الجهاز الإداري في مصر خلال 10 سنوات “تحديات متوارثة وخطوات إصلاح جادة”
يعاني الجهاز الإداري في مصر من مشكلات كثيرة موروثة منذ وقت طويل، وهي المشكلات التي تحد من كفاءته وتقلل من رضا المواطنين عن أدائه، لذا وضعت الدولة المصرية خلال العشر سنوات الماضية قضية الإصلاح الإداري دائمًا على جدول أعمالها، وتبذل فيها جهدًا واتخذت خطوات جادة للإصلاح ومواجهة التحديات الموروثة عبر العقود الماضية، وهو ما بدأت تظهر آثاره في تسهيل المعاملات الحكومية وغيرها من جوانب تحسن الأداء، وما زال هناك الكثير من جوانب جهازنا الإداري التي تحتاج إلى إصلاح، في الوقت الذي توجد فيه بعض الانطباعات غير الدقيقة عن جهازنا الإداري، وهو ما تناقشه هذه الورقة البحثية.
ثورة على طريق الإصلاح الإداري
عكفت الإدارة المصرية خلال العشر سنوات الماضية على بناء خدمة مدنية جاهزة للمستقبل؛ إذ أدركت ضرورة وجود برنامج وطني لبناء قدرات موظفي الخدمة المدنية، يعمل على الإصلاح الشامل وبناء القدرات على المستويات الفردية والمؤسسية والعملية، من أجل تقديم خدمات عامة فعالة، والسعي في تطبيق الحد الأقصى للحوكمة من خلال اتباع الكفاءة والشفافية والحكم الرشيد، وذلك من خلال الخطوات التالية:
1- مكافحة الفساد:
تعمل الدولة المصرية جاهدة لتفعيل المادة 218 لسنة 2014 والتي تنص على التزام الدولة بمكافحة الفساد والتزام الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها في مكافحته، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية؛ ضمانًا لحسن أداء الوظيفة العامة، ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية.
ومن أجل الحد من الفساد، عملت الدولة على تشريع قوانين وأنظمة تجرم أفعالًا محددة، وتعاقب مرتكبيها، ووضعت استراتيجيتين لمكافحة الفساد؛ بهدف: تطوير جهاز إداري كفء وفعال، وتقديم خدمات عامة ذات جودة عالية، وتفعيل آليات الشفافية والنزاهة، وتطوير البنية التشريعية الداعمة لمكافحة الفساد، وتحديث الإجراءات القضائية تحقيقًا للعدالة الناجزة، ودعم جهات إنفاذ القانون للوقاية من الفساد ومكافحته، وزيادة الوعي المجتمعي بأهمية الوقاية من الفساد ومكافحته، وتفعيل التعاون الدولي والإقليمي في منع ومكافحة الفساد، ومشاركة منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص في منع الفساد والوقاية منه.
هذا بالإضافة إلى تأسيس الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد، والتي تعد جزء لا يتجزأ من هيئة الرقابة الإدارية وفقًا للقانون رقم 207 لسنة 2017؛ بهدف تحقيق التميز في مجال الدراسات والبرامج التدريبية، وتطوير البحوث وابتكار حلول جديدة للحد من ظاهر الفساد.
وبالإضافة إلى هيئة الرقابة الإدارية، فإن مصر تتعدد لديها الأجهزة الرقابية ومنها: الجهاز المركزي للمحاسبات، والهيئة العامة للرقابة المالية، والهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، وهيئة الرقابة والبحوث الدوائية، وهيئة الرقابة على المصنفات الفنية، ومصلحة الرقابة الصناعية، وكل تلك الأجهزة تهدف في الأساس إلى مكافحة الفساد في شتى المجالات.
2- التعاون الدولي في مجالات الحوكمة:
استعانت الإدارة المصرية بأفضل الممارسات العالمية في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فقررت التعاون مع دولة إستونيا للاستفادة من تجربتها في رقمنة الخدمات الحكومية، بعد نجاحها في التحول إلى دولة رقمية وإتاحة الخدمات الإلكترونية في عدة مجالات، ومن أبرزها: التصويت الإلكتروني، ومجلس الضرائب الإلكترونية، والأعمال الإلكترونية، والخدمات المصرفية الإلكترونية، والتذكرة الإلكترونية، والتعليم الإلكتروني.
وتعتزم الدولة المصرية الاستعانة بالتجربة الإستونية كذلك في مجال التحول الرقمي، حيث تُعد من أكثر المجتمعات الرقمية تطورًا في العالم، لا سيما المتعلقة بالهوية الرقمية، والسياسات والقوانين التنظيمية لتحقيق التحول الرقمي، وحوكمة البيانات. هذا بالإضافة إلى تعاون مصر وإستونيا في مجال تكنولوجيا الأمن السيبراني فإستونيا تعد دولة رائدة في هذا المجال، ويشمل التعاون أنشطة فريق الاستجابة للطوارئ الحاسوبية، وتبادل المعلومات حول سياسات الأمن السيبراني السائدة وأفضل الممارسات، بالإضافة إلى التعاون في بناء القدرات.
وبهذا فإن مصر في طريقها إلى رقمنة جميع الخدمات المقدمة للمواطنين في الدولة، حيث رصدت مصر في ميزانية 2020- 2021 نحو 13 مليار جنيه لدعم جهود التحول الرقمي ومكافحة الفساد، مما يقلل من تدخل العنصر البشري في الخدمات المقدمة للمواطنين، من خلال معايير وآليات تضمن توفير أكبر قدر من النزاهة والشفافية والحيادية، ويُغلق بشكل عام أوجه استغلال المواطنين عن طريق الرشوة أو الفساد في تقديم الخدمات والمرافق.
