“أيام الحسم”.. كيف أنهى “السيسي” 85 عامًا من التآمر على الوطن
اجتماع لمدة ست ساعات كاملة، سبق إطلاق بيان 3 يوليو التاريخي بحضور كل الأطياف والقوى السياسية وممثلي المؤسسات الدينية للخروج بصيغة غيرت وجه التاريخ المصري الحديث وأعادت تشكيل مستقبل المنطقة.
بيان راجعه شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب واتُفق على أن يلقيه في وقتها الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والإنتاج الحربي. وهو الاجتماع الذي أكد فيه السيسي أنه هو وأبناؤه من الضباط في الجيش والشرطة يتحملون مسؤولية ما جاء في بيان 3 يوليو ويتحملون مسؤولية “حماية الوطن والشعب” مع إدراكهم لجميع المخاطر.
وكانت هذه هي الجملة التي ختم بها اجتماع الساعات الست التي ربما كانت الأهم في التاريخ المعاصر لهذا الوطن.
الشرف مبدأ حاكم
وبقدر محورية الحدث في 3 يوليو 2013 كانت “وعورة الطريق” الذي مهد إليه، ولكن الطريق لم يتضمن أبدًا شبهة تآمر أو تدبير لأمور من وراء الأبواب المغلقة- فالشرف والأمانة كانا مبدئين حاكمين حتى عندما تدخلت القوات المسلحة لإنقاذ الوطن من براثن الجماعة الإرهابية وحماية إرادة الشعب.
المصريون ليس عليهم فقط أن يفخروا بـ30 يونيو، بل عليهم الزهو بما مهد الطريق أمام الوصول لـ30 يونيو لأنه يجدد في كل عام الثقة في القوات المسلحة التي تحمي حدود هذا الوطن والتي قامت بدور وطني فضلًا عن دورها السياسي في 30 يونيو، ولكن حتى في ذلك التوقيت مارست القوات المسلحة دورها الوطني بمزيد من العزة والشرف والشفافية وتعاملت حتى الدقائق الأخيرة بمنطق الصراحة والمكاشفة وعرض الصورة حقيقية وواقعية على مأساويتها.
ولذلك فإن كل ما قيل بعد ذلك من أن 30 يونيو حيكت لها الأمور بالتضليل أو التآمر على الرئيس الأسبق محمد مرسي عيسى العياط يجانب الصحة تمامًا والوثائق والسجلات تؤكد أن مؤسسة القوات المسلحة حرصت منذ اليوم الأول لتولي محمد مرسي سدة الحكم على أن يكون رئيسًا لكل المصريين إلا أنها رفضت وبإباء يتناسب مع عراقة العسكرية المصرية أن تأتمر بغير أوامر الشعب والقائد الأعلى للقوات المسلحة وليس المرشد العام الذي لم يكن خفيًا أنه كان من يتحكم في مؤسسة الرئاسة.
لم نستأذن لحماية الوطن
حسب تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما كان مرشحًا للرئاسة في 2014 فإن القوات المسلحة “لم تتعاون- لم تتشاور ولم تستأذن” أيًا من كان لحماية إرادة المصريين والدليل على ذلك أن جميع الشخصيات التي حضرت الاجتماع الحاسم” اجتماع الساعات الست” الذي سبق إلقاء بيان 3 يوليو لم يكن لديها علم أن هناك اجتماعًا مع القيادة العامة للقوات المسلحة يلوح في الأفق بمعنى آخر لم يكن هناك تنسيق بأي درجة مع الجهات الداخلية والخارجية وهو ما أكده محمود بدر مؤسس حركة “تمرد” حينما قال أنه كان لا يجيب على الهاتف لانشغاله ببعض الأمور حتى تواصل معه المتحدث العسكري في ذلك الوقت عن طريق وسيط .
وفي ذلك الوقت توالت الأنباء عن أن الفريق عبد الفتاح السيسي تلقى مكالمة هاتفية من نظيره الأمريكي حول مهلة الأسبوع التي أعطاها السيسي للرئيس والفرقاء السياسيين للخروج من الأزمة والاستجابة لمطالب الشعب، وإلا تدخلت القوات المسلحة – حيث قال وزير الدفاع الأمريكي أن تدخل الجيش، سيعتبر انقلابا عسكريا وأن القانون الأمريكي يحتم قطع المساعدات الأمريكية، في حالة حدوث انقلاب، ولكن طبقا لمسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية، لم يتعهـد الفريق السيسي بأي شيء وقال إن الجيش منحاز للشعب والوطن.
