مصر

10 سنوات من جهود دعم وتعزيز الصناعة المصرية

توطين الصناعة وتنمية القطاع الصناعي أحد الأهداف الحيوية التي تسعى إليها الدول لتحقيق التنمية الاقتصادية والاستقلالية في العديد من القطاعات الحيوية. وخلال 10 سنوات مرت منذ ثورة 30 يونيو التي كانت منعطفًا مهمًا في تاريخ مصر السياسي والاقتصادي والتنموي، كان توطين الصناعة أحد أولويات القيادة السياسية بوصفه مسعى أساسيًا في جذب الاستثمارات وتطوير البنية التحتية وتعزيز التكنولوجيا والابتكار.

وفي هذا الصدد، تبنت الدولة استراتيجية شاملة تتضمن: تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتطوير الموارد البشرية، وتوفير الدعم المالي والفني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. وتم تنفيذ عدد من المناطق الصناعية الحديثة والمتكاملة، والمشروعات الصناعية الكبرى، مما أسهم في تعزيز عدد من الصناعات مثل: الصناعات الحربية، والصناعات التحويلية، والتصنيع الغذائي، والمنسوجات، والمعادن، والكيماويات. هذه الجهود أسهمت في الاستقرار النسبي للسوق خلال أعوام الأزمة (جائحة كورونا والازمة الروسية الأوكرانية).

ففي الآونة الأخيرة، واجه الاقتصاد العالمي عدة أزمات حادة متلاحقة ومركبة ومتداخلة، تكاد تكون الأسوأ منذ سنوات الكساد الكبير. فقبل التعافي الكامل من جائحة كورونا، بدأت تظهر متحورات جديدة تفرض ضغطًا جديدًا على اقتصادات العالم الذي لم يتعاف بعد من أثر كوفيد-19. وفي هذه الأثناء، يواجه العالم أزمة جيوسياسية معقدة –باندلاع الحرب الروسية الأوكرانية- وما ترتب عنها من نقص بالطاقة بدول أوروبا، بخلاف ارتفاع أسعار الشحن واضطراب سلاسل التوريد؛ وبالتالي نقص في السلع وارتفاع معدلات التضخم لمستويات غير مسبوقة.

ليكون الحفاظ على استقرار الأسعار بالأسواق واحدًا من أكبر الأزمات التي تواجه الشارع المصري الآن، ويتطلب حلها طرح مزيد من المنتجات مع عدم رفع الأسعار للحفاظ على القوة الشرائية للمواطنين كي تستمر المصانع في الإنتاج. ويتطلب استمرار الصناعة في المقام الأول توفر مستلزمات الإنتاج التي تحتاج إلى سيولة أجنبية، وانتظام حركة التجارة الخارجية وسلاسل الإمداد بدول العالم المختلفة. فهي بمثابة معضلة يتخبط بسببها قطاع الصناعة، وإنقاذها يتطلب اضطلاع كافة الأطراف كل بمسؤوليته لتعزيز الصناعة المصرية. لذا نلقي نظرة أعمق على التحديات التي واجهت القطاع، وأبرز الجهود التي اتُخذت حتى الآن لدعم وتوطين الصناعة.

صدمة هائلة

تأثرت جميع مؤشرات الاقتصاد المصري الكلي سلبًا بتطورات الاقتصاد الإقليمي والعالمي -من حيث الصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة والسياحة وتحويلات العاملين بالخارج- وذلك إثر انخفاض سعر البترول وتوقف الإنتاج والتصدير مع عدد من الدول ذات العلاقات التجارية مع مصر.  وكذلك تأثرت مؤشرات الاقتصاد بالتقلبات السياسية التي شهدتها الدولة إبان ثورة يناير 2011؛ فقد انخفض معدل النمو الاقتصادي من متوسط 5% في الخمسة أعوام السابقة على 2011، إلى متوسط 2% في الأربع سنوات التالية لها. 

وترافق مع ذلك ارتفاع معدلات التضخم نتيجة ضعف معدلات الإنتاج. بالإضافة إلى ارتفاع معدلات عجز الميزان التجاري نتيجة تأثر التنافسية السعرية للصادرات المصرية بالأسواق الخارجية. خاصة أن الصادرات المصرية كانت أهم مصدر للعملات الأجنبية، ففي عام 2014/2015 تفوقت الصادرات المصرية على تحويلات العاملين بالخارج كأهم مصدر للعملات الأجنبية.

أما عن الوضع الراهن، فلم تكن مصر بمعزل عن مجريات الأمور بالعالم؛ فمثلت جائحة كورونا صدمة هائلة للاقتصاد المصري، وأدت إلى توقف مفاجئ للسياحة التي كانت تسهم في بداية الأزمة بنحو 12% من إجمالي الناتج المحلي، وتوفر 10% من فرص العمل، و4% من إجمالي الناتج المحلي من الدخل بعملات أجنبية. وكذلك تعرضت موازنة الحكومة للضغوط بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي الذي أسفر عن انخفاض الإيرادات الضريبية.

إلا أنها في المجمل استطاعت الصمود أمام الجائحة، وكانت من الدول القلائل التي استطاعت تحقيق معدلات نمو إيجابية رغم الجائحة؛ بفضل الإصلاحات التي نفذتها منذ عام 2016 لتسوية الاختلالات الاقتصادية الكلية، وكذلك إطلاق البنك المركزي عدة مبادرات مثل: تأجيل سداد الاستحقاقات الائتمانية دون أي غرامات أو رسوم إضافية، وتخفيض أسعار الكهرباء، وتمديد التراخيص والسجلات الصناعية منتهية الصلاحية، وتأجيل سداد الضرائب العقارية المستحق سدادها على المصانع والمنشآت السياحية لمدة 3 أشهر، وصرف 3 مليارات جنيه من مستحقات المساندة التصديرية المتأخرة للمصدرين؛ لتخفيف الضغوط على المقترضين وضمان توافر السيولة للقطاعات الأشد تأثرًا، وغيرها من الإجراءات التي تم اتخاذها والتي خففت من وطأة الأثر الصحي والاجتماعي للجائحة مع ضمان الاستقرار الاقتصادي، واستمرارية القدرة على تحمل الدين، والحفاظ على ثقة المستثمرين، والتي كان لها أثر إيجابي على أداء الشركات.

