السياحة في 10 سنوات .. استعادة النمو والتغلب على التحديات
حققت السياحة في مصر إيرادات بنحو 63,4 مليار دولار، ووصل إليها نحو 90.1 مليون سائح وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء على مدار الـ 10 سنوات الماضية؛ فعلى الرغم من كون السياحة الأكثر تأثرًا بالأحداث السياسية والتغيرات الاقتصادية الوطنية والدولية؛ فإنها تظل القطاع الأكثر نموًا عالميًا. وواجهت مصر هذه التحديات بتدابير وجهود مكّنت القطاع من استعادة الأرقام التاريخية –والتي تقاس بعام الذروة السياحية 2010 بنحو 14 مليون سائح– والاستمرار في النمو الثابت لتحقيق الاستراتيجية الوطنية والوصول إلى 30 مليون سائح 2028. فكيف استطاعت الدولة المصرية استعادة الحركة السياحية؟ وكيف يمكن أن تصل إلى المستهدف حتى عام 2028؟
معدلات نمو السياحة
منذ عام 2011، شهدت الدولة المصرية فترات عدم استقرار عدة، وصولًا إلى ثورة 30 يونيو 2013، والتي أعقبها محاولات التيار الإخواني الضغط على الاقتصاد المصري ومحاولة عزل مصر خارجيًا، بجانب العمليات الإرهابية في سيناء ولعل أهمها حادث سقوط الطائرة الروسية 2015، بجانب عمليات حظر السفر على مصر لأهداف سياسية، تلاها حادث السائحين المكسيكيين، وكذلك الأزمات العالمية كأزمة جائحة كورونا وحالة الإغلاق العالمي، والأزمة الروسية الأوكرانية التي أثرت على الاقتصاد العالمي من ناحية وعلى السياحة في مصر من ناحية أخرى لكون البلدين أكبر سوقين مصدرين للسياحة إلى مصر ” بعد عودة الطيران الروسي.
كل هذه العوامل قد أدت إلى تراجع السياحة في أعوام 2016، و2020، و2021، بشكل يفوق المعتاد. ولكن أسهمت الإجراءات المصرية في تلك الفترة في استعادة الحركة السياحية بما يتناسب مع استراتيجية السياحة ورؤية مصر 2030 للوصول إلى إيرادات 30 مليار دولار، واستُثمرت أعوام انحسار الحركة لتحقيق الأجندة السياحية المصرية.
فاستطاعت السياحة المصرية أن تحقق في الربع الأول من العام الحالي نحو 4.5 ملايين سائح، وكان شهر أبريل الماضي هو الأكبر من حيث استقبال السائحين مسجلًا وحده نحو 1,3 مليون سائح. وأرجع “البنك المركزي” تلك الزيادة إلى ارتفاع عدد السائحين بمعدل 52,2% وتزايد عدد الليالي السياحية بنسبة 47,1% خلال الشهور الأولى من العام مسجلة نحو 43,6 مليون ليلة. وشهد عدد السائحين على مدار العشر سنوات الماضية تزايدًا مطردًا؛ ليسجل نحو 90,1 مليون سائح حتى عام 2022.
المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – البنك المركزي
وشهدت السنوات العشر الماضية فترات ومعدلات نمو ثابتة على مدار أعوام 2013حتى 2015، فيما سجلت التأثيرات الخارجية كحادث سقوط الطائرة الروسية انخفاضًا ملحوظًا وصل إلى 5,4 ملايين سائح، ولكن سرعان ما عادت السياحة في النمو تدريجيًا حتى وصلت إلى 13 مليون سائح في عام الذروة العالمية 2019، ليصل بعد ذلك إلى أقل معدل سائحين وهو عام جائحة كورونا نتيجة حالة الغلق الكلي التي شهدها العالم.
