الأمن الغذائي المصري في 10 سنوات “مجهودات مركزة وخطوات استباقية”
وضعت الدولة المصرية خلال العشر سنوات الماضية قضية الأمن الغذائي على رأس أولويات أجندتها، خاصة في الوقت الذي شهدت فيه مجموعة من التحديات كان آخرها الأزمة الروسية- الأوكرانية، والتي شهد فيها العالم بأكمله وليست الدولة المصرية فقط، أصعب أزمات والتي يمكن القول إنها “نكبات” فرضت الكثير من التحديات على حالة الزراعة والأمن الغذائي.
نص الدستور المصري في المادة رقم (79) على أن “لكل مواطن الحق في غذاء صحي وكافٍ، وماء نظيف، وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة. كما تكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام، وتضمن الحفاظ على التنوع البيولوجي الزراعي وأصناف النباتات المحلية للحفاظ على حقوق الأجيال”
كذلك يعد “الحق في الغذاء”، أحد مستهدفات الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، من خلال العمل على تعزيز توفير الاحتياطي من السلع الاستراتيجية، ودعم منظومة الخبز في كافة محافظات الجمهورية، وتبني الخطط الملائمة لتحقيق أهداف نمو الإنتاج الزراعي المحلى، وتوفير المياه اللازمة لزيادة الرقعة الزراعية، وتنمية الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية.
رؤية مصر
أشارت رؤية مصر 2030 إلى أن من أهم التحديات التي تواجه قطاع الزراعة محدودية التصنيع الزراعي، وارتفاع أسعار المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، وجمود النظم التسويقية وغياب الزراعات التعاقدية، وجمود السياسات الائتمانية واقتصارها على الأنماط التقليدية، وتطبيق تراكيب محصولية عالية الاستهلاك المائي مثل الأرز زيادة عن الحد المسموح به. ومن هذا المنطلق، دشنت عددًا من البرامج والمشروعات القومية الكبرى؛ لتكون نقطة الانطلاق نحو تعافي قطاع الزراعة، وتحقيق الأمن الغذائي، ومن أبرز هذه المشروعات:
دعم التصنيع الزراعي: بهدف زيادة القيمة المضافة للمنتجات الزراعية من خلال الارتقاء بعناصر الجودة وتهيئة المنتجات المصنعة للتصدير، وإقامة قرى إنتاجية متخصصة في صناعات قائمة على المنتجات الزراعية.
التوسع في استخدام التكنولوجيا الحيوية في التنمية الزراعية: بهدف استنباط أصناف جديدة تتحمل الجفاف وملوحة التربة، ودرجة الحرارة.
رفع كفاءة الري الحقلي في أراضي الوادي والدلتا: من خلال خطوط أنابيب بلاستيكية بدلًا من المساقي أو تبطينها.
إنشاء نقاط تجميع ومرافق تخزين للسلع الاستراتيجية: بهدف بناء شبكة لتجميع المحاصيل الزراعية وتخزينها في مواقع استراتيجية تغطي جميع أنحاء الجمهورية.
البرنامج القومي لتنمية الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية: ويهدف إلى زيادة المعروض من ناحية، وتحسين الجودة وخفض التكلفة من ناحية أخرى.
تنمية الموارد المائية: عن طريق إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والصحي المعالج طبقًا للمواصفات، والتوسع في استخدام المياه الجوفية وحصاد مياه الأمطار.
مشروع إقامة المركز اللوجيستي العالمي لتجارة وتداول الحبوب بدمياط: يهدف إلى تحويل مصر إلى مركز لوجستي لتداول وتخزين وتصنيع كافة أنشطة القيمة المضافة المرتبطة بالغلال والبذور المنتجة للزيوت الواردة من الدول المنتجة في شمال وشرق أوروبا ووسط آسيا وشمال وجنوب أمريكا، وكذا تكرير الزيوت والسكر؛ من خلال 4-6 أرصفة بحرية، وتخزينها في الصوامع الحديثة والقباب “الفيبر جلاس”، وإنشاء صناعات القيمة المضافة لحوالي 7.5 ملايين طن سنويًا على أربع مناطق صناعية حديثة.
مشروعات الشون والصوامع المطورة: ويهدف المشروع إلى رفع الطاقة التخزينية المتاحة، وتقليل نسبة الفقد في الأقماح والحبوب المخزنة، وربطها بنظم تشغيل إلكترونية؛ لضمان سلامة ومتابعة ما تحتويه من حبوب.
بناء شبكة رصد وإنذار مبكر للأسواق: بهدف منع الممارسات الضارة بصحة وسلامة المستهلك ومنع التغييرات غير المبررة في أسعار السلع والمنتجات، بالاستفادة من الرصد اليومي الذي يتم عن طريق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء من خلال خمسة عشر ألف نقطة رصد على مستوى الجمهورية.
قطار التنفيذ
ترجمت الإرادة والجهود المصرية الرؤى الاستراتيجية للدولة في صورة مشروعات قومية تتماس مع مختلف القطاعات لتحقيق الأمن الغذائي والمائي، وكان من أبرز المشروعات التي تم تدشينها خلال السنوات الأخيرة ما يلي:
أولًا: فيما يخص قطاع الزراعة:
يسهم قطاع الزراعة بحوالي 12% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، ويستوعب القطاع النسبة الأكبر من المشتغلين حيث يستوعب 19.2% من إجمالي المشغلين بإجمالي 5.23 ملايين عامل. ذلك بالإضافة إلى الإسهام الملموس في تعظيم الاحتياطي النقدي الأجنبي من خلال زيادة الصادرات الزراعية؛ فقد حققت الصادرات الزراعية المصرية خلال عام 2022 لأول مرة في تاريخها ما يقرب من 6.5 ملايين طن، بحوالي 3.3 مليارات دولار وبزيادة حوالي 800 ألف طن عن العام السابق عليه.
وقد بلغ عدد المنتجات والحاصلات الزراعية المصرية التي تصدر إلى الخارج نحو 406 منتجات تُصدّر إلى 160 من الأسواق العالمية. ومن أهمها: الموالح، والبطاطس، والبصل الطازج، والعنب، والطماطم الطازجة، والبطاطا، والفراولة، والفاصوليا الطازجة والجوافة، والثوم، والمانجو، والبطيخ، والرمان.
يرجع ذلك إلى قيام الحكومة بتحديث المنظومة الزراعية من خلال استصلاح الأراضي وتبنى نظم حديثة في الري، حيث زادت مساحة الأراضي المنزرعة في مصر بحوالي 8% لتصل إلى 9.6 ملايين فدان عام 2020/2021 مقارنة ب 8.92 ملايين فدان عام 2014. وتستهدف خطة عام 22/2023 زيادة الرقعة الزراعية نصف مليون فدان في نطاق مشروعات التوسّع الأفقي، إلى جانب تحسين الإنتاجية الزراعية لزيادة المساحة المحصولية الإجمالية لتتجاوز 19 مليون فدان مُقابل 17.5 مليون فدان عام 2020.
ذلك من خلال زيادة إنتاجية الفدان بنسب تتراوح بين 15% و20%، برفع كفاءة استخدام وحدتي الأرض والمياه من خلال مجموعة آليات عمل، تضم: استنباط أصناف وسُلالات من المحاصيل عالية الإنتاجية ومُبَكّرة النُضج ومُقاومة لِلجفَاف والحرارة وتكون قليلة الاستخدام للمياه، وتطبيق المُمارسات الزراعية الحديثة المُوفّرة لمياه الري، والتوسّع في الزراعات المَحميّة والعضوية والزراعات التعاقُدِية (وهي منظومة تسويقية تضمن انتظام عملية التوريد وتحقيق عائد مناسب للمزارعين)، فضلًا عن الربط المباشر بين المعروض من المنتجات الزراعية والطلب السوقي عليها، بالإضافة إلى تطوير نُظُم الري الحقلي، وتبطين الترع، وتقليل الفاقد في المحاصيل الزراعية من خلال زيادة سِعات الصوامع والمراكز اللوجستية.
فالهدف الرئيس الذي تنشده الدولة هو تحقيق الأمن الغذائي داخليًا، من خلال الزراعة المصرية، فمن المُستهدف رفع نِسَب الاكتفاء الذاتي من القمح من 45% عام 2020 إلى 65% بحلول عام 2025، ومن الذرة الصفراء من 24% إلى 32% خلال الفترة ذاتها، ومن الفول البلدي من 30% إلى نحو 80%، ومن العدس من 12% إلى 16%، ومن المحاصيل الزيتية من 3% إلى 10%، ومن اللحوم الحمراء من 57% إلى 65%، ومن الأسماك من 82% إلى 85%.
فتم البدء بتنفيذ عدد من مشروعات التوسع الأفقي، ومن أبرز هذه المشروعات:
1 – مشروع تنمية أربعة ملايين فدان: يستهدف بناء مجتمع متكامل داخل الأراضي الجديدة، مما يزيد من المساحة العمرانية بحوالي 5% بحلول عام 2030، بالإضافة إلى أثره على دعم التنوع الاقتصادي وتوفير فرص عمل. بدأ تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع والمتعلقة بتنمية 1.5 مليون فدان، وتضم: منطقة المُغرة بالصحراء الغربية بمساحة 170 ألف فدان، وقرية الأمل بالإسماعيلية بمساحة 3.5 آلاف فدان، وجنوب شرق المنخفض بمساحة 50 ألف فدان، وغرب المنيا بمساحة 20 ألف فدان، وامتداد جنوب شرق المنخفض بمساحة 50 ألف فدان، وشرق سيوة بمساحة 30 ألف فدان، وغرب المنيا بمساحة إجمالية 628 ألف فدان، والفرافرة القديمة بمساحة 100 ألف فدان، والفرافرة الجديدة بمساحة 100 ألف فدان، والمراشدة بمساحة 41.5 ألف فدان، وامتداد الداخلة بمساحة 50 ألف فدان، وغرب كوم أمبو بمساحة 25 ألف فدان، وتوشكى بمساحة 142 ألف فدان، وآبار توشكى بمساحة 25 ألف فدان. ويتضمن المشروع أيضًا مشروعات تنمية زراعية صناعية متكاملة، كمصانع للتعبئة والتغليف والتبريد وإنتاج الزيوت ومعالجة النباتات الطبية، كذلك مشروعات لتنمية الثروة الحيوانية.
ولتقليل الفجوة الغذائية، أعلنت شركة تنمية الريف المصري الجديد عن إطلاق مبادرة لتشجيع زراعة المحاصيل الاستراتيجية الصيفية بمختلف أراضي المشروع، تتمثل في كل من: الذرة الشامية، وفول الصويا، ودوار الشمس، والسمسم، وذلك بالتعاون مع كل من الإدارة المركزية للتقاوي ومركز الزراعة التعاقدية بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي؛ لتقليل الفجوة الغذائية من هذه المحاصيل من خلال توفير التقاوي المعتمدة بأسعار مدعومة، وتوفير حصة من الأسمدة التي يحتاجها الفدان بأسعار مدعومة، فضلًا عن توفير الإرشادات الزراعية بالمجان، وإتاحة التعاقد على بيع المحصول من خلال مركز الزراعات التعاقدية بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي.
2 – مشروع الدلتا الجديدة: يقع المشروع على امتداد طريق محور “روض الفرج –الضبعة” الجديد، ويشمل مشروعي مستقبل مصر، وجنوب محور الضبعة. تبلغ مساحته نحو 2.2 مليون فدان، يتميز بموقعه الاستراتيجي بالقرب من الموانئ والمطارات، ومنها موانئ: الإسكندرية، والسخنة، ودمياط، فضلًا عن مطاري غرب القاهرة وبرج العرب. ويرتبط المشروع بالطرق الرئيسة وشبكة عمران قائمة وجديدة، منها مدن: السادات، وسفنكس، والسادس من أكتوبر. ويعزز المشروع استراتيجية الدولة في مجال إنشاء مجتمعات زراعية جديدة بنظم إدارية حديثة، كذلك تعزيز أنشطة متعلقة بالزراعة مثل أنشطة الثروة الحيوانية والداجنة والتصنيع الزراعي.
3 – مشروع مستقبل مصر: يقع المشروع على امتداد طريق محور روض الفرج – الضبعة الجديد، وهو الطريق الذي أُنشئ ضمن المشروع القومي للطرق بطول ١٢٠ كم وعمق ٦٠: ٧٠ كم، ويبعد ٣٠ دقيقة عن مدينة السادس من أكتوبر. قُسّم المشروع إلى ٦٠ طريقًا طوليًا، و٣٥ طريقًا عرضيًا، مقسمة إلى قطع متساوية كل قطعة ١٠٠٠ فدان. ويعد المشروع قاطرة مصر الزراعية وباكورة مشروع الدلتا الجديدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض؛ فالمساحة المستهدف استصلاحها 1.05مليون فدان من إجمالي ٢.٢ مليون فدان المساحة الإجمالية للدلتا الجديدة.
تُنقل مياه الصرف المعالج بواسطة ترعة بإجمالي طول ١٧٠ كم عن طريق ١٧ محطة رفع لتصل إلى أكبر محطة معالجة بطاقة ٧.٥ ملايين متر مكعب/ يوم ومنها إلى أرض المشروع. ويعتمد المشروع على خزانات المياه الجوفية وهي ٣ خزانات (الأيوسين – المايوسين – المغرة)، وهي امتداد لمنطقة وادي النطرون. تبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع ٨ مليارات جنيه، والتي تشمل: تمهيد الطرق الداخلية بإجمالي طول حوالي ٥٠٠ كم وعرض ١٠ أمتار، وحفر آبار مياه جوفية، ومحطتين للكهرباء بقدرة ٣٥٠ ميجاوات، وشبكة كهرباء داخلية بطول ٢٠٠ كم يتم ربطها بشبكة كهرباء الدلتا الجديدة، ومخازن مستلزمات الإنتاج ومبانٍ إدارية وسكنية.
يقوم المشروع بالإشراف على تنفيذ مشروع الصوب الزراعية بمنطقة (اللاهون) بمحافظة الفيوم بمساحة حوالي ١٦ ألف فدان بإجمالي حوالي ١٨٠٠ صوبة (إسباني – مصري) لزارعة محاصيل الخُضروات، ونباتات طبية وعطرية، وزراعات الفاكهة، وزهور القطف لغرض التصدير. كذلك يشرف المشروع على تنفيذ مشروع المنيا وبني سويف لاستصلاح مساحة حوالي ٨٠ ألف فدان.
وتحقيقًا للنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، تم البدء في إنشاء منطقة صناعية على ثلاث مراحل طبقًا لأولويات التصنيع كالتالي:
- المرحلة الأولى: تشتمل على (ثلاجات بطاطس – محطات فرز وتعبئة – صوامع تخزين الغلال – محطات غربلة وإنتاج تقاوي – معامل تحليل التربة وأمراض النباتات).
- المرحلة الثانية: تشتمل على (أنفاق تجميد خضروات وفاكهة – مصنع “سناكس” – مصنع بصل وثوم مجفف – مصنع تعبئة وتغليف بقوليات – مصنع تعبئة وتكرير زيوت – مصنع أعلاف ماشية – مزرعة أغنام وماشية).
- المرحلة الثالثة: تشتمل على (مصنع إنتاج زيوت – محطة فرز وتعبئة برتقال). وفي ديسمبر 2022، وقع مشروع مستقبل مصر للتنمية المستدامة وشركة “فامسون” (أحد أكبر شركات الصوامع الصينية على مستوى العالم) بروتوكول تعاون حصري لإنشاء صوامع غلال بالمنطقة الصناعية التابعة لمشروع مستقبل مصر على محور الضبعة بطاقة تخزينية تقدر بـ 120 ألف طن كمرحلة أولى لتصل مستقبلًا إلى 500 ألف طن.
يعد هذا التعاون باكورة البدء في توطين صناعة الصوامع في مصر، وهو الأمر الذي شجع شركة “فامسون” الصينية التي تعد أحد أهم وأكبر شركات صناعة صوامع الغلال في العالم بإنشاء مصنع في منطقة العين السخنة يقوم بتصنيع الصوامع بنسبة 50%؛ ليلبي احتياجات المشروع في مصر والشرق والأوسط. ومع توقيع البرتوكول ورؤية الجانبين لضرورة توسيع مساحات التخزين من خلال الصوامع في مصر، قررت الشركة الصينية زيادة نسبة تصنيع الصوامع لتصل إلى 80% كصناعة محلية داخل مصر.
ومن أهم الزراعات التي نُفذت بموسم 2021/2022: 40 ألف فدان من القمح، و32 ألف فدان من الذرة الصفراء، و12 ألف فدان من الشعير، و55 ألف فدان من البطاطس، و65 ألف فدان بنجر السكر، و20 ألف فدان سوداني، و5 آلاف فدان فراولة، و630 فدان عباد الشمس، و5 آلاف فدان من البطاطا، و10 آلاف فدان من الفاصوليا البيضاء، و18 ألف فدان من البصل، و13 ألف فدان طماطم، و4 آلاف فدان بسلة، و6 آلاف فدان جزر، و4 آلاف فدان من الخيار، وألف فدان من فول الصويا، إلى جانب 17 ألف فدان من أشجار الموالح.
4 – مشروع استصلاح ٥٠٠ ألف فدان بجنوب محور الضبعة: يقام المشروع بمنطقة جنوب محور الضبعة غرب مشروع مستقبل مصر، بالقرب من الدلتا القديمة وشبكة الطرق والموانئ سواء البحرية أو البرية أو الجوية، ويربط بين الحدود الإدارية لمحافظات مطروح والبحيرة والجيزة. وأُجري حصر لمساحة ٦٨٨ ألف فدان غرب مشروع مستقبل مصر، وبعد الدراسة اتضح أن أكثر من٩٠٪ من المساحة صالحة لزراعة المحاصيل الاستراتيجية وتبلغ ٥٠٠ ألف فدان وعلى رأسها القمح والذرة الصفراء والبقوليات ومحاصيل الخضر وأنواع مختلفة من الفاكهة، وستُنشأ محطة عملاقة طاقة ٦ ملايين م٣ / يوم لمعالجة مياه الصرف الزراعي لاستغلالها مرة أخرى.
5 – مشروع تنمية توشكى جنوب الوادي الجديد: يعد المشروع الأكبر من نوعه في قطاع الاستصلاح الزراعي في الشرق الأوسط، وتم تدشينه في يناير 1997، إلا إنه واجه جملة من العقبات حالت دون استكماله، إلى أن أعاد الرئيس السيسي إحياءه في 2014، ضمن خطة الدولة لتوسيع رقعة المساحة المعمورة من 5% إلى 25% من مساحة مصر بكل ما يترتب عليه من آثار ديموجرافية واقتصادية واجتماعية.
يقع المشروع على مساحة 485 ألف فدان، بمنطقة توشكى جنوب أسوان، لتصل في المستقبل إلى مليون فدان، زُرعت ٣٠ ألف فدان قمح خلال أول ٣ أشهر من بداية المرحلة الأولى، وتم حفر وتبطين ترع بإجمالي طول ١٩,٨ كم، وجارٍ حفر ترع بطول ١٨,٢ كم. وتم إنشاء عدد (٥٢) محطة طلمبات تضم (٢١٩) طلمبة لضخ المياه لأجهزة الري المحوري، وجارٍ إنشاء عدد (٤٧) محطة أخرى تضم عدد (٢٣٩) طلمبة فيكون عدد المحطات (٩٩) محطة تضم عدد (٤٥٨) طلمبة.
وتم كذلك تنفيذ عدايات خطوط مواسير شبكات الري والترعة المغذية بإجمالي (١١) عداية. كذلك مد شبكات ري بإجمالي أطوال ٤٢٠ كم (بأقطار تتراوح من ١٨٠ مم إلى ١٢٠٠ مم) إضافة إلى ٦٧٠ كم جارٍ تنفيذها لتصل أطوال شبكة الري إلى ١٠٩٠ كم. فضلًا عن توريد وتركيب وتشغيل عدد (٤٩٧) جهاز ري محوري بمناطق الأسبقية العاجلة واستكمالها لتصل لنحو (٨٠٠) جهاز للمرحلة الأولى.
وتخطط الدولة لمشروعات للإنتاج الحيواني والسمكي حول مناطق الزراعة في المشروع. ويعد المشروع أحد نماذج النفاذ للأسواق الخارجية، حيث يوجد به أكبر مزرعة تمور في الشرق الأوسط من حيث عدد النخيل وأجود انواع التمور.
إلى جانب مشروعات التوسع الأفقي التي اعتمدتها الدولة لزيادة الرقعة الزراعية والعمرانية، فقد توسعت في مشروعات تحسين أصناف وسلالات المحاصيل؛ لزيادة الإنتاجية ولمقاومة آثار التغير المناخي على المحاصيل، فتم التوسع في توفير التقاوي المعتمدة للمحاصيل الاستراتيجية من خلال استنباط أصناف وهجن من المحاصيل قصيرة العمر عالية الإنتاجية ومبكرة النضج ومقاومة للإجهادات الحيوية والبيئية والموفرة للمياه للمحاصيل الاستراتيجية (القمح – الذرة – الأرز – القطن – الفول البلدي)، وإعداد ونشر الخريطة الصنفية التي تناسب ظروف مناطق الزراعة من ناحية طبيعة التربة والظروف المناخية والاحتياجات المائية وزيادة نسبة التغطية من التقاوي المعتمدة للمحاصيل الاستراتيجية (القمح والذرة).
وتم تفعيل البرنامج الوطني لإنتاج تقاوي محاصيل الخضر من خلال استنباط وتسجيل عدد 26 من الهجن والأصناف الجديدة لمحاصيل الخضر للتداول التجاري في السوق المصرية لعدد 10 محاصيل، مما يؤدي الى تقليل فاتورة الاستيراد وخفض تكلفة التقاوي، فضلًا عن التعاون مع شركات إنتاج التقاوي بالدول الأجنبية للشراكة في إنتاج تقاوي الأصناف المتميزة من هجن محاصيل الخضر في مصر.
زفي إطار تطوير سبل الزراعة، تم تدشين المشروع القومي لتطوير قصب السكر من خلال زراعة القصب بالشتل من خلال البدء في إنشاء محطتي كوم أمبو ووادي الصعايدة بطاقة إنتاجية حوالي 200 مليون شتلة سنويًا وبتكلفة حوالي مليار جنيه. وكذلك التوسع في المشروع القومي للصوب لـ100 ألف فدان صوب زراعية الذي يهدف إلى إنتاج محاصيل عالية الجودة والإنتاجية مع توفير غذاء صحي وآمن للمواطنين. وتحقيق إنجاز كبير بالمشروع القومي للنخيل (2.5 مليون نخلة).
وفي إطار الزراعة المستدامة والحرص على الاستغلال الأمثل للمياه، فقد تم إطلاق المبادرة القومية لتطوير وتحديث منظومة الري في مليون فدان من الأراضي الجديدة، وفي مساحة حوالي 3.7 ملايين فدان من الأراضي القديمة؛ من خلال برنامج تمويلي قومي على 10 سنوات وبدون فائدة. وقد تم تحديث نظم الري في حوالي 400 ألف فدان في الأراضي الجديدة المخالفة من أصل حوالي 500 ألف فدان التي تتابع وزارة الزراعة تحديثها. ذلك إلى جانب مشروع إعادة تأهيل وتبطين ترع الري، حيث يستهدف الحفاظ على كميات المياه التي يتم هدرها بعد تسربها للتربة الطينية والذي يتراوح ما بين 5 و10 ملم من عمق المياه كل ساعة، ومن المتوقع توفير حوالي 5 مليارات متر مكعب من المياه التي كانت تُهدر بطول مجاري الشبكة المائية في كافة أنحاء الجمهورية.
وإجمالًا، خلال ال 10 سنوات الماضية نفذت الحكومة حوالي 320 مشروعًا زراعيًا تكلفت أكثر من 42 مليار جنيه في مجالات: دعم التنمية الزراعية وصغار المزارعين، وضمان الزراعة المستدامة، ومكافحة التصحر، والحد من آثار التغيرات المناخية.
كل ذلك تطلب حلحلة تشريعية، فتم إصدار قوانين: إنشاء الجهاز القومي لتطوير البحيرات وتنمية الثروة السمكية، والزراعة العضوية، والزراعة التعاقدية، وتدشين محطة الزهراء للخيول العربية الأصيلة، وتفعيل الزراعة التعاقدية في الذرة والفول الصويا وعباد الشمس والسمسم والقطن. إلى جانب تشديد الرقابة على سوق مستلزمات الإنتاج (التقاوي – المبيدات – الأسمدة)، وتنفيذ برنامج وطني لرصد متبقيات المبيدات في الخضر والفاكهة بالأسواق المحلية.
يضاف إلى ذلك برامج تمويل لصغار المزارعين، فيبلغ إجمالي التمويل الموجه للمحاصيل الزراعية 6 – 7 مليارات جنيه سنويًا، بدعم من الدولة يصل إلى حوالي 500 مليون جنيه سنويًا. ذلك بخلاف تمكين المزارعين والفلاحين من الاستفادة من مبادرة تأجيل الأقساط المستحقة عليهم، وقد استفاد من هذه المبادرة حوالي 330 ألف مزارع بإجمالي مديونية قدرها 8.9 مليارات جنيه حتى يونيو 2022.
وقد احتاجت زيادة الإنتاجية الزراعية إلى مشروع مكمل لتخزين الحبوب والغلال، فتم تنفيذ المشروع القومي للصوامع، مما أدى إلى زيادة قدرة الدولة التخزينية لترتفع من 1.4 مليون طن في 2014 إلى 5.5 ملايين طن حاليًا. ويعد المشروع القومي للصوامع واحدًا من خطط الدولة للحفاظ على الغذاء وتأمين المخزون الاستراتيجي منه؛ وذلك للتغلب على أزمة قلة أماكن التخزين، إلى جانب تقليل نسبة الهدر والتي تصل إلى 15%، وزيادة مدة التخزين لتصل إلى سنة أو سنة ونصف باشتراطات تخزين وجودة عالية.
يتضمن المشروع إنشاء نحو 50 صومعة، بسعة تخزينية تقدر بنحو 1.5 مليون طن، موزعة على 17 محافظة، لتخزين القمح والغلال. وتضم مصر الآن نحو 70 صومعة على مستوى محافظات الجمهورية، مصممة بأحدث أسلوب وتكنولوجيا وتقنيات موجودة في العالم.
كل هذه المشروعات أسهمت في تحقيق صادرات زراعية غير مسبوقة، ومن المُستهدف في إطار خطة عام 2022 /2023 زيادة هذه الصادرات لتتجاوز قيمتها 3,6 مليارات دولار مُقابل 2,4 مليار دولار عام 2020 /2021، مما يرفع نسبة مُساهمتِها في إجمالي الصادرات المصرية غير البترولية إلى 15%.
ثانيًا: فيما يخص الثروة السمكية:
اتصالًا بالثروة السمكية، تم تنفيذ مشروعات عملاقة لتنمية الثروة السمكية مثل: (بركة غليون – الفيروز – قناة السويس). وتحتل مصر المرتبة الثالثة عالميًا في إنتاج السمك البلطي والأول أفريقيًا في الاستزراع السمكي. وتم طرح 21 موقعًا للاستزراع السمكي في الأقفاص البحرية بالبحرين المتوسط والأحمر. وفي هذا الصدد، صدر قانون تطوير وتنمية البحيرات، وأُطلق المشروع القومي لتنمية البحيرات (المنزلة – البرلس – إدكو – البردويل) وإزالة التعديات عليها، والتوسع في المشروعات المرتبطة بالثروة السمكية والمفرخات وغيرها.
ويعد مشروع بركة غليون الذي افتُتح في نوفمبر 2017 أكبر مزرعة سمكية في الشرق الأوسط، وتقع على الطريق الدولي الساحلي، أُنشئت بتكلفة 14 مليار جنيه. ويضم المشروع مزرعة سمكية على مساحة 4 آلاف فدان، ومن مقومات المشروع -بالإضافة إلى احتوائه على كافة الصناعات التكميلية أيضًا- أنه يوفر مناطق إسكان للعاملين، حيث توجد ٧ عمارات سكنية مسطح الواحدة ١٠٠٠ متر مربع، ومنطقة ترفيهية، وملاعب مؤهَّلة، وأماكن للمعيشة، ومبيت.
كذلك، أقيم مشروع الفيروز للاستزراع السمكي على مساحة ٢٦ ألف فدان تقريبًا بمواجهة ١٧ كم بمحاذاة ساحل البحر وعمق ١٠ كم شرق بورسعيد، ويتكون من مزارع سمكية بإجمالي ٥٩٠٨ أحواض للاستزراع السمكي، مساحة الحوض ١,٧٥ فدان، بطاقة إنتاجية أكثر من ١٣ ألف طن سنويًا أسماك وجمبري. إلى جانب بحيرات الفيروز للصيد البحري والمقامة على مساحة ١٠ آلاف فدان تقريبًا، وتضم منطقة إدارية وصناعية، وتتكون من (مبنى الإدارة – سكن إداري – مناطق خدمية)، بالإضافة إلى صالة للفرز والتعبئة بطاقة إنتاجية ٨ أطنان أسماك وجمبري يوميًا، ومصنع للثلج بطاقة إنتاجية ٤٠ طنًا يوميًا و٦ مخازن علف بطاقة تخزينية ٦٠٠٠ طن أعلاف.
ثالثًا: فيما يخص الإنتاج الحيواني والداجني:
بلغت استثمارات الثروة الداجنة خلال ال10 سنوات الماضية حوالي 100 مليار جنيه لإنتاج 1٫4مليار طائر سنويًا و14 مليار بيضة وتحقيق الاكتفاء الذاتي وفائض للتصدير. ونجحت الدولة في صدور قرار المنظمة العالمية للصحة الحيوانية لعدد 30 منشأة في مجال الإنتاج الداجنى والأنشطة المرتبطة بها بوصفها منشآت خالية من أنفلونزا الطيور مما يسهم في فتح أسواق جديدة للتصدير وتوفير الدعم اللوجستي والفني والمالي لصغار مربى الدواجن ورفع كفاءة مزارعهم وتحويلها من نظام التربية المفتوح الى النظام المغلق. وتم تخصيص عدد 9 مناطق في 4 محافظات بإجمالي مساحة 19 ألف فدان للاستثمار الداجني.
وفيما يتعلق بالثروة الحيوانية، كان الهدف الرئيس للدولة خلال السنوات الأخيرة هو تحسين سلالات قطعان الأبقار والجاموس المحلية، وتمصير السلالات المتخصصة في إنتاج الألبان واللحوم ذات الإنتاجية العالية والمتأقلمة مع الظروف المصرية، مع زيادة الإنتاجية من الألبان واللحوم لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل فجوات الاستيراد وتدعيم ورفع مستوى معيشة صغار المربين والمزارعين.
في سبيل ذلك، أُعدت قاعدة بيانات مدققة بإجراء حصر شامل للثروة الحيوانية بمصر، وتحسين السلالات المحلية من خلال وضع خطة استهدفت رفع مستوى إنتاجية الرؤوس المحلية من اللحوم والألبان، واستيراد سلالات عالية الإنتاجية، وتشجيع صغار المزارعين على إحلال سلالات الأبقار عالية الإنتاجية من الألبان واللحوم محل السلالات المحلية من خلال توفير سلالات محسنة بإجراءات تمويلية ميسرة.
وتم ضخ تمويلات للمشروع القومي للبتلو –بهدف تقليل حجم الاستيراد وتوفير الاستهلاك المحلي من اللحوم الحمراء- تقدر بحوالي 7 مليارات جنيه، يستفيد منها 41 ألف شخص بإجمالي 461 ألف رأس ماشية. وفي مجال التحسين الوراثي للإنتاج الحيواني، فقد تم تحسين السلالات في أكثر من مليون رأس ماشية، وأُنشئت (600) نقطة تلقيح اصطناعي بالوحدات البيطرية وتجهيزها بالأجهزة المطلوبة لتنفيذ إجراءات التلقيح الاصطناعي في القرى بالمحافظات المختلفة خاصة لصغار المزارعين والمربين.
وفي يونيو 2022، أنشئ مجمع الإنتاج الحيواني والألبان المتكامل بمدينة السادات بمحافظة المنوفية على مساحة 1000 فدان، بإجمالي 5000 رأس حلاب بطاقة 150 طن لبن في اليوم، و3000 رأس تسمين بطاقة 1.5 طن لحم حي بالدورة الواحدة. ويتكون المشروع من مزارع لتربية الماشية بمختلف أنواعها (6 مزارع فرعية، منها 5 مزارع حلاب ومزرعة واحدة للتسمين)، ومجازر آلية حديثة متكاملة، ومصانع لمختلف منتجات الألبان تعمل على توفير المنتجات بالكميات والجودة والأسعار المناسبة، ومركز علمي بيطري للأبحاث والتدريب، ومستشفى بيطري، ومبنى للولادة، ومبنى للتلقيح الصناعي.
يضم المشروع كذلك 5 محالب آلية بإجمالي 48 نقطة و5 خزانات لحفظ اللبن بطاقة 50 طنًا لكل محلب، وعربة لنقل اللبن مزودة بخزان سعة 30 طنًا، ومحطة معالجة مياه الصرف الصحي بطاقة 100 متر مكعب في اليوم، ومحطة معالجة المياه الناتجة من المحلب بطاقة 100 متر مكعب في اليوم، بالإضافة إلى مجرشتين بقدرة 10 أطنان في الساعة لجرش الحبوب وتجهيز الأعلاف، ومحرقتين للتخلص الآمن والصحي من المخلفات البيولوجية.
خامسًا: فيما يخص الصناعات الغذائية والمكملة:
لتحقيق التكامل مع مختلف المشروعات والقطاعات، كان هناك توجه لتنفيذ سلسلة من المشروعات التي تهدف إلى تأمين الغذاء، ومنها افتتاح المرحلة الثانية من مدينة الصناعات الغذائية “سايلو فودز” في 9 فبراير 2023، في حين تم افتتاح المرحلة الأولى منها في أغسطس 2021، وهي تعد أول وأحدث مدينة صناعية متكاملة، وتقع المدينة بالمنطقة الصناعية لمدينة السادات على مساحة ١٣٥ فدانًا، المرحلة الأولى منها ١٠٢ فدان بنسبة بناء ٥٠٪.
وتضم المدينة 3 مصانع أغذية -بسكويت ومكرونة ومخبوزات- بالإضافة إلى مطحن وآخر لتخزين القمح، و15 صومعة لتخزين قمح، إلى جانب مصنع لمنتجات ومستلزمات التغليف. بما يوفر السلع الاستراتيجية التي يحتاجها المواطن، وبأسعار مناسبة أقل من مثيلتها في السوق بنسبة قد تصل إلى 20%.
كأحد العناصر المكملة والمهمة والضرورية لضمان تحقق الأمن الغذائي، مصانع الأسمدة، وهي أحد السلع الأساسية التي تم تهديدها عالميًا إثر الحرب الروسية الأوكرانية، فروسيا وبيلاروسيا من أكبر منتجي الأسمدة بالعالم؛ إلا أن صناعة الأسمدة بمصر ترجع إلى أكثر من 75 عامًا، وفي ديسمبر 2021 أُعيد تأهيل شركة كيما للأسمدة (الأمونيا-اليوريا)، وتقدر الطاقة الإنتاجية للمشروع 1200 طن من الأمونيا و1575 طن يوريا يوميًا، تطرح الشركة 55% من إنتاجها لوزارة الزراعة، فيما يتم توجيه أغلب صادرات المصنع الجديد إلى أفريقيا والهند. وكذا تم افتتاح مجمع الأسمدة الفوسفاتية والمركبة بالعين السخنة، أغسطس 2019، وتبلغ مساحة المجمع 400 فدان، وضم 9 مصانع لإنتاج أنواع مختلفة من الأسمدة؟ بالإضافة إلى مجمع مصانع الأسمدة الآزوتية في مارس 2023 والذي يشمل 6 مصانع ومحطة تحلية لمياه البحر.
هل أتت ثمارها؟
بخلاف الأهمية المطلقة لهذه المشروعات المتعددة لضمان الأمن الغذائي خلال السنوات العشر الماضية، فإن هذه المشروعات التي شملت: زيادة الرقعة الزراعية، وترشيد استهلاك المياه، وتحسين الأصناف الزراعية، وتعزيز الثروة الحيوانية والسمكية والداجنة؛ قد زادت أهميتها بشكل خاص مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى تأثيرات واسعة النطاق على الأمن الغذائي لكل دول العالم ومنها مصر؛ إذ أسهمت هذه المشروعات في ضبط الأزمة إلى حد ما وعدم خروجها عن السيطرة مقارنة بدول أخرى.
فقد زادت المساحة المنزرعة في مصر بنسبة 6% مقارنة بعام 2014، فقدرت هذه الزيادة بحوالي 684 ألف فدان، والتي وفرت ملايين الدولارات مقابل استيراد المحاصيل المزروعة بهذه المساحات سنويًا، بل وتفويت ملايين الدولارات على الدولة سنويًا مقابل المحاصيل التي تم تصديرها، وساهمت في زيادة حصيلة الصادرات والعوائد الدولارية الناتجة عنها.
وزيدت إنتاجية عدد من السلع الاستراتيجية، خاصة التي تخدم القطاع الصناعي أيضًا، ومنها: الكتان، والذي يستخدم في صناعة الغزل والنسيج، وصناعة الخشب الحبيبي والمضغوط، وزيوت بذر الكتان، وقد زيدت إنتاجيته في عام 2019 بنسبة 562% بالمقارنة بعام 2013. وكذلك زيدت إنتاجية سلع كالثوم والبصل، التي يتم توجيه جزء منها للتصدير للخارج، بنسبة 55% تقريبا مقارنة بعام 2013.
وفقًا لآخر بيانات منشورة بتقرير اللمحة الإحصائية الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد حققت الخريطة الزراعية المعتمدة في 2019 الاكتفاء الذاتي من عدد من السلع بل وتحقيق فائض يمكن توجيهه للتصدير مثل (البصل، الثوم، الخضروات، البطاطس، الفاكهة، عسل النحل)، في حين قاربت نسبة الاكتفاء من 50% أو أدنى بعدد من السلع مثل (القمح، الذرة الشامية، واللحوم الحمراء) بالعام نفسه.
وعن حصيلة المساحات المحصولية والإنتاج النباتي لعام 2020/2021، فقد بلغ إجمالي المساحة المحصولية 16.4 مليون فدان عام 2020/2021 مقابل 16.3 مليون فدان عام 2019/2020 بزيادة نسبتها 0.5%. فيما بلغت المساحة المنزرعة 9.6 ملايين فدان عام 2020/2021 مقابل 9.5 ملايين فدان عام 2019/2020 بزيادة بلغت نسبتها 1.5%. وقد وصل متوسط نصيب الفرد من المساحة عام 2020/2021 لحوالي 0.094 فدان.
وتضمنت الجهود كذلك زيادة إنتاجية السلع الاستراتيجية على وجه التحديد، فبلغت مساحة محصول القمح 3.42 ملايين فدان 2020/2021 مقابل 3.4 ملايين فدان عام 2019/2020، وبلغت كمية الإنتاج 9.8 ملايين طن عام 2020/2021 مقابل 9.1 مليون طن عام 2019/2020 بزيادة بلغت نسبتها 8.1%، وقد يرجع ذلك إلى استخدام سلالات محسنة ذات إنتاجية مرتفعة.
مجمل القول، استطاعت مصر تحقيق عدة نجاحات في مجال ضمان الأمن الغذائي رغم التهديدات الراهنة (تغير المناخ، الشح المائي، تفتت أحوزة الأرض الزراعية، تزايد التضخم العالمي، الأزمة الاقتصادية العالمية… وغيرها). قد يرجع ذلك إلى الخطوات الاستباقية التي اتُخذت فيما قبل اندلاع الأزمة في صورة مشروعات قومية لزيادة الرقعة الزراعية، وترشيد وإعادة معالجة واستخدام المياه، وتعزيز الثروات السمكية، والحيوانية والداجنة. وقد يكون من الأنسب الآن استثمار كل هذه المشروعات والبناء عليها من خلال إطلاق استراتيجية وطنية لتحقيق الأمن الغذائي وفق المتغيرات الحادة الراهنة، تراعي آليات تضمن تحقيق الاكتفاء الذاتي، مع الاستغلال الأمثل للمقومات المصرية، وتؤمن جودة وسلامة الغذاء، وتعزز آليات الرقابة والمساءلة، وتضمن تعزيز المرونة أمام الأزمات الخارجية.