في ذكراها العاشرة.. أبرز التحديات الأمنية التي أطاحت بها ثورة 30 يونيو
شهدت مصر خلال الفترة من عام 2011 وحتى قيام ثورة 30 يونيو عام 2013 موجة انفلات أمني غير مسبوقة في تاريخ البلاد؛ استغلّها الخارجين عن القانون والبلطجية في ارتكاب أعمالهم الإجرامية من عمليات قتل وسرقة وتدمير وسطو مسلح على الأموال العامة والخاصة وإشاعة الفوضى في ربوع البلاد. وقد جاءت هذه الحالة من الفراغ الأمني متزامنًة مع رغبة جماعة الإخوان الإرهابية في خلخلة بنية الدولة ومؤسساتها، ضمن سلسلة الجرائم التي اشتهرت بها الجماعة منذ تاريخ تأسيسها عام 1928. واستمر هذا الوضع حتى جاءت ثورة 30 يونيو عام 2013، وخرجت الملايين إلى الشوارع للإطاحة بحكم الجماعة الإرهابية وإفشال مخططاتها لإدخال البلاد في دائرة الفوضى وعدم الاستقرار، وحينئذ قررت القوات المسلحة المصرية الاستجابة لرغبة وإرادة جموع المصريين، وحماية ثورتهم في لحظة فارقة في تاريخ مصر الحديث، واسقطت مخططات العناصر الإرهابية لتدمير البلاد.
وبالتزامن مع الاحتفال بذكرى انتصار ثورة 30 يونيو لإرادة الشعب المصري، ونجاحها في كشف الستار عن المخططات الإجرامية لجماعة الإخوان الإرهابية – والتي أدت إلى إشاعة الفوضى وإسقاط المئات من شهداء الجيش والشرطة والمدنيين – نستعرض في التقرير التالي أبرز التحديات الأمنية التي أطاحت بها دولة 30 يونيو لتصحيح المسار وإنقاذ مصر من براثن العنف والإرهاب وإرساء معادلة أمنية مستقرة في البلاد.
تحديات أمنية غير مسبوقة
• أولًا، اقتحام السجون وحرق الأقسام وتهريب العناصر الإجرامية: شهدت مصر خلال الفترة من عام 2011 وحتى 2013 تكوين 3000 عصابة مسلحة، وهروب 23 ألف سجين جنائي، واقتحام عدد كبيرة من مراكز واقسام الشرطة، بما يزيد عن 90 قسماً ومؤسسة شرطية بمختلف المحافظات وحرق مئات من سيارات الشرطة، فضلاً عن سرقة كميات كبيرة من الأسلحة النارية لاستخدامها في الأعمال الإجرامية والتخريبية. وقد استغلت جماعة الإخوان حالة الانفلات الأمني التي شهدته البلاد إبان تلك الفترة في تهريب عناصرهم الموجودة داخل السجون، وكان أبرزهم المعزول محمد مرسي، والذي تم تهريبه من سجن وادي النطرون، ولا يخفي على الجميع مكالمته الشهيرة مع قناة الجزيرة والتي أقر فيها بعملية تهريبه من سجن وادي النطرون برفقة 34 من أعضاء الجماعة، من بينهم: سعد الكتاتني وعصام العريان ومحي حامد وسعد الحسيني ومصطفى الغنيمي.
• ثانيًا، استهداف مقرات الأمن الوطني: استهدفت الجماعة الإرهابية مقار جهاز الأمن الوطني في مصر في محاولة لمحو ذاكرة الأمن المصري، والذي كان عقبة أمام الجماعة الإرهابية في تنفيذ مخططاتها في البلاد، ورصد ووثق جرائمها، وأحبط الكثير منها، وتابع ورصد تخابر قادتها مع الجهات الأجنبية لاستهداف رجال الأمن لإثارة الفوضى في البلاد؛ فبعد أن تم القبض على عدد من قادة الجماعة الذين ثبت لقائهم بعناصر أجنبية، أدركت الجماعة تتبع الأمن المصري لتحركاتهم المشبوهة في الداخل والخارج، ولذا انطلقت دعوات عناصرها على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو الى محاصرة مقار أمن الدولة واقتحامها وتدمير ما بها من وثائق ومستندات تدين الجماعة الارهابية في العديد من المخططات للإضرار بالأمن المصري.
