأوا قراءة حقيقة توجهات فصائل الإسلام السياسي ونواياها، التي اتضح أنها كانت مركزة في جانب تحويل مصر إلى كيان قائم على الميليشيات والكيانات الموازية. لم يكن من المستساغ بالنسبة لمؤسسة عسكرية عريقة مثل الجيش المصري، أن تقف متفرجة على اقتتال داخلي فعلي في شوارع مصر، وأن تصمت على تقزيم الدور الخارجي لمصر، وعن محاولات اختراق المؤسسة العسكرية وتدميرها من الداخل، أو تحويلها إلى ميليشيا، يمكن إرسالها للقتال في سوريا أو ليبيا، دعمًا للميليشيات الإرهابية ضد الحكومات الشرعية.
“إرادة الشعب المصري هي التي تحكمنا ونرعاها بشرف ونزاهة، ونحن مسؤولون مسؤولية كاملة عن حمايتها”، هذه الجملة من خطاب لوزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي في يوليو 2013، يلخص الذهنية العسكرية المصرية فيما يتعلق بالرغبة الشعبية، ولهذا تجاهلت المؤسسة العسكرية المصرية كافة الضغوط الدولية التي انهالت على مصر بعد الثالث من يوليو، خاصة الاتحاد الأفريقي وبريطانيا، وكذلك الولايات المتحدة التي أعلن رئيسها آنذاك “باراك أوباما” عن قلقه مما حدث في مصر، وأمر ادارته بمراجعة المساعدات العسكرية المقدمة إلى مصر، لكن وكما حدث سابقًا في يوليو 1952، كان تحرك المؤسسة العسكرية المصرية مستقلًا ونابعًا من المسؤولية الوطنية، ولم يضع أي اعتبار لأية ضغوط خارجية أو محاذير قد تفرضها المواقف الغربية، والأمريكية بصفة خاصة، وهذا يعزى بشكل أساسي لوجود ظهير شعبي بالملايين في شوارع مصر، نادى أمام العالم كله على المؤسسة العسكرية، كي تنتشل مصر من بئر سحيق كانت تغوص فيه لمدة عام كامل، وهذه الملايين ذاتها، هي من أجبرت العالم على احترام خياراتها، ومرة أخرى كان شهر يوليو علامة من علامات الرابط المتين بين خير اجناد الأرض، وشعب مصر العظيم، وهذا المسار ثبتت صحته ودقته وموضوعيته بعد 30 يونيو بأيام قليله، حين فوض ملايين المصريين القيادة العسكرية المصرية، لمواجهة الإرهاب والعنف الذي كان الجميع يتوقعه عقب إزاحة جماعة الإخوان من الحكم.