تآمروا على أنفسهم
المفارقة في الأمر أن الإخوان “مهدوا” لـ 30 يونيو من تلقاء أنفسهم عن طريق ممارساتهم الاحتكارية للسلطة والدين والحقيقة وهو ما عبر عنه المشير السيسي في خطاب بتاريخ 18-8-2014 عندما قال إن الإخوان استخدموا سلم الديمقراطية للوصول إلى السلطة ثم سحبوا السلم من خلفهم لضمان أن لا يحكم أحد غيرهم والأمر ليس مثيرًا للاندهاش خصوصًا أنهم من قالوا ” إحنا جايين نحكم 500 سنة”.
بدأت المهازل في ممارسات الإخوان بعد خمسة أشهر من وصول مرسي للسلطة وبالتحديد في نوفمبر 2013 وانتهت بكارثة الإعلان الدستوري التي سمحت بتحصين قرارات رئيس الجمهورية واعتبارها فوق دستورية وهو الأمر الذي أثار حفيظة الشعب المصري بأكمله حتى شعر أن مكتب الإرشاد هو الذي يدير بلدًا بحجم مصر.
نصرة سوريا كما أسموها!
أما بدايات الانقلاب الإخواني العشائري على القوات المسلحة وهو صحيح الأمر لأن هذا ما حدث بالفعل، أن محمد مرسي أقال اثنين من كبار قادة الجيش للتقاعد أحدهما هو المشير حسين طنطاوي الذي ظل 20 عاما وزيرا للدفاع في عهد مبارك في خطوة بدا أنها تمثل رغبة ملحة في الخلاص من آثار الماضي.
أما التجديد فكان بتعيين عبد الفتاح السيسي وزيرًا للدفاع والإنتاج الحربي وعلى غير المرجو فلم تسر العلاقات بأفضل ما يكون فقد رأت مؤسسة القوات المسلحة في ذلك التوقيت أن تصرفات الرئيس السابق ومن أمامه مكتب الإرشاد تهدد الأمن القومي لمصر وكان من أبرز هذه الانعكاسات المؤتمر الذي أعلن فيه محمد مرسي مقاطعة سوريا والاستعداد لإرسال مجاهدين للأراضي السورية.
وفي تلك الأثناء استطاعت مؤسسة القوات المسلحة وعلى رأسها وزير دفاعها أن تستشعر خطر تصاعد الاستقطاب داخل المجتمع المصري وما يمكن أن ينجم عن ذلك من آثار مدمرة للأمن للقومي للبلاد، ولما كانت المؤسسة العسكرية تعتمد مبدأين هما “الصراحة” و”المكاشفة” فقد بدأت سلسلة من المحاولات التي كانت تسير في اتجاه جعل الرئيس المنتخب “رئيسًا لكل المصريين”.
وكانت المكاشفات تتم بصفة دورية وكلما لاح الخطر وفي أحاديث ودية ليس بها لهجة تهديد أو حتى أوامر وهو ما أكد عليه المشير السيسي وقتها عندما كان مرشحًا للرئاسة، ففي عدة مرات قام بتوجيه النصح للرئيس السابق من أن الاستمرار على نفس النهج يقود البلاد إلى نفق مظلم ويمكن أن يتحول إلى مواجهة مفتوحة واقتتال أهلي بين من يرون أنهم يرفعون راية الإسلام ومن يرفعون راية الحرية ولكن المحاولات المتكررة لم تزل الغشاوة.
تسع محاولات موثقة.. ومحاولات الساعات الأخيرة
تلاحقت المحاولات إذًا – على قدر اختلافنا في تسميتها، محاولات للاحتواء، للتوجيه أو النصح وبدأت باقتراح تعديل وزاري محدود ومع ازدياد الضجر تم رفع المطالب إلى تعديل وزاري موسع مع تغيير النائب العام وحينما بلغ الضجر بممارسات الجماعة منتهاه كانت هناك مطالب بتغيير الحكومة ولكن العناد حال دون نجاح أي من محاولات الإنقاذ المبكرة تلك.
كانت هناك محاولات مباشرة وغير مباشرة لاحتواء الموقف، أما المحاولات المباشرة فتضمنت أحاديث بين المشير عبد الفتاح السيسي وبين الرئيس السابق بينما شملت المحاولات الغير مباشرة تقديم ثلاثة تقديرات موقف استراتيجية في محاولة لإيصال الصورة الحقيقية للرئيس وتقديم المقترحات والتوصيات بما يتناسب مع المخاطر كما تم إيفاد ثلاث شخصيات بخطط كل على حدة منهم رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشورى والدكتور محمد سليم العوا وهو ما ورد في خطاب المشير السيسي بتاريخ 24 يوليو 2013 أثناء تخريج دفعة القوات الجوية.
الانفصال عن الواقع
وحتى في اللحظات الأخيرة وبعد انتهاء مهلة ال48 ساعة وحسب رواية هشام قنديل فإن الفريق السيسي عرض عليهم يوم 2 يوليو، تنحي الرئيس مرسي، وعودته لبيته معززا مكرما بمخصصات رئيس جمهورية، والمشاركة في حكومة بعدد من الوزراء، وعدم المساس بالجماعة أو بحزبها، وانتهوا إلى رفض الصفقة.
وانتهى الأمر بخطبة للرئيس السابق كل ما نتذكره منها حديث “واه” عن الشرعية وكيف أن الشرعية تحمى بالدم، بدا الرجل وقد فقد عقله فالمصريون لم يسمعوا في حياتهم عن كرسي حكم تسيل دماء المصريين لأجله وهنا كانت حتمية التدخل وعبقرية التوقيت التي أخرجت أهم خارطة طريق احتكم إليها المصريون بدءًا بتعطيل الدستور وحتى الوصول لآخر الاستحقاقات الدستورية.
وحسب تصريحات السيسي عندما كان مرشحًا للرئاسة فإن من الأمور التي أنهت مسيرة الرئيس الأسبق أنه تعامل مع الجميع بنظرية المؤامرة وآمن أن كل مؤسسات الدولة تتآمر عليه ولذلك كان على مواجهات مفتوحة مع الجميع والدليل على ذلك هو الخطاب الذي خرج به محمد مرسي يوم 26 يونيو 2013 من قاعة المؤتمرات لينقلب هو على كل النصح الذي وجهه له وزير دفاعه من أهمية احتواء الموقف وبعد التأكيد على أنه سيضمن ذلك في خطبته قال ما هو على العكس تمامًا ودخل في مواجهة مفتوحة مع كل القوى الوطنية وربما كانت تلك نهاية مهلة الأسبوع التي أعطت الضوء الأخضر للمشير.
المصريون رسموا خارطة الطريق
أما ما سبق تحرك القوات المسلحة بل مهد لها فكان عندما أطلقت مجموعة من النشطاء “حركة تمرد” في أول مايو مبادرة لجمع التوقيعات للمطالبة برحيل مرسي.
واكتسبت هذه الحركة زخما حتى أعلنت أنها جمعت أكثر من 22 مليون توقيع ودعت إلى تنظيم مظاهرات ضخمة في مختلف أنحاء البلاد يوم 30 يونيو بمناسبة مرور عام على تنصيب مرسي.
وفي اليوم التالي لمظاهرات 30 يونيو حدد السيسي مهلة مدتها 48 ساعة لمرسي فإما الاستجابة لمطالب المتظاهرين باقتسام السلطة مع المعارضة وإما افساح المجال أمام الجيش لطرح خريطة طريق أخرى.
وقال مصدر عسكري اطلع على التفاصيل إنه في لقاءين آخرين مع الرئيس في الأول والثاني من يوليو الجاري كان القائد العام أكثر صراحة لكن مسعاه قوبل بالرفض.
365 يومًا قضاها الشعب حملت كثيرا من هزل هذه الجماعة والذي كان أضخم من أن تمرره مؤسسة أو يتغاضى عنه شعب، والتاريخ قد دون الاحتفال الهزلي بالذكرى 39 لنصر أكتوبر المجيد في استاد القاهرة حين ارتاد محمد مرسي سيارة مكشوفة وجاب الاستاد وسط لفيف من قتلة الرئيس السادات..
المشهد كان أكبر من أن يحتمل والدلالات كانت مفزعة بطريقة جسدت مستقبل المصريين أمام أعينهم فكان لابد من الحراك الشعبي في 30 يونيو لإنهاء 85 عامًا من تآمر هذه الجماعة على الوطن.. خارطة الطريق رسمها المصريون ونفذها المشير.