أسهمت الإجراءات الحكومية في مواجهة جائحة كورونا في عودة الحياة لطبيعتها، مع الحفاظ على القطاع السياحي عالي التأثير لمواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية وصولًا لمجابهة حالة التضخم العالمي الناتج عن الأزمة الروسية الأوكرانية، وهو ما يضعنا أمام توقع نمو مستمر في حال العمل على تحقيق الاستراتيجية السياحية الوطنية بمعدل نمو بين 25% – 30% وصولًا إلى 30 مليون. وبالتالي يتوقع أن يصل عدد السائحين الذين استقبلتهم مصر خلال عشر سنوات (2016 – 2025) نحو 120,5 مليون سائح؛ مقارنةً بنحو 110,2 مليون سائح في فترات ما قبل الأزمات (2006 – 2015).
المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – البنك المركزي
إجراءات عدة لاستعادة الحركة
عكفت دولة 30 يونيو على وضع خطة للإصلاح الاقتصادي، فكان قطاع السياحة هو القطاع الأسرع تحقيقًا لعائدات دولارية. وذلك بدءًا من التحركات السياسية للقيادة المصرية واستعادة الوزن المصري الخارجي، والذي بدوره انعكس على الدبلوماسية الاقتصادية وعودة العلاقات لطبيعتها مع عدة دول، بجانب وضع استراتيجية 2030 عام 2015، وصولًا إلى إجراءات التعافي من الأزمات العالمية، ببناء اقتصاد قادر على مواجهة التقلبات الاقتصادية وتقديم الدعم لقطاعاته الحيوية، وتمثلت في التالي:
1 – تنوع الدبلوماسية المصرية وعودة الأمن: استعادت مصر وجودها الإقليمي والأفريقي، وعودة عضويتها إلى المنظمات التي جمدت تلك العضوية، وصولًا إلى رئاسة الاتحاد الأفريقي 2019، وكانت حاضرة في اجتماعات الأمم المتحدة، بجانب استعادة الدور المصري والعلاقات المصرية الأوروبية والزيارات الثنائية بين قادة الدول، والرحلات المكوكية من الشرق روسيا والصين والدول الآسيوية إلى الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ في ظل العمل على تنوع الدبلوماسية المصرية، والقائم على مبدأ “سيادة الدول” القائم على مفهوم “المصالح المشتركة”.
وانعكست هذه التحركات على فك حظر السفر عن مصر ورفع اسمها من قائمة الدول الحمراء سواء إلى عدد من المدن المصرية فقط وصولًا إلى الفتح الكلي، وعودة الطيران الروسي في أغسطس 2021 بعد توقف دام 6 سنوات. هذا بجانب نجاح مصر في إطلاق استراتيجية مكافحة الإرهاب وتقويضه والقضاء عليه، ما أدى كذلك إلى استعادة الثقة في المقصد المصري. فانعكس كذلك تنوع الدبلوماسية المصرية ورسالة الأمن والأمان المصرية على تنوع الأسواق السياحية، وفتح أسواق جديدة، وفتح خطوط طيران جديدة.
2 – تنوع السوق السياحية المستهدفة: كان عام 2016 هو العام الحاسم في تنوع السوق السياحية المصرية، نتيجة تأثر السياحة المصرية بالأسواق الأكثر قدومًا للمقصد المصري، فوضعت الدولة خططًا استراتيجية للأسواق البديلة، وهو ما انعكس على زيادة خطوط الطيران مع الدول المختلفة، وتقديم حزم برامج تحفيز الطيران لتسهيل عملية الوصول، من خلال تدشين خطوط طيران جديدة وآخرها استعادة حركة الطيران مع الصين من ثلاث مدن، وفتح مطارات دولية ومحلية لربط المقاصد السياحية المصرية والأسواق المستهدفة مثل مطار “سفنكس”. وهو ما مكّن مصر من أن تحصد المركز الأول في جذب السائحين في الشرق الأوسط عام 2019 بمعدل أكثر من 13 مليون سائح أي 20,3% من نسبة الشرق الأوسط، والذي حصد 64 مليون سائح من حجم السياحة العالمية البالغ 1,5 مليار سائح لعام 2019 بنسبة 4% من السوق العالمي.
ويمكن تحديد نسبة المناطق الجغرافية لإيفاد السياحة إلى مصر في الفترة من يناير إلى ديسمبر 2019، بوصفه عام الذروة السياحية المصرية في الآتي:
- أوروبا بنحو 8,4 ملايين سائح بنسبة 64,3% من إجمالي عدد السائحين.
- الشرق الأوسط 2,4 مليون سائح بنسبة 18,6% من إجمالي عدد السائحين.
- منطقة آسيا والباسفيك 688,08 ألف سائح بمعدل 5,3% من إجمالي عدد السائحين.
- أفريقيا 911,3 ألف سائح بمعدل 7% من إجمالي عدد السائحين.
- الأمريكتين بنحو 548,2 ألف سائح بمعدل 4,2% من إجمالي عدد السائحين.
- ومن مناطق مختلفة نحو 79,7 ألف سائح بمعدل 0,6% من إجمالي عدد السائحين.
3 – تنوع المنتج السياحي: من خلال العمل على: ربط السياحة الثقافية بالشاطئية، وخلق منتجات سياحية جديدة، وتقنين السياحة الصحراوية، والاهتمام بالسياحة الريفية ما جعل مدينة فوة بكفر الشيخ ضمن القرى السياحية في مسابقة السياحة الريفية التابعة لمنظمة السياحة العالمية، وبالتالي جارٍ تطويرها لتحصد فرصة أن تكون من أفضل القرى السياحية.
هذا بجانب الاهتمام بالأحداث الضخمة لجذب الانتباه للمقصد السياحي المصري، وخاصةً السياحة الثقافة والتاريخية؛ إذ تمتلك مصر ما يقرب من 2,160 موقعًا أثريًا، ويوجد منها 135 موقعًا مفتوحًا للزيارة و٦ مواقع مسجلة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، بحسب موقع وزارة السياحة والآثار.
يضاف إلى ذلك افتتاح العديد من المتاحف الجديدة أو تجديد المتاحف القائمة وأشهرها: “المتحف المصري الكبير”، وأعمال ترميم “قصر البارون”، وافتتاح متحف المركبات الملكية وهرم زوسر للزيارة، والعمل على وضع متحف في كل محافظة مصرية، فيوجد نحو 31 متحفًا وموقعًا أثريًا للزيارة، وافتتاح وتطوير 3 مواقع على مسار العائلة المقدسة، وافتتاح متحفين للآثار المصرية بالصالتين 2 و3 بمطار القاهرة الدولي.
هذا إلى جانب الاكتشافات الأثرية المهمة خلال الفترات السابقة، ولعل أهمها اكتشاف أكثر من ١٠٠ تابوت خشبي بسقارة؛ أما عن الاحتفالات الكبرى فتمثلت في افتتاح المتحف القومي للحضارة المصرية، بموكب “المومياوات الملكية””، وافتتاح طريق الكباش بالأقصر وجعله احتفال سنوي يُدعى السائحون إليه.
وفي مجال السياحة الخضراء، أطلقت مصر مشروعًا لأول مرة بعنوان “التنمية الخضراء لقطاع السياحة”؛ لتحسين أداء واستدامة القطاع السياحي. وتم من قبل إعداد مشروع وصون ودمج التنوع البيولوجي وتنفذه وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وذلك ضمن المبادرة الرئاسية “اتحضر للأخضر”. ويتضمن المشروع إعداد دليل إرشادي لأفضل الممارسات الصديقة للبيئة بالقطاع الفندقي والمطاعم السياحية والنزل البيئية.
ويجري العمل على إطلاق البوابة المصرية للسياحة المستدامة، وهو ما من شأنه زيادة الاستثمار في المحميات الطبيعية وخارجها. هذا بجانب العمل عل زيادة الوعي المستدام لدى السائحين بالأبعاد البيئية والاجتماعية والمنتجات البديلة. وجارٍ الانتهاء من مشروع إدراج صون التنوع البيولوجى واستخدامه المستدام فى تنمية السياحة والمقرر انتهاؤه في ديسمبر 2023. فضلًا عن مشروع دعم المحميات الطبيعية الذي بدأ عام 2013 وانتهى عام 2016، والمشروع الإقليمي لدمج إجراءات صون الطيور الحوامة المهاجرة بالقطاعات التنموية (2009 – 2017).
4 – دعم القطاع أثناء الأزمات: أسهمت الإجراءات المصرية في حماية القطاع السياحي من تبعات أزمة كورونا، واعتماد استراتيجيات تسويقية وتحفيزية لاستعادة الحركة السياحية، من خلال تنفيذ توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي التي خرجت في قرارات لجنة أزمة كورونا برئاسة رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي. وهو ما انعكس على ثقة المستثمرين في إمكانية تحقيق القطاع نموًا متزايدًا؛ فارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر في مجال السياحة ليسجل نحو 298.9 مليون دولار، مع توقع زيادة الإيرادات بنحو 60% لعام 2023. وتمثلت تلك الإجراءات والتي يستمر بعضها حتى الآن في التالي:
- تقديم سياسات نقدية وتحفيزية للقطاع الخاص:
مثل عملية إرجاء توقيع الحجز الإداري حتى نهاية ديسمبر 2021، وجدولة المديونيات والمستحقات لمدة 36 شهرًا، وإرجاء الرسوم المستحقة للجهات الحكومية وسداد اشتراكات التأمينات الاجتماعية وسداد الضريبة على القيمة المضافة لمدة 6 أشهر، ومد آجال سداد الإقرارات الضريبية لمدة 3 أشهر، وإعفاء المنشآت الفندقية والسياحية من الضريبة العقارية حتى 31 أكتوبر 2021، وإرجاء سداد المستحقات نظير الاستهلاك الشهري للكهرباء والغاز والمياه على أن يكون السداد خلال الفترة من يناير 2021 حتى 31 أكتوبر 2021 بنسبة 40%، وإرجاء سداد رسوم الانتفاع بالمراسي النيلية حتى 31 أكتوبر 2021.
- دعم تمويل قطاع السياحة:
من خلال إطلاق مبادرة الجهاز المركزي لدعم القطاع السياحي بنحو 5 مليارات جنيه لتخفيض سعر الفائدة من 12% إلى 10% ثم إلى 8%، ومبادرة وزارة المالية والبنك المركزي المصري لتمويل صرف رواتب العمالة ومصروفات التشغيل بقيمة 3 مليارات جنيه من وزارة المالية بسعر فائدة 5%، وتخصيص 10 مليارات جنيه لقطاع السياحة ضمن مبادرات البنك المركزي للقطاعات الإنتاجية التي تضم الزراعة والصناعة للعام المالي 2023 – 2024 ليصل إجمالي التمويل المتاح من خلالها إلى 160 مليار جنيه للقطاعات الإنتاجية المستهدفة بنظام مبادرة الـ11%.
- حوافز استعادة الحركة السياحية:
مثل الإعفاء من سداد رسوم التأشيرة السياحية لمدة عام حتى 30 أبريل 2021، ومنح تخفيض بنسبة 50% على رسوم الهبوط والإيواء، وتخفيض بنسبة 20% على رسوم الخدمات الأرضية المقدمة في المطارات المصرية في المحافظات السياحية حتى 31 أكتوبر2021، ورفع قيمة التخفيض على أسعار وقود الطائرات لتصل إلى 15 سنتًا على الجالون بمطارات المحافظات السياحية حتى 31 ديسمبر 2021، وإطلاق برنامج تحفيز الطيران الجديد حتى 31 أكتوبر 2021.
وقدمت مصر كذلك تسهيلات للحصول على التأشيرة السياحية، ووصل عدد الجنسيات التي يمكن حصولها على التأشيرة عند الوصول إلى أكثر من 180 جنسية، شريطة وجود تأشيرة سارية ومستخدمة لدول كل من “إنجلترا- أمريكا – شنجن (الاتحاد الأوروبي)- اليابان – نيوزيلاندا” على جواز السفر. وجارٍ العمل على إضافتهم على الموقع الإلكتروني للحصول على التأشيرة لتسهيل طرق الدخول، حيث يوجد الآن نحو 78 جنسية يمكنهم الحصول على التأشيرة الإلكترونية.
يضاف إلى ذلك إطلاق تأشيرة جديدة متعددة الوصول بقيمة 700 دولار لمدة 5 سنوات، وإطلاق حملة تسويقية للتعريف بالإجراءات الجديدة للحصول على التأشيرة السياحية، بجانب التسهيلات بشروط معينة للسائحين من دول: المغرب، والجزائر، وتركيا، وإيران، والعراق، والصين، والهند، من حاملي حاملي الإقامة بدول مجلس التعاون الخليجي أو تأشيرة من الدول الخمس السابق ذكرها بالحصول على تأشيرة دخول اضطراريةUpon arrival من المنافذ والمطارات المصرية.
- إجراءات لضبط العمل السياحي:
وذلك مثل ضبط ظاهرة حرق الأسعار لضمان المنافسة العادلة بين الفنادق، فأصدرت اللجنة الوزارية للسياحة والآثار قرارًا لتحديد حد أدنى لأسعار الإقامة في المنشآت الفندقية، وقرار آخر برفعها على أن يكون تطبيق القرار بدءًا من الأول من مايو 2022، فيما عدا محافظات الأقصر وأسوان والوادي الجديد، ومدن طابا ونويبع، حيث يتم التطبيق بها بدءًا من الأول من نوفمبر 2022.
- حماية العنصر البشري:
من خلال ربط الحزم النقدية التحفيزية ومبادرة البنك المركزي بمدى حفاظ المنشآت السياحية على العاملين لديها. واستفادت العمالة غير المنتظمة من مبادرة القوى العاملة للدعم بمبالغ نقدية، وتم التنسيق مع الاتحاد المصري للغرف السياحية لتوفير التدريب على الإجراءات الصحية اللازمة، والالتزام بنسب التشغيل للفنادق والمقاصد السياحية وفقًا لتوجيهات منظمة الصحة العالمية، ونفذت الوزارة بالتعاون مع القطاع الخاص الممثل في الاتحاد المصري للغرف السياحية استراتيجيات تدريبية طويلة الأجل وقصيرة ومتوسطة الأجل لتحقيق الاستراتيجية العامة للدولة بتوفير تجربة سياحية مميزة للأعوام العشر الماضية.
- إجراءات إعادة الفتح:
أسهمت سياسة اللقاحات والإجراءات الصحية والاحترازية المطبقة وإطلاق شهادة السلامة الصحية في مايو 2020، مع اعتماد ضوابطها من المجلس الدولي للسياحة والسفر WTTC في 18 يونيو 2021، ومنح مصر “خاتم السفر الآمن Safe Travel stamp” إلى إعادة الفتح التدريجي وصولًا للفتح الكلي للبلاد في استعادة الحركة السياحية، في ظل رغبة السائح الدولي في استعادة تجربة السفر، مع ظهور مفاهيم عدة لعل أهمها التحول الرقمي.
