أولويات مصرية في القمة الفرنسية “ميثاق التمويل العالمي الجديد”
تعمل الأجندة المصرية على تحقيق مفهوم الاقتصاد الأخضر كمحفز لعملية التنمية، من خلال بناء قدرات الدول ودعمها لتمويل قضايا التنمية من أجل إرساء مفهوم السلام والأمن والتنمية وتعزيز اقتصاد الدول، وتحسين سبل التمويل الدولي وإيفاء الدول الكبرى بتعهداتها. وهو ما ظهر في أجندة الرئيس السيسي خلال أعمال قمة “ميثاق التمويل العالمي الجديد” التي تستضيفها العاصمة الفرنسية باريس على مدار يومي 22 و23 يونيو الحالي. فما هي محاور الأجندة المصرية وحدود تأثيرها؟
لقاءات ثنائية لمواجهة التحديات العالمية:
يمكن تناول محاور أجندة الزيارة واللقاءات من خلال عدة محاور، تتمثل في: دعم سبل العلاقات الثنائية للوصول إلى تفاهمات مشتركة حول التحديات الدولية، وتنوع مصادر الطاقة وخاصةً في ظل التنافسية المصرية في مجال الهيدروجين الأخضر، وتوفير سبل التمويل، والوفاء بالتعهدات الدولية في قمة المناخ COP27 وصولًا إلى القمة القادمة Cop28، والتي يمكن شرحها في التالي:
مواجهة الأزمات الدولية: كان للأزمة الروسية الأوكرانية التي أعقبت أزمة جائحة كورونا تأثيرات عدة على الجانب الاقتصادي والأمن الغذائي والتغيرات المناخية، والناتج عن انخفاض سلاسل الإمداد الغذائية واعتماد الدول الكبرى على العودة للوقود الأحفوري كبديل للطاقة نتيجة انخفاض الإنتاج العالمي. فشهدت الزيارة، على هامش القمة وفي ضوء العلاقات الفرنسية والرؤية المصرية والفرنسية المتشابهة إزاء القضايا العالمية، تدشين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مأدبة غذاء على شرف الرئيس السيسي بقصر الإليزيه، احتفاءً وتكريمًا بزيارة الرئيس السيسي، ويعود ذلك إلى العلاقات المصرية الفرنسية، والنظر للدور المصري في الشرق الأوسط وحفظ أمن واستقرار المنطقة والبحرين الأحمر والمتوسط، ودعم السلام والأمن في الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، ومكافحة الإرهاب والفكر المتطرف والهجرة غير الشرعية، والقضايا الإقليمية وخاصة الوضع في السودان.
الدعم الإقليمي: عمدت القيادة المصرية إلى وضع أجندة موحدة للوصول لنتائج محددة واضحة تخدم الاستقرار والأمن والسلم في المنطقة، من خلال دعم اقتصاديات الدول الناشئة والنامية لمواجهة التحديات الاقتصادية في تعزيز سبل التنمية ومواجهة التغيرات المناخية، ولذلك كان لقاء الرئيس السيسي في باريس مع الرئيس التونسي قيس سعيد، على هامش انعقاد القمة، من أجل دعم هذا المفهوم، وضرورة إضفاء مزيد من العدالة، وتحسين آليات منظومة التمويل العالمي؛ لاحتواء التداعيات السلبية الكبيرة الناتجة عن الأزمات المركبة.
الشراكة المصرية الأوروبية: في لقاء الرئيس السيسي ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، على هامش القمة، يمكننا التأكيد على التقدير للعلاقات المصرية الأوروبية في إطار وثيقة “أولويات المشاركة المصرية الأوروبية حتى عام 2027″، في ظل الجوار المتوسطي والدور المصري في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، حتى يمكن تنفيذ الاستراتيجيات الدولية حول التنمية وإرساء السلام والاستقرار.
التمويل من أجل التنمية ومناقشات حول الرؤية المصرية: تدعم المشاركة المصرية مواجهة تداعيات الأزمات الدولية على الاقتصاد العالمي، ومواجهة التضخم العالمي، وبالتالي خطط الدول النامية والاقتصاد الهش في عمليات التنمية ومواجهة التغيرات المناخية. وبالتالي شهد برنامج الزيارة تدعيم أواصر مفهوم وفاء الدول الكبرى بالتعهدات التمويلية وفقًا لميثاق الأمم المتحدة للتغيرات المناخية بقيمة 100 مليار دولار للدول النامية، وشهدت القمة تنسيقًا مصريًا فرنسيًا بشأن بحث سبل التمويل العالمي، في ظل مخرجات قمة المناخ COP27 التي أقيمت في شرم الشيخ، ولدعم الرؤية المصرية لتعزيز التعاون والتنسيق الدولي من أجل دعم المبادرات التنموية للدول النامية، وهو ما تم مناقشته بين الرئيس السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وشهدت كلمة الرئيس السيسي في الجلسة الافتتاحية للقمة عدة معايير يمكن توقع خروجها في نتائج القمة، متمثلة في: دعم سبل التحول العادل للاقتصاد الأخضر بوصفها أحد أهم أهداف التنمية المستدامة ومحفز لها وفقًا للأولوية الوطنية للدول، وتكاتف مؤسسات التمويل الدولية لتحقيق تلك الأهداف في الدول النامية، ووضع آليات مستحدثة لمعالجة ديون تلك الدول وطرق مبادلة الدين من خلال إصلاح هيكلي لسبل التمويل العالمي، والنظر في سياسات التخصيص وإلغاء رسوم صندوق النقد الدولي وقت الأزمات، وتعزيز سبل إقراض الدول النامية ومتوسطة الدخل.
تنوع مصادر الطاقة: وضعت مصر عام 2016 “الاستراتيجية المتكاملة للطاقة المستدامة ٢٠٣٥”، من أجل تنوع مصادر الطاقة وزيادة حصة الطاقة المتجددة، من خلال الإصلاحات القطاعية والاقتصادية. ووفقًا لتقرير نشرته وكالة بلومبرج، فمن المتوقع أن تنتج القارة الأفريقية بقيمة تصل لنحو تريليون يورو من الهيدروجين الأخضر سنويًا بحلول عام 2035، وستكون مصر أكبر منتج للهيدروجين في أفريقيا بقيمة 20 مليون طن سنويًا.
ولذلك شهدت الزيارة ولقاء الرئيسين السيسي وماكرون حديثًا اقتصاديًا حول زيادة التعاون في مجال الهيدروجين الأخضر لكون مصر سوقًا واعدة في هذا المجال. وسبق وأن أنشئت اللجنة الوطنية المشتركة بين مصر وفرنسا للهيدروجين خاصةً الهيدروجين منخفض الكربون، وتعزيز آفاق التصدير؛ وذلك نظرًا لاعتماد فرنسا “الاستراتيجية الوطنية لتطوير الهيدروجين” عام 2020، وبذلك تتقارب الأهداف المصرية الفرنسية في هذا الملف لبناء تجربة متكاملة في ظل تمتع فرنسا الآن بخبرة معترف بها في مجال الهيدروجين، فتم توقيع مذكرة التفاهم للفترة من ٢٠٢٢ إلى ٢٠٢٤ بشأن التعاون الفني الاستراتيجي بين البلدين والموافقة عليها مارس الماضي، والتي بمقتضاها تقدم فرنسا منحة بقيمة تصل إلى ٥٠٠ ألف يورو عبر “الوكالة الفرنسية للتنمية AFD”، وهى مؤسسة عامة وشركة تمويل، لمواجهة التغيرات المناخية.
البنية التحتية والتحول الأخضر:
تقوم العلاقات المصرية الفرنسية على دعم تطوير التنمية المستدامة وأهمية الدور المصري في المنطقة، فشهد لقاء الرئيس السيسي ونظيره الفرنسي مناقشة سبل الارتقاء بالتعاون الثنائي والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة خاصةً في قطاع النقل والطاقة المتجددة، وذلك من خلال تشجيع التشارك بين القطاع العام والخاص ممثلة في الشركات الفرنسية الخاصة، وخاصةً في القطاعين التاليين:
النقل البحري والموانئ: رصدت الدولة المصرية نحو 129 مليار جنيه كتكلفة تطوير الموانئ البحرية المصرية خلال الفترة من (2014- 2024)، حيث تمتلك مصر 18 ميناءً تجاريًا بطول 3000 كيلومترًا، ويتضمن إنشاء أرصفة جديدة بإجمالي أطوال 35 كم، وبأعماق تتراوح من 15 إلى 18 مترًا وصولًا إلى إجمالي أطوال الأرصفة في الموانئ البحرية المصرية نحو 73 كم، ومنهم ميناء الإسكندرية ليتضمن حاضنة لكافة الأنشطة والخدمات اللوجستية المتطورة لخدمة حركة التجارة العالمية وكبرى خطوط الشحن والسفن العملاقة، وذلك وفقًا للمعايير العالمية.
ولذلك استقبل الرئيس السيسي خلال زيارته العاصمة الفرنسية باريس رئيس شركة الخطوط الملاحية الفرنسية العالمية “CMA CGM” رودولف سعادة؛ لمتابعة ما تم من أعمال وتطوير سبل التعاون؛ بما سيسهم في رفع التصنيف العالمي للموانئ المصرية في مجالي اللوجستيات والتجارة، وفي جعل مصر بيئة جاذبة للمستثمرين في مجال إنشاء الموانئ واللوجستيات.
تطوير النقل البري: في إطار خطة الدولة لتطوير الخدمات المقدمة للمواطنين، وتحسين الخدمات التكنولوجية والبيئية، وإعادة استخدام وسائل النقل الصديقة للبيئة وتفعيل منظومة التحصيل الإلكتروني، وذلك من خلال خطة محكمة مبدئية في محافظتي القاهرة والجيزة. وتعمل الدولة على تحسين التعاون الدولي لنقل الخبرات الدولية والتدريب، فحرص الرئيس السيسي خلال الزيارة على لقاء رئيس مجموعة “ألستوم” الفرنسية في قطاع النقل العام، هنري بوبار لافارج، من أجل توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا المتقدمة ونقل الخبرات والتدريب إلى المصريين للاستفادة من الخبرات الأجنبية؛ مقابل الاستفادة من مصر كفرصة استثمارية وبوابة للدخول إلى أفريقيا والمنطقة العربية في ظل البنية التحتية المصرية المتطورة، هذا بجانب توسيع التعاون في مجال الأنفاق والسكك الحديدية.
مما سبق يمكننا النظر في حدود التأثير المصري خلال أعمال القمة، في ظل تطور العلاقات المصرية الأوروبية بشكل عام، والعلاقات المصرية الفرنسية على وجه الخصوص، وذلك من خلال طرح حلول مصرية على الأجندة الدولية لدعم الاقتصاديات الناشئة والهشة في ظل التحديات والأزمات المركبة.