ورغم ذلك، كان للجائحة أثر سلبي على القطاع الصناعي المصري؛ إذ سجل مؤشر أداء القطاع الصناعي –الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) سبتمبر 2020- انخفاضًا عند 0.413 (من 0.0 إلى 0.5 انخفاضًا في الأداء؛ 0.5 لا تغيير ؛ من 0.5 إلى 1.0 زيادة في الأداء) منذ اندلاع الجائحة.

فقد أدت جائحة كورونا إلى تباطؤ نشاط القطاع الصناعي في مصر؛ بسبب: عمليات الإغلاق، والإجراءات الاحترازية، وتراجع الطلب المحلي والدولي، واختلال سلاسل التوريد العالمية المرتبطة بمصر، وأيضًا بسلاسل القيمة التي تربط القطاع الصناعي بالسوقين العالمية والمحلية. وكان الأثر واضحًا بشكل أكبر في  الصناعات التي تعتمد على مستلزمات الإنتاج المستوردة من الخارج وخاصة من الصين، والتي تأتي في المرتبة الأولى بين الدول الموردة لمصر ووصلت نسبتها إلى 16.2% من جملة الواردات بإجمالي قيمة 14.4 مليار دولار خلال عام 2021. وهو ما أثر على العرض والطلب في هذا القطاع، وبالتالي التأثير على مبيعات وإيرادات بعض المصانع مسببة مشاكل نقص سيولة. 

وعلى الرغم من ذلك استطاع القطاع الصناعي الصمود أمام الجائحة. فلم يتم إغلاق مصنع واحد أثناء الجائحة؛ لكون ملف الصناعة يحتل أولوية قصوى على أجندة عمل الحكومة، فالنهوض بقطاع الصناعة يسهم إلى حد كبير في إحداث نقلة اقتصادية حقيقية. إلى أن أتت الحرب الروسية الأوكرانية لتزيد حالة الضبابية والضغط التي يعيشها الاقتصاد العالمي والمصري كجزء لا يتجزأ منه. 

https://lh3.googleusercontent.com/mFEt5kC66InSt4kcSXnzBLdbgXiHeYgQ1yuX9_Iw2MPWIRzFatVAe0-vIb1Mub162SWtuR0jv62msuwdBiHswdCdW8yURsQCTdWdqlb1q4w7krxPRf9-GRQefrdP0OeErWkBgdY8LqMkaytqfEsZQt4HvxsZaa11A5WjMsGV6YtoKZ4fpqWodNnyhYiWCxB-_TQyrBcUxg

وقد أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، في مايو 2022 أن التكلفة المباشرة وغير المباشرة للحرب هي 465 مليار جنيه؛ وذلك نظرًا للصلات التجارية والسياحية القوية بدول الأزمة وأوروبا؛ إذ إن 42% من إجمالي واردات مصر من الحبوب عام 2021 كانت من روسيا وأوكرانيا. بالإضافة إلى كونهما مصدر 31% من السياحة الوافدة لمصر بما يزيد عن 1.9 مليون سائح خلال الفترة من يوليو 2021 حتى يناير 2022. فأثر الأزمة «الروسية – الأوكرانية» على الموازنة العامة للدولة، هو 130 مليار جنيه كتأثير مباشر، مرتبط بأسعار السلع الاستراتيجية، والبترول، وأسعار الفائدة، والسياحة.

ومن التحديات التي واجهت الدولة إثر الحرب الروسية الأوكرانية ضعف السيولة الأجنبية نتيجة خروج رؤوس الأموال الساخنة، وتباطؤ معدلات استثمارات القطاع الخاص المصري، وارتفاع فائدة الاقتراض السيادي، ومؤشرات الدين الخارجي، وتراجع معدلات جذب استثمارات أجنبية مباشرة لمصر. وأكدت الأزمة المالية العالمية الحالية هي الأخرى مواطن الخلل بهيكلية الاقتصاد المصري، مع تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار الفائدة عالميًا لتحجيم التضخم العالمي، والذي وصل إلى معدلات غير مسبوقة منذ أعوام بمختلف دول العالم/ وخروج كثير من الأموال الساخنة، فتجلت هشاشة قطاعي الصناعة والزراعة.

كانت الطريقة المقترحة للتعامل مع الأزمة هي زيادة الإنتاج لتعزيز التصدير وتخفيض حجم الواردات كوسيلة لتعزيز النقد الأجنبي بمصر؛ وذلك من خلال دعم وتوطين الصناعة المحلية، ففتح الاستيراد في الوقت الحالي سيسهم في زيادة التضخم. وبالتالي تعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، ورفع نسبة مشاركته لتصبح 65% من إجمالي الاستثمارات المنفذة خلال 3 سنوات، كذلك دعم توطين الصناعات الوطنية للاعتماد على المنتج المحلي. فالوضع الآن، يتطلب ضرورة طرح كل الإنتاج بالأسواق للحفاظ على استقرار الأسعار، مع عدم رفع الأسعار في الفترة الحالية للحفاظ على القوة الشرائية للمواطنين كي تستمر المصانع في الإنتاج، وللحفاظ على مستويات الأسعار عند معدلات مقبولة.