تطوير البنية التحتية
– التحول الرقمي: أظهرت جائحة كورونا الحاجة إلى ضرورة وجود بنية تحتية رقمية هائلة، تم الاستفادة منها في تحويل العديد من المناطق الأثرية إلى الزيارات الافتراضية؛ للحفاظ على السائح المستهدف، وبناء صورة جيدة أثناء فترات العزل خلال الجائحة. وأظهرت الحاجة كذلك إلى التحول للدفع غير النقدي؛ نتيجة تغير رغبات السائحين في التعامل الأقل عبر الدفع الإلكتروني، بجانب تحقيق الاستراتيجية المصرية في التحول اللا نقدي، والذي سيتوسع ليضم العديد من الكيانات غير المرخصة لضمهم داخل الاقتصاد الرسمي؛ فأطلقت وزارة السياحة تطبيق نظام الدفع باستخدام الكروت البنكية بكافة أنواعها فقط لشراء تذاكر زيارة عدد من المتاحف والمناطق الأثرية الأخرى كالهرم والمتحف المصري والقلعة والتي سبق تطبيقها في 4 معابد بأسوان، هذا بجانب إصدار القرار الوزاري بضرورة رفع طاقة الإنترنت في الفنادق المصرية.
وتتمثل أهم مشروعات التحو ل الرقمي على مدار الفترات السابقة في إطلاق خدمات للتواصل مع السائحين عند وصولهم، والتعريف بالخدمات المقدمة لتسهيل زيارتهم وتحسين تجربتهم. وعلى مستوى الهيكل الإداري، تم الانتهاء من عملية الأرشفة الإلكترونية تمهيدًا للانتقال للعاصمة الإدارية، وعمل قواعد بيانات موحدة للعاملين، والانتهاء من منظومة البرامج السياحية الإلكترونية، وإطلاق ودمج البوابة الإلكترونية لوزارة السياحة والآثار، والموقع الإلكتروني الخاص بالمتحف المصري بالتحرير، وتطوير الموقع الترويجي للتنشيط السياحي بشكل مستمر، وإطلاق أول منصة حجز إلكتروني على الموقع الرسمي للمتحف القومي للحضارة، والانتهاء من نحو 80% من مشروع ميكنة خدمات المنشآت الفندقية والسياحية، والعمل على زيادة سعة الإنترنت في المنشآت الفندقية، وتطوير منصات حجز المواقع الأثرية والمتاحف وبوابات الدخول للتناسب وطبيعة التذاكر الإلكترونية، وجارٍ العمل على توفير خدمات الإنترنت بالمواقع الأثرية، والعمل على إنشاء تطبيق محمول للترويج للسياحة المصرية، وذلك وفقًا لما نشره موقع “الهيئة العامة للاستعلامات.”
– الطاقة الفندقية: شهدت الطاقة الفندقية في مصر ارتفاعًا ملحوظًا وصولًا إلى نحو 211,6 ألف غرفة فندقية، محققة نموًا سنويًا يصل إلى 2%، مع توقع الوصول إلى 500 ألف غرفة فندقية عام 2028 وزيادة معدلات النمو إلى نحو 25% سنويًا.
– ربط المقاصد السياحية: شهدت الدولة المصرية طفرة في مجال البنية التحتية من طرق ونقل ومواصلات، فتمتلك مصر ما يقرب من 27 مطارًا بسعة 30 مليون راكب، وقامت بالعمل على تطوير الطيران لكون السائحين القادمين جوًا هم الأكثر عددًا، فدشنت شركة طيران منخفض التكلفة كجناح لشركة مصر للطيران، وتساعد هذه النوعية من الطيران في برامح سياحات اليوم الواحد، وربط السياحة الثقافية بالشاطئية، وهو ما يدفع إلى الكثافة العددية في المناطق الأثرية، ويساعد على تخفيف الضغط على المطارات الرئيسة في المدن والتزاحم.
فمن المتوقع أن يسهم مطار سفنكس على سبيل المثال في الترويج للمتحف المصري الكبير وزيادة الحركة السياحية في منطقة الأهرامات، وجذب السياحة الكلاسيكية من المدن الشاطئية الساحلية المصرية والتي تساعد في توفير الوقت للسائحين، حيث تقضي شركات النقل السياحي ما يزيد على 11 ساعة من الغردقة إلى القاهرة بريًا نتيجة ضغوط نقاط التوقف والسرعة المفروضة على وسائل النقل السياحي بألا تزيد عن 90كم/ الساعة.
