تركيا

انعكاسات محتملة: ماذا يعني فوز “أردوغان” بولاية رئاسية ثالثة؟

أعلنت الهيئة العليا للانتخابات التركية في 28 مايو 2023 فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية ثالثة، بعد صراع انتخابي دام شهورًا. وتعد هذه هي الفترة الخامسة لأردوغان كحاكم لتركيا؛ إذ تولى منصب رئيس الوزراء لمدتين قبل تغيير نظام الدولة من برلماني إلى رئاسي في 2017. وبالرغم من تنامي قوة المعارضة في هذه المعركة الانتخابية وتشكيلها منافسًا حقيقيًا للرئيس التركي في ظل مرور تركيا بالكثير من الأزمات وخاصة الاقتصادية، فإن “أردوغان” قد نجح في الفوز الانتخابات الرئاسية بنسبة 52.1% بالإضافة إلى حصول تحالفه الانتخابي “تحالف الجمهور” على الأكثرية البرلمانية بنسبة 49.47%.

أسباب فوز أردوغان

رغم تراجع الأوضاع الاقتصادية مؤخرًا في تركيا، وزيادة عدم الرضا الشعبي عن النظام -وهوما أدى إلى شدة الصراع الانتخابي وفوز أردوغان بمنتهى الصعوبة- إلا أنه كان هناك الكثير من العوامل التي أدت في النهاية إلى هذا الفوز ومن أهمها:

تأييد القوميين: منذ بداية حكمه، يحظى أردوغان بتأييد التيار القومي، إلا أن عددًا من المؤيدين لهذا التوجه قد صوتوا للمرشح سنان أوغان في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، فحصد أكثر من 5% من الأصوات. لكن في جولة الإعادة أعلن “أوغان” دعمه للرئيس “أردوغان” وطلب من داعميه التصويت له في جولة الإعادة، وهو ما ساعد في زيادة نسبة المصوتين لـ “أردوغان” في الدورة الثانية. ذلك بالرغم من إعلان زعيم حزب النصر اليميني دعمه لمرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو وهو الأمر الذي أدى إلى انقسام الأصوات اليمينية بين المرشحين، إلا أن أفضلية :أردوغان” في الدورة الأولى وفوز حزبه بأعلى نسبة في الانتخابات البرلمانية ساعد بعض المترددين في اختيار “أردوغان” لتحقيق التوافق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود الكثير من الأزمات والمشاكل في حاجة ماسة لحل سريع.

الانقسام بين الأحزاب المعارضة: يعد هذا من أكبر أسباب فوز الرئيس التركي بولاية ثالثة؛ إذ إن تحالف الأحزاب المعارضة فيما يعرف باسم “الطاولة السداسية” منحهم بداية قوية في بدايات السباق الانتخابي، بالإضافة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية الذي فتح الباب للمعارضة لإبراز مشاكل نظام أردوغان وتقديم حلول جديدة في البرنامج الانتخابي. لكمن لم يدم هذا الوضع المثالي للمعارضة طويلًا؛ إذ إن السبب الأكبر في تمييز هذا التحالف وهو التنوع في الفكر والتيارات بينهم مما جمع نسبة كبيرة من الشعب حولهم، كان هو السبب الأكبر في خسارتهم لأن هذا الاختلاف الفكري نتج عنه الكثير من الانقسامات بدلًا من التنوع المتجانس الذين كانوا يخططون له.

فعلى سبيل المثال بدأ الاختلاف منذ البداية عند اختيار الشخص الأمثل ليكون المرشح الرئاسي مما أدى إلى التأخر في الإعلان عن مرشحهم. وحتى بعد الاستقرار على كمال كليجدار أوغلو، انسحب حزب الجيد من التحالف لفترة بسبب رفضه للاختيار. وكان هذا الاختلاف منذرًا بعدم قدرة هذا التحالف على التعاون لإدارة البلاد بشكل أفضل حتى ولو كان برنامجهم الانتخابي جذابًا.