واستجابة لتلك الدعوات شنت العناصر التابعة للجماعة الإرهابية في محافظات مصر سلسلة من الهجمات في يوم واحد على مقار الجهاز، ومن ذلك اقتحام أهم مباني الجهاز في مدينة نصر، والاستيلاء على وثائق رسمية، وفى منطقة الشيخ زويد بشمال سيناء جرت محاولة للهجوم على مبني أمن الدولة واقتحامه عن طريق إطلاق النار، وتدخلت قوات الجيش المصري لوقف الاقتحام، وكذلك تعرض مباني الجهاز في بني سويف والإسكندرية ومرسي مطروح والشيخ زايد لمحاولات اقتحام. وقبل عزل محمد مرسي بأيام تعرض ضباط جهاز الأمن الوطني لمحاولات اغتيال مباشرة نجح بعضها وفشل البعض الآخر، كان أبرزها استشهاد الضابط محمد أبو شقرة، الضابط بمديرية أمن شمال سيناء في 9 يونيو 2013. وبعد عزل مرسي استشهد الضابط محمد مبروك، الضابط بقطاع الأمن الوطني، والشاهد الرئيسي في قضية التخابر الشهيرة، بعد أن استهدفته الجماعة الإرهابية في 18 نوفمبر 2013 أثناء توجهه إلى عمله.
• ثالثًا، تردى الوضع الأمني بالمحافظات: شهدت العديد من المحافظات أوضاعًا أمنيًة مترديًة جرّاء هروب العديد من العناصر الإجرامية من السجون، وقيام العناصر الإجرامية ممن ينتمون إلى جماعة الإخوان بممارسة أعمالهم التخريبية، والتي تصاعدت حدّتها بعد سقوط حكم الجماعة الإرهابية عام 2013؛ فخلال النصف الثاني من هذا العام شهدت البلاد موجة إرهابية ضخمة، قادتها خلايا عنقودية تضمنت كيانات وجماعات مسلحة تولدت من رحم الجماعة، وضمت في صفوفها عناصر الإخوان والمتعاطفين معها، ومنها على سبيل المثال: “حركة سواعد ومصر” والتي تُعرف اختصارًا باسم “حسم” و “العقاب الثوري” و”المقاومة الشعبية” و “لواء الثورة” و “كتيبة الإعدام” و “كتائب حلوان”. وقد اضطلعت هذه الخلايا في تنفيذ عدد من الهجمات الدامية في محافظات الوادي وشمال سيناء، وتنوعت تكتيكاتها ما بين استخدام العبوات الناسفة، واستهداف المنشآت والتمركزات الأمنية واغتيال ضباط الجيش والشرطة، واستهداف أبراج ومحولات الكهرباء والكنائس.
• رابعًا، تضاعف معدلات الجريمة: جسّدت الأرقام المرصودة للأعمال الإجرامية في أعقاب يوم 28 يناير 2011، تضاعف معدلات الجريمة بنسبة 200% خلال شهري فبراير ومارس، وبنسبة 300% أثناء شهر إبريل؛ مُقارنًة بمعدلات الجريمة في الأشهر نفسها من عام 2010. وقد تنوعت الأعمال الإجرامية ما بين قتل وخطف أطفال، واغتصاب، وسرقة بالإكراه تحت تهديد السلاح للمنازل والمحال التجارية والآثار، واقتحام اقسام الشرطة. كما ارتفعت معدلات الخطف بهدف الحصول على الفدية من 107 حالة قبل الثورة، إلى 400 حالة بعد ثورة يناير، وكذا تصاعدت سرقات المنازل من 7000 حالة إلى أكثر من 11000، وتضاعف السطو المسلح 12 مرة، من 233 حالة عام 2010 إلى ما يقرب من 3000 حالة سطو مسلح عام 2012، فضلاً عن ارتفاع حالات سرقة السيارات حوالي 4 أضعاف، من 5000 سرقة على أكثر من 21000 حالة في عام 2012.
تحويل أرض سيناء إلى بؤرة للعناصر الإرهابية
اختارت جماعة الإخوان الإرهابية أرض سيناء لتكون بؤرة جغرافية لضخ العناصر الإرهابية والمتطرفة لتنفيذ هجمات إرهابية استهدفت المرتكزات الأمنية وكمائن الشرطة في مدينة العريش والشيخ زويد، وكان من بين هذه الهجمات ما يلي:
• استهداف كمائن لقوات الشرطة: نفذت الجماعة الإرهابية 3 هجمات استهدفت كمائن لقوات الشرطة في مدينة أبو زنيمه وحي الأحراش وإدارة الأمن بالعريش؛ مما أسفر عن استشهاد ضابط بإدارة الأمن المركزي بالعريش، وتفجير قطاع الأمن المركزي بحي الأحراش في مدينة رفح بقذائف “أر بي جي”.
