
عشر سنوات من التطور: قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والعبور نحو المستقبل
كان لجائحة كورونا دور كبير في زيادة الطلب على خدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمصر، حيث يقضي المصريون في المتوسط سبع ساعات يوميًا في استخدام الإنترنت، ويستخدم نصف السكان وسائل التواصل الاجتماعي بمتوسط 13 دقيقة يوميًا. لم يكن ذلك بمحض الصدفة؛ فقد كان قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ضمن أولويات الدولة بعد ثورة 30 يونيو 2013 للارتقاء بالخدمات التكنولوجيا، وخلق اقتصاد قائم على المعرفة، ومواكبة الثورة التكنولوجية الرابعة. وقد أسهمت اللوائح الجديدة بذلك القطاع وخطة الحكومة في التحول نحو الاقتصاد الرقمي في تعزيز ذلك الاتجاه إلى حد كبير.
خطة طموحة
وضعت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات خطة مصر الرقمية التي اشتملت على مستهدفات لجذب الاستثمارات بالقطاع، والتحول نحو الحكومة الرقمية، وتقديم العديد من المبادرات التي توفر التدريب ودعم البنية التحتية للقطاع. وقد ركزت تلك الخطة على القطاعات الأكبر من حيث القيمة المضافة، مثل: تصميم وتصنيع الإلكترونيات، وإنشاء المناطق المتكاملة لخدمات التكنولوجيا “Technology Parks”، وإنشاء مراكز البيانات المتكاملة. وقد كان الهدف الأساسي تعظيم المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي بالبلاد.
من جانب آخر، فقد تمت صياغة استراتيجية تكنولوجيا المعلومات 2030؛ لتكون بمثابة الخطة الاستراتيجية التي ترسم ملامح تطور قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ بهدف تحقيق أهداف محددة تتمثل في: تطوير البنية التحتية، وتعزيز الشمول القمي، والانتقال إلى اقتصاد المعرفة، وبناء القدرات التكنولوجية، وتشجيع الابتكار. وفي ذلك السياق، وُضع مشروع مصر الرقمية ليكون بمثابة خطة لتحويل مصر إلى مجتمع رقمي متكامل، اعتمادًا على ثلاثة محاور رئيسة وهي: التحول الرقمي، وتنمية المهارات الرقمية، والوظائف والابتكار الرقمي، وتقوم تلك المحاور الثلاثة على قاعدتين مهمتين وهما توافر البنية التحتية الفنية المناسبة، والبنية الإدارية والتشريعيه الداعمة.
وإذا كان ينظر إلى مصر على أنها تمتلك قناة السويس البحرية؛ فمصر باتت كذلك تمتلك ثورة تكنولوجية بمرور الكابلات التي تربط الإنترنت بالعالم من خلال ممر قناة السويس الملاحي بفضل موقعها الجغرافي، حيث تربط تلك الكابلات مصر بحوالي 60 دولة من خلال 17 كابلًا بحريًا (Fibre Optic cable) والتي تعد مسؤولة عن حوالي 90% من البيانات التي تمر عبر آسيا وأوروبا، وهو ما جعل مصر جذابة من الناحية التكنولوجية من حيث سرعه الإنترنت وتكلفة الوصول إليه بالمقارنه بباقي الدول بمنطقة الشرق الاوسط. وقد صنف مؤشر “Ookla’s March 2022 Speedtest Global index” مصر في المرتبه 91 من بين عدد 142 دولة من حيث متوسط سرعة الإنترنت الأرضي.
لكن ليست تلك الاستفادة المصرية الوحيدة من مرور الكابلات الخاصة بالإنترنت عبرها، حيث استطاعت شركة المصرية للاتصالات (شركة الاتصالات الحكومية التي تمتلك البنية التحتية للاتصالات بمصر) تحقيق إيرادات بحوالي 184.3 مليار دولار كرسوم نقل البيانات في عام 2019 وهي زيادة بحوالي 17.4% عن بيانات العام السابق له. وقد أعلنت الشركة المصرية للاتصالات في مارس من عام 2021 عن خطتها لإنشاء مسار الحلقة الأفريقية “Hybrid African ring path HARP” وهو كابل بحري يمر حول قارة أفريقيا والتي ستربط المناطق الساحلية بالمناطق الحبيسة بدول أوروبية، مثل: إيطاليا، وفرنسا، والبرتغال. ووفقًا للخطة، فإنه من المتوقع ان يكون HARP “أون لاين” بنهاية عام 2023، وستكون منطقة شرم الشيخ بمثابة نقطة الخدمات الخاصة بذلك الكابل.
انعكاسات متعددة
1 – تحسن الترتيب بالمؤشرات
كان للجهود الحكومية لتنمية الاقتصاد الرقمي المدعومة بقدرات البحث والتطوير أثر كبير في تحسن ترتيب مصر بالمؤشرات الدولة الخاصة بالابتكار وتكنولوجيا المعلومات؛ فعلى سبيل المثال بلغ ترتيب مصر في مؤشر الابتكار العالمي الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لعام 2021 المرتبة 94 من بين 132 دولة، بينما كان ترتيبها في عام 2020 أقل من 96.
وقد حققت مصر تقدمًا كبير في مجال مخرجات المعرفة والتكنولوجيا والبنية التحتية ورأس المال البشري، حيث جاءت في المرتبه 13 من بين 34 اقتصادًا منخفض ومتوسط الدخل، وتحسن ترتيبها في مؤشر تنظيم المدفوعات عبر الهاتف المحمول “GSMA” من الترتيب 64 في عام 2019 إلى الترتيب 100 في عام 2021 (الدرجة الأعلى في هذا المؤشر تعني أن الترتيب أفضل).
ودخلت مصر ضمن أفضل 10 أسواق أحرزت تحسنًا وفقًا لمؤشر “Roland Berger’s Digital Inclusion Index” حيث ارتفع تقييمها من 52 درجة في عام 2017 إلى 60 درجة في عام 2020 (الدرجة النهائية من 100)، وقد حصلت مصر على ترتيب 77 من بين 130 دولة في مؤشر “Network Readiness index” لعام 2021، بعد أن كان ترتيبها في عام 2020 هو 84.
2 – المساهمة الاقتصادية
يسهم قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2020-2021، وقد ارتفعت تلك النسبة من 4.5% لعام 2019-2020، و4% في العام 2018-2019. وزادت مساهمة القطاع كقيمة في الناتج المحلي الإجمالى من 80.2 مليار جنيه (5.1 مليارات دولار) في عام 2017-2018، إلى 93.6 مليار جنيه (5.9 مليارات دولار) في عام 2018-2019، ثم 107.7 مليارات جنيه (6.8 مليارات دولار) في عام 2019-2020، واستمر ذلك الاتجاة الصاعد للمساهمة ليصل إلى 125.2 مليار جنيه (8 مليارات دولار) في عام 2020-2021 بمعدل نمو بلغ 16.1%.
أما عن الاستثمارات بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فقد شهدت مسارًا تصاعديًا هي الأخرى؛ إذ نمت لتصل إلى 3.5 مليارات دولار في عام 2019-2020 بزيادة قدرها 35% عن العام السابق عليه. وقد أسهم القطاع في خلق 285 ألف فرصة عمل في العام 2020-2021. وقد بذلت الحكومة جهودًا كبيرة في تحسين سرعة الإنترنت؛ إذ أنفقت ما يقرب من ملياري دولار لزيادة سرعة الإنترنت من 6.5 ميجا بت في الثانية في عام 2019 لتصل إلى 42.5 ميجا بت في الثانية في عام 2022، وهي زيادة كبيرة بحوالي 7 أضعاف.
يضاف إلى ذلك أن جهودًا كبيرة قد بُذلت خلال السنوات الماضية لتدريب كوادر بشرية على مجالات التكنولوجيا المختلفة، أفضت إلى تدريب 125 الف متدرب، وتخريج دفعة من مبادرة Digital Egypt Cubs Initiative (DECI)، وافتتاح 7 مدارس تكنولوجية تابعه للمصرية للاتصالات تؤهل خريجيها للالتحاق بسوق العمل بشكل مباشر. أما عن دور قطاع الاتصالات والذي يعد الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها معظم الشركات الناشئة والتي تقدم خدماتها من خلال تطبيقات الهواتف المحمولة، فقد أسهم القطاع في تعزيز تمويل صفقات بقيمة 608 ملايين دولار أمريكي للشركات الناشئة خلقت 34 ألف فرصة عمل بتلك الشركات. وأسهمت المهارات التكنولوجية في تسهيل إمكانية العمل عن بعد من خلال إيجاد وظائف لعدد 13500 مبرمج ومهندس برمجيات.
3 – توسع استخدام التكنولوجيا
تعد مصر واحدة من أكبر أسواق الهواتف الذكية في أفريقيا؛ إذ يصل عدد الاشتراكات بخدمات الاتصالات 93.4 مليون اشتراك، بمعدل نفاذ 89.9% وفقًا لبيانات عام 2022. وتعد تلك الزيادة كبيرة بالمقارنه بالوضع في مصر عام 2010 على سبيل المثال؛ إذ كانت نسبة من يحصلون على خدمات الاتصالات الخلوية 70.6 مليون مستخدم.
وأظهر سوق استخدام الإنترنت الخاص بالهاتف المحمول نموًا معقولًا ليصل إلى 64.9 مليون مستخدم في عام 2022 مقابل 63.4 مليون مستخدم في عام 2021 وحوالي 60.09 مليون مستخدم في عام 2010، وهي تعد قفزة كبيرة للغاية في انتشار خدمات التكنولوجيا بمصر؛ ففي الوقت الذي انخفض فيه عدد الهواتف الذكية التي دخلت إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال وبعد فترة جائحة كورونا كنتيجة لتأثر الاقتصادات المختلفة للدول، كان عدد الهواتف التي دخلت مصر في نمو مستمر فنما خلال عام 2020 بنسبة 10.6% ليصل إلى 11.9 مليون هاتف، الأمر الذي يجعل 59.5% من المصريين يحملون هاتفًا ذكيًا في عام 2020/2021.
ويستفيد معظم من لديهم هواتف ذكية من خدمات الإنترنت؛ إذ إن حوالي 85.1% ممن لديهم هواتف ذكية لديهم الوصول إلى خدمات الإنترنت وفقًا لبيانات عام 2022، مقابل 7.36% في عام 2010. أما عن خدمات الإنترنت الأرضي فقد شهدت تطورًا كبيرًا خلال السنوات السبع الماضية؛ إذ نما عدد المستفيدين من 27.8% في عام 2010 (23.2 مليون مستخدم) إلى 41.3% في عام 2015/2016، ليصل إلى 71.9% في عام 2020/2021. وقد كان ذلك النمو الملحوظ نتيجة للجهود الحكومية لتقليل فجوة الوصول إلى الخدمات التكنولوجية في المناطق النائية بحوالي 60 مليون نسمة، والتي تأتي بالاتساق مع الجهود الحكومية لخلق فرص العمل والتحول نحو الاقتصاد الرقمي.
وتقدر تكاليف تلك الاستثمارات بحوالي 360 مليون دولار أمريكي، وتستهدف توصيل الإنترنت فائق السرعة إلى المنازل غير المستفيدة والتي تقع ضمن مبادرة حياة كريمة التي انطلقت في عام 2019 بهدف تحسين حياة المواطنين في القرى الأكثر احتياجًا؛ إذ يأتي تحسين خدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ضمن الركائز السبع الأساسية التي ترتكز عليها المبادرة، ولذلك هي تتضمن مخصصات لتطوير الاقتصاد الرقمي وتحسين الخدمات التكنولوجية المقدمة للمواطنين.
4 – تصدير تكنولوجيا المعلومات
بدأت هيئة صناعة تكنولوجيا المعلومات ITIDA برنامجها لدعم صادرات تكنولوجيا المعلومات بهدف دعم شركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات العاملة بمصر في عام 2010، وتراوح ذلك الدعم بين 159 ألف دولار و191 ألف دولار وفقا لحجم الشركة، وقد خصصت هيئة صناعة تكنولوجيا المعلومات ما يقرب من 3.9 ملايين دولار لدعم 106 شركات عاملة في مجال تصدير تكنولوجيا المعلومات. وعليه فقد أنفق ذلك البرنامج منذ الإنشاء على دعم شركات التكنولوجيا العاملة بمصر حوالي 25.4 مليون دولار.
وتتمثل أهم الصادرات التكنولوجية المصرية في: البرامج “Software”، وتطبيقات الهاتف المحمول، وخدمات الدعم الإلكتروني والتي تمثل حوالي 40% من إجمالي الصادرات المصرية، وتليها خدمات التعهيد الخاصة بخدمة العملاء والتي تثمل 31%، وأخيرًا يأتي التسويق الإلكتروني بحوالي 7%.
وفي يوليو عام 2021، أطلقت هيئة صناعة تكنولوجيا المعلومات جولة جديدة من حزم المساعدات، وقد منحت 131 شركة مبلغ 4.4 ملايين دولار للشركات العاملة خارج العاصمة (محافظة الإسكندرية، والدقهلية، والاسماعليه)، وهو ما يعكس الجهود الحكومية لتشجيع الابتكار الرقمي خارج العاصمة. وقد أسهمت تلك الجهود في زيادة الصادرات من 1.6 مليار دولار في عام 2016 إلى 2.6 مليار دولار في عام 2020.
5 – الحوسبة السحابية
شهد سوق الحوسبة السحابية نموًا كبيرًا في قارة أفريقيا في السنوات الماضية، ومن المتوقع أن يسمتر في نموه خلال السنوات القادمة؛ إذ تشير التقديرات إلى أن حجم الاستثمار المحتمل في قواعد البيانات في أفريقيا في الفترة من 2020 إلى 2025 يبلغ نحو 15 مليار دولار. تتمركز تلك القواعد في مصر والمغرب ونيجيريا وكينيا وجنوب أفريقيا. تمتلك مصر حوالي 18 مركزًا للبيانات يتمحور معظمها حول العاصمة، وتتولى شركة “أورانج” حاليًا بناء مركزين أخريين للبيانات، أحدهما في العاصمة الإدارية الجديدة والآخر بمدينه الإسكندرية.
ساعدت تلك المراكز الحاضنة بالبيانات مصر على تفعيل سياسات العمل عن بعد مع بداية جائحة كورونا، من خلال السماح للموظفين والعملاء بممارسة العمليات في المنازل، ومنحت الشركات مرونة كبيرة في تعهيد بعض الخدمات للغير بهدف زيادة حجم أعمالهم لمجابهة الزيادة في الطلب.
من المتوقع أن تسهم قاعدة البيانات الجاري إنشاؤها بالعاصمة الإدارية الجديدة -باستثمارات بلغت 135 مليون دولار بهدف تعزيز عملية نقل البيانات واحتضان السيرفر الرئيس للبيانات الخاصة بالمدن الذكية- في تقديم دفعة قوية لسوق مراكز البيانات بمصر؛ فهذه المدينة ذات الجيل الرابع والتي تعتمد بالكامل على البيانات لتقديم الخدمات العامة للمواطنين ستكون داعمًا قويًا لسوق مراكز البيانات بمصر. وكانت تلك الاستثمارات نتيجة للإصلاحات التي قام الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بهدف تشجيع الاستثمار في قطاع مراكز البيانات وتعزيز مركز مصر في أفريقيا.
6 – الاقتصادي الرقمي
في منتصف عام 2020، أطلقت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات استراتيجية مصر الرقمية؛ بهدف بناء مجتمع رقمي وتشجيع الابتكار. تعتمد تلك الاستراتيجية على عدد من المحاور وهي: التحول الرقمي، والابتكار الرقمي، ومهارات العمل الرقمي الخاصة بفرص العمل. وبهدف دعم تلك الاستراتيجية، عززت الوزارة أعمال البحث والتطوير والشراكات مع شركاء الأعمال والحكومة والجانب الأكاديمي والمؤسسات المالية والقطاع الخاص ورواد الأعمال؛ وذلك بهدف خلق وتعزيز بيئة العمل لخلق قيمة مضافة من السلع والخدمات. ولدعم عملية التحول الرقمي، فإن خطة الوزارة تتبنى تطبيق منصة الحكومة الرقمية التي تقدم خدماتها للمواطنين من خلال تلك المنصة بهدف التمهيد لمستقبل مصر الرقمي والتحول نحو الاقتصاد القائم على المعرفة.
من جانب آخر، فإن الحكومة تعميل على تشجيع المدفوعات الرقمية؛ بهدف دعم الشمول المالي. تلك الجهود ركزت بالأساس على وسائل الدفع الإلكترونية التقليدية والتي تتمثل في: الكروت المدفوعة مقدمًا، والكروت الدائنة، وكروت الائتمان، والمنتجات المصرفية الأخرى مثل المحافظ الإلكترونية.
وقد شهد سبتمبر من عام 2020 موافقة الحكومة على السماح للبنك المركزي المصري بإصدار رخص إلى الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا المالية، وأعلنت الهيئة العامة للرقابة المالية عزمها تبني طرق الدفع الإلكترونية بهدف تعزيز النمو الاقتصادي. وقد وافق البرلمان على القانون الخاص بالمدفوعات الرقمية في يناير 2022؛ بهدف تنظيم صناعة التكنولوجيا المالية بمصر. ونتيجة لتلك الجهود، بلغ عدد المصريين الذين أجروا معاملات دفع إلكترونية حوالي 41.4 مليون مواطن، وهي زيادة تمثل 10% عن العام السابق له. وقد بلغت قيم تلك المعاملات حوالي 8.6 مليارات دولار، بمتوسط قيمة 209 دولارات لكل عملية.
ولتعزيز الاقتصاد الرقمي، أعلنت الحكومة في مايو 2022 سماحها للشركات بتأسيس مقار إلكترونية دون أن يكون هناك وجود فعلي للشركات أو مراكز رئيسة لها بالدولة. وقدمت الحكومة أيضًا تعهدات للتوسع في إنشاء مناطق استثمارية حرة للتكنولوجيا ومناطق معفاة ضريبيًا للشركات الناشئة. ومن المتوقع أن تسهم تلك الإجراءات في مساعدة الشركات التكنولوجية على خفض تكاليف تأسيس الشركات، وتسهيل عملية بداية العمل والنمو، وتعزز من عملية جذب الاستثمارات. وقد كان لتلك القرارات أثر إيجابي على مجتمع الأعمال؛ فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة “أمازون” في سبتمبر 2021 عن افتتاح مقر خدمات لها بمصر مع مراكز توزيع في مدينه العاشر من رمضان، بالإضافة إلى عدد 15 محطة توزيع أخرى بمصر.
7 – الحكومة الإلكترونية
أعلنت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن العمل جارٍ على قدم وساق مع مختلف الوزارات المختلفة بالجمهورية لرقمنة الخدمات العامة بمصر، خاصة وأن هناك حوالي 5.6 ملايين عامل بالقطاع الحكومي المصري. ومن ثم فإن رقمنة هذا القطاع ستسهم بشكل فعال في تحسين إدارة المؤسسات الحكومية وخفض التكاليف، وخفض الدورة المستندية للأوراق. وتتضمن الخدمات المستهدف رقمنتها بالكامل: خدمات المدفوعات الإلكترونية، وخدمات سداد الضرائب والجمارك، وتشجيع القطاع الخاص للدخول في ركب الرقمنة.
واتُخذ بالفعل العديد من الخطوات الفعالة في هذا المجال؛ إذ أصبحت الخدمات الحكومية متاحة إلكترونيًا على “منصة مصر الرقمية”، ومن خلال تطبيقات الهاتف، ومراكز خدمة العملاء، ومكاتب البريد، ومكاتب الخدمة المدنية للمواطنين. وقد أطلقت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في عام 2021 65 مكتب خدمات حكومية إلكترونيًا، وجرت رقمنة 125 خدمة حكومية من خلال تلك المنصة، وقد سجلت تلك المنصة بنهاية عام 2021 4.2 ملايين مشترك أجروا 14 مليون عملية.
8 – الذكاء الاصطناعي
بالتوازي مع الجهود الواسعة التي تبنتها الحكومة خلال السنوات الماضية لتعزيز دور التكنولوجيا في تحقيق التنمية وتنويع الاقتصاد، عملت كذلك على تضمين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ضمن الإطار العام لعمل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمصر. وقد احتلت مصر الترتيب 56 من بين 172 دولة في عام 2020 وفقًا لمؤشر “AI Readiness index” الذي يصدر من جانب مؤسسة ” Oxford insight foundation and international development research center”.
وقد سجلت مصر درجة 100/100 في الجزء الخاص بوجود رؤية قومية لاستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فيما سجلت 59.5/100 في توافر البيانات، و56.5/100 في الجزء الخاص بالحوكمة وميثاق وسلوكيات تطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وكانت الجهود المبذولة في هذا الإطار هي السبب في تحقيق هذه المعدلات؛ فقد صدر قرار إنشاء المجلس الأعلى للذكاء الاصطناعي في نوفمبر 2019 ليتولى مسؤولية صياغة وتنفيذ سياسات الاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
وقد أطلق المجلس القومي للذكاء الاصطناعي الاستراتيجية القومية للذكاء الاصطناعي بعد التنسيق مع المؤسسات الحكومية المختلفة، وصيغت الاستراتيجية لتعزز مكانه مصر عالميًا في مجال استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والإسهام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتستهدف هذه الاستراتيجية استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تقديم الخدمات الحكومية؛ بهدف تحقيق كفاءة أفضل في تقديم الخدمات، وتشجيع الاستثمارات في مجالات الأبحاث الخاصة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من خلال مشاركة القطاع الخاص والجامعات التكنولوجية، والمؤسسات البحثية.
ومن المستهدف أن تُطبق تلك الاستراتيجية من خلال ثلاث مراحل أساسية، بدأت المرحلة الأولى في عام 2020 وحتى عام 2022، وركزت على عمليات التدريب وتأهيل خرجين قادرين على التعاطي مع سوق العمل والمشاركة في تنفيذ المشروعات الأولية الخاصة بتطبيق سياسات الذكاء الاصطناعي. أما المرحلة الثانية فهي تستهدف قياس مدى الإنجازات التي تحققت في الجزء الخاص بشمول جميع اللاعبين بالسوق وخلق بيئة عمل مناسبة لمجالات الابتكار في الذكاء الاصطناعي خاصة للشركات الناشئة. أما المرحلة الثالثة فقد أُطلقت في أبريل من عام 2022، وهي تضع أهدافًا محددة لتطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
وبالتوازي مع تلك الاستراتيجية، أطلقت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في يوليو من عام 2021 المنصة القومية للذكاء الاصطناعي، والتي تستهدف جمع شركاء الأعمال معًا؛ لمناقشة مواثيق أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي وفرصه، وتستهدف الوزارة من خلال تلك المنصة زيادة الوعي بما تنجزه الدولة في هذا المجال.
9 – المدن الجديدة
في سبيل تعزيز استخدامات الذكاء الاصطناعي بمصر، من المخطط بناء 50 مدينة جديدة في مصر بحلول عام 2050. وتم بالفعل استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للتخطيط لعدد 37 مدينه ذكية حتى سبتمبر 2021، وتتضمن تلك المدن: المنصورة الجديدة، والعلمين الجديدة، وغرب قنا، وغرب أسوان، والعبور الجديدة، ورفح الجديدة. تتضمن تلك المدن بنية تحتية أكثر قوة، وتؤسس لنمو التكنولوجيا في مصر.
وتعد العاصمة الإدارية الجديدة المدينة الأهم من بين المدن الذكية التي يجري تأسيسها، لا سيّما وأنها ستحتوي على أول مركز للابتكار والإلكترونيات بمصر والذي بدوره سيعمل على تعزيز الابتكار في المجال الصناعي. وستطبق العاصمة الإدارية الجديدة أنظمة التكنولوجيا المختلفة لإدارة الأمن والمواصلات والموارد، والمساعدة في خفض الاستهلاك، وخفض تكاليف الخدمات العامة. وقد خُطط كل مبنى ليكون متصلًا بخطوط اتصال Fiber-optic technology وشبكة من كاميرات الحماية بعدد 6000 كاميرا ستنظم حركة المرور وتحفظ الأمن بالمدينة.
التحديات والفرص
على الرغم من أن مصر تحتضن ما يقرب من 4000 كم من الكابلات البحرية، فإن خدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لا تزال مقيدة بالبنية التحتية القديمة والتي لا تسمح لها باستغلال الإمكانيات التي تعبر عبر أراضيها. يعود السبب الرئيس وراء تلك القيود في البنية التحتية القديمة التي كان يتم الاعتماد فيها على الكابلات النحاسية، ولعلاج تلك العقبة استثمرت “المصرية للاتصالات” 1.1 مليار دولار في عامي 2019 و2020 لتحويل الكابلات النحاسية إلى كابلات “فايبر”.
سمحت أعمال التطوير للشركة باستمرارها في تقديم خدمات الإنترنت خلال فترة الإغلاق الاقتصادي التي حدثت في مطلع عام 2020، والتي تسببت في زيادة الطلب بشكل مفاجئ على الإنترنت لأغراض التعليم والعمل، لكن لا تزال البنية التحتية المصرية تحتاج إلى ضخ المزيد من الاستثمارات خلال الفترة المقبلة والتي يقدر حجمها بحوالي 7.6 مليارات دولار.
من جانب آخر، فقد كان لجائحة كورونا أثر عظيم على الحياة؛ ففي الوقت الذي عُدّت فيه تلك الجائحة كارثة صحية هددت حياة المواطنين وتسببت في وفاة الملايين، كانت كذلك بمثابة فرصة لزيادة الطلب على خدمات التكنولوجيا والاتصالات، وكان لها آثار إيجابية جديدة في تسريع وتيرة التحول الرقمي بمصر، بداية من إطلاق خدمات الحكومة الإلكترونية، ومرورًا بسياسات تعزيز الشمول المالي والسماح لشركات التكنولوجيا المالية بالتوسع وجذب عملاء جدد. علاوة على ذلك، كان للجائحة أثر كبير في تفكك سلاسل الإمداد عالميًا وإعادة تمركز مواضعها في مختلف أنحاء العالم، وهو ما يمثل فرصة لمصر بموقعها الجغرافي والبنية التحتية التي يتم تحسينها لتكون مركزًا لصناعة تكنولوجيا المعلومات بالمنطقة، للوفاء بالطلب المتزايد على تلك الخدمات.
باحث ببرنامج السياسات العامة