ما بعد الفوز بانتخابات نيجيريا .. تحديات أمام العرّاب “تينوبو”
عقب الطعن في نتائج الانتخابات النيجيرية والتي انتهت بالتأكيد على فوز “بولا تينوبو” الملقب بـ “العراب” والبالغ من العمر 71 عامًا على منافسيه “أتيكو أبو بكر” و”بيتر أوبي”، في الانتخابات الأكثر منافسة على مقعد الرئاسة فيما وصفتها وسائل الإعلام بأنها الأضعف من ناحية الإقبال على صناديق الاقتراع في تاريخ البلاد الحديث؛ تسلم “تينوبو” في نهاية مايو 2023 حقبة رئاسية جديدة من الرئيس السابق للحزب الحاكم محمد بخاري، للدولة التي تعاني أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية عدة، فهل ينجح صانع الرؤساء والسياسيين في مواجهة الأزمات المتلاحقة التي تمر بها البلاد؟
الفوز في انتخابات معقدة
اتسمت الانتخابات النيجيرية والتي أُجريت في 25 فبراير من العام الحالي بحالة من الاستقطاب العرقي بين الشمال المسلم والجنوب ذي الأكثرية المسيحية حيث يوجد أكثر من 250 مجموعة عرقية في نيجيريا؛ لتعلن لجنة الانتخابات الوطنية في الأول من مارس فوز مرشح الحزب الحاكم ضمن تحالف “مؤتمر جميع التقدميين (APC)” “بولا أحمد تينوبو” بأصوات نحو 8,8 ملايين ناخب، محققًا شرط الفوز بالرئاسة وهو تحقيق أكثر من 25% من الأصوات من ثلثي البلاد على الأقل –أي 24 ولاية من أصل 36 ولاية على الأقل– بالإضافة إلى منطقة العاصمة أبوجا.
فيما حصل منافسه مرشح الحزب المنافس “الشعب الديمقراطي” “أتيكو أبو بكر” المنتمي إلى قبيلة “الفولان” الأكثر نفوذًا في الشمال الغربي على نحو 6,9 ملايين صوت. وحصل مرشح حزب العمال “بيتر أوبي” والذي توقع المراقبون فوزه بدعم الشباب النيجيري الراغب في التغيير على 6,1 ملايين صوت، بعدما لم يستطع أن يتغلب المنافسين فيه على المعادلة العرقية.
وشهدت الانتخابات اضطرابات أمنية عدة، واتهامات من المعارضة بتزوير الانتخابات لصالح مرشح الحزب الحاكم، حتى قبل إعلان النتائج، لتخرج اللجنة الوطنية للانتخابات لتحسم الأمر لصالح المرشح “تينوبو”، فيما تتواصل الدعاوى القضائية ضد نتيجة الانتخابات.
ودعا “تينوبو” المعارضة إلى تشكيل حكومة وطنية تدمج جميع الأطياف، في محاولة لمواجهة أول التحديات التي تعاني منها البلاد. ومن جانبه، اعتذر الرئيس السابق محمد بخاري عن سياساته الاقتصادية التي أودت بالبلاد إلى هاوية الأزمة الاقتصادية وذلك خلال تسليمه السلطة للرئيس الجديد المنتخب عقب انتهاء فترة حكمه للبلاد لولايتين متتاليتين مدتهما 8 سنوات، وذلك عقب أداء “تينوبو” اليمين الدستورية في 29 مايو 2023.
تحديات إرث بخاري
على الرغم من حالة التفاؤل التي سادت انتخابات الرئيس السابق محمد بخاري بتعهداته القضاء على الفساد في نيجيريا، إلا أنه سلم البلاد وهي تعاني من الفقر المدقع في البلد الأكبر من حيث عدد السكان في أفريقيا، حيث قُدر عدد السكان تحت خط الفقر في البلاد عام 2018 بنحو 30.9%، بانخفاض دخل الفرد إلى 1,90 دولار في اليوم، و49% من السكان يعيشون في المناطق الفقيرة والريفية غير الحضرية وفقًا لبيانات البنك الدولي، والناتج من انتشار الفساد وعدم تنوع المنتجات غير البترولية، بجانب التحديات الأمنية والسياسية التي عاشتها البلاد، ويمكن تفسيرها في التالي:
تأزم اقتصادي: يصف البنك الدولي الوضع الاقتصادي النيجيري بأنه متأزم حتى مع ارتفاع أسعار النفط منذ 2021؛ وذلك نتيجة استهلاك حصة كبيرة من عائدات البترول مقابل دعم استهلاك البترول، مما أدى إلى: ضعف استقرار الاقتصاد الكلي، وتراجع الإنتاج، وتذبذب سعر الصرف، وارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض الاحتياطي من العملات الأجنبية، ونقص النقد المحلي كسياسة داخلية للحد من غسيل الأموال. وهو ما أثر في مجمله على إقبال الناخبين كذلك على صناديق الإقتراع، بجانب تقليل الاعتماد على النفط في الصادرات والعائدات، وهو ما أثر على مستوى معيشة الأفراد وارتفاع الأسعار خلال أعوام 2020-2022.
سرقة النفط: تعتمد نيجيريا على النفط كمصدر للصادرات؛ إذ يمثل نحو 80% من إيرادات الحكومة. وأرجعت التقارير الحكومية انخفاض إنتاج النفط إلى أقل من الحصة المخصصة لنيجيريا من قبل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) نتيجة تعرض هذا المورد المهم للنهب والسرقة، فانخفض الإنتاج إلى أقل من مليون برميل فيما يمثل هدف إنتاج النفط اليومي المقترح لعام 2023 نحو 1.69 مليون برميل؛ مما أدى إلى تراجع مركزها أمام أنجولا.
وقبل إعلان نتائج الانتخابات، حقق مجلس النواب النيجيري بحسب التقارير الإعلامية في مزاعم سرقة مليارات الدولارات من عائدات النفط منذ عام 2015. ووفقًا لتصريحات رئيس مجلس النواب النيجيري “فيمي جباجابياميلا” فإن نيجيريا “تخسر شهريًا نحو 700 مليون دولار بسبب سرقة النفط، ومن المتوقع أن تخسر البلاد ما يصل إلى 23 مليار دولار بسبب سرقة النفط الخام هذا العام.
التنمية: أحرزت نيجيريا المركز 150 من أصل 157 دولة في مؤشر تنمية رأس المال البشري عام 2020 الصادر عن البنك الدولي، وذلك في ظل ارتفاع مؤشرات الفساد وضعف سبل الحوكمة.
التغيرات المناخية: تعاني البلاد من التغيرات المناخية، وخاصة الفيضانات والإحتباس الحراري خاصة في شمال البلاد، مما أثر على انخفاض إنتاج الغذاء، ونقص التغذية، حيث زادت نسبة عدد السكان الذين يعانون من نقص التغذية من 6.5٪ في عام 2004 إلى 12.7٪ في عام 2020.
أزمات سياسية: شهدت البلاد مخاوف من محاولات المعارضة لتعطيل تسليم السلطة قبل 29 مايو، وإحداث اضطرابات والدعوة للإضراب والعصيان لتبرير فرض حالة الطوارئ وإلغاء الانتخابات، هذا بجانب اتهامات للمعارضة بمحاولة الإخلال بالأمن الداخلي، بالرغم من تقديم التماسات للطعن في نتيجة الانتخابات في محكمة التماس الانتخابات الرئاسية والطعن بتزوير الانتخابات التي اعتمدت على التكنولوجيا لأول مرة في تاريخ البلاد، والتي سبقتها مطالبات بإلغاء الاقتراع نتيجة حالة العنف والاضطرابات الأمنية، وذلك قبل تسلم “تينوبو” سلطة البلاد من الرئيس السابق محمد بخاري.
اضطرابات أمنية وعرقية: تعاني البلاد من هجمات جماعة بوكو حرام الإرهابية خاصةً في الشمال الشرقي، والتي تقود عمليات العنف منذ 14 عامًا في ولاية برنو، والتي تصطدم بتنظيم “داعش” والمكون من انشقاق داخل جماعة “بوكو حرام” منذ عام 2016 وتختلف عقائديًا معها حول قتل المسلمين، وبلغت حرب النفوذ بين الجماعتين أوجها من أجل الهيمنة على حوض بحيرة تشاد وهي الشواطئ الممتدة بين “نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد”.
وفي الشمال الغربي والوسط النيجيري، فهناك عمليات خطف وقتل جماعي من أجل الفدية. وفي الجنوب الشرقي تمثل الحركة الانفصالية لتأسيس جمهورية “بيافرا”، والتي تحمل عداءً للحكومة الاتحادية تهديدًا آخر، فتطالب جماعة “إيبو” بالانفصال والتي شكلت ميلشيا وخاصةً في مناطق إنتاج النفط، بجانب عرقية “الإيجبو” التي شكلت جناحًا مسلحًا أواخر عام 2020.
وتشهد نيجيريا تمييزًا عرقيًا بجانب الصراعات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، خاصةً التنافس السياسي بين جماعة “الإيبو” الانفصالية وعرقية “اليوروبا” ثاني أكثر القبائل النيجيرية عددًا بعد الهوسا. وينتمي الرئيس الجديد لعرقية “اليوروبا”، وهي ذاتها مقسمة لسبع مجموعات متنافسة فيما بينها، ومع شعورها بالتآكل نتيجة ارتفاع معدل الحراك الاجتماعي كونت اتحادًا قبليًا لمكافحة تفكيك العرقية.
هل ستنجح سياسات الاحتواء؟
تمثل التحديات السابقة ملفات عالقة أمام خبرات “العراب” الذي استطاع أن يصل إلى الحكم عقب سنوات من التخطيط وتهيئة السياسيين، ولذلك يمكن وضع سياسات الاحتواء في التالي:
سمات العراب: ترجح سيرة “تينوبو” الذاتية قدرته على مواجهة الأزمات الاقتصادية، بوصفه كان حاكم ولاية “لاجوس” لولايتين متتاليتين، وانتهاج السياسات الإصلاحية التي جعلتها “العاصمة/ المركز الاقتصادي” لنيجيريا، بجانب خبرته السياسية التي مكنته من تأسيس نفوذه السياسي من الجنوب الغربي إلى الشمال، بجانب حنكته السياسية في الحديث الإعلامي بعيدًا عن الخطب العنصرية، وسماحته الدينية والتي ظهرت في كونه مسلمًا متزوج من سيدة مسيحية بحسب الأدبيات الإعلامية، ولكن قيادة بلد متشعب القضايا قد يكون أصعب من ولاية واحدة، خاصةً في ظل عدد من اتهامات الذمة المالية التي طالت “تينوبو” ذاته.
خطة اقتصادية إصلاحية: من المتوقع أن ينمو الاقتصاد النيجيري بمتوسط 2.9٪ سنويًا بين عامي 2023 و 2025 ، أي أعلى بقليل من معدل النمو السكاني المقدر بـ 2.4٪. ومن المرجح أن يكون النمو مدفوعًا بالخدمات والتجارة والتصنيع وفقًا لتوقعات “البنك الدولي”. وتتمحور الخطة الاقتصادية حول تنوع مصادر الدخل النيجيري المعتمد على النفط، مع الحفاظ على المورد البترولي وزيادة الإنتاج في ظل سرقة النفط المنتشرة في البلاد والتي تحتاج إرادة سياسية وقانونية لمواجهتها ومنع بيعه في الأسواق الدولية من خلال ملف سياسة خارجية قوية لنيجيريا وتعوضه بالإنتاج الرسمي.
وعليه، وعد الرئيس “تينوبو” بإصلاحات في قطاع الطاقة، وتحويل نظام دعم الوقود إلى الدعم النقدي للفئات الأكثر فقرًا، ودعم التكنولوجيا والمشروعات الناشئة لتوفير فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة في ضوء أن ثلث السكان تقريبًا عاطلون عن العمل، وتفويض البنك المركزي لمواجهة التضخم وسعر الصرف.
ولكن هذه الخطة قد يواجهها ضرورة سد فجوة البنية التحتية، وتطبيق معايير الحوكمة، ومواجهة قضايا التغيرات المناخية وانعدام الأمن، وانتشار أعمال العنف في إقليم دلتا النيجر الغني بالنفط من قبل حركة “ميند” المسلحة، والتي تقاتل من أجل حق تقرير المصير منذ 2006، هذا بجانب الحركات الانفصالية في الجنوب الشرقي والتي تعيش في تنافس سياسي بالفعل مع جماعة اليوروبا التي ينحدر منها الرئيس الحالي والذي قدم خطة إصلاحية كذلك في برامج البنية التحتية وخفض ضرائب الشركات لجذب الاستثمار واستخدام التمويل من أجل زيادة الإيرادات لسد عجز الدين، بجانب تأسيس “وحدة مراقبة لحماية خطوط أنابيب النفط”.
درء التطرف: وضعت الحكومة السابقة خطة هشة المعروفة ب “نموذج بورنيو” لمواجهة التطرف من خلال قيامها بإقناع عناصر منضمة لبوكو حرام وداعش بتسليم أنفسهم مقابل حريتهم؛ لمواجهة حركة التمرد التي أودت بحياة المئات وأدت إلى نزوح أكثر من مليوني شخص، وبدأت فيها ولاية بورنو شمال شرق نيجيريا عقب مقتل زعيم حركة “بوكو حرام” في مايو 2021، خلال مواجهات مسلحة مع تنظيم داعش، ونجحت في تسليم أكثر من 90 ألف من أتباع الحركتين الجهاديتين أنفسهم، وتم توزيعهم من خلال مخيم “الحج”، ومخيمي “شوكاري” و”بولومكوتو”، وتمثل النسبة أكبر من العائلات التي عاشت تحت سيطرة الجهاديين بجانب بعض المقاتلين، وحظيت بدعم وتمويل دولي من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والمملكة المتحدة، والتي وعدت بتوسيع نطاقه، من أجل استئصال التطرف.
وتأمل الحكومة في توفير ما يصل إلى نحو 140 مليون يورو من أجل بناء مركز جديد وثلاث قرى لدمج هؤلاء بصورة مؤقتة قبل رجوعهم لمجتمعاتهم. ويمكن وصف مثل تلك الإجراءات بطويلة المدى، والتي تحتاج إلى حالة اقتصادية منتعشة ودعم مادي لضمان عدم العودة، وكذلك جذب عناصر جديدة، هذا بجانب الاهتمام بالجانب الأمني والتنمية جنبًا إلى جنب. ولعل إعلان “تينوبو” بإنشاء “كتائب لمكافحة الإرهاب” وقوات خاصة لمحاربة الجهاديين والعصابات المسلحة ومبادرات لتقارب الجيش مع الشعب النيجيري، أولى الخطوات لمواجهة التطرف عسكريًا.
الحكومة الوطنية الموحدة: وهو الهدف المعلن الأول للرئيس الجديد “تينوبو” من أجل دعوته إلى التوصل إلى مصالحة شاملة ومواءمات سياسية واجتذاب المعارضة بمنحها أدوارًا في حكم البلاد، من خلال الإعلان عن نيته لإنشاء حكومة وحدة وطنية تضم قوى المعارضة، فيما يقابله رفض من المعارضة وخاصةً بيتر أوبي.
الديمقراطية بين القبول والتهديد: مع حالة الطعن من المعارضة على نتيجة الانتخابات، هناك تهديد للديمقراطية مع إعلان الفوز في ظل تعطل بعض الأدوات المستخدمة حديثًا، بجانب حالات العنف وتعطيل التصويت في بعض المناطق، مما يقوض من عملية الثقة. ولعل التهنئة الدولية بنتيجة الانتخابات قد أدت إلى الاعتراف بالنتيجة دون انتظار نتائج الطعون، خاصةً مع تسليم السلطة في أخر مايو الماضي، ولكن التوافق السياسي بين الأطراف قد يظهر على السطح بالرغم من الاختلافات، وهو ما يتطلب قبول المعارضة للديمقراطية والاستمرار في اللجوء للقضاء بعيدًا عن الدعوات للعصيان التي اتهمت بها الحكومة مرشح حزب العمال “أوبي”.
يضعنا الطرح السابق أمام محاولات إصلاحية تتوقف على قبول اللعبة الديمقراطية والالتزام بالمواقف القانونية، ومواجهة إرث بخاري الذي يتوقف على احتواء النعرات الدينية التي لعبت دورًا في نتائج الانتخابات بعيدًا الانتماءات القبلية، وهو ما يظهر كذلك في الرغبة الانفصالية بين أبناء “اليوروبا” المتعاونة مع “الإيجبو” مقابل أبناء “الإيبو”. وعن قضايا نهب النفط، فيحددها شبكة العلاقات التي ستقيمها الحكومة الجديدة مع القوى الدولية لمنع شراء النفط بالطرق غير الرسمية مقابل زيادة الإنتاج، وهو الأمر الذي سيصب في صالح الغرب وخاصة الولايات المتحدة التي تسعى إلى إيجاد البديل الروسي. وستشهد تعزيز تعاون مع المغرب العربي، وهو ما سيؤثر على استراتيجيات التعاون في مجابهة الإرهاب في الغرب الأفريقي في ظل التراجع الغربي في دول الساحل والصحراء، والتعاون مع الغرب الأفريقي لتعويض النفوذ الغربي في ظل التنافس الدولي المحتدم في القارة.