مصر

المشهد في سيناء بعد 10 سنوات “تعزيز التنمية.. وانتصار الاستقرار الأمني”

يبدو المشهد السيناوي بعد عشرة أعوام على ثورة الثلاثين من يونيو 2013، مغايرًا بشكل كبير للمشهد الذي كان سائدًا خلال عقود خلت، ليس فقط على المستوى الأمني بل أيضًا على المستوى الحضاري والاقتصادي، بشكل يمكن من خلاله القول إن حاضرًا ومستقبلًا جديدًا قد تمت كتابته على أرض الفيروز، لتطوي بذلك صفحة الإرهاب الأسود الذي تم اجتثاثه من جذوره بأيدي ودماء المصريين، وتبدأ مرحلة جديدة كليًا تنطلق من خلالها عمليات التعمير في كافة أرجاء شبه جزيرة سيناء، وتستعيد هذه البقعة العزيزة من أرض مصر مكانتها الحضارية والسياحية والتنموية التي تستحقها.

تجدر الإشارة قبل الحديث عن مسارات التنمية والأمن في سيناء خلال الأعوام العشرة المنصرمة، إلى بعض خصائص شبه جزيرة سيناء وخطة تنميتها، إذ يقطن بها وفقًا لتقديرات عام 2022، حوالي 564 ألف نسمة بواقع 451 ألف نسمة بشمال سيناء، و113 ألف نسمة بجنوب سيناء، ولا تتعدى نسبة السكان القاطنين بشبه جزيرة سيناء نسبة 1% من إجمالي سكان الجمهورية. ويبلغ متوسط عدد أفراد الأسرة بها حوالي 4.4 أفراد، وهو يعتبر متوسطًا مرتفعًا نسبيًا بالمقارنة بالمتوسط العام لإجمالي أفراد الأسرة على مستوى الجمهورية والذي يقدر بـ 4.04 أفراد.

وتتميز سيناء بارتفاع معدلات الزيادة الطبيعية نسبيًا بالمقارنة بالمتوسط العام لإجمالي الجمهورية، فيقدر معدل الزيادة الطبيعية بجنوب سيناء بـ 20.6% وبمحافظة شمال سيناء بحوالي 15.5% في حين يبلغ المتوسط العام لمعدل الزيادة الطبيعية بـ 15.6%. ويتميز سكان شبه الجزيرة بأن غالبيتهم في سن العمل، إذ حوالي 46% من السكان بالفئة العمرية 15-44 وفقًا لتعداد عام 2017، يليهم الفئة العمرية (55-14) والتي تقدر بحوالي 25% من إجمالي سكان المنطقة، وهو ما يؤكد على ضرورة توفير فرص عمل متنامية ومستدامة تستوعب السكان الحاليين والزيادة المحتملة في أعداد السكان، خاصة أن معدلات البطالة بمحافظة جنوب سيناء تصل إلى 27.5% عام 2020 بينما تصل إلى 14.4% بمحافظة شمال سيناء.

وقد عانت القطاعات السكانية في سيناء على مدى عقود خلت من تردٍ واضح في الخدمات الأساسية المقدمة لهم، حيث افتقرت أراضي سيناء للبنية التحتية، والخدمات كالصحة والتعليم، والمشروعات الاستثمارية، وشبكة الطرق والكباري والمواصلات التي تربط سيناء ببقية أنحاء الجمهورية، .ولعل أكبر مؤشر يدل على تردي الأوضاع في هذا النطاق الجغرافي المهم، هو انتشار معدلات الأمية بمحافظتي شمال وجنوب سيناء، حيث قاربت نسبة الأميين والمتعلمين تعليمًا أقل من المتوسط بالمحافظتين من 58% (أي قرابة ثلثي السكان) من إجمالي سكان المحافظتين وفقًا لآخر تعداد. 

وتدهور الوضع في سيناء بشكل أسوأ في أعقاب ثورتي 25 يناير و30 يونيو، حيث تحولت أجزاء من سيناء إلى مرتع للجماعات الإرهابية، وانتشرت الأعمال الإرهابية وتفجير خطوط أنابيب الغاز ومهاجمة المقرات والكمائن الأمنية. هذا الوضع بالإضافة إلى النظرة التاريخية لشبه جزيرة سيناء بأنها ساحة حرب وخط الدفاع الأول عن مصر من جهة الشرق، وضعها في طي النسيان التنموي لعقود، ولم تشهد المنطقة سوى مشروعين تنمويين غير مكتملين في تسعينيات القرن الماضي، وهما مشروع شرق التفريعة والمنطقة الصناعية، ومشروع الاستصلاح الزراعي لتنمية شمال سيناء.

هذه النظرة اختلفت الآن وأصبحت التنمية والإعمار خط الدفاع الأول عن هذه المنطقة، من خلال تطبيق خطة تنموية موسعة تعالج مواطن القصور التنموي الذي تجذر في معظم مناطق سيناء، بحيث يسير هذا الجهد جنبًا إلى جنب مع جهود مكافحة الإرهاب وبسط الأمن في كافة مناطق سيناء، وهو ما تم بالفعل على مدى السنوات العشر الماضية لتشهد المنطقة عبورًا جديدًا على غرار عبور أكتوبر 1973 المجيد، لكنه هذه المرة هو عبور تنموي اختارت فيه الدولة الخيار الأصعب بالتحرك بالتوازي في التخلص من الإرهاب، وإطلاق شرايين التنمية بمختلف قطاعاتها بكافة أجزاء سيناء.

نقطة انطلاق الخطة الشاملة لتنمية سيناء، كانت عبر القرار الجمهوري رقم 107 الصادر في الخامس والعشرين من فبراير 2018، الذي رصد موازنة تاريخية تقدر بـ 600 مليار جنيه لتنفيذ 994 مشروعًا تنمويًا في سيناء، تم إنجاز القدر الأكبر منها على أرض الواقع، وأغلبها مشروعات قومية لا سيما ما يتعلق منها بمشروعات البنية التحتية والمشروعات الاقتصادية والخدمية التي تشمل الصحة والتعليم في المقام الأول، بالإضافة إلى المشروعات الاقتصادية. وقد راعت هذه المشروعات الأبعاد الاجتماعية في التوازن بين خصوصية المكون السيناوي وفى إطار التركيبة الوطنية بشكل عام؛ بحيث تصبح سيناء قابلة لاستيعاب جميع المصريين بعد أن كانت طاردة حتى لأبنائها.

المحاور الرئيسة لهذه الخطة، تتعلق بتحسين الربط البري والبحري والجوي بين سيناء والعمق المصري، وتحسين الخدمات الأساسية والبنية التحتية في مدن سيناء المختلفة، وتطوير القطاعات الاقتصادية واستغلال الموارد الموجودة في سيناء بما في ذلك المقومات السياحية، بجانب التوسع في تأسيس المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة لتوسيع رقعة التواجد السكاني في سيناء، وقد بلغ إجمالي الاستثمارات التنموية المنفذة والجاري تنفيذها لتنمية سيناء حتى الآن حوالي 610 مليارات جنيه. 

تحسين مستوى الخدمات الأساسية والبنية التحتية

أول صور لأنفاق قناة السويس بعد افتتاحها رسميا - اليوم السابع

شبكة الطرق والأنفاق: في إطار خطة الدولة لتنمية محور قناة السويس -التي تربط قارتي إفريقيا وآسيا-  والتي بدأت بإنشاء قناة السويس الجديدة مرورًا بحفر خمس أنفاق جديدة أسفل القناة، إلى جانب نفق الشهيد أحمد حمدي ١ الذي تم افتتاحه في عام ١٩٨١، كان توجه الدولة المصرية الأساسي لدعم تنمية هذا المحور وتحسين مستوى البنية التحتية الخاصة بالنقل، والعمل على القضاء على فكرة أن منطقة سيناء هي منطقة معزولة عن قلب الدولة وغير مأهولة بالخدمات. لذا ركزت الدولة المصرية على التنمية الشاملة لشبكة الطرق والمنافذ البحرية والجوية لشبه جزيرة سيناء. 

كانت البداية في هذا الصدد حين تقدمت هيئة قناة السويس عام ٢٠١٤ بخطة لتطوير محور قناة السويس والتي اشتملت على بناء قناة جديدة موازية لقناة السويس القديمة لتسهيل حركة الملاحة في القناة، وحفر عدد من الأنفاق أسفل القناة، وإنشاء عدد من الكباري العائمة بهدف زيادة دخل البلاد من العملة الصعبة، وزيادة الطلب على القناة كممر ملاحي عالمي من خلال زيادة قدرتها الاستيعابية لتصل إلى ٩٧ سفينة بحلول عام ٢٠٢٣ وتقليل تكلفة الرحلة الملاحية، فضلًا عن جعل مصر مركز تجاري ولوجيستي عالمي. وقدرت تكلفتها بـ٦٠ مليار جنيه مصري أي ما يعادل بـ٨,٢ مليار دولار حينها.   

وانتهت مصر بالفعل من حفر سلسلة أنفاق قناة السويس أو التي تُعرف أيضًا بأنفاق سيناء الجديدة والبالغ عددها خمس أنفاق على مرحلتين، بلغت تكلفتها الإجمالية نحو 35 مليار جنيه، وتم افتتاح المرحلة الأولى منها في مايو ٢٠١٩ عقب الانتهاء من حفر أنفاق “تحيا مصر” بالإسماعيلية وأنفاق “٣ يوليو” ببورسعيد خلال ثلاث سنوات بدءًا من يوليو ٢٠١٦ حتى مايو ٢٠١٩، بينما تم افتتاح المرحلة الثانية بانتهاء نفق الشهيد أحمد حمدي ٢ بالسويس الذي استغرق تنفيذه ٢٨ شهرًا ويستوعب ٢٠٠٠ سيارة كل ساعة بمعدل ٤٠ ألف سيارة كل يوم. 

علاوة على ذلك، تم إنشاء سبع كباري عائمة للعبور أعلى الممر الملاحي للقناة، بتكلفة 990 مليون جنيه، وزيادة حجم الطرق التي تربط أراضي سيناء بعضها البعض وتربطها مع كافة أنحاء الجمهورية، فقبل عام 2014 كانت شبكة الطرق بسيناء تقدر بحوالي 674 كم تتسع لحارتين أو ثلاثة على أقصى تقدير، بينما خلال الفترة (2014-2022) تم تنفيذ 63 مشروع للطرق والكباري في سيناء تقدر بحوالي 3440 كم بتكلفة إجمالية تقدر بحوالي 56 مليار جنيه. 

لم تقتصر محاور التنمية وربط سيناء على الربط الداخلي فقط، إنما شملت أيضًا الربط الدولي لسيناء لتسهيل حركة التجارة الدولية وتعزيز سلاسل الإمداد والتوريد من وإلى مصر، وذلك من خلال ازدواج الممر الملاحي لقناة السويس الذي ساهم في زيادة إيرادات القناة بنسبة 46%، حيث ارتفعت الإيرادات من 5.4 مليار دولار عام 2015 إلى 7.9 مليار دولار عام 2022. هذا بخلاف تنمية 5 موانئ بحرية وجافة (شرق بورسعيد البحري، العريش البحري، نويبع البحري، القنطرة شرق البري، طابا البري) بتكلفة 44 مليار جنيه، وتطوير وبناء 6 مطارات بتكلفة 11 مليار جنيه، أخرها كان مطار سانت كاترين الذي تتكلف عمليات تطويره نحو 3.1 مليار جنيه. 

قطاع مياه الشرب والكهرباء والصرف الصحي: بشكل متوازٍ تم تطوير البنية التحتية والخدمات الأساسية في سيناء بما يخدم الجوانب التنموية والمعيشية في آن واحد، ويأتي على رأس هذه المشروعات تلك المتعلقة بتأمين مياه الشرب النقية لأهالي سيناء، حيث شهد قطاع مياه الشرب في شبه الجزيرة خلال الأعوام الماضية إنشاء نحو 52 مشروع تنموي بطاقة 787 ألف م3/يوم بتكلفة 15 مليار جنيه، على رأسها محطتين للمياه النظيفة في مدينة رفح بإجمالي 11 ألف متر مكعب، ومشروع سحارة سرابيوم لنقل مياه نهر النيل من أسفل قناة السويس إلى أراضي سيناء، وكذلك تم الوصول بنسبة تغطية مياه الشرب في شبه الجزيرة إلى 97.5% في الوقت الحالي بدلًا من 84.6% عام 2014، وساهم في هذا الإنجاز عمليات إنشاء محطات التحلية المختلفة التي بلغ عددها نحو 39 محطة تحلية بواقع 24 محطة تحلية لمياه البحر و15 محطة تحلية لمياه الآبار، علمًا بأن تكلفة مشروع تطوير منظومة مياه الشرب بمدينة العريش بلغت نحو 42.5 مليون دولار، هذا إلى جانب مشروعات الحماية من السيول بتكلفة 1.7 مليار جنيه لإنشاء 452 منشأة للحفاظ على مياه الأمطار والسيول من الهدر.

على مستوى قطاع الصرف الصحي، تم بالفعل تنفيذ 25 مشروع في كامل شبه جزيرة سيناء، منها 17 مشروع تم الانتهاء من تنفيذها و8 مشروعات أخرى جاري تنفيذها بطاقة 87 ألف م3/يوم بتكلفة تتجاوز 4.2 مليار جنيه، لتزيد نسبة التغطية من 17.3% عام 2014 إلى 39% عام 2022. ومن المخطط إنشاء 14 محطة معالجة صرف صحي بطاقة 492 ألف م3/يوم بمحافظتي شمال وجنوب سيناء، على رأسها محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر، التي تعد أكبر محطة معالجة بالعالم بتكلفة بلغت نحو مليار دولار بإجمالي طاقة إنتاجية مستهدفة نحو 5.6 مليون م3/يوم. هذا إلى جانب مشروع محطة معالجة مياه مصرف المحسمة، بتكلفة استثمارية تبلغ نحو 3.5 مليار جنيه وإجمالي طاقة إنتاجية تبلغ مليون م3/يوم، وكذلك إنشاء محطة تحلية بمدينة الطور بتكلفة تبلغ 550 مليون جنيه وإجمالي طاقة إنتاجية تبلغ 30 ألف م3/يوم.

أما بالنسبة للمشروعات الخاصة بقطاع الكهرباء في سيناء خلال السنوات العشر الماضية، فقد ارتفع عدد المشتركين الذين تم توصيل التغذية الكهربائية لهم بنسبة 32.6% ليصل إجمالي عدد المشتركين لنحو 258.7 ألف مشترك حتى مارس 2021، مقارنة بـ 195.1 ألف مشترك في يوليو 2014، بالإضافة إلى زيادة أطوال الخطوط الهوائية والكابلات الأرضية على الجهود المختلفة بنسبة 15.6%، ليصل الإجمالي إلى نحو 14.1 ألف كم حتى مارس 2021 مقارنة بـ 12.2 ألف كم في يوليو 2014. بشكل عام تمت إضافة 420 ميجاوات للقدرات الكهربية المنتجة في سيناء، حيث ارتفعت من 1554 ميجاوات عام 2014 إلى 1974 ميجاوات عام 2023 بزيادة تقدر بحوالي 27%. وذلك من خلال 92 مشروعًا بتكلفة 69 مليار جنيه.

المجتمعات العمرانية الجديدة وقطاع الصحة والتعليم: إجمالًا، تم إنشاء سبعة عشر تجمعًا تنمويًا متكاملًا جديدًا لأهالي سيناء، منها عشرة تجمعات في شمال سيناء، وسبعة جنوبها، و10 بشمال سيناء، بتكلفة إجمالية تقدر بحوالي 5.7 مليارات جنيه، بالإضافة إلى مشروعات الإسكان الاجتماعي التي تم إنشاؤها في سيناء بإجمالي 12 ألف وحدة سكنية بلغت تكلفتها ملياري جنيه تقريبًا، ضمن 52 ألف وحدة سكنية بـ 4 مدن عمرانية جديدة كـ (مدينة رفح الجديدة، ومدينة الإسماعيلية الجديدة، ومدينة بئر العبد، ومدينة سلام شرق بورسعيد) المقامة على 28 ألف فدان لتستوعب 1.3 مليون نسمة، بالإضافة إلى إنشاء 2794 منزلًا بدويًا في عدة مناطق بشمال سيناء وتطوير المناطق غير الآمنة بجنوب سيناء، عبر تأسيس تجمعات تنموية مزودة بالخدمات المتكاملة. 

عمليات التعمير شملت أيضًا القطاعات الرياضية والترفيهية والرياضية والثقافية في سيناء، عبر مشروعات مثل تطوير قصور الثقافة في شمال وجنوب سيناء، والمدن الشبابية التي تم تأسيسها في عدة مناطق بسيناء، والصالة الرياضية المغطاة بمدينة العريش.

التوسع في مجال البناء العمراني في سيناء، واكبه توسع في مشروعات التعليم ما قبل الجامعي، فقد شهد هذا القطاع إنشاء وتطوير 151 مدرسة تعليم أساسي، من ضمنها 23 مدرسة صناعية و8 مدارس زراعية و15 مدرسة تجارية و4 مدارس فندقية، حيث يخدم هذا القطاع أكثر من 168 ألف طالب وأصبح متوسط استيعاب الفصول لا يتجاوز 29 طالبًا/فصل. أما على مستوى التعليم الجامعي، فقبل عام 2014 كان يخدم منطقة سيناء جامعتين فقط (جامعة سيناء الخاصة، جامعة قناة السويس فرع العريش)، لكن تم إنشاء 8 جامعات (3 جامعات حكومية/ تكنولوجية، و5 جامعات أهلية) بتكلفة 19.6 مليار جنيه، لتخلق كل منها تجمع عمراني وتنموي بمحيط كل منها. 

وعلى جانب القطاع الصحي، شهدت شبه الجزيرة تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل بمحافظة جنوب سيناء، حيث تشمل المنظومة 7 مستشفيات و24 وحدة ومركزًا طبيًا، وقد تم تسجيل 92.8 ألف مواطن بالمنظومة بنسبة 88.5% من سكان المحافظة. كذلك تم تنفيذ 75 مشروعًا طبيًا في كامل شبه الجزيرة بتكلفة إجمالية بلغت 4 مليارات جنيه، تضمنت إنشاء وتطوير 55 مستشفى ومركزًا صحيًا، بالإضافة إلى إنشاء مخزن استراتيجي للأدوية بمدينة العريش. وتنقسم هذه المشروعات إلى 13 مستشفى تم وجاري تنفيذها، من بينها مستشفى شرم الشيخ الدولي التي تعتبر أول مستشفى خضراء على مستوى الجمهورية، هذا بخلاف تطوير وإنشاء 42 وحدة صحية تم وجاري تنفيذها بتكلفة 895 مليون جنيه، وهي جهود تدعمها قوافل طبية مستمرة تنفذها وزارة الصحة في كافة أنحاء سيناء، وأجرت الكشف حتى الآن على نحو 773 ألف مواطن بتكلفة 42 مليون جنيه. 

الحماية الاجتماعية كانت من الجوانب المهمة المتعلقة بأهالي سيناء واستراتيجية الدولة المصرية لحمايتهم، فقد وصل عدد المستفيدين من برنامج “تكافل وكرامة” إلى 18.1 ألف أسرة مستفيدة حتى مارس 2021، بإجمالي دعم نقدي موجه للمستفيدين بلغت قيمته نحو 181.1 مليون جنيه. كذلك تم صرف نحو 4.1 مليارات جنيه تعويضات لأهالي شمال سيناء عن المواجهات الأمنية لمكافحة الإرهاب خلال الفترة من أكتوبر 2015 حتى مارس 2021. يضاف هذا إلى إنشاء وتطوير 9 مراكز خدمات رقمية بجنوب سيناء بتكلفة 45 مليون جنيه، وإنشاء وتطوير المتاجر التموينية، ورفع كفاءة منافذ بيع الخبز والمطاحن.

التنمية الاقتصادية والاستثمارية والصناعية والزراعية

التنمية الزراعية والثروة السمكية: ساهم التوسع في إنشاء محطات تحلية مياه البحر والآبار، ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي في سيناء وعلى رأسها محطة “بحر البقر” وإنشاء سحارة سرابيوم في دعم القطاع الزراعي بشكل كبير، حيث تم تنفيذ عدة مشروعات الاستصلاح الزراعي التي تستهدف استصلاح أكثر من 670 ألف فدان مقارنة بنحو 224 ألف فدان فقط كانت مزروعة في كامل شبه الجزيرة قبل عام 2014. هذه المشروعات تمت عبر 18 تجمعًا تنمويًا متكاملًا بإجمالي مستفيدين بلغ 2122 مستفيدًا، وتم بشكل فعلي حتى الآن استصلاح 275 ألف فدان من إجمالي المساحة المستهدفة بتكلفة 5 مليارات جنيه. وعلى مستوى الثروة السمكية، تم تنفيذ 5907 أحواض سمكية ضمن مشروع الاستزراع السمكي في سيناء، بالإضافة إلى أنه جاري العمل على إنشاء 8 قرى للصيادين بإجمالي تكلفة 3.5 مليارات جنيه، فضلًا عن تطوير بحيرة البردويل بشمال سيناء بتكلفة تصل إلى 120 مليون جنيه.

القطاع الصناعي والاستثماري: تشير الأرقام المتوفرة إلى زيادة قيمة الاستثمارات العامة الموجهة إلى سيناء خلال السنوات الأخيرة، حيث تم إنفاق أكثر من 650 مليار جنيه على مشروعات تنمية سيناء منذ عام 2014، بينما زادت الاستثمارات العامة الموجهة لسيناء خلال 8 سنوات بنسبة 415%، حيث من المقرر أن تصل لـ 10.3 مليارات جنيه عام 2021/2022، مقارنة بـ8.3 مليارات جنيه عام 2020/2021، و5.4 مليارات جنيه عام 2019/2020، و3.4 مليارات جنيه عام 2018/2019، و4.2 مليارات جنيه عام 2017/2018، و6.3 مليارات جنيه عام 2016/2017، و2.7 مليار جنيه عام 2015/2016، و2 مليار جنيه عام 2014/2015.

بطبيعة الحال كانت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، من أهم الروافد التي توفر التنمية الاستثمارية والصناعية لشبه جزيرة سيناء، حيث تمتد هذه المنطقة داخل 5 محافظات (بورسعيد – الإسماعيلية – السويس – شمال سيناء – جنوب سيناء)، وتشمل 6 موانئ بحرية (ميناء شرق بورسعيد، ميناء غرب بورسعيد، ميناء العريش، ميناء العين السخنة، ميناء الطور، ميناء الأدبية)، وكذلك تضم 4 مناطق صناعية (منطقة شرق بورسعيد – منطقة شرق الإسماعيلية – منطقة القنطرة غرب – منطقة العين السخنة)، وقد وصل إجمالي حجم الاستثمارات داخل المنطقة لنحو 18 مليار دولار وفرت 80 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وقد بدأت العديد من المصانع المتواجدة في المناطق الصناعية السالف ذكرها بالعمل والإنتاج؛ سواء بغرض خدمة السوق المحلي أو التصدير.

المناطق الصناعية الموجودة داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، تضاف إلى خمس مناطق صناعية ممتدة على مساحة 83 ألف فدان على أراضي سيناء، تتمثل في المنطقة الصناعية ببئر العبد، والمنطقة الحرفية بالمساعيد بوسط سيناء، بخلاف المشروعات التي يتم تنفيذها بشرق بورسعيد، ومصانع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، مثل مجمع مصانع الرخام بجفجافة بوسط سيناء بتكلفة مليار جنيه تقريبًا المقام على مساحة 3 ملايين متر مكعب وساهم في خلق نحو 700 ألف فرصة عمل مباشرة، ومشروعات مصانع الأسمنت التي تم تطويرها وزيادة كفاءتها حيث زادت الطاقة الإنتاجية لمصنع أسمنت العريش لنحو 7 ملايين طن سنويًا، بالإضافة إلى إنشاء مصنع لتصنيع وتعبئة الأسماك بطاقة إنتاجية تبلغ 2500 طن سنويًا بالقنطرة شرق، وتأسيس مدينة “كنوز” للرخام والجرانيت بمدينة الجلالة، ومصنع إنتاج الطوب الأسمنتي بجبل لبنى بشمال سيناء، ومصنع إنتاج الرخام والجرانيت برأس سدر.

المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر كان لها نصيب كبير أيضًا من اهتمام الدولة المصرية في سيناء، حيث ضخت الدولة أكثر من 2 مليار جنيه في تلك المشروعات، عبر مبادرة جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، والمشروع القومي للتنمية المجتمعية والبشرية والمحلية، مما وفر نحو 90 ألف فرصة عمل مباشرة يتركز جانب منها في مجمع الصناعات الصغيرة بجنوب الرسوة بمحافظة بورسعيد. 

القطاع السياحي: بذلت الدولة المصرية العديد من الجهود لتنشيط قطاعي السياحة والآثار في سيناء، حيث بلغت تكلفة مشروع تطوير متحف شرم الشيخ في أكتوبر 2020 نحو 812 مليون جنيه، بالإضافة إلى تطوير وإعادة تأهيل حديقة السلام النباتية بمدينة شرم الشيخ ومحميات سانت كاترين. كما خصصت وزارة السياحة 41 مليون جنيه لصالح مشروع إحياء مسار العائلة المقدسة الذي يبدأ من سيناء، وتم إطلاق مشروع “التجلي الأعظم” بسانت كاترين، والذي يهدف لإنشاء مزار روحاني على الجبال المحيطة بالوادي المقدس. وتشمل هذه الجهود أيضًا عمليات تطوير المتاحف الأثرية والإقليمية في سيناء بتكلفة بلغت نحو 302 مليون جنيه، في حين بلغت تكلفة استكمال حفائر الآثار المصرية والإسلامية والقبطية نحو 12.5 مليون جنيه، وتكلفة استكمال ترميم الآثار المصرية نحو 4.4 ملايين جنيه.

مكافحة الإرهاب وبسط الأمن في سيناء

الجيش المصري: مقتل 8 مسلحين خلال استهداف بؤر إرهابية في شمال سيناء -  20.02.2019, سبوتنيك عربي

شكلت العملية الشاملة سيناء 2018 نقطة تحول فارقة في مسار الحرب على الإرهاب، حيث كان التفكير المصري في البداية يتركز على حل معضلة أنفاق التهريب الموجودة على الحدود الشرقية، وهي المعضلة التي تفاقمت بشكل أكبر في خضم الفوضى الأمنية التي شهدتها سيناء بعد 25 يناير 2011، مع ظهور تنظيمات “السلفية الجهادية” في سيناء واتصالها مع نظيراتها على الجانب الفلسطيني. 

إجمالًا، يمكن القول إن هناك ثلاثة عوامل أساسية دفعت مصر إلى التفكير بمنظور مختلف مع معضلة الحدود وهي، أولًا: إنه كان هناك مشروع استراتيجي في مصر بعد 30 يونيو يقوم على إعادة الاعتبار لـ”الدولة ” التي تعرضت لهزة عنيفة ولا يمكن ترك الحدود على النحو الذي يشكل أحد روافد هذه التهديدات. وثانيًا: ضرورة القضاء على كافة أشكال التهديد الأمني الناجمة عن السيولة الأمنية التي اتسمت بها الحدود الشرقية خلال سنوات ماضية. وثالثًا: وربما هو الأهم تحول التهديد إلى خطر في ظل مشاهد غير تقليدية في الإقليم عندما اجتاح تنظيم داعش الإرهابي الحدود السورية –العراقية؛ إذ لا يمكن القبول بتكرار هذا المشهد في مصر حتى وإن بدا بصورة مختلفة. ورابعًا: إن تداعيات الإشكالية المزمنة في الحدود الشرقية بدأت تتحول إلى منظومة من التهديدات في ظل انهيار الأوضاع في ليبيا وتنامي عمليات التهريب (الأسلحة –العناصر الإرهابية) إلى جريمة منظمة مع وصول تنظيم داعش إلى ليبيا.

لذا كان التعامل مع ملف المنطقة الحدودية الشرقية، أساسيًا في إيجاد حل جذري للأنشطة الإرهابية الموجودة في نطاق شمال سيناء، وقد أوجدت الدولة المصرية لهذا الملف حلًا جذريًا، يرتبط بإخلاء الشريط الحدودي بشكل منظم من أي تواجد سكني يمكن أن يستغل لحفر أنفاق جديدة، وكان الحرص هنا أن تكون هذه المنطقة هي منطقة “تأمين” لا تسمح بإعادة إنتاج التهديدات التي كانت قائمة مرة أخرى، فلم يتم إخلاء النطاق الإداري لمدينة رفح الحدودية، بل أُعيد بناء مدينة رفح الجديدة داخل نفس النطاق الإداري على بعد بضعة كيلومترات من الحدود. وقد تضمنت هذه الخطة عددًا من الأبعاد منها، الإعلان بشكل واضح وعلني عن الدوافع والأسباب الداعية لاتخاذ هذه الخطوة، لاعتبارات تتعلق بعملية مكافحة الإرهاب وأنشطة التهريب والفوضى والعشوائية الشاملة، وصعوبة إعادة تأهيل المنطقة وفق وضعها الذي كانت عليه. وكذا تم الإعلان عن ضوابط عملية الإخلاء والدور الذي ستقدمه سلطات الإدارة المحلية في هذا الصدد للسكان، والقيام بعمليات حصر المباني والسكان الذين سيتم إجلاؤهم من المنطقة.

كانت عملية إغلاق الأنفاق تقتضي إزالة ما يقرب من 4 آلاف منزل لهدم شبكات الأنفاق، وفي ظل حالة العشوائية التي سيطرت على عملية بناء هذه المنازل كان من الصعوبة بمكان أن تعيد الدولة بناء هذه المنازل على وضعها السابق من العشوائية والفوضى، وكان الأصعب أن تمدد عمليات التطوير لتشمل البنية التحتية المتطورة من شبكات المياه والصرف وشبكات الكهرباء والمدارس والمستشفيات والملاعب الرياضية والنوادي الاجتماعية، وبالتالي تطلب الأمر عملية تخطيط نموذجي جديدة بالكامل، تراعي أبعاد التنمية الشاملة وتوفر حياة كريمة للمواطنين. وبشكل منظم، وُضعت ضوابط أيضًا لعملية التعويض لمن يتم نقلهم وتخييرهم بين العودة إلى المدينة الجديدة أو البقاء في مناطق أخرى، ووضعت طرقًا عديدة لإثبات ذلك عبر ممثلين للمجتمع المدني السيناوي وسلطات الإدارة المحلية تشمل جميع قاطني رفح القديمة من ملاك تلك المنازل. وكان هناك الكثير من المستأجرين الذين يُسمح لهم أيضًا بالحصول على شقق سكنية جديدة بنظام الإيجار المناسب في إطار خطة الإدارة المحلية في المحافظة، ويتم التعامل مع كل حالة بحسب إثبات موقفها إبان عملية الحصر التي تمت أولًا قبل أن تبدأ عملية إخلاء الشريط الحدودي. وأكدت السلطات المحلية أن منظومة التعويضات لمن تركوا منازلهم لا تزال سارية، في إطار فحص تلك الحالات. وسيكون بمقدور الكثيرين العودة إلى مدينة رفح الجديدة.

الحل الناجع لملف المنطقة الحدودية، ساهم بشكل أساسي في إيجاد حيز كافٍ للقوات العسكرية والأمنية كي تبدأ منذ عام 2014 في سلسلة من العمليات العسكرية الرامية لتطهير شمال سيناء من أية أنشطة إرهابية، بداية من عملية ” حق الشهيد” التي نفذتها القوات المسلحة في سبتمبر 2015 للقضاء على العناصر الإرهابية في مجموعة مناطق بمحافظة شمال سيناء واستمرت حتى عام 2017، ونجحت خلالها قوات الجيش في القضاء على ما يقرب من 500 من العناصر الإرهابية بشمال سيناء وتدمير 130 سيارة و250 من الأهداف والمخابئ ومناطق بؤر تلك العناصر. مرورًا بالعملية الشاملة “سيناء 2018″، التي تمت على عدة مراحل انطلاقًا من المقاربة المصرية الشاملة لمكافحة الإرهاب على كافة المحاور والمستويات، وسجلت خلالها منظومة الأمن المصري من القوات المسلحة والشرطة المصرية نجاحات أمنية يومية ضد الإرهاب، وتمكنت بشكل فعال في استهداف وتدمير العديد من البؤر الإرهابية والقبض على العديد من العناصر التكفيرية والإجرامية، هذا إلى جانب تدمير البنية التحتية التي تستخدمها العناصر الإرهابية من أوكار وخنادق وأنفاق، وهو ما أدى إلى تحقيق نتائج باهرة على المستوى الميداني، والتمكن من استعادة الهدوء والاستقرار في شمال سيناء، حيث ارتكزت الاستراتيجية المصرية في التعامل الميداني مع الأنشطة الإرهابية على عدة محاور أساسية منها:

  • مداهمة الأوكار ومخازن الأسلحة والذخائر التي تستخدمها العناصر التكفيرية في القيام بعمليات عدائية أو استهداف القوات.
  • تشديد إجراءات التأمين على المنافذ الحدودية ونشر الكمائن المؤدية إلى الكباري والمعديات شرق القناة بغرض قطع خطوط الإمداد وطرق تهريب السلاح للعناصر الإرهابية.
  • تضييق الخناق على العناصر الإرهابية والقيام بحملات تمشيط بالمناطق السكنية بشمال ووسط سيناء، لضبط العناصر التكفيرية والخارجين عن القانون والمشتبه بهم، ومنع تسلل العناصر الهاربة من المواجهات الأمنية بالدروب الصحراوية إلى المدن، والتأكد من خلو التجمعات السكنية من أي عناصر مطلوبة. 
  • قيام الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية بمراجعة وفحص أوراق الثبوتية للتحقق من صحتها واستصدار بطاقات رقم قومي جديدة مجانًا لأبناء شمال سيناء، وقد سعت وزارة الداخلية لبذل الجهود في سبيل عدم تأثر الحياة اليومية للمواطنين بسيناء جراء العمليات، فتم ضبط الأسواق والتحقق من توافر السلع التموينية والاستراتيجية بكميات مناسبة.  

وهكذا ساهمت جهود القوات المسلحة المصرية والشرطة المدعومة بإيمان القيادة السياسية بأن مكافحة الإرهاب حق إنساني، يستوجب محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه على كافة المستويات لإنهاء الخطر الإرهابي بشكل كامل في شمال سيناء، وهو ما جعل المُقاربة المصرية المتعددة الأبعاد في مكافحة الإرهاب تلقى إشادة الأمم المتحدة والعديد من دول العالم الكبرى وأصبحت نموذجا يحتذى به للعديد من الدول، وهو ما إذا وضعناه جنبًا إلى جنب مع “ثورة” التنمية الشاملة في سيناء سنتمكن من استشراف مشهد مستقبلي باهر لأرض الفيروز سيناء، التي تودع حاليًا سنوات الإهمال والإرهاب.

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى