الشباب العنصر الأهم في معادلة البناء والتنمية: ملف للنقاش على طاولة الحوار الوطني
لطالما كان ولا يزال الشباب عنصرًا رئيسًا لبناء المجتمع والمشاركة في نهضته واستقراره. وبالنظر إلى المجتمع المصري وخاصة في أعقاب ثورة 25 يناير2011 وما تلاها من أحداث غيرت الكثير من أنماط وقيم المجتمع كان الشباب هم المحرك الرئيس لها، بدأ النظر إلى القوة التي تكمن في هذه الفئة التي تغلب على المجتمع، والتي تعد وحدها قادرة على إحداث تغييرات جذرية وغير متوقعة على كل الأصعدة (سياسية- مجتمعية – اقتصادية – وثقافية).
فجرت ثورة يناير قدرات الشباب المصري، ووجهت النظر إلى ضرورة استغلال تلك الطاقات في معركة البناء والتنمية، والحفاظ عليهم من الانجراف إلى الهدم والسلبية. ولذلك بعد ثورة 30 يونيو، راهنت القيادة السياسية على الشباب وقدراتهم وأهمية مشاركتهم في أمور لم يكن لهم بها دخل سابقًا، على الرغم من تأثيرها المباشر عليهم. ومع بدء عهد جديد هدفه الأساسي البناء والتنمية وفقًا لأسس عالمية تمهد الطريق لاستقرار الدولة والمضي قدمًا على كافة المستويات، كان إطلاق استراتيجية مصر للتنمية المستدامة 2030، والتخطيط لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة في أبعادها الثلاثة (اقتصادي- اجتماعي- بيئي) والتي كان عنصر الشباب طرفًا أصيلًا في تحقيقها.
2016 عام الشباب
أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2016 عام الشباب المصري، وأطلق معه “البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة”، ليؤكد أن الخطوة الأولى لإشراك الشباب في الحياة العامة في مصر هو تأهيلهم أولًا. وعلى الرغم من أن 60% من إجمالي عدد السكان في مصر تقع في الفئة العمرية ما دون الأربعين عامًا، وذلك وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإنه وفقًا لتقارير دولية للتنمية البشرية للدول مثل (تقرير التنافسية الدولية، ومؤشر رأس المال البشري) كان العنصر البشري المصري في أدنى مستوياته من التأهيل والتمكين. الأمر الذي كان لزامًا معه تدخل من القيادة السياسية لمعالجة هذا الأمر.
كان البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة أول هذه التدخلات؛ فقد انطلق البرنامج في 2016 بهدف تأهيل وتدريب 3500 شاب يمثلون نموذجًا تحتذي به الهيئات والمؤسسات في تدريب وبناء كوادرها، ويسهمون في صنع السياسة العامة للدولة مستقبلًا. وقد حقق هذا البرنامج مكتسبات عديدة على مستوى بناء الثقة بين الشباب ومؤسسات الدولة، من خلال تنمية شعور الشباب بأنهم فاعلٌ رئيس في عملية البناء والتنمية، وانبثق عن البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة عدة مكتسبات من أفكار الشباب، فتحت قنوات اتصال مباشرة بين الشباب في مختلف المحافظات ومؤسسات الدولة المختلفة.
أصبحت أفكار ومقترحات شباب البرنامج الرئاسي بدفعاته الأربع حتى الآن تمثل مثالًا عمليًا لتحويل الأفكار البناءة إلى واقع ملموس، بداية من ( نموذج محاكاة الدولة المصرية – المؤتمرات الوطنية للشباب – منصة منتدى شباب العالم – الأكاديمية الوطنية للتدريب – البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب الأفريقي للقيادة – مؤسسة حياة كريمة لتطوير الريف المصري- مبادرة ابدأ لتنمية الصناعة المصرية) وغيرها الكثير من المبادرات والمشروعات، التي بدأت بفكرة شباب مصري مؤهل فُتح الباب أمامه للإبداع والمشاركة في رسم ملامح التنمية في وطنه.
- الأكاديمية الوطنية للتأهيل والتدريب
بعد توصية من الشباب في أحد المؤتمرات عام 2017 بإطلاق مؤسسة يكون هدفها الرئيس بناء قدرات الشباب المصري في مختلف القطاعات، وتأهيل كوادر وطنية شابة تصلح لتولي القيادة مستقبلًا؛ أصدر الرئيس القرار الجمهوري رقم 434 لسنة 2017 بإنشاء “الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب”، التي تهدف إلى تحقيق متطلبات التنمية البشرية للكوادر الشبابية بجميع قطاعات الدولة، والارتقاء بقدراتهم ومهاراتهم من خلال البرامج التدريبية في المجالات المختلفة.
ولم تكتفِ الأكاديمية ببرنامج تأهيل الشباب في الفئة العمرية 20-30 عامًا، ولكنها توسّعت لتضم أربع فئات مختلفة من خلال: البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة ويستهدف الشباب من الفئة العمرية 20-30 عامًا، والبرنامج الرئاسي لتأهيل المتفوقين للقيادة ويستهدف المتفوقين من شباب الجامعات، والبرنامج الرئاسي لتأهيل التنفيذيين للقيادة ويستهدف العاملون في القطاع الحكومي من الفئة العمرية 30-45 عامًا، والبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب الأفريقي.
وبذلت الأكاديمية الوطنية المزيد من الجهود من أجل التطور والارتقاء، سواء ببرامج التدريب المقدمة أو بعمل الشراكات مع كبرى مؤسسات التدريب والتأهيل الدولية، التي جاءت في مقدمتها “المدرسة الوطنية للتدريب بفرنسا (l’Ena) “، والتي تعد واحدة من أعرق المدارس العليا الفرنسية، أنشئت في عام 1945 على يد “ميشال دوبريه”؛ لتقوم باختيار وتدريب كبار المسؤولين الفرنسيين، ونجح الخريجون منها في الوصول إلى مناصب عليا في القطاعين العام والخاص.
فوقعت الأكاديمية بروتوكول تعاون مع المدرسة الفرنسية لتقديم برنامج “إينا _ مصر”، الذي يهدف إلى تدريب وتأهيل العاملين بالدولة المصرية لتمكينهم من التكيف مع الاحتياجات المتغيرة للإدارة. وتوالت الشراكات مع كبرى المؤسسات التدريبية في العالم مثل (المعهد الكوري لتنمية الموارد البشرية في العلوم والتكنولوجيا (KIRD) – وكالة التعاون الدولي لاتحاد البلديات الهولندية (VNG) – مركز جنيف للسياسة الأمنية (GCSP) – المعهد الوطني لتنمية الموارد البشرية بكوريا الجنوبية (NHI) – وغيرها).
وفتحت الأكاديمية الوطنية للتدريب والتأهيل المجال أمام قطاعات متعددة من الدولة لبناء القدرات والتدريبات المتخصصة للعنصر البشري، وأصبحت شرطًا لتولي المناصب القيادية؛ فنفذت الأكاديمية عدة برامج تدريبية متعددة لكل من: (موظفي الخطوط الأمامية الذين يتعاملون مباشرة مع الجمهور، لرفع مستوى وكفاءة الخدمات المقدمة لعملائها “المسؤول الحكومي المحترف” – برنامج المرأة تقود للتنفيذيات – برامج الإدارة المحلية)، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من البرامج المصممة خصيصًا لقطاعات معينة في الدولة للتدريب وتعزيز قدرات المديرين التنفيذيين والمديرين العاملين في مختلف المؤسسات.
- منتدى شباب العالم منصة دولية للشباب
تدرك الدولة المصرية تمامًا أن الجمهورية القابلة للبقاء هي الجمهورية الجاهزة بجيل ثانٍ وثالث من الكوادر لتحمل المسؤولية في مختلف المجالات ولا سيما العمل السياسي؛ لذا وافقت القيادة السياسية على الفكرة التي قدمها الشباب المصري في المؤتمر الوطني الثالث للشباب بالإسماعيلية في أبريل 2017 على عقد مؤتمر دولي سنوي للشباب من مختلف دول العالم تحت اسم “منتدى شباب العالم”.
وبعد عقد المنتدى لثلاث دورات متتالية ناجحة من حيث التنظيم والمحتوى والمخرجات، اعتمدت الأمم المتحدة المنتدى بوصفه منصة عالمية للحوار بين الشباب. والجدير بالذكر أن المنتدى حرص في كل دورة على مناقشة كافة القضايا الدولية المعاصرة، ومشاركة كافة الأطراف المعنية والخروج بتوصيات للصالح العالمي كله؛ فكانت قضايا التغير المناخي، والثورة الصناعية الرابعة، والتحول الرقمي، وحقوق اللاجئين، وحقوق المرأة خاصة في القارة الأفريقية، ونبذ العنصرية الدينية والقومية والفكرية، ورفض أيديولوجيات التطرف ودعم مكافحة الإرهاب حول العالم أجمع أيًا كان نوع هذا الإرهاب وغيرها الكثير؛ من أهم قضايا الحوار خلال نسخ المنتدى.
تمكين متعدد الاتجاهات
لم يقتصر الأمر على تقديم البرامج التدريبية أو المبادرات التوعوية أو منصات دولية للحوار وطرح الأفكار فقط، ولكنه امتد أيضًا إلى تمكين حقيقي للشباب في جميع الاتجاهات: الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي، بمستوى أشادت به المنظمات والهيئات الدولية، وظهر الشباب المصري لأول مرة بقوة في المشهد المجتمعي بأبعاده المختلفة (حكوميًا- سياسيًا- مجتمعيًا- اقتصاديًا- دينيًا)، مع تمكين خاص للمرأة المصرية.
- تمكين سياسي
شهدت السنوات العشر الماضية نموًا ملحوظًا في أعداد الشباب في المناصب القيادية؛ فقد صدر في 2014 قرارًا بتفويض الوزراء في اختيار معاونيهم، وبدأت بالفعل العديد من الوزارات في تطبيقه، ثم جاء قرار مجلس الوزراء في 2020 بالموافقة على مشروع قرار بشأن نظام تعيين مساعدي ومعاوني رئيس مجلس الوزراء والوزراء، على ألا يتجاوز عددهم عشرة لكل وزير.
واستكمالًا لجهود تمكين الشباب في المناصب التنفيذية، وقع الاختيار على اثنين من الشباب لتولي منصب المحافظ 2019، وبلغ عدد نواب المحافظين من الشباب في العام نفسه 23 نائبًا ونائبة بنسبة 60% من العدد الإجمالي لنواب المحافظين. وكذا، شهدت انتخابات مجلس النواب والشيوخ زخمًا أكبر بعدد النواب الشباب الذين تولوا مقاعدهم في غرفتي البرلمان؛ فبلغ عدد الأعضاء من الشباب تحت سن الأربعين في مجلس النواب نحو 124 نائبًا بنسبة 21% من إجمالي عدد النواب.
وتأكيدًا على تلك المكاسب، أفردت القيادة السياسية مساحة أكبر لمشاركات الشباب في الحياة السياسية في الكيانات المختلفة فظهرت “تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين” وغيرها من الكيانات الشبابية التي فرضت نفسها على الساحة السياسية في مصر بجانب الأحزاب المعروفة. فقد انطلقت التنسيقية من خلال فكرة طُرحت في المؤتمر الوطني الخامس للشباب تحت عنوان “رؤية شبابية لتحليل المشهد السياسي في مصر”.
وقد تبنت التنسيقية منذ تدشينها نهجًا قائمًا على تقارب وجهات النظر بين الشباب ومؤسسات الدولة، وأصبحت نموذجًا للتكامل في العمل العام، وتمثل إحدى آليات تمكين الشباب بكافة توجهاتهم وانتماءاتهم؛ إذ تضم مجموعة من شباب السياسيين وممثلين للأحزاب يبلغ عددهم ما يقرب من 25 حزبًا منها أحزاب: مستقبل وطن، والإصلاح والتنمية، والتجمع، والمصريين الأحرار، والمؤتمر، والإصلاح والنهضة، والجيل، والحركة الوطنية المصري، والحرية، والغد، والمصري الديمقراطي، والمحافظون، والناصري، وحماة الوطن. وقد تمكنت التنسيقية عام 2021، من حصد 32 مقعدًا في مجلس النواب، و16 مقعدًا في مجلس الشيوخ، في إشارة إلى التغيير الواضح في الحياة العامة في مصر.
- تمكين اقتصادي
لا شك في أن الشباب قوة لا يستهان بها في بناء وتعزيز الاقتصاد، فهم القوة القادرة على العمل والإبداع والابتكار وخلق فرص اقتصادية فارقة، لذا تولي الدولة المصرية اهتمامًا كبيرًا بخلق فرص عمل للشباب بما يساعد على استيعاب الزيادة السنوية في الطلب على العمل، وتوفير مستوى معيشة لائق، وذلك من خلال المشروعات القومية الكبرى، أو تشجيع المستثمرين على إنشاء مشروعات جديدة، أو تشجيع ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال القروض الميسرة، مثل مبادرة البنك المركزي بتوفير 200 مليار جنيه لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بفائدة لا تتعدى 5%، وبلغ عدد المستفيدين من هذه المبادرة 3.3 ملايين مواطن، 63% منهم من فئة الشباب.
ذلك بالإضافة إلى حاضنات الأعمال المختلفة وجذب المستثمرين لدعمهم. علاوة على وعي الدولة بالمهارات الحديثة لسوق العمل وضرورة استخدام التكنولوجيا والتحول الرقمي لكل أنظمة الدولة، وعليه وجه الرئيس “عبد الفتاح السيسي” بضرورة بناء القدرات في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، تماشيًا مع الثورة الصناعية الرابعة وخلق جيل من الكوادر المصرية في تلك المجالات. ولذلك تشير الإحصائيات إلى انخفاض معدلات البطالة، إذ انخفضت من 13% عام 2014 إلى 7.4% في 2022.
- تمكين اجتماعي
يشكل المحور المجتمعي عنصرًا رئيسًا في إتمام عملية تمكين الشباب؛ فالمسؤولية المجتمعية في خلق السياسات العامة للدولة، والحفاظ على القيم، ودعم الهوية الثقافية والحضارية للمجتمع، والاندماج في مشكلات المجتمع ومحاولة الوصول لحلول عملية من شأنها النهوض بالمجتمع وتحسين مستوى حياة أفراده.
وعليه كان لا بد من تطوير قانون الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني بصدور القانون رقم 149 لسنة 2019، الذي أعاد تقنين أوضاع الجمعيات الأهلية بشكل يضبط العمل الأهلي ولا يعوقه، ومن هنا جاءت المبادرة الرئاسية الأهم على الإطلاق في العمل المجتمعي في مصر وهي مبادرة “حياة كريمة” لتنمية القرى الأكثر احتياجًا في مصر، لتصبح بعد ذلك “المشروع القومي لتطوير قرى الريف المصري”، ويبدأ العمل فيها بمشاركة واسعة من مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمحليات وكذلك الشباب الذي أصبح يمثل القوة البشرية للمؤسسة على الأرض في كافة القرى والمحافظات من خلال قاعدة بيانات المتطوعين التي تخطت 60 ألف متطوع من الشباب.
وتبلورت أفكار الشباب في تعظيم الاستفادة من موارد تلك الجمعيات وضمان التوزيع العادل على المستحقين في القرى الأكثر احتياجًا وفقًا لأولوية الاحتياجات، حتى تم الإعلان عن “التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي” الذي يجمع تحت مظلته أكثر من 25 جمعية ومؤسسة مجتمع مدني هدفها خدمة الإنسان. وبلغ إجمالي عدد المتطوعين في مصر في عام 2020 أكثر من 1.5 مليون متطوع وفقًا لتصريحات مديرة مكتب متطوعي الأمم المتحدة.
وبالتأكيد لا يقتصر التمكين الاجتماعي في العمل التطوعي فقط وإنما في عدد من المبادرات المجتمعية التي تهدف إلى رفع الوعي وتحسين مستوى المعيشة للشباب مثل (مبادرات إسكان الشباب- صندوق رعاية الأسرة- مبادرات صحة الأسرة وكشف المقبلين على الزواج – مبادرات تطوير الخطاب الديني وزيادة وعي الشباب بأمور دينهم الصحيح من خلال الأزهر الشريف).
وفي إطار دعم الدولة للشباب على مستوى الفن والثقافة والرياضة ورعاية الموهوبين، أُطلق العديد من المبادرات بالتعاون مع وزارتي الثقافة والشباب والرياضة لاكتشاف الموهوبين في محافظات مصر المختلفة وتقديم الدعم لهم.