مشاكل متجذرة

وتمتلك مصر مقومات الصناعة الطبيعية والصناعية، فتمتلك موقعًا جغرافيًا مميزًا، ومناخًا معتدلًا يناسب أغلب الصناعات، هذا إلى جانب توافر المواد الخام ومصادر الطاقة اللازمة للصناعة، هذا بخلاف الأيدي العاملة الماهرة المتوفرة بمصر، وامتلاك شبكة مواصلات وطرق متطورة.

إلا أن طريق تنمية الصناعة لم يكن لعقود بل ولا يزال غير ممهد بالقدر الكافي للتحول إلى دولة صناعية رائدة؛ فقد عانى القطاع الصناعي لسنوات من بعض المعوقات التي حالت دون تنمية وازدهار القطاع. وكشف تقرير أصدره البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير وبنك الاستثمار الأوروبي ومجموعة البنك الدولي، تحت عنوان “ما الذي يعوق القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟” أن آراء منشآت الأعمال في المنطقة التي تُغطِّي أكثر من 6000 شركة في 8 بلدان أوضحت أن خلال الفترة ما بين 2009-2012، الأدلة السردية تشير إلى أن المصريين يصنفون اقتصادهم على أنه “اقتصاد نقدي”، وهو ما يتفق مع الدور القوي الذي يلعبه الاقتصاد غير الرسمي في مصر؛ إذ تشير تقديرات المركز المصري للدراسات الاقتصادية إلى أن هذا الاقتصاد يشكل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي و66% من إجمالي وظائف القطاع الخاص غير الزراعي.

وتمثل البنوك 2% فقط من تمويل الشركات في مصر، وهو ما يقل كثيرًا عن المتوسط في المنطقة والبالغ 12%. وعند مقارنة متوسط حصص عوامل الإنتاج للمدخلات الرئيسة الثلاث المستخدمة من قبل المصنعين- تكاليف العمالة، المدخلات الوسيطة، رأس المال- يستخدم المصنعون المصريون رأس المال المكثف بشكل أكبر من المتوسط في المنطقة وفي الاقتصادات القرينة، بحيث لا يتفوق عليهم سوى المصنعون التونسيون في استخدام رأس المال المكثف.

ونوه التقرير إلى أن مصر تعاني من سوء المطابقة بين جانبي العرض والطلب للعمالة، وبالتحديد في مجال المهارات الفنية والمهنية؛ فلا تتوافق المهارات الفنية للعمال مع متطلبات سوق العمل، حيث ينظر في الغالب إلى التعليم والتدريب المهني على أنه دون المستوى وذو جودة رديئة، مع عدم وجود إشراك منهجي لأصحاب العمل في إعداد البرامج والمناهج، وتؤثر قلة العمالة الماهرة على الشركات سريعة النمو بشكل خاص. علاوة على ذلك، تقدم 5% فقط من الشركات المصرية تدريبًا رسميًا، وهو ما يقل كثيرًا عن المتوسط في المنطقة والبالغ 17%.

D:\هبة\مرصد\نوعي\توطين الصناعة 2\Untitled.png1.png

إلى ذلك، كشف التقرير أن نحو 50% من الشركات التصنيعية لا تمارس أنشطة التصدير والاستيراد، بالنظر إلى الحجم الكبير للسوق المحلية. وأضاف أن نحو 25% فقط من الشركات المصرية تنخرط في نوع واحد على الأقل من الابتكارات بالمقارنة مع أكثر من الثلثين في المنطقة.

وبخلاف ملاحظات التقرير الذي أصدرته ثلاث جهات إنمائية، فقطاع الصناعة واجه عقبات عدة أهمها: البيروقراطية، وصعوبة إجراءات تدشين عمل صناعي جديد، وعدم تخطيط وترفيق وانتشار الأراضي الصناعية بكافة ربوع الدولة، وعدم وجود شبكة طرق ووسائل نقل تخدم المجمعات الصناعية الموجودة.

D:\هبة\مرصد\نوعي\توطين الصناعة 2\Untitled.png3.png

هذا بخلاف معاناة الدولة من عدم الاستقرار السياسي والأمني في أعقاب ثورتي يناير و30 يونيو واللتين أسهمتا في انحسار تدشين استثمارات جديدة لبعض الوقت. فلم تشهد الدولة تزايد تدفقات الاستثمار لتأسيس شركات جديدة سوى عام 2015/2016 مع استقرار الأوضاع الداخلية سياسيًا وأمنيًا وبدء الدولة بخطة التنمية المستدامة. فكانت التدفقات الأعلى بعام 2019/2020 بإجمالي يقدر بحوالي 148837 مليون جنيه. أغلب هذه التدفقات موجه للقطاع الصناعي. وكانت النسبة الأكبر منها من قبل المستثمرين المصريين، 60% منها تدفقات لتأسيس مشروعات جديدة في حين كانت النسبة المتبقية لإجراء توسعات بمشروعات قائمة. 

https://lh3.googleusercontent.com/IQBn8KVbD2He0MkHXKsJTT86pEAMmGjTpQ3Q8YldScuq2_pXFIap6NhB1uKpwzX1jxjNb1BHziVbTpXi2CpjDxkugrVKbmI1of1RlC9SfPBDNe71FdzsmcusrY4O628SwV-leWHpnmRYTM5Wm7-U8dhQifhOHK2MBBvIPmxtnz62MWOK-lqRJtk4sJbZnHS9l_lbMg

هذا إلى جانب عدم توافر فائض طاقة يسمح باستخدامها بالقطاع الصناعي؛ فغالبية إنتاجية الطاقة كانت موجهة بالكاد نحو الاستخدام المنزلي؛ ففي عام 2011/2012 كانت نسبة الاستخدام المنزلي للطاقة تقدر بحوالي 42.3% بينما كان الاستخدام الصناعي يقدر بحوالي 31.4% فقط من إجمالي استخدام الطاقة.

مستلزمات الإنتاج

وبتوجيه نظرة أعمق على قطاع الصناعة – الذي يعتبر الملاذ الأمن للخروج من الأزمة المالية العالمية الحالية- نجد إنه في الآونة الأخيرة، يواجه القطاع عدة عقبات على رأسها نقص مستلزمات الإنتاج، باعتبارها مكونًا رئيسًا لسير العمل بعملية التصنيع، وبدأت بالفعل بعض المصانع تتأثر بمشكلة نقص مستلزمات الإنتاج، فلا فائدة من العمل على التنمية الصناعية وإعادة تشغيل المصانع المغلقة، دون وجود مستلزمات إنتاج لتشغيلها. 

ويعتبر من أهم أسباب نقصها التأخر في فتح الاعتمادات المستندية، والذي يجعل المصانع تتحمل الكثير من الغرامات لشركات الشحن الأجنبية مما يجعل على المصانع أعباء كثيرة تحول مكاسبها إلى خسائر، فسبق أن أصدر البنك المركزي قرارًا خلال فبراير 2022 بوقف التعامل بمستندات التحصيل في كافة العمليات الاستيرادية والعمل بالاعتمادات المستندية بدلًا منها. 

https://lh5.googleusercontent.com/xsTLghjHhBCGFDxe82aFIHjN0Ul_Q6LrHDtBYFlzYI9aR9OR17Lgzk3vPv0YuBTZtCA-Q1yG5jUDD422Pri-Wtl-fJJt_yIJPmcESYkQzN6qgDyx9xX1v1hWrZXJKbRiwp2efescwGdxeqqEByNPxNv4S8PDugmZovFaIJ-tMnKK5iUvwzAJDQnMoZWOq0a5CKn8KNzq-A

وقبلها عانى القطاع نتيجة تعطل سلاسل الإمداد وحالة الإغلاق التام التي شهدها عدد من الدول خلال انتشار جائحة كورونا، واستمر الوضع مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية لأكثر من تسعة أشهر، فالغالبية العظمى من المصانع المصرية تعتمد على السلع الوسيطة والمكونات المستوردة من الخارج، حيث تحتل السلع الوسيطة قمة واردات الدولة بنسبة 35.2% من إجمالي الواردات، وجاءت المواد الخام في المرتبة الثالثة بنسبة 13.2% من جملة الواردات المصرية. وتأثر المعروض العالمي من مستلزمات الإنتاج مؤخرًا إثر أزمة الطاقة في أوروبا.

ويعد من الأمور المؤثرة في صمود وتنمية القطاع الصناعي أيضًا خفض تكلفة الإنتاج، الأمر الذي يخفض سعر المنتج المحلي، ويمنح فرصة أكبر للمنتج المصري للنفاذ إلى أسواق جديدة، في ظل جودة وسعر مميزين للصادرات المصرية، خاصة وإنه التحدي الثاني الذي يواجه قطاع الصناعة. هذا إلى جانب ارتفاع تكلفة التمويل للتوسع في الاستثمارات، وهو ما عملت الدولة على حله من خلال مبادرة البنك المركزي بفائدة 8% لقطاعي الصناعة والزراعة أو مبادرة وزارة المالية لدعم القطاعات الإنتاجية بفائدة 11%، في حين يصل سعر الفائدة في السوق حاليًا إلى 16% أي زيادة تكلفة التمويل للشركات العاملة بالقطاعين للضعف.

وكان لتحرير سعر الصرف تأثير ذو حدين على الصناعة المصرية، فهو له أثر إيجابي على زيادة التصدير، بما يعطيه قدرة على منافسة منتجات الدول الأخرى بسعر أفضل، ولكن تأثيره على السوق المحلى سيكون سلبيًا إلى حد ما من خلال زيادة الأسعار خصوصًا للصناعات التي تعتمد في إنتاجها على مستلزمات إنتاج مستوردة، إلا أنه يمكن معالجة هذا الأمر من خلال المبادرات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة.

مسؤولية مشتركة

بعدما تم عرضه من تحديات تواجه الاقتصاد العالمي والمصري عمومًا وقطاع الصناعة على وجه الخصوص، وما يعول عليه لدفع قاطرة التنمية بمصر؛ يمكننا الآن التأكيد على أن المسؤولية الآن هي مسؤولية مشتركة بين الدولة والمستثمرين والتجار؛ فعلى الدولة اتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها سرعة الإفراج الجمركي عن مستلزمات الإنتاج. وبلغت قيمة البضائع المفرج عنها في عام 2022 حوالي 37.7 مليار دولار، أما بالنسبة للبضائع المفرج عنها حتى مايو 2023 فسجلت 31.8 مليار دولار.

وقد اتخذت الدولة عدة إجراءات الهدف منها العمل على تقليل الاستيراد والحد منه دون المساس بالنشاط الإنتاجي والتأثير على استيراد مستلزمات الإنتاج، حيث تضع الدولة على رأس أولوياتها في السنوات الأخيرة توطين الصناعة وإحياء الصناعات المصرية. والتوجيه بمزيد من التوسع في جهود توطين عدد من الصناعات وخاصة الثقيلة، في إطار استراتيجية التوطين المحلي لصناعة مستلزمات الإنتاج كهدف استراتيجي وفقًا لمعايير الجودة العالمية.

فاهتمت الحكومة والبنك المركزي المصري بملف زيادة الاحتياطيات من النقد الأجنبي -والذي يحتل أولوية قصوى لدى كل من الحكومة والبنك المركزي- من خلال تكثيف الجهود المشتركة لتنمية الموارد الدولارية من خلال جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى جانب تحفيز القطاع السياحي فضلًا عن المبادرة الخاصة بسيارات المصريين العاملين في الخارج وغيرها.

ولحل مشكلة تكلفة التمويل، أعلنت الحكومة عن عدة تسهيلات للمستثمرين، كتعميم إصدار الرخصة الذهبية لكافة أنواع الأنشطة الاستثمارية دون تمييز لمدة ثلاثة أشهر، وطرح الأراضي الصناعية بنظام حق الانتفاع، وتكليف هيئة التنمية الصناعية بسرعة إصدار التراخيص الصناعية، والتوسع في إنشاء المجمعات الصناعية. وفي مارس الماضي أصدر البنك المركزي كتابًا دوريًا، لمخاطبة البنوك بتفاصيل تنفيذ المبادرة ذات الفائدة المدعمة 11% على أساس متناقص لدعم القطاع الصناعي والزراعي، والتي وافق مجلس الوزراء على إقرارها بجلسته رقم 225. 

https://lh4.googleusercontent.com/VuSGdzhc5rR2jojCrrWfgz6A13SXY5R6_abjG1EuHUfn0O9LtPv_FS-nhyTQyZhskTvytcLlQaTISn4RUjrpUOU2tQHLdYfuvclllTBcjsLL22UMfvLGC2j7JZWRjVjWQrYp_L5oxsXgQoUuoPG4HrTXa3zlFQj_yCyMPhiE_NKl82Li4AFVFUz_4w2QXtfz8fjCvw

وكذلك أُعيد تشكيل المجلس الأعلى للاستثمار، وصدر عنه 22 قرارًا في اجتماعه الأول، في مختلف القطاعات والمجالات الاقتصادية، تستهدف تحقيق نقلة نوعية في خفض تكلفة تأسيس الشركات، والحد من القيود المفروضة على التأسيس، ومن الموافقات المطلوبة ومدة الحصول عليها، وكذا تسهيل تملك الأراضي، والتوسع في إصدار الرخصة الذهبية، وتعزيز الحوكمة والشفافية والحياد التنافسي في السوق المصرية، وتسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج، وتخفيف الأعباء المالية والضريبية على المستثمرين، وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، وتوسيع اختصاص المحاكم الاقتصادية، بالإضافة إلى تقديم حزمة متكاملة، وتنافسية، من الحوافز والتسهيلات في القطاعين الزراعي والصناعي وقطاع والطاقة فيما يخص إنتاج الهيدروجين الأخضر، وقطاع الإسكان وما يخص المطورين العقاريين والمشروعات الاستثمارية بالمدن الجديدة، وكذا قطاع النقل فيما يتعلق برسوم الصادرات والجمارك، وتوحيد استراتيجية التسعير.

وعلى المدى البعيد، تتجه الدولة لتوطين صناعة مستلزمات الإنتاج ضمن خطة الدولة لتعميق التصنيع المحلي، وذلك بدلًا من استيرادها، لخفض فاتورة الاستيراد. وتقدم الحكومة التيسيرات اللازمة لرجال الصناعة، بخلاف إعلان استعدادها للدخول في شراكات مع المُصنعين، مع تولي المُصنعين مسؤوليات الإنتاج والإدارة والتسويق والتشغيل، وغيرها.

ولتحقيق الهدف الأسمى بتصدير 100 مليار دولار، لم تتوان الدولة في السير نحو توطين الصناعة في مصر، وزيادة المكون المحلي، ونقل الخبرات والتكنولوجيات المطبقة عالميًا إلى الصناعة المحلية، لذا كان أحد أهم وأبرز هذه الخطى إعادة هيكلة الاقتصاد المصري مرة أخرى، فقد تم اعتماد البرنامج الوطني للإصلاح الهيكلي، وركيزته الأساسية تتمثل في توسيع الوزن النسبي لثلاثة قطاعات هي الصناعة والزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وذلك من خلال تعزيز بيئة الأعمال وتعزيز دور القطاع الخاص، بجانب تحسين كفاءة سوق العمل ونظام التعليم والتدريب التقني والمهني، ورفع مستوى حوكمة وكفاءة المؤسسات العامة، وتعزيز الشمول المالي وتسهيل الحصول على التمويل، بالإضافة إلى تعزيز تنمية رأس المال البشري من التعليم والصحة والحماية الاجتماعية.

https://lh3.googleusercontent.com/v-wXIwIXlJNPcMu0y-GkcVXkkJRMXTsoESka1IslmH429nhhyinUJybaWhOGsmkzSaK5ht0mQQ7fX0iZJHp3DX3X6MfZz-WV5vwqglKG33VI7uoagNz5qFgvicRMUBMj8wTkuQ3IIamU7_vb-tPLgoF48Hbg2wmoSXOgV8tK2t9K1qyhBcsFwI1xIAuOLD7iz0x5_g

وفي هذا الصدد، أعلنت الحكومة في مايو 2022 عن وثيقة سياسة ملكية الدولة، لتعلن عن خريطة الأنشطة الاقتصادية التي ستنخرط فيها الدولة خلال العشر سنوات القادمة. لتشجيع القطاع الخاص على الانخراط في النشاط الاقتصادي وخاصة بالمشروعات القومية ومشروعات البنية التحتية. فمن المستهدف أن يصل نصيب القطاع الخاص إلى نحو 65% من إجمالي الاستثمارات المنفذة في غضون أربع سنوات، وذلك بدلًا من حصته التي تبلغ نحو 3% الآن.

