تحولات منظومة التعليم خلال عشر سنوات مدخلات محورية ومحطات فاصلة
تستدعي الذكرى العاشرة لثورة 30 يونيو الوقوف على تحولات ملف التعليم في مصر بكافة قطاعاته؛ سواء ما قبل الجامعي، أو الجامعي، وبكافة أنواعه: العام، والخاص، والفني، وحديثًا: الأهلي، والتكنولوجي، والدولي. فقد شهدت منظومة التعليم خلال العشر سنوات الماضية جملة من التحولات على الصعيد الكمي والنوعي، بالإضافة إلى بعض المدخلات المحورية والمحطات الفاصلة، والتي كان لها تأثير جوهري على تغيير منظومة التعليم، فكيف بات منذ ثورة 30 يونيو، وماذا أصبح اليوم؟
تحولات منظومة التعليم
تعكس الأرقام والإحصائيات بشكل واضح تطورات ملحوظة في مؤشرات دعم منظومة التعليم؛ فقد بلغ حجم الإنفاق الحكومي على قطاع التعليم عقب ثورة 30 يونيو وحتى عام 2022 ما يزيد على تريليون جنيه، بمعدل نمو بلغ نحو 158% مقارنةً بذات المدة الزمنية السابقة، والتي تمتد من 2006 إلى 2013، وفق ما جاء بتقرير حصاد 8 سنوات من بناء الإنسان المصري في مجال الخدمات التعليمية، والصادر عن وزارة التخطيط في يونيو 2022.
يوضح الشكل السابق زيادة الإنفاق الحكومي السنوي المُوجه لقطاع التعليم من 84 مليار جنيه في موازنة عام 13/2014 إلى 173 مليار جنيه في موازنة عام 21/2022، بمعدل نمو قدره 105%. تمتد زيادة مخصصات قطاع التعليم الجامعي وقبل الجامعي والبحث العلمي ضمن الموازنة المالية الجديدة 23/2024، وتبلغ نحو 305 مليارات جنيه، بمعدل نمو قدره 19%. هذا النمو في معدلات الإنفاق أثر على نمو بعض المؤشرات التي يمكن رصدها في قطاعات التعليم على النحو التالي:
أولًا: التعليم قبل الجامعي
ارتفعت معدلات بناء الفصول بزيادة كبيرة؛ إذ سجلت أعداد الفصول في المدارس الحكومية للعام الدراسي الحالي أكثر من 463 ألف فصل، بعد أن كانت أعداد الفصول نحو 54 ألف فصل إبان ثورة 30 يونيو. والجدير بالذكر أن بناء الفصول خلال العشر سنوات الماضية كان ضمن خطة محددة تستهدف بالدرجة الأولى إتاحة التعليم بالمناطق المحرومة من المدارس، علاوة على خفض كثافات الفصول في المناطق المكتظة بالسكان.
وقد أوضح تقرير وزارة التخطيط عن إنجازات التنمية البشرية في قطاع التعليم أن تكلفة برامج هيئة الأبنية التعليمية منذ عام 2013 وحتى عام 2022 قد بلغت 52.4 مليار جنيه، حيث تم تنفيذ أكثر من 7000 مشروع إنشاء مبنى مدرسي بإجمالي 108917 فصلًا في محافظات: الدلتا، والصعيد، والقاهرة الكبرى، والمحافظات الحدودية، ومدن القناة، وسيناء، بنسب قدرها 42%، و34%، و18%، و 6% على التوالي من إجمالي تكلفة برامج الإتاحة بالمناطق المحرومة من التعليم.
يوضح الشكل السابق تضاعف أعداد الطلاب خلال العشر سنوات الماضية نتيجة للزيادة السكانية، وتكاد تتطابق نسب زيادة أعداد الطلاب في المدارس الحكومية والمدارس الخاصة. وعلى الرغم من تفاوت معدلات بناء المدارس فيما بين التعليم الحكومي والخاص، فإن أعداد الفصول كوحدة قياس أدق تفسر حجم الاختلاف بين القطاعين الحكومي والخاص في خدمات التعليم، حيث انخفضت بشكل ملحوظ أعداد الفصول في التعليم الخاص خلال العام الدراسي 2023 مقارنة بالعام الدراسي 2013.
من جهة أخرى، انخفضت أعداد المعلمين في المدارس الحكومية عام 2023 عن أعداد المعلمين خلال عام 2013، ويفسر ذلك ندرة مسابقات تعيين المعلمين خلال العشر سنوات الماضية، وهو ما بدأت إجراءات تخطيه من خلال مسابقات تعيين المعلمين الجدد. أما في التعليم الخاص فقد ارتفعت أعداد المعلمين إلى ما يقرب من ضعف العدد خلال ذات الفترة. وعلى صعيد جودة المعلمين توضح البيانات الخاصة بحصول المعلمين على مؤهلات عليا تربوية تضاعف أعداد المعلمين بحسب المؤهل ضمن هذه الفئة سواء في التعليم الحكومي أو الخاص، ويفسر ذلك تخصيص بعض مسابقات التعيين الصادرة عن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لحملة الماجستير والدكتوراه، بالإضافة إلى نمو التوجه المجتمعي نحو الحصول على شهادات في الدراسات العليا.
يضاف إلى ذلك أن نسبة القيد الصافي للتلاميذ المقيدين في السن الإلزامي بالمرحلة الابتدائية قد شهد نموًا من 93.30% عام 2013 إلى 102.20% عام 2023، لكن انخفضت هذه المعدلات في مرحلة التعليم قبل الابتدائي، وعليه انخفضت إتاحة التعليم في مرحلة رياض الأطفال لتسجل 21% حتى العام الدراسي الحالي 2022/2023. وفي المقابل تراجعت نسب التسرب من التعليم في المرحلة الإعدادية وحققت طفرة واضحة، حيث سجلت نسبة قدرها 1.73% خلال العام الدراسي الحالي بعد أن كانت نسبتها نحو 5% خلال عام 2013.
ثانيًا: التعليم الفني
شرعت الدولة المصرية في تبني تنفيذ استراتيجية جديدة لتطوير التعليم الفني عقب ثورة 30 يونيو؛ وذلك بهدف الارتقاء بالمستوى المهني لخريجي التعليم الفني وإمدادهم بمهارات تواكب التنافس المحلي والدولي في سوق العمل، وتتماشى مع احتياجات المشروعات التنموية القومية الجديدة. تضمنت استراتيجية تطوير التعليم الفني عددًا من الإجراءات والمحاور، حيث تم تطوير مناهج التعليم الفني من خلال منظومة جديدة مبنية على نظام الجدارات المهنية، وتم من خلال هذا النظام تحويل 48 مهنة إلى مجموعة من الجدارات، وطُبّق هذا النظام في 105 مدارس فنية منذ عام 2018، وارتفع عدد المدارس التي تطبق النظام إلى 881 مدرسة في سبتمبر 2022 في جميع القطاعات الفنية مثل: (التعليم المزدوج- الصناعي – الزراعي – التجاري – الفندقي) بالإضافة إلى المدارس التطبيقية التكنولوجية التي أُنشئت بالتوازي مع انطلاق نظام الجدارات في 2018.
تعتمد هذه المدارس على التعاون مع الشريك الصناعي في القطاع الخاص؛ لضمان التطوير المستمر لمهارات وجدارات التعليم الفني، وتتميز بالتخصصية والتفرد والحداثة، فمنها مدارس تختص بتعليم مهارات المشغولات الذهبية، ومدارس للطاقة النووية، وغيرها من التخصصات المعاصرة. وقد بلغ إجمالي عدد المدارس التطبيقية التكنولوجية حتى اليوم 52 مدرسة في 14 محافظة.
في سياق متصل، تضمنت استراتيجية تطوير التعليم الفني استحداث هيئة مستقلة لضمان الجودة والاعتماد في التعليم التقني والفني والتدريب المهني تسمى (إتقان)، بالإضافة إلى إنشاء إدارة جديدة بديوان الوزارة تُعنى بإدارة جودة المدارس تحت اسم (CEQAT)، وتتولى هذه الإدارة تقديم الدعم للمدارس الفنية، وضمان حصولها على الاعتماد من الهيئة المستحدثة.
بحسب تقرير وزارة التخطيط المعنون ب “حصاد 8 سنوات من بناء الإنسان المصري في مجال الخدمات التعليمية” والصادر في يونيو 2022، ارتفعت مخصصات التعليم الفني بنسبة 233% بإجمالي 50 مليار جنيه عام 2022 مقارنة بعام 2014 حيث بلغت مخصصات التعليم الفني نحو 15 مليار جنيه فقط. وارتفعت معدلات فصول مدارس التعليم الفني بنسبة قدرها 8.7% بإجمالي تخطى 50 ألف فصل خلال العام الدراسي 2022، مقابل 46 ألف فصل عام 2014. أسهمت هذه المعدلات في خفض نسب التسرب من التعليم الفني لتسجل نسبة قدرها 0.1% عام 2021، بعد أن تخطت نسبتها 5% عام 2014.
أما عن تأهيل معلمي التعليم الفني فقد دُشّنت أكاديمية معلمي التعليم الفني (TVETA) لتندرج ضمن الهيكل التنظيمي الجديد للوزارة، وتختص بتدريب معلمى التعليم الفني في التخصصات الفنية وعلى الأخص نظام الجدارات المهنية، وكيفية تقييم هذه الجدارات. وقد جرى إعداد نحو 500 من الموجهين وكوادر التعليم الفني لتطوير المناهج الدراسية للتعليم الفني وفق نظام الجدارات، وتدريب نحو 4500 معلم من معلمي التعليم الفني في التخصصات (الزراعية – والصناعية – والتجارية – والفندقية) بالمدارس المطبق بها النظام، علاوة على تدريب 2000 معلم على تصميم المحتوى الإلكتروني، وتدريب 120 معلمًا على التصوير الاحترافي لإنتاج الفيديوهات التعليمية، بحسب التصريحات الصادرة عن الوزارة.
ثالثًا: التعليم الجامعي والبحث العلمي
ارتفعت أعداد الجامعات الحكومية من 23 جامعة عام 2014 إلى 27 جامعة عام 2022؛ إذ افتُتحت 4 جامعات حكومية في محافظات (الأقصر، وشمال سيناء، والوادي الجديد، ومطروح)، ليتحقق بذلك التكافؤ الجغرافي في توزيع الجامعات الحكومية لتشمل جميع المحافظات، حيث حققت الجامعات الجديدة معدل نمو بلغت نسبته 14%، وازدادت هذه النسبة على مستوى نمو عدد الكليات فبلغت نحو 32%، ليصبح إجمالي عدد الكليات 516 كلية عام 2022، بعد أن كان 392 كلية عام 2014.
هذا بالإضافة إلى استحداث 271 برنامجًا جديدًا يتوافق مع احتياجات سوق العمل في الفترة من 2014-2022، لترتفع أعداد البرامج الجامعية بالكليات الحكومية إلى 389 برنامجًا، علاوة على افتتاح 10 جامعات تكنولوجية لتستوعب خريجي التعليم الفني بشكل عام وخريجي المدارس التطبيقية التكنولوجية بشكل خاص، وتوفر فرصًا للتعليم الجامعي والدراسات العليا بعد الدبلوم الفني والمهني.
ارتفع عدد الجامعات الخاصة والأهلية من 26 جامعة عام 2014 إلى 40 جامعة عام 2022، بنسبة نمو بلغت 53.8%. وتضاعف عدد كليات الجامعات الخاصة بناءً على ذلك من 132 كلية إلى 310 كليات بنسبة نمو قدرها 210%، علاوة على زيادة أعداد المعاهد الخاصة من 158 إلى 196 معهدًا خلال العشر سنوات الماضية. أما عن الجامعات الدولية فقد أُنشئت 6 فروع لجامعات دولية في العاصمة الإدارية الجديدة، وافتُتح فرع لجامعة إسلسكا الفرنسية في مصر.
أدت هذه الإجراءات إلى ارتفاع معدلات استيعاب الطلاب بالجامعات والمعاهد الحكومية بنسبة بلغت 36%، وكذلك زيادة أعداد الطلاب الوافدين من 22 ألف طالب عام 2014 إلى 87 ألف طالب عام 2022، بمعدل نمو قدره 291%. وبالتالي زيادة أعداد الخريجين؛ فبحسب النشرة السنوية لخريجي التعليم العالي 2020، تطورت أعداد خريجي التعليم العالي من 378 ألف عام 2015 إلى 604 آلاف عام 2019، ونمت أعداد خريجي الجامعات الحكومية من 253 ألفًا إلى 429 ألفًا، فيما ارتفع عدد خريجي الجامعات الخاصة من 9 آلاف إلى 28 ألفًا، أما خريجي الأكاديميات فقد ازدادت أعدادهم من 6 آلاف إلى 7 آلاف، كذلك شهدت أعداد خريجي المعاهد الفنية “حكومية- خاصة” وخريجي المعاهد العليا الخاصة ارتفاعًا من 50 ألف خريج إلى 55 ألف خريج، ومن 60 ألف خريج إلى 86 ألف خريج، على التوالي لذات الفترة الزمنية.
وعلى صعيد البحث العلمي والابتكار، أولت الدولة اهتمامًا خاصًا بدعم الابتكار خلال العشر سنوات الماضية، وأنشأت بنك الابتكار المصري EIB عام 2018 كأكبر منصة حكومية لدعم الابتكار، حيث أسس البنك 15 حاضنة أعمال، وتعاقد على تنفيذ 635 مشروعًا في مجالات: الطاقة، والصحة، والمياه، والزراعة، والبيئة، والاتصالات، والتطبيقات التكنولوجية الحديثة، والصناعات الاستراتيجية.
وفي مجال النشر الدولي، حصدت مصر المركز 26 عالميًا في مؤشر “سيماجو” الإسباني عام 2022، لتتقدم بذلك مركزين مقارنة بمركزها عام 2020، وفي المؤشرات الدولية للبحث العلمي والابتكار تقدمت من المركز 107عالميًا عام 2014 إلى المركز 96 عام 2021، أما في مؤشر المعرفة العالمي فقد حصلت مصر على المرتبة الأولى أفريقيًا عام 2021 ، واحتلت المركز 53 من بين 154 دولة عالميًا.
مدخلات محورية ومحطات فاصلة
مرت منظومة التعليم المصري بعد ثورة 30 يونيو وخلال العشر سنوات المنقضية بعدة محطات فاصلة مثل جائحة كورونا، علاوة على التعرض لعدد من المدخلات المحورية والتي أسهمت في إحداث تحول جذري في منظومة التعليم ومن أبرز هذه المدخلات: استراتيجية مصر 2030، ومشروع اصلاح التعليم قبل الجامعي بالتعاون مع البنك الدولي ، والمشروع القومي “حياة كريمة”. يمكن استعراض تداعيات وآثار هذه المدخلات والمحطات على منظومة التعليم وفق ترتيبهم الزمني على النحو التالي:
أولًا: استراتيجية مصر 2030
حددت استراتيجية مصر 2030 مجموعة من الأهداف الاستراتيجية ضمن محور التعليم، انقسمت إلى أهداف موجهة للتعليم قبل الجامعي، وأهداف للتعليم الفني والتدريب، وأهداف للتعليم الجامعي والبحث العلمي. وبحسب تقرير “التعليم وتحديات التنمية المستدامة” الصادر في سبتمبر 2021 عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، فهناك خمسة عناصر أساسية تحدد كفاءة خطط التنمية الحالية، ودرجة الوفاء بالأهداف الاستراتيجية للتنمية المستدامة في محور التعليم.
العنصر الأول هو حدود العدالة وتكافؤ الفرص من واقع الإتاحة. وفي هذا الصدد، تعكس بيانات نسب الاستيعاب الصافي التي سبق استعراضها أن منظومة التعليم مازالت غير قادرة على استيعاب الطلاب في السن الإلزامي، بيد أن نسب القيد وفق النوع الاجتماعي تعكس زيادة معدلات القيد الصافي للإناث في جميع المراحل التعليمية، واجمالًا تكاد تنتصف معدلات التكافؤ النوعي في الالتحاق بالتعليم حيث تبلغ نسبة الطلاب الذكور 51% بينما تبلغ نسبة الطالبات الإناث 49%.
أما العنصر الثاني فيتمثل في تحديات الجودة والتنافسية، والتي تعبر عنها مستويات إجادة مهارات الرياضيات والعلوم، وفي هذا الصدد احتلت مصر المركز 136 ضمن 140 دولة في اختباراتTIMSS لقياس جودة العلوم والرياضيات عام 2014. وقد سجلت نتائج التقييم الوطني الأول الذي طُبّق عام 2022 انخفاضًا في مهارات الرياضيات واللغة العربية بنسبة 30.2% من إجمالي العينة المستهدفة في اللغة العربية و18.2% في الرياضيات ضمن فئة التقييم “أقل من مستوى الصف”.
يتمحور العنصران الثالث والرابع حول فرص استدامة التعليم مدى الحياة، واستخدام التكنولوجيا والقدرة على الابتكار، ويرتبط كلاهما بتوافر البنية المعرفية والتكنولوجية في المدارس، وارتباطهما بمفاهيم التحصيل والتقييم، حيث تقيد هذه المفاهيم فرص التعلم الذاتي المستمر والقدرة على الابتكار. أخيرًا، يتعلق العنصر الخامس بمدى ارتباط التعليم والبحث العلمي بأهداف التنمية المستدامة، وحجم الفجوة بين الشهادات التعليمية والمهارات المطلوبة لسوق العمل، ويخلص التقرير إلى أن إمكانيات جهود التطوير في التعليم وتحقيق أهداف محور التعليم برؤية مصر 2030 تظل رهينة ضبط النمو السكاني. وعليه فإنه من الضروري تحديث أهداف وبرامج ومؤشرات محور التعليم باستراتيجية مصر 2030 بشكل مستدام يستوعب كل ما يطرأ من تغيرات على الصعيد الديموغرافي والتنموي والصحي أو أي صعيد يؤثر بشكل مباشر على خطط التنمية الموجه لقطاع التعليم.
ثانيًا: مشروع إصلاح التعليم قبل الجامعي بالتعاون مع البنك الدولي 2018-2025
يمثل مشروع إصلاح التعليم بالتعاون مع البنك الدولي الذي انطلق عام 2018 بإجمالي تكلفة قدرها 500 مليون دولار محطة فاصلة في منظومة التعليم المصري خلال العشر سنوات الماضية؛ فقد تضمن مشروع الإصلاح أربعة مكونات رئيسة تضم مجموعة من المؤشرات الفرعية التي تستهدف تحسين منظومة التعليم قبل الجامعي، واشتمل المكون الأول من وثيقة المشروع على زيادة إتاحة التعليم في مرحلة رياض الأطفال، واستحداث مناهج جديدة ومتطورة لهذه المرحلة، بالإضافة إلى تطوير مناهج المرحلة الابتدائية تباعًا عامًا تلو الآخر.
فيما تضمن المكون الثاني التنمية المهنية المستدامة للمعلمين وقادة التعليم، وقد تقدمت الوزارة بمقترحاتها للبنك الدولي في هذا الشأن متضمنة نتائج النجاح المبدئي والزخم الإيجابي في مشروعي “بنك المعرفة المصري” و”المعلمون أولًا”. أما المكون الثالث فضم إصلاح نظام التقييم في المرحلتين الابتدائية والثانوية. واشتمل المكون الرابع على رفع كفاءة البنية التحتية التكنولوجية في المدارس من خلال التعليم القائم على الربط الشبكي.
سينتهي برنامج إصلاح التعليم في مارس 2025، وقد حقق بعض المؤشرات وفق المستهدفات المخطط لها، لكن لا تزال بعض مكونات البرنامج دون المستوى المرجو وخاصة التي تتعلق بالتنمية المهنية للمعلمين وإتاحة التعليم في مراحل ما قبل التعليم الابتدائي. وبشكل عام لا يمكن إنكار أهمية خطوات الإصلاح في تخطي عقبات جائحة كورونا خاصة تلك التي تتعلق بالبنية التحتية التكنولوجية وتوفير أدوات التعلم الالكتروني “التابلت” في ذلك الوقت، فقد تم توفير مليوني جهاز “تابلت” لطلاب الصف الأول الثانوي في جميع المحافظات بتكلفة تخطت 10 مليارات جنيه، بالإضافة إلى رفع كفاءة البنية التحتية التكنولوجية في مدارس المرحلة الثانوية بتكلفة بلغت 3.5 مليارات جنيه.
ثالثًا: المشروع القومي “حياة كريمة”
قدم المشروع القومي لتنمية قرى الريف المصري “حياة كريمة” جهودًا استثنائية في الارتقاء بجودة الخدمات التعليمية داخل قرى الريف المصري، مثلت هذه الجهود تحولًا جذريًا في خريطة المناطق المحرومة من التعليم، ونسب الكثافات داخل الفصول التعليمية؛ فمنذ انطلاق المشروع عام 2019 حتى أغسطس 2022، نُفّذ 2427 مشروعًا ضمن قطاع التعليم، يتضمن 1130 مشروعًا لإنشاء مبانٍ مدرسية في قرى وتوابع “حياة كريمة”، وعدد 1297 مشروعًا لتطوير ورفع كفاءة 1105 فصول تعليمية في 1477 قرية ضمن المرحلة الأولى من المشروع القومي، وبإجمالي عدد مستفيدين يزيد على 17 مليون مواطن، وبتكلفة تتخطى 2.7 مليار جنيه.
أما عن خفض الكثافات بالقرى الأشد احتياجًا، فقد نُفّذ 1431 مشروعًا بإجمالي 19371 فصلًا، بالإضافة إلى إنشاء 194 مدرسة تعليم مجتمعي (مدارس الفصل الواحد) بالمناطق النائية، علاوة على 54 مركزًا للتعلم الذكي ورعاية الموهوبين، بحسب الإحصاءات الصادرة عن وزارة التخطيط.
أسهمت هذه الإجراءات في خفض معدلات تسرب الإناث من التعليم، وبالتالي خفض نسب الظواهر الاجتماعية المترتبة على تسرب الإناث مثل: الزواج المبكر، وعمالة الأطفال بشكل عام. وقد أكدت بيانات كتاب الإحصاء السنوي الصادر عن وزارة التربية والتعليم تراجع نسب تسرب الإناث في المرحلة الابتدائية من 0.45% عام 2013 إلى 0.18% عام 2023، وانخفضت نسب تسرب الإناث في المرحلة الإعدادية من 4.14% عام 2013 إلى 1.87% عام 2023.
رابعًا: جائحة كورونا
خلفت جائحة كورونا تداعيات جمة على التعليم في العالم أجمع، ولا سيما مصر. وقد اتخذت مصر مجموعة من الإجراءات للحد من انتشار الوباء داخل المدارس، أبرزها الإغلاق الكلي، ثم الاغلاق الجزئي للمدارس والحضور بالتناوب أو خلال أيام محددة، كذلك فرض التباعد وإلغاء بعض الأنشطة كطابور الصباح وغيره من الأنشطة التي تتطلب تشاركًا فيما بين الطلاب، علاوة على إطلاق القنوات والبرامج التعليمية التلفزيونية وتدشين المنصات الالكترونية التعليمية مثل منصات تعليمية “ادمودو Edmodo”، واعتماد أنظمة الاختبارات الإلكترونية لطلاب المراحل الثانوية والجامعية. وقد أسهمت هذه الإجراءات بشكل حقيقي في الحد من الآثار والتداعيات السلبية لجائحة كورونا على التعليم في مصر.
ختامًا، تبرهن الأرقام والإحصائيات على تطور منظومة التعليم في مصر خلال العشر سنوات الماضية منذ ثورة 30 يونيو 2013 وحتى الآن بشكل كبير، ولكنها لا تزال كذلك تواجه بعض التحديات على المستوى المجتمعي مثل ظواهر: الغش الالكتروني، والدروس الخصوصية. وعلى المستوى الإداري، التي تتلخص في مركزية إدارة التعليم ونقص الموارد المادية والبشرية، وأيضًا على المستوى التشريعي فيما يخص قوانين التعليم قبل الجامعي والجامعي، بالإضافة إلى المستوى الاستثماري، حيث لايزال قطاع التعليم يعاني من انخفاض نسب الاستثمار في المشاريع التعليمية. وبالرغم من كل ذلك يحظى التعليم كقضية مجتمعية بفرصة ذهبية تتمثل في الحوار الوطني، حيث يتضمن الحوار لجنة تختص بمناقشة قضايا التعليم المصري، الأمر الذي يشكل مكسبًا حقيقيًا للتغلب على المقاومة المجتمعية التي واجهها مشروع إصلاح التعليم فيما قبل، فاليوم يشهد التعليم، بل وتشهد مصر حقبة جديدة من العقد الاجتماعي المبني على الحوار البناء من أجل الوطن دون انحياز أو تجمل.