أولويات الاستثمارات العامة وسياسة ملكية الدولة على طاولة الحوار الوطني
وضعت الدولة المصرية استراتيجية تنموية تضمنت أولوياتها في المرحلة الراهنة والتي ارتكزت على رسم خريطة استثمارية وتحديد رؤية استثمارية يلعب فيها القطاع الخاص دورًا رائدًا وبما يتماشى مع أهداف مصر الاقتصادية والمالية والسياسية. وتمحورت خطة الاستثمار للعام الجاري حول هدفين: الأول زيادة الاستثمارات الكلية بما يفوق ثلث ما كان محقق سابقًا وذلك بحسب ما أعنته وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، لتسيطر الاستثمارات المُخصّصة لأغراض الحماية الاجتماعية ومشروعات البنية الأساسية، والثاني الاهتمام بقطاع الزراعة والصناعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على إجمالي الاستثمارات العامة من ناحية، ومن ناحية أخرى تعزيز الاستثمارات الخاصة بما يتوافق مع وثيقة سياسة ملكية الدولة. ومع ذلك لابد أن نضع نصب أعيننا تداعيات الأزمات الخارجية والتحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر في الوقت الحالي والتي قد تبطئ قدرة الدولة على تحقيق أهدافها الاستثمارية والتنموية على النحو المنشود. وهو ما يمثل أحد المحاور الأساسية داخل المحور الاقتصادي بالحوار الوطني.
أولًا: أولويات الاستثمار العام
أعلنت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية عن خِطّة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي 2023/2024، والتي تعد جزءًا من خطة التنمية المستدامة التي أقرتها الدولة لتطبيقها خلال الفترة 2022/2023-2025/2026. اشتملت الخطة على زيادة الاستثمارات الكليّة لتصل إلى 1.8 تريليون جنيه خلال العام الحالي وتحقيق نمو في حجم الاستثمارات لتتجاوز 20% بنهاية الخطة 2025/2026، وحددت الخطة القطاعات ذات الأولوية وعلى رأسها: القطاع الزراعي، والصناعة التحويلية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة.
ووفقًا لمشروع الموازنة العامة للدولة، فإن الدولة تستهدف خلال عام 2023/2024 إجمالي استثمارات (عامة وخاصة) بمقدار 586.7 مليار جنيه مقارنة بنحو 376 مليار جنيه المحددة في موازنة 2022/2023، وذلك بمعدل نمو سنوي 55.9%، منها 306 مليارات جنيه تمويل ذاتي، و280 مليار جنيه ممولة من الخزانة العامة والقروض.
وارتفعت قيمة الاستثمارات الحكومية في موازنة 2023/2024 سعيًا من الدولة للاستثمار في المشاريع الإنتاجية وبما يخدم مصالح المواطنين وخلق فرص العمل والتوسع في الاستثمارات العامة الموجهة للمشاريع الخضراء والتي تخدم أهداف مصر المناخية؛ إذ تستهدف مصر استحواذ المشاريع الخضراء على 50% من حجم الاستثمارات العامة.
وحددت الموازنة القطاعات المستحوذة على أكبر نسب من الاستثمارات والتي ستسهم في تحقيق الدولة لمعدلات النمو الاقتصادي التي تستهدفها. وحددت الموازنة 12 مليار جنيه؛ لتمويل دعم القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية والسياحية بقروض قيمتها 160 مليار جنيه. وحددت الموازنة أيضًا مخصصات دعم تنشيط الصادرات بنحو 28,5 مليار جنيه، و6 مليارات جنيه قيمة فاتورة خفض أسعار بيع الطاقة الكهربائية الموردة للأنشطة الصناعية بحسب وزارة المالية.
ثانيًا: سياسة ملكية الدولة
رسمت الدولة المصرية حدودها الاقتصادية في يونيو 2022؛ بهدف تنشيط دور القطاع الخاص وتقليل مساهمة الدول في الاقتصاد والتي اشتملت عليها مسودة سياسة ملكية الدولة؛ لتحدد خطوات تخارج الدولة من عدد من القطاعات الاقتصادية وتقليص دورها في بعضها وزيادة دورها في قطاعات أخرى، ووُفق عليها بنهاية ديسمبر من العام الماضي 2022.
وفي فبراير من العام الحالي 2023، أعلنت الحكومة عن طرح 32 شركة حكومية في البورصة؛ وذلك بهدف زيادة الاستثمار إلى ما يتراوح بين 25-30%، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل وخفض البطالة. سيعمل طرح الشركات بالبورصة على توسيع قاعدة الملكية، والتحول إلى شركات مساهمة عامة من خلال مشاركة المستثمرين الأفراد والمؤسسين في عوائد وربحية عدد من الشركات والأصول العامة.
أكدت وثيقة ملكية الدولة الدور المهم للصندوق السيادي المصري كجهة ستُسند إليها أصول الدولة التي ترغب في التخارج منها إليه، ليتولى الصندوق مهمة إدارة تلك الأصول، وسيعمل على الترويج للحصص المطروحة للشراكة مع القطاع الخاص. ووضع الصندوق خطة لجذب استثمارات أجنبية بنحو 10 مليارات دولار خلال عام، خاصةً في قطاعات المرافق والبنية الأساسية ومحطات تحلية مياه البحر ومشروعات الهيدروجين الأخضر. وعلى سبيل المثال، فقد تمكن صندوق مصر السيادي في أغسطس 2022 من إتمام صفقة استحواذ الشركة السعودية المصرية للاستثمار المملوكة بالكامل من قبل صندوق الاستثمارات العامة السعودي، على حصص أقلية مملوكة للدولة في أربع شركات مصرية رائدة مدرجة بالبورصة المصرية بقيمة مليار و300 مليون دولار.
ثالثًا: الفرص والتحديات التي تواجهها الدولة
دفعت الأزمة المالية والاقتصادية الشديدة التي عصفت بمصر مطلع عام 2022 كأحد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية إلى تصدع كبير في الاقتصاد المصري، لتترك مصر تواجه عجزًا في التمويل المحلي لدعم مشاريع التنمية المخطط لها بسبب محدودية الحيز المالي وانخفاض الاحتياطي من النقد الأجنبي؛ وذلك في ظل انخفاض معدلات الادخار، مما اضطر الحكومة إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي ليصاحب قرض الصندوق إصلاحات هيكلية شديدة أساسها تحرير سعر الصرف وخفض قيمة الجنيه المصري، وتزامن ذلك مع ربط دول الخليج تنفيذ وعودها بضخ استثمارات جديدة في السوق المصري بتنفيذ مصر لتلك الإصلاحات التي حددها الصندوق.
بجانب ذلك، تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر وخرج الاستثمار الأجنبي غير المباشر دفعة واحدة مع بداية الحرب. وتواجه مصر كذلك تضخمًا أعلى من المتوسط توازيه معدلات ادخار أقل من المتوسط، فضلًا عن تراجع قيمة العملة المصرية وتراكم حجم خدمة الدين. وهي تحديات أدت إلى إثقال كاهل الموازنة العامة للدولة لتسجل عجزًا في إجمالي الميزانية.
وبالرغم من التحديات السابق ذكرها فإن هناك بصيصًا من الأمل متمثلًا في تراجع معدلات التضخم في آخر ثلاثة أشهر والذي سجل 38.5% في إبريل و39.5% في مارس مقابل 40.3% في فبراير 2023 بحسب بيانات البنك المركزي المصري. وبالرغم من أن التضخم مازال مرتفعًا إلا أن تراجعه -وإن كان بشكل بطيء– يعني أن السياسة النقدية التشديدية التي تهدف إلى السيطرة على التضخم قد آتت ثمارها، وسجل احتياطي مصر من النقد الأجنبي ارتفاعًا ليصل إلى34.551 مليار دولار في أبريل من 34.447 مليار دولار مقابل 34.352 مليار دولار شهر فبراير 2023.
وبالإضافة إلى ذلك، سيحقق انفتاح الاقتصاد المصري على فكرة تخارج الدولة بشكل تدريجي من الاقتصاد، وتعزيز الاستثمارات الجديدة، وتشجيع القطاع الخاص؛ الشراكة المطلوبة بين القطاعين العام والخاص والذي سيساعد على تحقيق التنمية الاقتصادية المستهدف منها ومعالجة الاختلالات الحادثة في الاقتصاد المصري، وبما يحقق التوازن في عملية إدارة الإصلاحات الاقتصادية. ومن خلال وثيقة سياسة ملكية الدولة التي تستهدف الدولة من خلالها جذب 40 مليار دولار من الاستثمارات على مدار السنوات الأربع المقبلة، سيسهم ذلك في توسيع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من حيث الحجم والنطاق والذي يعد أداة مهمة لتخفيف العبء التمويلي عن الدولة.
وبحسب آخر تقرير شهري للبنك المركزي المصري، فقد ارتفع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لتصل إلى حوالي 3.3 مليارات دولار في الربع الأول من العام الحالي 2023 وذلك مع زيادة الاستثمارات في القطاع الصناعي 1.020 مليارات دولار وتحقيق قطاع الخدمات استثمارات بنحو 1.9 مليار دولار والقطاع الزراعي 15.4 مليون دولار، وقطاع الإنشاءات حوالي 170.1 مليون دولار. جنبًا إلى جنب، تمضي الحكومة في تنفيذ استراتيجيتها القائمة على توطين الصناعة الوطنية وتوسيع الإنتاج، وتحسين الإنتاجية الزراعية بنسبة 30% مع تقليل استهلاك المياه بنسبة 10%، وخفض الدين العام وعجز الميزانية بحلول عام 2026.
وتشير توقعات صندوق النقد الدولي في التقرير الصادر في يناير 2023 إلى أن ديون مصر نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي ستنخفض من 95.6% عام 2023 لتصل إلى 86.5% عام 2026، لتتناقص بعد ذلك لتسجل 61.9% عام 2033، بالإضافة إلى تنشيط البورصة المصرية من خلال برنامج الطروحات العامة وتعزيز الحماية الاجتماعية لحماية محدودي الدخل والفئات الأكثر فقرًا، وضمان توافر السلع الأساسية، لتعد هذه الأدوات حجر الزاوية التي يمكن أن يخرج بها الاقتصاد المصري بشكل تدريجي من أزمته.