تحديات قائمة
تشير الملامح سالفة الذكر إلى أن الشباب أصبح رقمًا محوريًا في استراتيجية الدولة المصرية وخطتها للبناء والتنمية، ولكن ربما لا تزال هناك بعض التحديات القائمة التي تواجه الشباب حتى الآن لنستطيع القول إن تلك الخطوات وصلت بالدولة للطريق الصحيح، ولعل أهمها:
الأزمة الاقتصادية: منذ ثورة يناير 2011 ومصر تمر بتغييرات ملحوظة للغاية على المستوى الاقتصادي، فاتخذت الحكومة خطوات جادة نحو “الإصلاح الاقتصادي” الذي ما لبث أن تظهر نتائجه على الوضع الاقتصادي للبلد والمواطن من تطوير في البنية التحتية، وجذب الاستثمارات، وبرامج الحماية الاجتماعية، وتطوير قرى الريف المصري، وتنمية الصعيد، وبرامج إصلاح التعليم، حتى اجتاحت العالم كله أزمات متتالية منها: جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، وأزمات سلاسل الإنتاج والتوريد، والتي أثرت بشكل كبير على وضع ونمو الاقتصاد المصري، الأمر الذي أثر على مستوى المعيشة وغلاء الأسعار وارتفاع معدلات البطالة بين المجتمع، وهو ما يلقي بظلاله بشكل واسع على فئة الشباب.
غياب القدوة: ما يعاني منه المجتمع المصري كله وليس الشباب وحدهم هو غياب القدوة، الإنسان النموذج الذي تؤدي أفعاله وأفكاره وسلوكه في المجالات المتعددة، إلى إتباع الشباب له ومحاولة السير على نهجه والوصول إلى مراتب النجاح التي وصل إليها. ولكن للأسف على الرغم من أن مصر غنية بأمثلة متميزة لا حصر لها في كل المجالات، ولكن يطويها النسيان والإهمال، ولا يطفو على السطح إلا منعدمي الأخلاق والموهبة، وتوحي بما تحققه من شهرة وأموال أن هذا هو السبيل الوحيد والمفتوح أمام الشباب للنجاح وتحقيق أهدافهم.
غياب القيم المجتمعية: لا ننكر الجهود المبذولة من الدولة في محاولة إحياء القيم المجتمعية والأخلاقية النبيلة التي تربى عليها المجتمع المصري، والتي غالبًا ما كانت تبدأ من الأسرة والمدرسة والبيئة المحيطة ووسائل الترفيه مثل الفن والثقافة والرياضة وغيرها، إلا أن هذه الأجيال من الشباب تعاني من غياب وربما انعدام كل ما سبق؛ فالتفكك الأسري الذي يعاني منه المجتمع، وارتفاع معدلات الطلاق في السنوات الأولى بين الشباب، وتأثر دور المدرسة في التربية، وما يخرج على الشباب من وسائل التواصل الاجتماعي والأعمال الفنية من تشويه للقيم، هي من أهم التحديات التي يواجهها الشباب في ظل ظروف اقتصادية صعبة وعالم مفتوح على كل الثقافات.
الخطاب الديني: النزعة الدينية هي أعلى النزعات الإنسانية تأثيرًا في حياة الفرد والمجتمع، ولها الدور الأكبر في صيانة أخلاقيات الفرد، ومع ما شهده المجتمع المصري خلال العقدين الماضيين من تخبط ديني وتغيير في القيم الدينية الواضحة وفقًا لأهواء ومصالح فئات معينة من المجتمع، وما تبع ذلك من غياب وتدهور للحوار الديني المعتدل بين فئة الشباب، أدى ذلك إلى تأثيرات سلبية متعددة على الشباب من بينها (زيادة معدلات الاكتئاب والانتحار بين الشباب – الإلحاد والجهر بأفكار غريبة على المجتمع – سهولة استقطاب الشباب من الجماعات الإرهابية).
التعليم وسوق العمل: هذه الفجوة القائمة لسنوات فيما يقدمه التعليم المصري للشباب وبين ما يتطلبه سوق العمل من مهارات، فيعاني الشباب من ضعف المهارات المطلوبة لسوق العمل، وتلقيهم التعليم بطرق تقليدية تعتمد على الحفظ والتلقين وجمع الدرجات، ويظهر تأثير ذلك على ملايين الخريجين. وعلى الرغم من المحاولات التي تتم حاليًا من خلال الجامعات التكنولوجية والجامعات الأهلية والتي تعتمد على المهارات والتطبيق العملي، فإن الفجوة ما زالت قائمة وما زال الطريق طويلًا لتغيير مفاهيم المجتمع وزيادة الوعي بمهارات المستقبل.
توصيات ومقترحات
يحتاج الشباب في مصر إلى العمل من خلال استراتيجية وطنية لاستعادة الوعي المجتمعي للشباب والمجتمع ككل، فالشباب بحاجة إلى مزيد من الإشراك واحترام رأيه وعقله وتقديم ما هو بحاجة إليه فعلًا، والشباب يحتاجون إلى المزيد من التمكين في كل المجالات، والمزيد من قنوات الاتصال المباشرة مع الحكومة بمختلف مؤسساتها. وهناك بعض المقترحات التي يمكن تبنيها للمساعدة في معركة استعادة الوعي:
المحتوي الإعلامي: إعادة تقييم ما يقدم للشباب المصري خلال قنوات الإعلام المختلفة، وتفعيل دور الرقابة والمتابعة من قبل كافة الجهات المعنية وخاصة المجلس الأعلى للإعلام، تجاه ما يقدم في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من محتوى يشكل قيم الشباب وسلوكهم.
الفن والثقافة: تفعيل دور قصور الثقافة والمكتبات العامة، وتفعيل وحدات اكتشاف وتنمية المواهب في كل المجالات الفنية والثقافية وتقديمها للمجتمع ودعمها للنجاح، بالإضافة إلى مراجعة ما يتم تقديمه من أعمال فنية ودرامية تؤثر على الشباب.
الرياضة: تفعيل كافة مبادرات وزارة الشباب والرياضة التي تظهر بشكل فردي، ودمجها في مشروع قومي لصناعة البطل الرياضي المصري، والذي يهدف إلى:
- اكتشاف وتنمية المواهب الرياضية في مختلف المجالات.
- مساعدة اللاعبين الحالين في الرياضات المختلفة وتأهيلهم للتمثيل الدولي والعالمي.
- حل مشكلات الرياضات الفردية وزيادة المخصصات المالية لها.
- تحسين أوضاع اللاعبين للألعاب الفردية أو الجماعية غير الممولة، وزيادة المكافآت والمخصصات المالية لهم، وعدم اقتصار النظر حول كرة القدم فقط.
- تطوير وحدة مخصصة لتأهيل ودعم الاحتراف الدولي للرياضيين، والحفاظ عليهم وعلى حقوقهم خارج بلدهم.
دعم الابتكار والإبداع: تتنافس الدول المتقدمة على مؤشرات الابتكار ودعم الإبداع فيها، إيمانًا منهم بأهميتهم القصوى في دعم الاقتصاد ككل وتحقيق معدلات أعلى في التنمية، وتنفق على ذلك مليارات الدولارات، لذا وبالاعتراف بالمحاولات التي تدعمها الدولة سواء من خلال وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أو أكاديمية البحث العلمي، وما تقدمه من برامج بحثية مشتركة وحاضنات تكنولوجية للأفكار ودعم للمشروعات البحثية، إلا أنه لا بد من بذل المزيد من الجهود ومزيد من الإنفاق الحكومي على دعم الابتكار؛ من خلال إنشاء صندوق دعم الابتكار، والإدارة الجيدة لتلك الجهود، واستثمار النتائج والمخرجات بشكل يعود على الصناعة والاقتصاد بالنفع، وزيادة المحاولات الفعالة لعملية نقل وتوطين التكنولوجيا في المجالات المختلفة.
ختامًا، بذلت الدولة جهودًا كبيرة وواضحة لتمكين الشباب على كافة المستويات خلال السنوات الماضية، ولا شك في أن زيادة مخرجات تلك الجهود التي تبلورت في تولي الشباب مناصب تنفيذية وبرلمانية، وإتاحة فرصة للتنفيذيين الشباب في اتخاذ وصنع القرار في الهيئات المختلفة. ولكن بذل المزيد من الجهود لا شك أنه سينعكس بشكل إيجابي على الحياة السياسية والاجتماعية في مصر، وسيضع مصر في مكانة متقدمة ويمنحها فكرًا غير تقليدي تجاه القضايا المختلفة.