وشهدت مصر إنشاء “مجمع الإصدارات المؤمنة والذكية” الذي يعد الأحدث في تصنيع وإصدار كافة الوثائق والمحررات المؤمنة والذكية والبيو مترية ومكوناتها، والنظم المعلوماتية للوزارات والهيئات والمصالح وكافة الأجهزة الحكومية وهيئاتها. وتتمكن الدولة، من خلال الهوية الرقمية المؤمنة، من إنشاء علاقة فردية مع المواطنين للتأكد من حصولهم على حقوقهم كاملة وفقًا لمجتمع “رقمي آمن” يستخدم أحدث الأدوات التكنولوجية لضمان جودة وكفاءة الخدمات الحكومية المقدمة، مما يعزز الثقة في المجتمع.
ووفرت الدولة كذلك عدة وسائل لتقديم الشكاوى عبر الإنترنت من أي موقع جغرافي، ويأتي في مقدمتها “البوابة الإلكترونية لمنظومة الشكاوى الحكومية الموحدة”، والتي تعد إحدى خطوات تطبيق برامج التحول الرقمي الذي تتبناه كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها، للارتقاء بجودة الخدمات الحكومية المقدمة للمواطن؛ إذ إنها تمكّن المواطن من تتبع الشكوى عبر الإنترنت مع الإدارات المعنية والرد عليها خلال فترة محددة.
3- قانون الخدمة المدنية:
بعد أكثر من 200 تعديل على قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 المنشور في الجريدة الرسمية يوم 20 يوليو عام 1978، والذي استمر لنحو 43 عامًا دون تحسن أو تطور ملحوظ في الجهاز الإداري للدولة، وأصبح يعاني من نماذج سياسة الهيمنة والتقاليد الإدارية العقيمة والنقص المالي والمصالح الراسخة التي تعد قيودًا ثقيلة أمام متابعة الإصلاح الإداري؛ ظهرت بوادر التغيير، وضمن الانفتاح الدوري لمسارات الإصلاح في الجمهورية الجديدة تم وضع خطة تحديثية للجهاز الإداري.
فتم إقرار قانون الخدمة المدنية عام 2017 ضمن خطة الإصلاح الإداري والذي يهدف إلى: مكافحة الفساد الإداري عن طريق بناء جهاز إداري كفء وفعال يتسم بالشفافية والعدالة والنزاهة وتكافؤ الفرص، ويخضع للمساءلة، ويولي الاهتمام برضا المواطن، ويتيح الخدمات العامة بعدالة وجودة عالية؛ وترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة كأساس لنظام العمل؛ وترسيخ الحوكمة في عمليات التعيين في الجهاز الإداري للدولة، ويتم التعيين على أساس الكفاءة والجدارة دون محاباة أو وساطة، وكذا الترقي بناءً على الكفاءة وليس الأقدمية؛ والاستناد على آليات الموارد البشرية الحديثة، من أجل رفع كفاءة الموظفين وتحديد حقوقهم وواجباتهم.
4- البرامج التدريبية:
تم إنشاء قاعدة بيانات “طاقات” بهدف إنشاء خريطة للقوى البشرية المتاحة داخل الدولة المصرية، وقاعدة بيانات الاستشاريين، وقاعدة بيانات المدربين، وقاعدة بيانات معاوني ومساعدي الوزراء، وقاعدة بيانات الشؤون الوظيفية، وفيها يتم تسجيل كل ما يتعلق بالشؤون الوظيفية، وقاعدة بيانات الأحكام القضائية، وتضم الأحكام القضائية التي تصدر لصالح موظفي الدولة الحاليين أو السابقين.
وتم كذلك وضع ضوابط ومعايير صارمة لانتقاء المعينين الجدد في الجهات الحكومية، من خلال مسابقة مركزية إلكترونية تقيس الجدارات والقدرات بما لا يسمح بأي شكل من أشكال الواسطة. إلى جانب تطوير ورفع كفاءة العاملين القدامى ورفع شأن الجهاز الإداري للدولة. بالإضافة إلى بلورة خطة الانتقال للعمل في العاصمة الإدارية الجديدة، إذ وضعت الخطة التنفيذية لتدريب الموظفين المرشحين للانتقال للعاصمة الإدارية؛ وتم الانتهاء من تدريبهم في الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد، وكذلك التدريب على برامج التخصص الوظيفي بالتعاون مع الجهات المعنية، وتنمية قدراتهم على عدة تطبيقات إلكترونية من قبل معهد نظم المعلومات بالقوات المسلحة. إلى جانب إطلاق مدونة السلوك الوظيفي لتعزيز قيم النزاهة لحُسن أداء الوظيفة العامة ومنع الفساد، مع تضمين قسم المراجعة الداخلية بالجهاز الإداري للدولة للمساهمة في الحد من ممارسات الفساد.
ذلك علاوة عن تزويد الأكاديمية الوطنية للتدريب، للعاملين بالجهاز الإداري للدولة من التنفيذيين بالمهارات اللازمة للارتقاء بمسيرتهم المهنية وفقًا لأعلى المعايير العالمية، والاستفادة من تجارب الدول المختلفة في مجال الإدارة العامة والخدمة المدنية، وتوفير فرص للتعاون والاستفادة من الخبرات الدولية في مجال القطاع العام والحوكمة.
5- حرية تداول المعلومات:
الحق في تداول المعلومات هو استحقاق دستوري، ومقوم أساسي من مقومات تحقيق التنمية؛ إذ نص دستور 2014 في المادة 68 على أنَّ “المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، ويحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا”.
وتبنت الحكومة المصرية في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان “2021- 2026” إصدار قانون لتنظيم حق الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات الرسمية وتداولها. حيث يتم مناقشة حرية تداول المعلومات على أجندة الحوار الوطني القائم حاليًا، للخروج بقانون تتوافق عليه كافة القوى الوطنية، ويأخذ في الحسبان إنشاء آلية قانونية قادرة على تطبيق حرية تداول المعلومات بما لا يتعارض مع الأمن القومي للدولة.