– تطوير البنية التشريعية: صدر العديد من القوانين المحفزة للاستثمار ولجذب المستثمرين للعمل في قطاع السياحة في ظل قدم القوانين السياحية التي لا تتناسب وطبيعة السياحة المتطورة، مثل تعديل قانون التحرش، وقانون إنشاء غرف سياحية وتنظيم اتحاد لها رقم 27 لسنة 2023، وقانون رقم 8 لسنة 2022 بإصدار قانون المنشآت الفندقية والسياحية – كبديل للقانون السابق الصادر عام 1973 –، وقانون رقم 19 لسنة 2022 بإنشاء صندوق دعم السياحة والآثار، وقانون رقم 84 لسنة2022 بتنظيم الحج وإنشاء البوابة المصرية الموحدة للحج.
– التسويق والحملات الترويجية الداخلية والخارجية: نوعت مصر في الإنفاق على التسويق الداخلي والخارجي، وكذلك الحملات المشتركة، وكانت النسبة الأقل للإنفاق على عملية التسويق هو عام كورونا، نتيجة عدم جدوى الإنفاق والاهتمام بالجانب الإلكتروني، من خلال حملة “اكتشف مصر من المنزل”، والتركيز على الأفلام الوثائقية وعرضها على المنصات الأشهر مثل فيلم “سقارة”. وتم كذلك إطلاق استراتيجية إعلامية موحدة لمدة 3 سنوات، وحصدت مصر جائزة أفضل فيلم ترويجي بعنوان “اكتشف مصر” في مسابقة منظمة السياحة العالمية 2021، وحصدت المدن المصرية كذلك عدة ألقاب ضمن أفضل وجهات السفر وأهم المقاصد السياحية التي يمكن زيارتها، وتستهدف الحملة الحالية 12 سوقًا تقليدي و8 أسواق ناشئة، بالتركيز على خمسة أنماط سياحية هي الأهم لغالبية السائحين العالميين.
– التقييم وقياس الأداء: يعتمد نجاح الاستراتيجيات على قياس مدى فاعلية الإجراءات التي اتخذتها في تحقيق الأهداف الموضوعة. ويمكن التعرف على ذلك من خلال قياس أداء القطاع السياحي لتحقيق الهدف الأكبر، من خلال تقارير التنافسية الدولية، ومن أهمها تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي ويضم 4 مؤشرات رئيسة و14 هدفًا فرعيًا؛ فوصلت مصر للمركز 93 دوليًا من بين 141 دولة عام 2019، نتيجة برامج الإصلاح الهيكلي والتطوير المؤسسي، واستراتيجية 2015، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وانتُخبت مصر رئيسًا للجنة الإقليمية للشرق الأوسط للفترة 2021-2023. ختامًا، يمكننا القول إن الإجراءات المصرية المتعلقة بقطاع السياحة طوال العشر سنوات الماضية أسهمت في الحفاظ على معدلات النمو بشكل مستمر، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادة الحركة السياحية فترة الأزمات، مع الاهتمام بأبعاد التنمية المستدامة الثلاثة والتي تمثل مثلث التواصل بين الأبعاد الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، والتي تتحقق جميعها في قطاع السياحة المصرية، وذلك في ظل المظلة الأكبر والمتمثلة في استراتيجية 2030. ويدفعنا هذا التخطيط الاستراتيجي للإدارة المصرية إلى النظر بشكل أكثر تفاؤلًا نحو الوصول إلى الخطة المستقبلية وتحقيق هدف 30 مليون سائح من خلال استكمال الأهداف الموضوعة الحالية، مع استمرار معدلات النمو السياحي، وحماية القطاع السياحي من التقلبات الاقتصادية، وتقديم الضمانات في حال الأزمات العالمية، والعودة سريعًا لاستعادة المكانة المصرية على خريطة السياحة العالمية.