استقطاب المعارضين: لم يهتم “أردوغان” فقط بإرضاء وكسب مؤيديه، وإنما كان يحاول استقطاب بعض المعارضين، خاصة عن طريق زيارة ضحايا الزلزال ومحاولة رعايتهم والاهتمام بهم بشكل كبير بدون الاهتمام بتوجههم السياسي، خاصة أن معظم المناطق المنكوبة من الزلزال كانت تميل أكثر إلى المعارضة. ونجح أردوغان في اكتساب تعاطف الكثير من ضحايا الزلزال وسكان المناطق المنكوبة خاصة في الجولة الثانية بعدما تم مهاجماتهم من قبل أنصار كمال كليجدار أوغلو بسبب تصويت بعضهم لـ “أردوغان”، بالإضافة إلى تصريحات “أوغلو” شديدة اللهجة بشأن اللاجئين السوريين وتأكيده بأنهم سيُرحّلوا جميعًا فور وصوله للحكم، ونتج عن ذلك نفور الكثير من سكان المناطق المنكوبة والسوريين الحاصلين على الجنسية التركية من مرشح العارضة.

سياسات متوقعة في الفترة الرئاسية الجديدة

من المؤكد أن شكل السياسات التركية لن يتغير بشكل كبير؛ فقد أكد الرئيس التركي “أردوغان” في خطاب النصر على أن أهدافه ودوافعه لم تتغير، إلا أن الوضع الاقتصادي غير المستقر ووجود تركيا كوسيط أساسي في الصراع الروسي الأوكراني قد يشكلان الملفان الأكثر اهتمامًا من جانب “أردوغان” في ولايته الثالثة. وفيما يلي تأثير إعادة انتخاب “أردوغان” على بعض الملفات:

السياسات الداخلية: تعهد الرئيس التركي في خطاب النصر على العمل على “مئوية تركيا” –وهو ما كان شعار حملته الانتخابية- عن طريق البدء في العمل على حل المشاكل التي تهدد استقرار البلاد سواء في الملفات الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية. ومن المحتمل عدم تغير السياسة الاقتصادية للبلاد، فقد أكد الرئيس التركي في خطابه على تسخير الحكومة كل جهدها للعبور من الأزمة الاقتصادية عن طريق خفض سعر الفائدة الذي ربطه الرئيس التركي بانخفاض معدل التضخم، حيث انخفض معدل التضخم في تركيا هذا العام ليتراوح ما بين 40% و50% بعدما سجل معدل قياسي وهو 80% في العام الماضي.

أما سياسيًا، فمن المحتمل أن تكون نيته هي تعزيز قوة كل أحزاب تحالف الجمهور وليس حزب العدالة والتنمية فقط؛ إذ إن دعم باقي أحزاب التحالف كان لها دور مهم في تفوق “أردوغان: في الانتخابات. ذلك بالإضافة إلى التصدي لحلف الأحزاب المعارضة خاصة بعدما دعا كليجدار أوغلو بعد هزيمته في الانتخابات إلى “مواصلة النضال من أجل تحقيق الديمقراطية”، لا سيّما وأن تحالف الأمة المعارض قد حصل على نسبة 35% من المقاعد البرلمانية.

وبالنسبة لملف الأكراد، فلطالما كان أردوغان مناهضًا لتزايد الأكراد في تركيا ويراهم دائمًا تهديدًا على الأمن القومي التركي لارتباطهم في نظره بالمنظمات الإرهابية، وهو عكس الاتجاه التي كان يتخذه منافسه “أوغلو” وأحزاب المعارضة والذين تحالفوا مع أحزاب كردية الأصل ووصفها أردوغان في السباق السياسي بأنها الذراع السياسية للمنظمات الإرهابية. وقد أكد الرئيس التركي كذلك في خطابه على أهمية تأمين حدود البلاد والتصدي للإرهاب بكافة صوره.

وعلى صعيد ملف اللاجئين السوريين، وهو الملف الذي حاز على الكثير من الجدل أثناء فترة الانتخابات بسبب الاتجاه المعادي الذي كانت تأخذه المعارضة وتعهد “أوغلو” بترحيل جميع اللاجئين السوريين فور وصوله للسلطة، وفي المقابل أخذ أردوغان الاتجاه المعاكس حيث أكد على أنه لا يجب ترحيل السوريين قبل التطبيع مع دولة سوريا أولًا بالإضافة للتعاون مع قطر في المشروع السكني للاجئين لضمان ترحيلهم بشكل آمن، وهو ما قد يشير إلى احتمالات خفوت هذا الملف بشكل كبير.

العلاقات الخارجية: تمتلك تركيا الآن وضعًا في منتهى الحساسية في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية؛ فعلاقة الرئيس التركي أردوغان بنظيره الروسي بوتين علاقة جيدة ولم تتأثر بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير من العام الماضي، بالرغم من كون تركيا عضوًا في حلف الناتو. وقد استغل أردوغان علاقته القوية ببوتين ليلعب دور وساطة مهمًا في الأزمة للمحاولة للوصول لحل سلمي والتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الحرب عن طريق الوساطة في اتفاقية حبوب البحر الأسود على سبيل المثال.

وكان من المتوقع ميل تركيا للجانب الغربي في حال وصول “أوغلو” للحكم وهو ما كان سيفقد المفاوضات وسيطًا مهمًا يمكن اعتباره محايدًا. وأشار أردوغان في خطابه أن الصحف الفرنسية والألمانية والإيطالية أيضًا كانت نشرت مقالات تؤكد على رغبتها في خسارته للانتخابات، وذكر في المقابل تهنئة الرئيس الروسي له على الفوز. وعلى الرغم من هذه الإشارة المتناقضة يظل من غير المرجح أن تأخذ تركيا صف روسيا بشكل كامل بسبب عضويتها في حلف الناتو ووجود مصالح مشتركة قوية مع الغرب.

وعلى صعيد الشرق الأوسط، خاصة الدول العربية كان يحاول أردوغان منذ عامين إصلاح العلاقات المتوترة مع دول مثل مصر الإمارات والسعودية وحتى سوريا، وقد حقق تقدمًا كبيرًا في هذا المسار. وبعد فوز “أردوغان” وتهنئة رؤساء الدول العربية له أكد على اهتمامه بالمواصلة في تعميق العلاقات العربية، حيث تم الإعلان عن زيارة الرئيس التركي لعدة دول عربية في الفترة القادمة وعلى رأسها مصر، مما يشير إلى استمرار اتجاه أردوغان في تقوية العلاقات مع الدول العربية.

ويهدف هذا الاتجاه إلى زيادة التعاون الاقتصادي بين تركيا والبلاد العربية المجاورة لها كجزء من محاولات تحسين الوضع الاقتصادي. هذا بجانب التعاون السياسي؛ فوجود تركيا كمركز ثقل في الشرق الأوسط يدفعها إلى التعاون مع مراكز الثقل الأخرى في المنطقة كمصر والسعودية والإمارات للتوصل إلى حلول للأزمات السياسية والدبلوماسية وأيضًا الاقتصادية التي طال استمرارها في المنطقة بدون حل.

ختامًا، بالرغم من أن مركز أردوغان وشعبيته بين الأتراك كانت مهددة بشكل غير مسبوق في هذه الانتخابات، إلا أنه استطاع إدارة المعركة الانتخابية واستغلال الظروف والتعامل معها بأفضل شكل ممكن، مما أدى إلى تفوقه في الدورتين الانتخابيتين. ومن المتوقع ألا تكون الولاية الثالثة لأردوغان سهلة؛ فبالرغم من انتصاره في الانتخابات الرئاسية وحصول حزبه على أكبر نسبة مقاعد في البرلمان إلا أن هذه الانتخابات أشارت إلى تزايد قوة المعارضة بشكل ملحوظ، وهو ما سيقوم بدور ضغط كبير على النظام التركي لحل الأزمات التي تهدد تركيا حاليًا، سواء داخليًا أو خارجيًا.

بيير يعقوب

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى