التكلفة الاقتصادية لاستضافة مصر 9 ملايين ضيف أجنبي
تحتضن مصر قرابة 9 ملايين ضيف على أراضيها يعيشون وسط المصريين ويتلقون جميع الخدمات العامة مثلما يتلقاها المواطنون المصريون؛ ذلك هو المفهوم المصري لمعاملة الأجانب المقيمين بمصر كضيوف وليسوا لاجئين، أصبح ذلك الرقم يمثل قرابة 9% من سكان مصر، وحوالي 8% من أعداد اللاجئين عالميًا البالغ عددهم 103 ملايين شخص. ويمكن الإشارة إلى أن هناك دولًا بمنطقة أفريقيا والشرق الأوسط يبلغ تعداد سكانها أقل من ضيوف مصر؛ إذ يقطن مصر قرابة 4 ملايين سوداني، وحوالي 1.5 مليون سوري، ومليون ليبي، والبقية من جنسيات أخرى.
بالنظر إلى تكاليف استضافة هؤلاء الضيوف، فوفقًا لتقرير منشور على منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بعنوان “Migration Policy Debates” في عام 2017 فقد تمت الإشارة إلى أن تكلفة استضافة عدد 900 ألف لاجئ في ألمانيا حوالي 17.3 مليار دولار، وهو ما يعني أن اللاجئ الواحد يتكلف قرابة 19.2 ألف دولار سنويًا. لا تختلف تلك التكلفة كثيرًا عن الولايات المتحدة الأمريكية والتي تمثل تكلفة استضافة اللاجئ بها 22.3 ألف لاجئ، بينما ترتفع تلك التكلفة إلى 39.8 ألف في السويد، وتنخفض إلى 15.0 ألف في كندا (تكلفة اللاجئ الواحد سنويًا).
ومن ثم فإن تلك التكلفة يبلغ متوسطها العالمي حوالي 24 ألف دولار أمريكي سنويًا لكل لاجئ. لكن ذلك الرقم يعود إلى العام 2015، وهو ما يعني أن هناك على الأقل 7 سنوات من التضخم السنوي، وفي حال تعديل تلك التكلفة لتعكس الزيادة في معدلات التضخم عالميًا فإن القيمة الحالية لتلك التكلفة تبلغ 30 ألف دولار لكل لاجئ.
لكن تلك التكلفة بالتأكيد تعكس اختلاف مستويات المعيشة وجودة الخدمات الحكومية التي يحصل عليها اللاجئون في تلك البلدان، وعليه فإنه بالتأكيد ستختلف تلك التكلفة بين البلدان ذات الدخل المرتفع وبين البلدان صاحبة الدخل المتوسط والمنخفض، وعليه فقد قمنا بترجيح متوسط التكلفة الحالية للاجئ التي تم التوصل إليها والتي تبلغ 30 ألف دولار أمريكي لتعكس الفروقات في مستويات المعيشة بين البلدان باستخدام مؤشر “بيج ماك” وهو مؤشر يقيس الفروقات في سعر “ساندوتش بيج ماك” الذي تبيعه سلسلة مطاعم “ماكدونالدز” في جميع أنحاء العالم.
وعليه فإن متوسط مؤشر “بيج ماك” للدول التي تمت الاستعانة بها في هذه الدراسة لسعر “ساندوتش بيج ماك” هو حوالي 5.19 دولارات “للساندوتش”، فيما تبلغ قيمة ذلك “الساندوتش” بمصر 2.43 دولار. وعليه فإن التكلفة التي يتم إنفاقها على اللاجئ عالميًا والتي تبلغ 30 ألف دولار تعادل حوالي 12.3 ألف دولار بمصر، وحيث إن مصر تحتضن حوالي 9 ملايين أجنبي على أرضها فإن التكلفة السنوية تقدر بحوالي 111.2 مليار دولار.
وعلى الرغم من أن الحسابات السابقة هي التي دفعت بتلك النتيجة، إلا أنه لا يمكننا توقعا أن تكون تكلفة إقامة 10% من سكان مصر تمثل حوالي 26% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر مقومًا بالدولار الأمريكي (420 مليار دولار)، خاصة في ضوء ما يتم تناوله إعلاميًا أن تلك التكلفة تبلغ 10 مليارات دولار على الأقل وهو أمر نرفضه أيضًا؛ إذ إنه وفقًا لسيناريوهات الضغط على التكاليف وفقا لحساباتنا وبافتراض انخفاض التكاليف الحقيقية لمصر بأكثر من 50% لتصبح 5 آلاف دولار للأجنبي خلال العام بدلًا من 12.3 ألف دولار للأجنبي خلال العام، فتظل تكاليف استضافة الأجانب بمصر حوالي 45 مليار دولار سنويا (9 ملايين أجنبي * 5 آلاف دولار). يوضح الجدول التالي حساسية التكاليف في حال تغير الافتراضات الخاصة بالدراسة.
هيكل التكاليف المحسوب أعلاه يطرح تساؤلًا مهمًا للغاية، لماذا يتحمل الاقتصاد المصري وحده كل تلك التكاليف، خاصة وأنه لولا التسامح المصري والموافقة على استقبال الضيوف من البلدان المجاورة لكانت أوروبا الآن تعاني أزمة كبيرة حيال اللاجئين بها من خلال أبواب الهجرة غير الشرعية، خاصة وأن الدولة المصرية بادرت في عام 2016 بإطلاق أول استراتيجية وطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، والتي تلاها صدور قانون رقم 82 لعام 2016 والذي وضع عقوبات رادعة من أجل مواجهة تلك الظاهرة وجرم كل أشكال تهريب المهاجرين وطارد نشاط المؤسسات المتورطة في مثل تلك الجرائم.
وليست تلك المبادرة المصرية الوحيدة؛ فالاهتمام المصري بذلك الملف لم يتوقف، وتم تنظيم مؤتمر مسارات الهجرة بين إفريقيا وأوروبا، وتم إطلاق مبادرة “مراكب النجاة” في عام 2019، وتم عقد المنتدى الإقليمي الأول لهيئات التنسيق الوطنية لمكافحة الاتجار في البشر وتهريب المهاجرين في نفس العام، وتم إطلاق المشروع المصري الخاص بتفكيك شبكات الاتجار في الأشخاص بشمال إفريقيا، بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، في يوليو 2020.
وبالفعل نجحت تلك الجهود السابقة في وقف تدفقات الهجرة غير الشرعية من الشواطئ المصرية وهو الأمر الذي تدركه أوروبا جيدًا، ودائما ما يكون محل تقدير من كافة قادة الدول الأوروبية. لكن في المقابل تحملت مصر تلك الفاتورة برفضها أن تغلق أبوابها أمام الأجانب من الأشقاء العرب وإصرارها على تحمل مسؤوليتها كدولة كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما حمّل فاتورة الاقتصاد بها تكاليف إضافية كبيرة في وقت يمر به العالم بأزمات اقتصادية طاحنة.