• هجوم رفح الأول: في 17 رمضان عام 2012، استهدفت العناصر الإرهابية كمين أمني أسفر عن استشهاد 16 جنديا وضابطاً، وتتابعت الهجمات الإرهابية على الكمائن الأمنية بسيناء حتى نهاية عام 2012.
• حادثة اختطاف الجنود: في مايو 2013 قبل شهرين من عزل مرسي، تم اختطاف 7 جنود من القوات المسلحة والشرطة في العريش، وقد حمل هذا الهجوم في طياته شواهد واضحة على وجود حالة من التنسيق والتعاون الوثيق بين الإخوان والجماعات والتنظيمات الإرهابية، وهو ما تبيّن في ثنايا حديث مرسي في أعقاب حادث الاختطاف؛ حيثُ طالب الأخير في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية قوات الجيش بضرورة الحفاظ على “حياة الخاطفين والمخطوفين” خلال قيامها بتنفيذ عمليات البحث عن المختطفين وتحريرهم، وهو الأمر الذي أكد وجود علاقة بين الجماعة وتلك التنظيمات الإرهابية.
• هجوم رفح الثاني: رداً على عزل محمد مرسي في عام 2013 توالت الهجمات الإرهابية التي استهدفت المقرات الأمنية لقوات الجيش والشرطة، وخلفت 55 شهيداً حتى نهاية 2013، وكان أكثرها دمويًة “عملية رفح الثانية” التي استهدفت فيها العناصر الإرهابية حافلتين تقل الجنود من إجازاتهم إلى معسكراتهم بشمال سيناء؛ مما أسفر عن استشهاد 25 جندياً.
أحداث الاتحادية
كانت أحداث الاتحادية في ديسمبر 2012 كاشفًة للوجه الحقيقي للجماعة الذي يميل للعنف وقمع معارضيه؛ فبعد إصدار مرسي لإعلانه الدستوري الدكتاتوري الذي يمنحه سلطات واسعة؛ قرر عدد من شباب القوي السياسية والثورية إعلان الاعتصام في محيط قصر الاتحادية في 5 ديسمبر 2012 إلا أن أنصار الجماعة قاموا بالاعتداء على المتظاهرين السلميين أمام قصر الاتحادية. وشهدت الأيام التالية اندفاع أنصار المعزول مرسي بالعنف والقوة المسلحة تجاه المتظاهرين، حتى وصل الأمر إلى قيامهم بإعداد مخيمات بالقرب من بوابات قصر الاتحادية وحولوها الى مركز لاعتقال وتعذيب واستهداف المتظاهرين، وقد أسفرت تلك الاحداث عن مقتل 10 أشخاص وإصابة 748، في حين لم يتخذ مرسي أي قرارات لوقف نزيف الدماء والحيلولة دون وقف الاحتكاك والاشتباك بين مؤيديه ومعارضيه.
محاولات أخونة القضاء
كانت مؤسسة القضاء ضمن بنك أهداف جماعة الإخوان الإرهابية التي حاولت السيطرة عليها بعدة طرق في أعقاب وصولها لمقاليد الحكم في الفترة ما بين 2012 حتى قيام ثورة 30 يونيو 2013، وهو ما عُرف بمحاولات “أخونة القضاء”، والتي كان من تجلياتها عزل المستشار عبد المجيد محمود، النائب العام حينها، وتعيين نائب عام آخر هو المستشار طلعت عبد الله، نائب رئيس محكمة النقض صاحب الميول الإخوانية. وقد توالت سلسلة المعارك التي فتحها نظام مكتب الإرشاد مع القضاء، ومن ذلك صدور قرار جمهوري بإعادة مجلس الشعب للانعقاد، رغم صدور حكم المحكمة الدستورية بحلة، فيما تم اعتباره تحديًا من الرئيس للقضاء. كما عانى القضاة إبان تلك الفترة من محاولات التدخل والسيطرة، حيث سعت الجماعة إلى تعديل السلطة القضائية، بهدف تخفيض سن القضاة والإطاحة بما يقرب من 3000 من شيوخ القضاء وإحالتهم للمعاش المبكر.
ووصلت المعارك ذروتها بعد أن أعلن مرسي في نوفمبر عام 2013 إعلانًا دستورياً حصن فيه قراراته من الطعن عليها أمام القضاء، وكل من الجمعية التأسيسية لوضع الدستور ومجلس الشورى من الحل. وكان هذا الإعلان قبل أسبوعين من اصدار المحكمة الدستورية العليا لحكمها في دعوى بطلان مجلس الشورى، والجمعية التأسيسية لوضع الدستور، حيث حددت المحكمة لهما جلسة 2 ديسمبر2012. إلا أن الجماعة الإرهابية حاولت منع سير دولة القانون وإسقاط القضاء استكمالاً للإعلان الدستوري الديكتاتوري، وحاولت منع القضاة من مباشرة عملهم بالقوة من خلال حصارهم للمحكمة الدستورية، ولم يتمكن مستشاري المحكمة الدستورية العليا من الحضور إلى مقر المحكمة بسبب الحصار الأمر الذي دفع المحكمة وقتها إرجاء النظر في الدعاوى التي تطالب ببطلان مجلس الشورى، والجمعية التأسيسية للدستور آنذاك، وكان هذا الحصار نقطة من الانتهاكات التي تعرضت لها رموز الدولة الوطنية المصرية إبان فترة حكم الجماعة الإرهابية.
التلويح باستخدام العنف بشكل علني
كانت تصريحات أعضاء الجماعة بشكل علني عن ممارستهم للعنف خير دليل على تورط الجماعة الإرهابية في أعمال العنف والتخريب في شتي أنحاء البلاد، وعلاقتهم الوثيقة بالعمليات الإرهابية في سيناء للنيل من أمن الوطن ووحدة وسلامة أراضيه.
ولعل تصريح محمد البلتاجي، القيادي بالجماعة في 8 يوليو 2013 أثناء اعتصام رابعة المسلح خير دليل على تورط الجماعة بأعمال العنف في البلاد، حيث قال حينها “ما يحدث في سيناء سيتوقف في اللحظة التي يعود فيها مرسي إلى مهامه”، في اعتراف واضح منه أن الإخوان تقود العمليات الإرهابية في سيناء، كتهديد الشعب من أجل تحقيق أهداف الجماعة الإرهابية.
محاولات أخونة الإعلام
لم تفلت المؤسسات الإعلامية من أيدي الجماعة التي حاولت أخونة الإعلام وتشويه الرسالة الإعلامية، من خلال انشاء العديد من القنوات الدينية المتشددة لبث أفكارها المتطرفة والإرهابية تحت ستار الدين، كما فرضت الجماعة الخناق على النوافذ الإعلامية التي تعارض الجماعة وأنصارها. وكان من أبرز الأحداث التي شهدتها فترة حكم الإخوان، محاصرة أنصار الجماعة مبنى مدينة الإنتاج الإعلامي ومنعهم للعديد من الإعلاميين من الدخول إلى قنواتهم، وإغلاقهم أبواب المدينة في 6 أكتوبر بحواجز حديدية ومنعهم لدخول وخروج العاملين وضيوف البرامج، كما دعت الجماعة أنصارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى اقتحام مدينة الإنتاج وتحطيم معدات القنوات المناوئة لها.
ختامًا، جاءت ثورة 30 يونيو 2013، للإطاحة بالتحديات الأمنية السابقة، والمُطالبة بسقوط حكم جماعة الإخوان الإرهابية، وإزاحة الستار عن مخططاتها الإجرامية للإضرار بأمن الوطن ووحدة وسلامة أراضيه. وجدير في هذا السياق ذكر أنّ مصر شهدت في أعقاب الثورة موجة إرهابية ضخمة مدفوعة بممارسات جماعة الإخوان الإرهابية التي خاضت ما اعتبرته “معركة وجود” ضد مؤسسات الدولة المصرية بعد الإطاحة بحكمها؛ حيث جعلت كافة أطياف الشعب المصري ومؤسساته هدفًا مشروعًا لعملياتها الإرهابية، فراحت تستهدف المؤسسات الأمنية والقضائية والدينية بضربات دامية هدفت من خلالها إلى إضعاف أدوارها وزعزعة الثقة في قدراتها، فضلًا عن إشاعة الفوضى في ربوع البلاد؛ إلا أن دولة 30 يونيو خاضت خلال السنوات العشر الفائتة حربًا شرسًا لتطويق الخطر الإرهابي، نجحت من خلالها في توثيق انتصارات حظيت بالعديد من الإشادات الإقليمية والدولية في مجال مكافحة الإرهاب، وتمكنت من إرساء معادلة أمنية مستقرة في البلاد.