واعتمدت الدولة كذلك عددًا من القوانين والإجراءات لتحسين بيئة الأعمال في مصر، كقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وقانون الاستثمار، والإصلاح الضريبي، بجانب تفعيل الخريطة الاستثمارية، إضافة إلى التعديلات التي تمت على قانون المؤسسات العامة، وقانون الجمارك، والتعديلات على قانون سوق رأس المال، وقانون تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب البعد القانوني والمؤسسي.

ذلك فضلًا عن إعداد الإطار الاستراتيجي للشراكة من أجل التنمية المستدامة بين مصر والأمم المتحدة 2023-2027، والذي يهدف إلى دعم أولويات وجهود الحكومة المصرية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية استنادًا إلى ما تحقق من جهود تنموية في الإطار الاستراتيجي للشراكة للفترة من 2018-2022. وفي هذا الصدد فإن التمويلات الجارية الموجهة للهدف التاسع المعني بالصناعة والابتكار والهياكل الأساسية تبلغ حاليًا نحو 5.7 مليارات دولار تمثل نسبة 22.3% من إجمالي التمويلات التنموية وينفذ من خلالها 118 مشروعًا.

وكذلك تم تشكيل مجلس لإحلال الواردات وتعميق المنتج المحلي في نوفمبر 2021، والذي يختص بالمتابعة والتحليل المستمر لبيانات هيكل الواردات، بالتعاون مع الجهات المعنية بوزارة التجارة والصناعة. وفي هذا الصدد، تم تحديد قائمة المنتجات المُستهدف التعاون بشأنها مع عدد من مُمثلي القطاع الخاص في مختلف المجالات الصناعية. 

ذلك على أن تتوافر بالشركات ورجال الأعمال المرشحين للتعاون مع الحكومة في ملف توطين مستلزمات الإنتاج محليًا عدة معايير أبرزها قيام الشركة أو رجل الأعمال المُرشح بالإنتاج الفعلي لعدد من المنتجات المستهدفة أو إنتاج منتجات تتشابه في طبيعتها ومدخلات إنتاجها مع عدد من المنتجات المستهدفة، وأن يكون للشركة سابقة بالتصدير لعدد من الأسواق، بما يضمن القدرة الفنية للمرشح على استيفاء المواصفات القياسية ومعايير الجودة الموضوعة لإنتاج السلع المستهدفة وإتمام عمليات التوريد، بالإضافة إلى اعتماد نشاطها التصنيعي على التطوير المستمر لعمليات الإنتاج ونقل التكنولوجيا.

بالإضافة إلى ما سبق فإن الجهود لم تتوقف عند ذلك، فقد تم الإعلان في يونيو الماضي عن إنشاء 4 مدن صناعية و17 مجمعًا في 15 محافظة، و100 إجراء لتحفيز القطاع الصناعي ودعمه بـ12 مليار جنيه، وهو ما يؤكد على التوجه القوي لتعميق الصناعة المحلية في بعض مجالات الإنتاج عوضًا عن الاستيراد، وأبرزها الصناعات الدوائية والغذائية والهندسية، مع السعي لفتح منافذ تسويق جديدة، في الأسواق الأفريقية خاصة، كما أولت الدولة اهتمامًا بالغًا في تعزيز منظومة إنشاء المجمعات الصناعية لتلبية احتياجات الصناعة المحلية من مستلزمات الإنتاج والسلع الصناعية الوسيطة، حيث تمثل هذه المجمعات منظومة متكاملة تستهدف توفير المناخ والبيئة والبنية التحتية اللازمة لدعم الصناعات المقامة بها، وتوفير فرص للتوسع بتلك الصناعات.

والجهود التي تم اتخاذها خلال الأشهر بل السنوات الماضية أدت إلى ارتفاع صادرات مصر من الصناعات الهندسية بنسبة 19% خلال الشهور التسعة الأولى من 2022 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، بحسب بيان من المجلس التصديري للصناعات الهندسية. وأوضح البيان أن الصادرات الهندسية بلغت 2.74 مليار دولار في أول 9 أشهر من عام 2022 مقابل 2.3 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2021. 

وأضاف المجلس أن أبرز القطاعات التي زادت صادراتها منذ بداية 2022 حتى سبتمبر بالمقارنة بنفس الفترة عام 2021 تتضمن قطاع الأجهزة الكهربائية بنسبة ارتفاع 18%، وصادرات الكابلات بنحو 48%، وصادرات مكونات السيارات بنسبة زيادة 15.1%. وتأتي أوروبا (المملكة المتحدة – فرنسا – ألمانيا – التشيك – إسبانيا) من أهم الدول التي زادت صادرات مصر من الصناعات الهندسية إليها في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2022 تليها آسيا (السعودية – الإمارات – الكويت – الأردن – لبنان)، ثم أفريقيا (الجزائر – المغرب – ليبيا – كينيا).

وقد انخفضت قيمة العجز في الميزان التجاري شهر مارس 2023 بنسبة 49.6%، فقد بلغت قيمة العجز في الميزان التجاري 1.96 مليار دولار خلال مارس 2023 مقابل 3.89 مليار دولار لنفس الشهر من العام السابق. وقد ارتفعت قيمة الصادرات من بعض السلع خلال شهر مارس 2023 عن مثيلتها بالعام السابق، وأهمها (قضبان وعيدان حديد بنسبة 87.3%، ومنتجات مسطحة بالدرفلة من حديد بنسبة 25.1%، وعجائن ومحضرات غذائية 23.3%، وفواكه طازجة بنسبة 0.7%).

العمالة المصرية

بخلاف مستلزمات الإنتاج والمعوقات الفنية التي تم العمل على علاجها خلال السنوات الأخيرة، كانت العمالة المصرية قاطرة النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة في مصر على وجه العموم، وحجر زاوية في دعم قطاع الصناعة على وجه الخصوص، فكانت لاعبًا أساسيًا في تحسين جودة المنتجات وزيادة تنافسية الصناعة المصرية على المستوى المحلي والعالمي. ولأن الاستثمار في التدريب وتطوير مهارات العمالة المصرية يعزز قدرتها على تبني التكنولوجيا الحديثة وتطبيق الممارسات الصناعية العالمية، تم العمل على تحسين حقوق العمالة وتوفير بيئة عمل آمنة وصحية. 