وبناءً على ما سبق؛ نوصي بمُضي الإدارة المصرية قدمًا نحو الحكومة المفتوحة تدريجيًا وفقًا للمحاور السابقة، بحيث يتم التركيز في كل محور على أحد أبعاد الحكومة المفتوحة والتي تعتمد على مبدأَي الانفتاح والتشاركية وعلى حق كل مواطن في الوصول إلى المعلومات، وهو أحد الحقوق التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وعلى الرغم من أن برنامج الحكومة المفتوحة يتطلب تغييرات استراتيجية في طرق عمل القطاع الحكومي، إلا أن هذا لا يصعب على الدولة المصرية، خاصة وأنها بدأت بالفعل وبشكل تدريجي في إحداث تغييرات في البنى التشريعية والتنظيمية والتكنولوجية وكذلك القدرات البشرية، مما يمكنها من خلال تطبيق الحكومة المفتوحة تحقيق العديد من المنافع الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، ويدعم جهود مكافحة الفساد.
6- تسهيل ممارسة أنشطة الأعمال:
اتخذت الدولة المصرية اثنين وعشرين قرارًا ضروريًا لتحسين البيئة الاستثمارية في أول دعوة للمجلس الأعلى للاستثمار للانعقاد بعد تشكيلة الجديد برئاسة “رئيس الجمهورية”؛ حيث تضمنت قرارات تحفيزية، وأخرى تنظيمية رقابية، وثالثة تتعلّق بالبنية الأساسية، ورابعة تشريعية، وخامسة تتصل بدعم الحياد التنافسي؛ من أجل تحقيق طفرة حقيقية في عملية جذب وتشجيع وتعزيز الاستثمار المحلي والأجنبي، والقضاء على العقبات البيروقراطية، وتذليل مختلف التحديات التي تواجه زيادة استثمارات القطاع الخاص، بهدف بناء قاعدة إنتاجية متنوعة، وتحقيق تطور اقتصادي شامل.
وكذلك سُبل مضاعفة استثمارات القطاع الخاص، ومقترحات لتقديم حوافز وتيسيرات لتهيئة المناخ الجاذب للاستثمارات في مختلف القطاعات؛ حيث تستهدف تحقيق نقلة نوعية في خفض تكلفة تأسيس الشركات، والحد من القيود المفروضة على التأسيس، والحد أيضًا من الموافقات المطلوبة ومدة الحصول عليها، وكذا تسهيل تملك الأراضي، والتوسع في إصدار الرخصة الذهبية، وتعزيز الحوكمة والشفافية والحياد التنافسي في السوق المصرية، وتسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج، وتخفيف الأعباء المالية والضريبية على المستثمرين، وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، وتوسيع اختصاص المحاكم الاقتصادية.
بالإضافة إلى تقديم حزمة متكاملة وتنافسية من الحوافز والتسهيلات في القطاع الزراعي والصناعي والطاقة فيما يخص إنتاج الهيدروجين الأخضر، وقطاع الإسكان وما يخص المطورين العقاريين والمشروعات الاستثمارية بالمدن الجديدة، وكذا قطاع النقل فيما يتعلق برسوم الصادرات والجمارك، وتوحيد استراتيجية التسعير، مع وضع جدول زمني محدد ومُعلَن لهذه القرارات.
التركيب الهيكلي للجهاز الإداري تاريخيًا
يعد أسلوب الحكم والإدارة في مصر وتطوره التاريخي، أمر حيوي لتوضيح تاريخ نشأة نظم الإدارة العامة وتنفيذ الحكومة للسياسات منذ عصر بداية الأسرات إلى تأسيس الجمهورية الجديدة، من خلال تقديم نظرة عامة واسعة عن أنظمة الحكم في مختلف العصور:
• بدء تكوين نظم الإدارة في مصر القديمة:
يمكن اعتبار عصر بداية الأسرات فترة تكوين لنظم الإدارة، حيث التنظيم الحكومي وتقسيم الهيئات الملكية إلى إدارات منها: إدارة التسجيل والأختام، وإدارة الوثائق الملكية، وإدارة الهبات الملكية، وإدارة المباني والأشغال، وإدارة الخزانة أو بيت المال، وإدارة الضرائب، وإدارة الأعمال الزراعية. وبالنسبة لسلم المناصب الإدارية فكان الوزير تاليًا لمنصب الملك، وكان اختصاص مهامه سماع شكاوى الناس والإشراف على مهام إدارته.
• التطور الإداري في مصر الحديثة:
أسس مؤسس مصر الحديثة “محمد علي باشا” الجهاز الإداري للدولة عام 1805 فأنشأ “ديوان الوالي” ليختص بشؤون العاصمة، وضبط المدينة والفصل في المشاكل بين الأهالي والأجانب، إلى جانب تشكيل مجلس داخل الديوان يختص بالنظر في مسائل المواريث والوصاية والجنايات الكبرى.
وفي عام 1837 صدر القانون الشهير المعروف بـ “السياستنامة”، والذي يعد أول نص ذو طابع شبه دستوري، حيث اهتم بتنظيم السلطة والإدارات العليا في سبعة دواوين ُسِّميت دواوين العموم يرأس كل منها موظف يسمى “الكتخدا”، وهي: ديوان الجهادية “الحربية”، والديوان العالي “الداخلية”، وديوان الإيرادات “المالية”، وديوان المدارس “المعارف”، وديوان التجارة المصرية والأمور الإفرنجية “الخارجية”، وديوان الفابريقات “الصناعة”، وديوان البحر “الأسطول”.
وفي ظل التطور الإداري أصدر والي مصر “عباس باشا الأول” أمر في عام 1854 بتعيين أول محافظ للعاصمة “محافظ المحروسة”. أما في عهد “محمد سعيد باشا” فتم إصدار قرارًا في عام 1857 برفع ثلاثة دواوين إلى مستوى النظارات “الوزارات” مع تعديل اختصاصها وأسمائها، وهي: “نظارة الداخلية”، و”نظارة الجهادية”، و”نظارة المالية”، وعين لكل منها ناظرًا، وفي عام 1858 عين ناظرًا لديوان الخارجية، وفي عام 1864 استحدثت نظارة للأعمال الهندسية وأطلق عليها “نظارة الأشغال”، وفي عام 1872 أنشئ ديوان الحقانية ليختص بأعمال القضاء والتي كانت من اختصاص نظارة الداخلية.
• تاريخ نشأة أول حكومة مصرية:
تم تشكيل أول حكومة بالمفهوم الحديث في عهد الخديوي إسماعيل، حينما أصدر أمرًا بإنشاء أول مجلس للنظار “للوزراء” في تاريخ مصر في 28 أغسطس عام 1878، وكان أول رئيس لوزراء مصر هو “نوبار باشا” وكانت مُشكّلة من عدد من النظارات، وهي نظارة: الحقانية “العدل”، والخارجية، والجهادية “الجيش”، والداخلية، والمالية، والأشغال العمومية، والأوقاف، والمعارف العمومية.
وعن القوام التشريعي، فقد أصدر الخديوي إسماعيل أمرًا بإنشاء “مجلس شورى النواب”، عام 1866، والذي تكونت لائحته من 18 مادة، وتكون من 75 عضوًا، وكانت مدة عضويتهم ثلاث سنوات. وقد صدرت عدة فرامانات خديوية لتحديد درجات الموظفين وترقياتهم ومرتباتهم، إلى أن صدر أول تشريع في مصر الحديثة يحكم شؤون العاملين، هو القانون رقم 210 لسنة 1951، الذي نظم العلاقة الوظيفية بين العامل وجهة الإدارة من حيث التعيين، والترقيات، والأجور، وأخذ بمبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين والأجانب في شغل الوظائف.
وفي عام 1880 في عهد الخديوي توفيق صدر قانون التصفية الذي قسم دخْل مصر إلى قسمين؛ إحداهما خاص بالديون، والآخر خاص بنفقات الحكومة المحلية. وشهد عهد الخديوي توفيق عدد من الإصلاحات الإدارية وخاصة في فترة حكومة شريف باشا، حيث صدرت مراسيم خديوية لتحسين حالة الضباط والجنود، وكفالة حقوقهم في الترقيات والمرتبات.
وفي الأول من مايو 1883 أصدر الخديوي توفيق أمرًا بتشكيل “القانون النظامي المصري”، والذي يتشكل من: أولًا “مجالس للمديريات”، حيث يوجد في كل مديرية مجلس مهمته بحث الشؤون المحلية، ويتراوح قوام المجلس ما بين من ثلاثة إلى ثمانية أعضاء يتم اختيارهم بالانتخاب المباشر؛ ثانيًا “مجلس شورى القوانين” ويتكون من ثلاثين عضوًا تعين الحكومة بعضًا منهم، وتختار المجالس المحلية الجزء الآخر؛ وثالثًا “إنشاء جمعية عمومية” تتكون من 82 عضوًا هم الوزراء الستة، وأعضاء مجلس شورى القوانين”، بالإضافة لستة وأربعون نائبًا ينتخبهم المواطنون.
أما الفترة ما بين أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات وهي فترة حكم الخديوي عباس حلمي الثاني التي تميزت بنشأة الأحزاب المصرية مثل: الحزب الوطني، وحزب الإصلاح، والحزب الوطني الحر، وحزب الأعيان، وحزب المصريين، وحزب الأمة.
وفي عهد الملك أحمد فؤاد الأول، تم إعلان الملكية في مصر في 14 مارس 1922، وإعلان مصر دولة مستقلة ذات سيادة، وبهذا تولى القصر تنظيم أمور البلاد الداخلية بدءًا بقرار توريث الحكم والذي بموجبه ينتقل الحكم إلى الأمير فاروق، واستعادت وزارة الداخلية مهامها، وتم تعيين أول دبلوماسيين مصريين في الخارج في عام 1923 والذي كان يستأثر بها المندوب السامي البريطاني منذ إعلان الحماية على مصر، هذا إلى جانب ميلاد الدستور المصري في 19 أبريل 1923، والذي نصت مواده بأن مصر دولة ذات سيادة وحرة ومستقلة، وحكومتها ملكية وراثية، وشكلها نيابي، وأن الأمة هي مصدر السلطات، وكذلك أقر دستور 1923 عدة مبادئ منها قَصْر تولي المناصب على المصريين، وإرساء الحريات بأنواعها، واستقلال القضاء، ووضع أسس الحياة النيابية.
أما في عهد الملك فاروق فتم توقيع اتفاقية “مونترية” لإلغاء الامتيازات الأجنبية، وإنشاء كلًا من الكلية الجوية “مدرسة الطيران العالي”، والكلية البحرية، وإنشاء وزارة الصحة، ووزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة التموين، بالإضافة إلى إنشاء “ديوان المراقبة –المحاسبة، الذي أصبح الجهاز المركزي للمحاسبات عام 1964″، وإنشاء مجلس الدولة، بالإضافة إلى صدور قانون “إنصاف الموظفين” لزيادة الأجور وتحسين مستوى المعيشة. وتم في عهده إنشاء “ديوان الموظفين -الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة حاليًا-“؛ قبل أن يتنازل الملك فاروق عن الحكم بعد قيام ثورة يوليو. ليُعلن بذلك انتهاء عصر الملكية، وتأسيس الجمهورية.
• تطور الجهاز الإداري بعد ثورة يوليو 1952:
بدأ تكوين الجهاز الإداري للدولة بشكله الحديث بداية منذ خمسينيات القرن الماضي، فنجد أنه في عام 1952 صدر مرسومان: أولهما في 4 أغسطس من أجل توزيع الاختصاصات في الوزارات والمصالح الحكومية، والآخر مرسوم قانون 158 الذي جعل ديوان الموظفين ملحقًا بوزارة المالية والاقتصاد في ذلك الوقت. وفي عام 1954 ومن أجل التطوير والإصلاح الإداري، استعانت الحكومة المصرية بخبير من الأمم المتحدة يسمى “سالفور” لوضع مشروع إنشاء “معهد الإدارة العامة لتدريب الموظفين” الذي بدأ في ممارسة نشاطه في أوائل عام 1955.
وفي أوائل الستينيات، ومع تضخم الجهاز الحكومي عقب قرارات يوليو، وبداية حركة التأميم الكبرى، شهد الإصلاح الإداري تطورات مهمة لعل من أبرزها: “إنشاء المعهد القومي للإدارة العليا” عام 1961 لتدريب وتأهيل المديرين، وفي عام 1964 تم إنشاء “الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة” ليحل محل “ديوان الموظفين”، ويصبح مختصًا طبقًا لقانون إنشائه برسم سياسة الإصلاح الإداري.
وفي السبعينيات تم إقرار قانون العاملين المدنيين بالحكومة رقم 47 لسنة 1978، والذي استمر أكثر من 40 عامًا، كذلك تم الإعلان عن خطة خمسية قومية للتنمية الإدارية في منتصف السبعينيات، غير أن هذه الخطة واجهتها عقبات حالت دون تنفيذها، ثم شهدت الفترة بين 1987- 2002 خططًا وبرامج للإصلاح الإداري.
إلى أن وصلنا إلى بداية القرن الحادي العشرين حيث نستطيع القول إن الإصلاح الإداري بدأ يأخذ منظورًا جديدًا وهو التحول الإلكتروني والحكومة الإلكترونية، والذي يتوافق مع التطورات التي صاحبت الثورة الصناعية الثالثة أو الثورة الرقمية؛ في محاولة للتخلص من البيروقراطية، والتي رغم محاولات التخلص منها ما زالت مستمرة. والحكومة الإلكترونية هي مصطلح يعبر عن استبدال الطريقة التقليدية في الإدارة العامة والاتصال وحفظ المعلومات بين إدارات الحكومة بعضها البعض وبينها وبين المواطنين والمؤسسات لتحقيق إدارة عامة أدق، وأسرع، وأكثر فاعلية، وبتكلفة أقل.
ولمسايرة هذا التطور، تبنت مصر مبادرات مختلفة لتطبيق خدمات الحكومة الإلكترونية، واستخدام التكنولوجيات الحديثة في بناء قواعد البيانات المركزية؛ فقامت بإصدار بطاقة شخصية حديثة بها رقم قومي خاص لكل مواطن، ويرتبط الرقم القومي بقواعد بيانات مركزية على مستوى الدولة تحوي العديد من البيانات المهمة عن صاحب الرقم وتسهل كثيرًا من إجراءات استخراجه للشهادات والتصاريح المختلفة وتعامله مع الإدارات العامة. ولكن ظل مفهوم الحكومة الإلكترونية في مصر مقتصرًا على توفير النماذج والطلبات المختلفة من خلال شبكة الإنترنت، مع عدم توافر البنية التحتية المناسبة وتوسيع ودعم استخدام الحاسب الآلي بين المواطنين والمؤسسات المختلفة.
وما لبث أن تباطأت عجلة الإصلاح الإداري في ظل حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي شهدتها البلاد إبان أحداث 25 يناير 2011، والتي رافقها الخلل التنظيمي، وعدم الكفاءة، والإنفاق غير المسؤول، وغيرها من الإخفاقات الإدارية؛ فالإصلاح الإداري يتطلب وجود أنظمة سياسية مستقرة ذات أهداف سياسية واضحة كي تمكّنها من المحافظة على مسارات الإصلاحات.
• التطور الحكومي بعد ثورة 30 يونيو:
بداية حقبة الجمهورية الجديدة التي أرست مأسسة الإصلاح فوضعت خطة للإصلاح الإداري عام 2014، تضمنت مبادئ الحوكمة في محاورها الخمسة، وهي: الإصلاح التشريعي، والإصلاح المؤسسي، وبناء وتنمية القدرات، وبناء وتكامل قواعد البيانات، وتحسين الخدمات العامة. كما تم إقرار قانون الخدمة المدنية عام 2017 ضمن خطة الإصلاح الإداري والذي يهدف إلى: مكافحة الفساد الإداري عن طريق بناء جهاز إداري كفء وفعال يتسم بالشفافية والعدالة والنزاهة وتكافؤ الفرص، ويخضع للمساءلة، ويولي الاهتمام برضا المواطنين، ويتيح الخدمات العامة بعدالة وجودة عالية؛ وترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة كأساس لنظام العمل؛ وترسيخ الحوكمة في عمليات التعيين في الجهاز الإداري للدولة.
هل الجهاز الحكومي المصري أكبر مما ينبغي؟
على الرغم من أن الانطباع العام لدى عموم الناس هو أن الجهاز الإداري في مصر متضخم أكثر مما ينبغي، فإنه وفقًا للمؤشرات الموضوعية التي سنتناولها فإن حجم الجهاز الحكومي في مصر ليس متضخمًا أو فريدًا من نوعه مقارنةً بالعديد من دول العالم. فقد تراجع عدد العاملين في الجهاز الإداري للدولة؛ فانخفضت نسبة عدد الموظفين في الجهاز الحكومي إلى إجمالي عدد السكان إلى أن وصلت لأقل معدلاتها في عام 2017 بنسبة 5.5%. كذلك انخفض عدد العاملين بالقطاع الحكومي بالنسبة لقوة العمل ووصل أيضًا لأقل معدلاته بنسبة 17.2% في عام 2017، وهذا الانخفاض هو نتيجة سعي الدولة لتطوير الجهاز الإداري ورفع كفاءته.
أولًا- عدد الوزارات:
تقليديًا كان لمصر واحد من أقدم وأكبر أجهزة الإدارة، غير أن هذا الجهاز تضخم بسرعة كبيرة بعد ثورة يوليو 1952، عندما ألغيت الملكية وأصبح نظام الحكم في مصر جمهوريًا، وخاصةً في الستينيات عقب قرارات يوليو الاشتراكية، وبداية حركة التأميمات الكبرى، هذا إلى جانب التزام الدولة بتوظيف كافة الخريجين، والذين تضاعف عددهم بسبب سياسة مجانية التعليم.
تشكلت أول حكومة في عهد الخديوي إسماعيل من 9 وزارات يترأسها 6 وزراء. أما آخر حكومة قبل قيام ثورة يوليو فتشكّلت من 15 وزارة برئاسة نجيب الهلالي باشا، وهي وزارات الحربية والبحرية، والداخلية، والخارجية، والمالية والاقتصاد، والزراعة، والأشغال العمومية، والعدل، والمعارف العمومية، والمواصلات، والشؤون البلدية والقروية، والأوقاف، والشؤون الاجتماعية، والتجارة والصناعة، والتموين. أما عن أول حكومة بعد إعلان مصر “جمهورية” فتشكلت من 14 وزارة. في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وصل عدد الوزارات فيها إلى 29 وزارة، وهكذا تواصل التصاعد في عدد الحقائب الوزارية، وفي التعديل الوزاري الأخير في أغسطس 2022 كان لدينا 33 حقيبة وزارية.
وإذا قارنا عدد الوزارات بمصر ببعض دول العالم؛ نجد أن كثيرًا من دول العالم يعمل بكفاءة بعدد من الوزارات أقل من الموجود في مصر. فالولايات المتحدة صاحبة الاقتصاد الأكبر على مستوى العالم تعمل من خلال حكومة فيدرالية يتبعها 15 وزارة فقط، بالإضافة إلى أن عدد الوزارات في مختلف دول أوروبا لا يتخطى 24 وزارة، وفي شرق آسيا يدور العدد حول 20 وزارة، وفي الدول العربية يتأرجح العدد بين 18 و32 وزارة. ومن الواضح أنه لا توجد قاعدة ثابتة بشأن العدد المناسب للوزارات، لكن الملاحظ هو أن عدد الوزارات يقل في الدول المتقدمة عنه في الدول النامية.
عدد الوزارات في بعض دول العالم | |
الدولة | عدد الوزارات |
الهند | 58 |
إندونيسيا | 34 |
مصر | 33 |
باكستان | 33 |
اليمن | 32 |
ماليزيا | 26 |
تونس | 24 |
العراق | 24 |
إيطاليا | 23 |
اليابان | 19 |
المغرب | 19 |
البحرين | 18 |
تركيا | 17 |
ألمانيا | 16 |
سنغافورة | 16 |
الولايات المتحدة | 15 |
فرنسا | 15 |
المجر | 8 |
ثانيًا- عدد الموظفين:
الانطباع العام السائد لدى أغلب الناس هو أن الحكومة المصرية يزيد فيها عدد الموظفين عن الحاجة مقارنة بدول أخرى. فالجهاز الإداري ككل في مصر يتكون من عدد من الكيانات؛ فهناك 33 وزارة، ملحق بها 14 مصلحة، بالإضافة إلى 217 هيئة عامة، و27 محافظة بكل منها 11 مديرية خدمية، بإجمالي 297 مديرية، و175 مركزًا، و232 مدينة، و93 حيًا، و837 شياخة، و4733 قرية، بالإضافة إلى أجهزة مدن المجتمعات العمرانية الجديدة وعددها 42 جهاز مدينة. يعمل في كل هذه الكيانات ما مجموعه “5.022.821” موظف وفقًا لآخر تقدير لأعداد الموظفين في عام 2017.
وإذا استعرضنا نسبة الموظفين الحكوميين لإجمالي عدد السكان، نجد أنه في عام 1966 كان عدد الموظفين يمثلون نسبة “3.2%” من إجمالي عدد السكان في مصر، أي إن الموظف الواحد يقدم الخدمة لحوالي 31 مواطنًا، وشهدت الفترة من 1978- 2000 زيادة بالغة في عدد الموظفين، حيث تراوحت نسبة الموظفين إلى إجمالي عدد السكان خلال تلك الفترة بين “4.4- 8.0%”، بحيث إنه بعد أن كان الموظف الواحد يقدم الخدمة لـ31 مواطنًا في عام 1966، أصبح يخدم 23 مواطنًا فقط في 1978، ثم تواصلت الزيادة في نسبة الموظفين، ليصل المعدل في عام 2000 إلى 13 مواطنًا فقط لكل موظف حكومي. ثم تراوحت نسبة الموظفين الحكوميين إلى إجمالي السكان في الفترة 2006- 2010، بين 7.8- 7.2% على التوالي، بحيث يخدم الموظف الواحد ما بين 13- 14 مواطنًا. ثم بدأ الانخفاض التدريجي في هذه المعدلات منذ عام 2016 حين وصلت نسبة الموظفين لإجمالي عدد السكان “6.4 %”، وفي عام 2017 وصلت النسبة إلى “5.5 %” بحيث يقدم الموظف الخدمة لعدد 18 من المواطنين. ووفقًا لاستراتيجية التنمية المستدامة “رؤية مصر 2030″، تستهدف مصر أن تصل بحلول 2030 إلى معدل موظف واحد لكل 40 مواطنًا.
* المصدر: إعداد الباحث؛ بالاعتماد على بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء
بدأ حجم الزيادة في الجهاز الإداري للدولة بعد ثورة 23 يوليو 1952؛ فشهدت تلك الفترة حتى بداية السبعينيات ارتفاعًا طفيفًا في عدد الموظفين نتيجة توسع مهام الدولة وزيادة حجم القطاع الحكومي، ثم ما لبث أن شهدت الفترة من 1971- 1978 تزايدًا كبيرًا في أعداد العاملين بالجهاز الإداري للدولة؛ حيث وصلت نسبة الزيادة في التعيينات في تلك الفترة إلى 55% عن التعيينات الجديدة في الفترة التي تسبقها من 1969- 1971، وكذلك استمر التعيين الجائر للموظفين حتى وصل لمرحلة الذروة بنسبة 82% في الفترة ما بين 1978- 1990 مقارنة بالتعيينات الجديدة بالفترة التي تسبقها، ويرجع السبب في هذا التزايد إلى التزام الدولة في تلك الفترة بتعيين جميع الخريجين بغض النظر عن حاجة المؤسسات الحكومية لمعظم التخصصات المُعينة وهو الالتزام الذي ظل قائما منذ الستينيات حتى بداية التسعينيات.
بدأ توسع الجهاز الحكومي في التباطؤ في الفترة 1995-2000، فشهدت تراجعًا تدريجيًا بنسب تتراوح ما بين “27.2- 24 %” على التوالي؛ بسبب إلغاء التزام تعيين كل الخريجين، بالإضافة إلى قرار إلغاء تكليف خريجي كليات التربية عام 1998، بالإضافة إلى إطلاق برنامج الخصخصة في منتصف التسعينيات. وشهدت الفترة من 2000-2006 نسبة كبيرة من التخفيض في أعداد الموظفين في الجهاز الإداري للدولة بسبب برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي انتهجته الدولة في ذلك الوقت، حيث تمت في الفترة من 2004- 2006 فقط خصخصة أكثر من 77 شركة، بمتوسط 25 شركة في السنة، وهي فترة شهدت إصلاحات اقتصادية واسعة النطاق.
فيما يمكن وصف فترة 2007-2012 بأنها مرحلة ثبات في أعداد الموظفين، وعلى الرغم من تراجع عدد الموظفين في سنوات (2009، 2010، 2011، 2011) إلا أن فترة الفوضى الناتجة عن أحداث يناير 2011 وما تلاها رغم أنها لم تشهد تعيينات على درجات مالية ووظيفية جديدة، ولكنها شهدت فوضى في توقيع العقود المؤقتة، فبسبب التظاهرات والمطالب الفئوية تم تثبيت أصحاب العقود المؤقتة ومن هم على ذمة الصناديق الخاصة في السنوات 2013 – 2015، وهو ما يفسر الزيادة في عدد الموظفين في تلك الفترة، بنسب تراوحت بين 2، 3.4%
أما في عام 2016، فإن أعداد الموظفين في الجهاز الإداري للدولة في انخفاض، بمعنى أنه لم يقتصر فقط على عدم دخول أي موظف إلى الجهاز الإداري للدولة، بل تناقص عدد الموظفين الموجودين بالفعل بنحو “-2%” مقارنة بالعام السابق، كما شهد عام 2017 انخفاضًا أكبر بنسبة وصلت إلى “-13%”؛ وذلك بسبب إقرار قانون الخدمة المدنية الذي جعل التعيين في الوظائف الحكومية وفق ضوابط صارمة، وأيضًا اعتماد آلية المعاش المبكر الاختياري، مما أدى إلى استمرار التراجع في أعداد الموظفين.
* المصدر: إعداد الباحث؛ بالاعتماد على بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء
وإذا انتقلنا لمقارنة مصر بدول أخرى فيما يتعلق بأعداد الموظفين في الجهاز الحكومي، نجد أن مصر في مرتبة متوسطة دنيا من ناحية عدد الموظفين لإجمالي عدد السكان؛ فنجدها تتشابه مع دول مثل أمريكا وأستراليا وكوريا الجنوبية وإيطاليا والنرويج، بينما يوجد فروق واضحة بينها وبين دول مثل أوغندا التي يقدم الموظف الواحد فيها الخدمة لـ 197 مواطن، وفي كندا موظف لكل 95 مواطنًا، وفي المغرب موظف لكل 87 مواطنًا.
عدد المواطنين الذين يخدمهم الموظف الواحد في بعض دول العالم | |
أوغندا | 197 |
كندا | 95 |
المغرب | 87 |
المجر | 48 |
أوكرانيا | 42 |
فرنسا | 41 |
اليابان | 38 |
السويد | 37 |
الهند | 30 |
تركيا | 27 |
ماليزيا | 19 |
إيطاليا | 19 |
كوريا الجنوبية | 18 |
مصر | 18 |
أمريكا | 18 |
أستراليا | 18 |
النرويج | 17 |
ألمانيا | 16 |
بريطانيا | 12 |
الدانمارك | 7 |
* المصدر: إعداد الباحث؛ بالاعتماد على البيانات الرسمية المتاحة لكل دولة
ثالثًا- العاملون بالقطاع الحكومي وقوة العمل:
يُقصد بالأفراد داخل قوة العمل: جميع الأفراد “15 سنة فأكثر”، الذين يساهمون فعلًا بمجهوداتهم الجسمانية أو العقلية في أي نشاط اقتصادي يتصل بإنتاج السلع والخدمات “المشتغلون”، وكذلك الذين يقدرون على أداء مثل هذا النشاط الاقتصادي ويرغبون فيه ويبحثون عنه ولكنهم لا يجدونه “المتعطلون”. وهناك نسبة مهمة من قوة العمل المصرية تعمل في الجهاز الحكومي، وإن كانت هذه النسبة تأخذ اتجاهًا منخفضًا منذ عدة سنوات، فقد بلغت هذه النسبة “23.9%” في عام 2006، وظلت في تناقص حتى بلغت “17.2%” في عام 2017.
* المصدر: إعداد الباحث؛ بالاعتماد على بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء “وفقًا للربع الأخير من كل عام”
تأتي دول شمال أوروبا الاسكندنافية في مقدمة دول العالم من حيث نسبة العاملين في الحكومة من بين إجمالي قوة العمل؛ فنجد أن النرويج تتمتع بأعلى مستويات التوظيف الحكومية، حيث تصل إلى 32.4% من إجمالي العمالة، وتأتي الدنمارك بنسبة 29.6%، ثم السويد بنسبة 29.2، وفنلندا بنسبة 26.1%. على العكس من ذلك، تقل نسبة موظفي الحكومة في الدول الآسيوية التي هي أقل اعتمادًا على موظفي القطاع العام، ففي اليابان نجد أن التوظيف الحكومي يمثل 7.7% من إجمالي القوى العاملة، وفي كوريا الجنوبية تبلغ النسبة 7.6%، بينما في الهند تبلغ النسبة 3.8% فقط.
نسبة العاملين بالقطاع الحكومي إلى قوة العمل | |||
الدولة | النسبة % | السنة | مصدر المعلومات |
النرويج | 32.4 | 2019 | منظمة العمل الدولية |
الدنمارك | 29.6 | 2019 | منظمة العمل الدولية |
السويد | 29.2 | 2019 | منظمة العمل الدولية |
فنلندا | 26.1 | 2019 | منظمة العمل الدولية |
فرنسا | 20.5 | 2019 | منظمة العمل الدولية |
كندا | 20.2 | 2019 | منظمة العمل الدولية |
مصر | 17.226.3 | 20172013 | المركزي للتعبئة العامة والاحصاءمنظمة العمل الدولية |
الولايات المتحدة | 13.3 | 2019 | منظمة العمل الدولية |
إندونيسيا | 9.5 | 2019 | منظمة العمل الدولية |
اليابان | 7.7 | 2019 | منظمة العمل الدولية |
الهند | 3.8 | 2014 | منظمة العمل الدولية |
كيف يمكننا الاستفادة من التجارب الدولية؟
على الرغم من الصعوبة النسبية في استخلاص تجارب دول ناجحة إداريًا وتطبيقها على دول أخرى، نظرًا لاختلاف البيئة الثقافية والسياسية في تقليد خدمة مدنية ذات كفاءة ومحايدة سياسيًا كالحادثة في نيوزيلندا أو سنغافورة على سبيل المثال، إلا أنه يمكن للدول النامية أن تستلهم من تجارب الإصلاح الإداري بعض الدروس منها:
• التغلب على مآخذ تقديم الخدمات الحكومية: إن نظام الإدارة الذي يركز على المخرجات سيكون مناسبًا للدول النامية، وسيحتاج السياسيون والمديرون إلى إحداث نقلة نوعية كبيرة في الطريقة التي تعمل بها الحكومة. وسيكون نشر المخرجات المتفق عليها بين السياسيين (الوزراء) والمديرين (الإداريين) خطوة أولى في الشفافية، ومن المحتمل أن يؤدي إلى تحسين المساءلة. إلى جانب استناد أنظمة التخطيط والميزانية والاعتمادات وتقييم الأداء وإعداد التقارير إلى المخرجات.
• التغلب على ضعف أداء الموظفين: يعد تغيير أنظمة التعيين والتقييم والترقية عن طريق تطبيق “الحافز على قدر الأداء”، من الطرق التي يُنظر إليها على أنها فعالة للغاية على الرغم من أنها قد تكون صعبة إلى حد ما على ثقافة شعوب الدول النامية، وقد تكون صعبة من الناحية السياسية، لكنها كانت جزءًا أساسيًا من الإصلاح المؤسسي في نيوزيلندا وسنغافورة، وكانت المفتاح لتغيير ثقافة الخدمة العامة.
• التغلب على مشكلات الوضع الاقتصادي والمالي: إن إعداد الميزانية على أساس نظام “المحاسبة على أساس الاستحقاق” سيحسن الأداء المالي إلى جانب تحسين الإدارة المالية وأنظمة الرقابة المالية.
• التغلب على تضارب المصالح بين الإدارات: يحد فصل أنشطة السياسة وتقديم الخدمات من تضارب المصالح بين الإدارات؛ إضافة إلى فصل الأنشطة التجارية عن وظائف الإدارات الأساسية، وتطبيق نظام تنظيمي قائم على تكافؤ الفرص، وتعيين مجالس مستقلة ذات خبرة تجارية وليس سياسية. ويعتمد نجاح هذه الإصلاحات على اكتساب المهارات الإدارية والحوكمة اللازمة من القطاع الخاص.
• التغلب على مركزية السلطة: يمثل النهج النيوزيلندي والسنغافوري في تفويض المديرين لسلطة إدارة المدخلات مفيد في العديد من البلدان النامية؛ بشرط مساءلتهم عن المخرجات. فضلًا عن أن الفصل بين دور السياسيين والمديرين قد يكون مفيدًا؛ فالأول يحدد الناتج الذي سيتم إنتاجه، بينما يحدد الأخير طريقة الإنتاج.