يبدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم جولة لمنطقة جنوب أفريقيا، تشمل كلًا من أنجولا وزامبيا وموزمبيق. وهي تأتي في ظل الأولوية المصرية للقضايا الأفريقية في سياستها الخارجية، بجانب الرؤية المصرية تجاه القارة الأفريقية القائمة على التكامل والاندماج الاقتصادي من خلال اعتماد مفهوم “الأمن والتنمية”. ومن المقرر أن تشهد الزيارة تسليم الرئاسة الدورية لتجمع السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي “الكوميسا” من مصر إلى زامبيا، وهي الدولة التي تستضيف المقر الدائم لسكرتارية “الكوميسا” بالعاصمة “لوساكا” خلال المشاركة في أعمال القمة الثانية والعشرين للتجمع. فما المتوقع مناقشته خلال هذه الجولة؟
دبلوماسية الدول الأفريقية
شهدت العلاقات الدبلوماسية بين مصر والدول الأفريقية الثلاث لقاءات دبلوماسية عدة، ولكن هذه هي الزيارة الأولى للرئيس المصري إلى الدول الثلاث. وتمثلت دبلومسية اللقاءات في التالي:
أنجولا: تشهد العلاقات المصرية الأنجولية علاقات دبلوماسية مثمرة ومتطورة؛ فعلى سبيل المثال استقبلت مصر وزير الخارجية الأنجولي عدة مرات لتعميق العلاقات الثنائية، وكان آخرها مع وزير الخارجية سامج شكري، وسبقها لقاؤه الرئيس السيسي لتسليم رسالة خطية من الرئيس الأنجولي جواو لورينسو في مارس 2022، والذي سبق وأن هنأه الرئيس السيسي بفوزه بالإنتخابات الرئاسية عام 2017، ومنذ تولي الرئيس السيسي، كان هناك اهتمام بتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع أنجولا من خلال تبادل الزيارات على مستوى وزراء الخارجية.
موزمبيق: استقبل الرئيس السيسي بالقاهرة الرئيس الموزمبيقي فيليب نيوسي في 22 يونيو 2019، وشهدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لقاءات متبادلة على مستوى وزارة الخارجية والسفير المصري بالعاصمة “مابوتو”، والمشاركة في حفل التنصيب الرئاسي.
زامبيا: استقبل الرئيس السيسي الرئيس الزامبي السابق إدجار شاجوا لونجو، عام 2017، وجرى خلال الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين. وهنأ الرئيس السيسي رئيس جمهورية زامبيا الجديد هاكيندي هيشيليما عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية 2021. وتواصلت اللقاءات الثنائية بين مسؤولي البلدين على مستوى الوزراء.
تكامل اقتصادي ومشروعات البنية التحتية
التبادل التجاري: بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وأنجولا نحو 20 مليون دولار عام 2021، وبلغت الصادرات المصرية في نفس العام نحو 19,3 مليون دولار، في ظل رغبة البلدين في زيادة حجم التبادل التجاري في ظل إمكانيات البلدين. وبلغت الصادرات المصرية إلى زامبيا نحو 15 مليون دولار عام 2020، وتمثل المنتجات الهندسية 15% من إجمالي الصادرات، وتستورد مصر من زامبيا النحاس، والتبغ والخشب، وارتفعت الصادرات المصرية إلى موزمبيق بنحو 10% لعام 2017 مقارنة بلعام السابق له، وبلغ حجم التبادل بين مصر وموزمبيق عام 2018 نحو 9.57 ملايين دولار تنحصر في المنتجات الزراعية والأسمدة والمنتجات الكيميائية.
البنية التحتية: تنشط الشركات المصرية في الدول الأفريقية، في ظل الخبرة المصرية في مشروعات الطاقة والبنية التحتية، والتعاون المصري مع أفريقيا لتنفيذ أجندة 2063 الأفريقية، فنفذت شركة السويدي نحو 3 محطات كهربائية في أنجولا، مع تطبيق التكنولوجيا الحديثة، هذا بجانب التعاون في مجال تكرير البترول وحاجة أنجولا لمثل تلك المحطات لكونها من أوائل الدول في إنتاج النفط الخام في القارة.
ومن المتوقع أن تنشط الشركات المصرية في موزمبيق في مجالات: البنية الأساسية، والطاقة المتجددة، والطرق، والكهرباء، والغاز الطبيعي المسال، والنقل، والاتصالات. أما في زامبيا، فإن تعزيز سبل التعاون الإقتصادي وتحقيق التكامل الصناعي وسبل التبادل التجاري للاستفادة من المزايا التي تتيحها اتفاقية الكوميسا، والرغبة الزامبية في جذب الاستثمارات المصرية في مجالات الزراعة، والطاقة، وتكنولوجيا المعلومات، والصحة، والثروة السمكية؛ ستكون محورًا مهمًا من محاور زيارة الرئيس إليها.
قضايا أفريقية مشتركة
تنطلق الرؤية المصرية تجاه القضايا الأفريقية من مفهوم تحقيق الأمن عبر التنمية، وتولي الدولة المصرية اهتمامًا خاصًا لتلك القضايا الأفريقية المشتركة مع الدول الثلاث، والمتمثلة في:
البحيرات العظمى: ترتبط مصر ودول البحيرات العظمى بعلاقات تاريخية، والتي تتضمن موزمبيق بجانب أنجولا وزامبيا كدول متاخمة لتلك الدول، والتي تشهد تحديات عظمى تتمثل في: الأمن، والصراع على الثروات. وتتداخل وتتشابك القضايا بين تلك المنطقة بشكل كبير ويمتد تأثيرها إلى الدول التي ترتبط بها ارتباطًا وثيقًا. ونتيجة الصراعات العرقية والحركات المسلحة، فقدت تلك الدول القدرة على السيطرة على مواردها الطبيعية بوصفها دولًا غنية باليورانيوم والذهب والماس، وتنبع أهميتها للدولة المصرية في اشتراكها في بحيرة فكتوريا بأوغندا أحد منابع نهر النيل.
وتضطلع مصر في تلك القضية بدور محوري من خلال لجنة السلم والأمن الأفريقي، وعبر المشاركة في بعثتي حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى لمعالجة قضايا منطقة البحيرات العظمى، وتوفير مستقبل أفضل لشعوبها، ونشر السلام وتحقيق استقرارها، من خلال العضوية المصرية في منظمة المؤتمر الدولي لمنطقة البحيرات العظمى ICGLR، والتي حرصت مصر على المشاركة في فعاليتها منذ تدشينها في دار السلام عام 2004، وتسهم مصر في تحقيق التنمية لتلك الدول من خلال الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية ومركز القاهرة الإقليمي للتدريب على عمليات حفظ السلام وتسوية المنازعات في إفريقيا.
قضية شرق الكونغو الديمقراطية: تمثل التوترات التي تشهدها شرق الكونغو الديمقراطية نتيجة حركة 23 مارس، والتي تتسبب في حدوث الخلافات بين رواندا والكونغو، بمثابة تهديد لمنطقة البحيرات العظمى، نتيجة تهديد المنطقة وجرها إلى حالة من عدم الاستقرار، مع انتشار المخاوف من اندماج تلك الحركة مع عناصر تنظيم داعش الذي يسعى إلى تعزيز وجوده في وسط أفريقيا. وتمثل أنجولا الوسيط في حل القضية بوصفها رئيس المؤتمر الدولي لمنطقة البحيرات الكبرى والتي تضم القاهرة في عضويتها. وهي إحدى أهم القضايا التي تعمل الدولة المصرية على معالجتها، في ظل الرؤية المصرية لدعم السلام الأفريقي.
مواجهة الحركات الإرهابية في موزمبيق: تحاول موزمبيق الاستفادة من التجربة المصرية في مكافحة الإرهاب بآلية مستدامة؛ إذ تعاني دولة موزمبيق من هجمات إرهابية عاقت إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال والذي كان متوقعًا أن يبدأ عام 2024 بإنتاج يومي يبلغ ملياري قدم مكعبة، وتم تأجيله إلى عام 2025 بسبب كورونا والهجمات المسلحة. ونجح تنظيم داعش في جذب العديد من السكان الأصليين وخاصةً من الإقليم الشمالي لموزمبيق في ظل الخلافات السياسية وتوترات الأوضاع الداخلية، بجانب التنافس الدولي الذي يسعى إلى الاستفادة من الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي وموارد الطاقة بالدولة الغنية بالثروات الطبيعية، خاصةً عقب الحرب الروسية الأوكرانية التي أسهمت في البحث عن مصادر طاقة بديلة.
مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي (SADC): التأكيد المصري على دور المجموعة في تحقيق السلم والأمن الأفريقي من خلال تحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، والتي تضم في عضويتها الدول الثلاث، وبالتالي فإن الخبرة المصرية في مكافحة الإرهاب ستكون حاضرة في ظل الدور الذي تلعبه المجموعة في تحقيق السلام في الجنوب الأفريقي عبر التعاون مع الدولة المصرية، وهو ما جاء في لقاء وزير الخارجية سامح شكري ونظيره الزامبي ستانلى كاكوبو على هامش أعمال الدورة ٤٢ للمجلس التنفيذى للاتحاد الأفريقى.
مصر والكوميسا:
من المقرر أن يحضر الرئيس عبد الفتاح السيسي أعمال الدورة 22 لمجموعة “الكوميسا”، والتي ستشهد تسليم الرئاسة الدورية للتجمع من مصر إلى زامبيا، والمنعقدة في العاصمة الزامبية لوساكا، والتي استلمت مصر رئاستها من مدغشقر في أعمال الدورة 21 المنعقدة في نوفمبر 2021، بمدينة شرم الشيخ بعنوان “تعزيز القدرة على الصمود من خلال التكامل الرقمي الاقتصادي الاستراتيجي”.
وقامت مصر بإعلان خطة استراتيجية متوسطة الأجل للفترة من 2021 إلى 2025 تقوم على تعميق الاندماج الاقتصادي وتحقيق التكامل والتنمية بين الدول الـ 21 الأعضاء في التجمع، وذلك في ضوء تعافي الدول الأفريقية من جائحة كورونا، وبالتزامن مع العمل على تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية للعمل على زيادة سبل تسهيل التبادل التجاري بين الدول الأعضاء وتحسين السياسات التجارية.
ومن المقرر أن تستمر أعمال القمة في نسختها 22 في الفترة من 6 إلى 8 يونيو الجاري تحت شعار “التكامل الاقتصادي من أجل كوميسا المُزدهرة المُرتكزة على الاستثمار الأخضر والقيمة المضافة والسياحة”.
ويضعنا جدول الزيارة أمام استراتيجية مصرية ثابتة تجاه الدول الأفريقية تتمثل في التنمية والتكامل الاقتصادي من أجل تحقيق الاستقرار والأمن القائم على نقل التجارب المصرية، والمشاركة بفعالية، في ظل تشابك قضايا القارة.