وفي هذا الصدد، قامت الحكومة بتحديث التشريعات المتعلقة بالعمل، وضمان الحق في الإجازات والأجور المناسبة والضمان الاجتماعي، مع تنفيذها بشكل فعال من قبل الجهات المسؤولة. وهذه الجهود أسفرت عن تحسين ظروف العمل في مصر. ذلك بجانب توجيه الرئيس السيسي الدائم بتحسين أجور العاملين بالدولة لعدة مرات؛ دعمًا للعاملين وتخفيفًا لآثار الأزمة الاقتصادية عن كاهل المواطنين.

https://marsad.ecss.com.eg/wp-content/uploads/2023/05/image-2.png

ويتم كذلك توفير الرعاية الصحية للعمالة في مصر، وتعمل الحكومة على إحكام الرقابة والتشريعات لضمان توفير خدمات طبية مناسبة للعمال بالقطاعين العام والخاص على حد سواء؛ للوقاية من الأمراض والحماية من إصابات العمل. وفي هذا السياق، توفر الحكومة أيضًا نظام تأمين اجتماعي للعمالة يوفر الحماية المالية ويساعد على تحسين ظروفهم المعيشية والاجتماعية في حالة التقاعد أو الإصابة بالأمراض أو الحوادث، هذا بخلاف برامج الحماية الاجتماعية التي تحصن العمالة من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية وتوفر حياة كريمة لهم.

https://marsad.ecss.com.eg/wp-content/uploads/2023/05/image-1.png

وعلاوة على ذلك، تم العمل على توفير التدريب المناسب للعمالة في مختلف القطاعات والقطاع الصناعي على وجه الخصوص، وذلك من خلال برامج التدريب المهني والتعليم الفني، بخلاف المنح الدراسية والمبادرات التدريبية بقطاعات مثل الصناعات التراثية واليدوية وتكنولوجيا المعلومات، وتشجيع الشباب على امتهان هذه الأنشطة والوظائف، مع ربط هذه الأنشطة بالتعليم الفني والجامعات التكنولوجية، والتي تهدف جميعها إلى تحسين مهارات العمالة المصرية وتطوير قدراتهم وزيادة فرصهم في اقتحام سوق العمل المحلية والعالمية، وتحقيق نجاح أكبر في حياتهم المهنية. 

فمن المستهدف زيادة العمالة المصرية المصدرة لدول العالم المختلفة. وتمتلك وزارة القوى العاملة حوالي 75 مركز تدريب مهني ثابتًا ومتحركًا في نطاق قرى مبادرة حياة كريمة، وجارٍ إنشاء 11 وحدة تدريب أخرى لتدريب الشباب على مهن يحتاجها سوق العمل الداخلي والخارجي.

على الجانب الآخر، اتخذت الحكومة المصرية في الآونة الأخيرة مسعى جديدًا لتعزيز الحوار الاجتماعي بين المستثمرين والهيئات الحكومية، إلى جانب تعزيز الحوار بين العمالة وأصحاب العمل؛ وذلك لتحسين ظروف العمل وتوفير بيئة عمل صحية وآمنة، وتحسين بيئة الاستثمار في مصر، مما يؤدي إلى زيادة الفرص الوظيفية للعمالة، وتحسين ظروف العمل وزيادة الإنتاجية. 

وعلى هذا الصعيد، تم الانتهاء من المرحلة الثانية لإطلاق الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، بالتنسيق مع منظمة العمل الدولية -وتعد الأولى من نوعها في مجال التشغيل في مصر، مع الأخذ في الحسبان بعض التجارب الناجحة في دول أخرى- وتهدف الاستراتيجية إلى خلق فرص عمل جديدة للشباب بما يتواكب مع المتغيرات الاقتصادية المفاجئة والتحولات التكنولوجية الحديثة، ومواكبة المتغيرات المتوالية في سوق العمل الراهن من خلال وظائف المستقبل، فضلًا عن خفض معدلات البطالة ودعم التدريب والتشغيل وتعزيز ثقافة العمل الحر والاستثمار في التشغيل ودعم الأشخاص ذوي الإعاقة وزيادة معدلات تشغيل النساء، مع الأخذ في الحسبان ما فرضته جائحة كورونا من تغييرات على سوق العمل.

وتم خلال الفترة من منتصف أغسطس حتى مارس الماضي، تشغيل 17 ألفًا و335 عاملًا من خلال النشرة القومية للتوظيف وملتقيات التوظيف في مديريات القوى العاملة على المستوى القومي، وعقدت 9 ملتقيات توظيف في 9 محافظات شاركت فيها 255 شركة وفرت 24196 فرصة عمل للشباب لجميع المؤهلات بتخصصات مختلفة. وجرى افتتاح وتشغيل وحدة خدمات العمالة المصرية بالخارج الملحقة بمبنى وزارة القوى العاملة؛ لتسهيل حصول العمالة الراغبة في السفر للخارج على خدمات الوزارة وإنهاء إجراءاتهم بسهولة ويسر وأمان.

يضاف إلى ذلك تنفيذ 126 حملة توعية تنشيطية لتفعيل قانون الأشخاص ذوي الإعاقة، ومتابعة مدى التزام المنشآت بتعيين نسبة الـ 5% من ذوي الاحتياجات الخاصة. وهو ما أكدت عليه القيادة السياسية ضمن القرارات التي تم إصدارها بمناسبة عيد العمال، مع استمرار العمل على تنمية مهاراتهم، ودمجهم في سوق العمل. وتم توفير 1503 فرص عمل لذوي الهمم، وتم الإعلان عن التخصصات المطلوبة في 74 شركة، من خلال ملتقى توظيف بالقاهرة. 

إلا أن الأزمة الروسية الأوكرانية كان لها آثارها البالغة على سوق العمل العالمية، فقد تسببت في إغلاق عشرات المصانع وزيادة معدلات البطالة حول العالم. إلا أن الدولة اتخذت عدة تحركات سريعة لتخفيف حدة أثر الأزمة على سوق العمل في مصر. ويعد أبرز هذه التحركات التوجيه بإطلاق مبادرة دعم وتوطين الصناعات الوطنية “ابدأ” للاعتماد على المنتج المحلي وتقليل الواردات، وذلك من خلال تعزيز دور القطاع الخاص الوطني في توطين العديد من الصناعات الكبرى والمتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في مصر، مع تقديم عدد من الحوافز كما سبق الإشارة إليها، بالإضافة إلى تقديم أوجه الدعم اللازم لتقنين الأوضاع للمخالفين وتقديم الدعم الفني والمادي اللازم للمتعثرين؛ وذلك بهدف توطين الصناعة الحديثة، وتقليل الفجوة الاستيرادية، وتوفير فرص عمل. واستطاعت المبادرة فحص حوالي 4586 مصنعًا متعثرًا ومخالفًا في 25 محافظة في 10 مجالات مختلفة خلال عام واحد. واستطاعت انتشال عدة مصانع من براثن الغلق والإفلاس والبيع.

لذا تعد مبادرة دعم وتوطين الصناعات الوطنية إحدى الخطط الحيوية للدولة في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، حيث تساعد على تنويع الاقتصاد الوطني وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف القطاعات الحيوية، مثل: الصناعة، والزراعة، والطاقة، والتكنولوجيا، والخدمات، وتسهم بالتالي في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في الدولة، إلى جانب تعزيز الاستقلالية الاقتصادية وتحسين جودة المنتجات المحلية وتوفير فرص العمل وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف القطاعات الحيوية.

يضاف إلى ذلك أن الحكومة وفرت من خلال وزارة القوى العاملة حوالي 90 مليون جنيه لمنشآت القطاع الخاص المتعثرة بسبب الحرب الأوكرانية، مقسمة على القطاعات الآتية: 64 مليونًا و535 ألف جنيه لمساندة منشآت قطاع السياحة، ومليون و137 ألف جنيه لمساندة منشآت قطاع النسيج، و23 مليونًا و856 ألف جنيه لمساندة عدة منشآت بقطاعات أخرى. وتم صرف حوالي 235 مليون جنيه للعمالة غير المنتظمة وأسرهم منذ أغسطس الماضي. هذا بخلاف إصدار قرار رفع الحد الأدنى للأجور تماشيًا مع ارتفاع معدلات التضخم.

وفي ضوء الاهتمام بالعمالة غير المنتظمة بوصفها أكثر الفئات العمالية هشاشة في مواجهة الأزمات الاقتصادية الكبرى، ولتنظيم عملية توفير المساعدات المالية؛ فقد وجه الرئيس السيسي، خلال عيد العمال السابق، بإنشاء صندوق إعانة الطوارئ، للعمالة غير المنتظمة، وتحويل مستحقات الحسابات الاجتماعية والصحية إليه بما يتيح استثمارها والإنفاق منها في حالات الطوارئ والأزمات على العمالة غير المنتظمة بشكل مستدام، ويعظم العائد الاجتماعي والتنموي منه. مع البدء بتفعيل عمل الصندوق فور انتهاء الإجراءات القانونية، بصرف قيمة إعانة عاجلة للعمالة غير المنتظمة وغير المستفيدة من برامج الحماية الاجتماعيـة قدرهـا “1000” جنيـه.

وبالفعل استطاعت الدولة تحقيق عدة نجاحات في مجال توطين الصناعة، بعدة قطاعات صناعية، كصناعة الإلكترونيات، وصناعة السيارات الكهربائية، ومستلزمات السكك الحديدية، وصناعة اللقاحات، وصناعة الأسلحة المتقدمة. إلا أن أغلب هذه الصناعات من نوع رأس المال المكثف، وهي صناعات تتطلب أمولًا كثيرة فيجب أن تباع بكميات كبيرة من أجل تحقيق عوائد وأرباح كافية لتعويض تكاليف إنتاجها وتصنيعها، لذا يجب الإسراع بعقد شراكات تصنيع وتوريد لدول الجوار لتحقيق أرباح عن هذه الصناعات وليس سد الاحتياج الداخلي فقط.أخيرًا، فقد استطاعت الدولة خلال الفترة الأخيرة أن تضع يدها على مكمن القصور بالهيكل الاقتصادي على وجه العموم وتنمية الصناعة على وجه الخصوص، واتخذت الكثير من الخطى في سبيل تعزيز قطاع الصناعة وجذب الاستثمارات؛ فالتجارب التنموية حول العالم -رغم خصوصية كل حالة منها- أكدت بما لا يدع مجالًا للريبة أن تنمية الصناعة قادرة على تحسين كافة المؤشرات الاقتصادية للدولة، فضلًا عن خفض معدلات الدين والبطالة والفقر. فيكاد يكون العامل المشترك في كل  هذه التجارب -رغم اختلاف الظروف والحقب الزمنية– وجود قيادة وطنية ذات رؤية وقرار، وشعب واع يؤمن بقدراته ويتطلع نحو غد أفضل، وهو ما لا تعوزه دولة ذات تاريخ وريادة مثل مصر.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

هبة زين

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى