الأهمية الإقليمية للعلاقات العمانية – الإيرانية
في إطار حالة النشاط التي ميزت الدبلوماسية العربية في الآونة الممتدة الأخيرة، توجه هيثم بن طارق سلطان عمان في زيارة رسمية إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية على رأس وفد رفيع المستوى، بما يوحي بأن زيارته لطهران تحمل الكثير من الأبعاد، ويعول عليها في العديد من المخرجات سواء على المستويات السياسية أو الاقتصادية بين البلدين أو على المستوى الإقليمي وربما الدولي أيضًا. حيث يمكننا أن نرى بصمة السياسة العمانية واضحة من خلال هذه الزيارة بجميع انعكاساتها، فتاريخيًا وبطبيعة الحال ابتعدت مسقط تقليديًا عن مسألة استعراض القوة أو إثارة البروباجندا حول تحركاتها التي تتحدث عنها نتائج هذه التحركات بالشكل الأكثر مثالية. وتأتي زيارة السلطان العماني إلى طهران في سياق مميز من حيث التوقيت يمكن فهمه من خلال أن الزيارة جاءت:
– بعد القمة العربية الاستثنائية في جدة: حيث يشكل هذا بعدًا مهمًا لفهم خصوصية الزيارة على وجه التحديد، وذلك لوجود تفاهمات استراتيجية بين مسقط والرياض نجم عنها علاقات عميقة بين البلدين، تستند بشكل أساسي على إعلاء المصالح الوطنية في إطار من الثقة المتبادلة.
– بعد زيارة هيثم بن طارق للقاهرة: منذ أن تم الكشف عن زيارة سلطان عمان للقاهرة والتي جاءت بدورها بعد انتهاء أعمال القمة العربية الثانية والثلاثين، فسر الكثير الزيارة في سياق أنها تاريخية لأنها تعد الأولى من نوعها بعد خلافة هيثم بن طارق للراحل قابوس، وإنها تأتي في سياق تنسيق العلاقات وربما تقريب وجهات النظر بين القاهرة وطهران في سياق آخر، خصوصًا أن مسقط كانت شريكًا أساسيًا في المفاوضات التي مهدت لتوقيع الاتفاق التاريخي بين السعودية وإيران، ويضاف إلى ذلك أن الرياض تتبنى مواءمة جديدة في سياستها الخارجية مبنية على دبلوماسية حيادية، تتشابه مع الدبلوماسية العمانية المنتمية لمدرسة الحياد الإيجابي.
–بعد الاتفاق التاريخي بين الرياض وطهران: قد تتضمن الزيارة بعدًا أمنيًا يركز على مسألة استمرار الحرب في اليمن وكون عمان شريك موثوق فيه من جانب إيران، وتتوسط في مسألة التأكيد على عدم جواز استهداف المصالح السعودية طبقًا للاتفاق، وبالتالي فمن الضروري أن تمارس طهران ضغوطًا على جماعة أنصار الله في اليمن للتوصل إلى وقف إطلاق النار ولهدنة طويلة الأمد. خصوصًا في ضوء عدم نجاح الزيارة المشتركة العمانية – السعودية إلى صنعاء بداية أبريل الماضي في تحقيق الانفراج المنتظر في اليمن. ويفترض أن يغير الاتفاق بين إيران والسعودية من قواعد الاشتباك السياسي والعسكري في المنطقة بما في ذلك الحرب اليمنية، التي ستخضع لمرحلة مختلفة في الصراع القائم، ومن ضمن ذلك إحياء المسار السياسي والتراجع المتوقع في سخونة المواجهات العسكرية التي تأخذ بعدًا محليًا في حال فشلت جهود التوصل إلى اتفاق سياسي بين الفرقاء اليمنيين.
–بعد نجاح الوساطة العمانية في عملية تبادل أسرى بين بلجيكا وطهران: نجحت مساعٍ سلطنة عمان منذ أيام في إبرام صفقة لتبادل الرعايا المتحفظ عليهم بين إيران وبلجيكا، حيث تم نقل رعايا البلدين إلى مسقط تمهيدًا لنقلهم إلى بلديهما، ويعد ملف الوساطة أحد الملفات التي تبرع فيها مسقط نظرًا لمبادئ حاكمة وجهت سياستها الخارجية وجعلتها شريكًا موثوقًا به لعدد من الأطراف الإقليمية والدولية. وهو دور انتقل من مسقط إلى عواصم خليجية أخرى في الفترة الأخيرة، ومنها أبو ظبي التي نجحت في تحقيق اختراقات في ملفات الوساطة بين موسكو وكييف فيما يتعلق بتبادل الأسرى.
– بعد وصول الملف النووي الإيراني لطريق مسدود: في هذا السياق، تعمل سلطنة عمان اليوم ومن خلال زيارة هيثم بن طارق إلى طهران على مواصلة جهود الوساطة بينها وبين واشنطن، وذلك مع زيادة التوتر في مياه الخليج العربي بين الحرس الثوري والقوات الأمريكية المرابطة في المنطقة، وفي ظل التوقعات بإمكان العودة للاتفاق النووي، يُنظر إلى الجهد المبذول عن طريق الوسطاء باعتباره حجر زاوية مثلما كانت مسقط شريكًا في الوساطة التي أفضت إلى صدور خطة العمل المشتركة في 2015.
وبالنظر إلى أن النقاط السابقة تخص مسألة التوقيت الخاص بالزيارة العمانية إلى إيران، إلا أنها تعطينا مؤشرًا حول الركائز الأساسية في السياسة الخارجية العمانية:
انطلقت سلطنة عمان في سياستها الخارجية من مبادئ الأمم المتحدة التي تركز على التعايش السلمي وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة الدول، إلا أن ما صنع التفرد في الحالة العمانية يستند إلى نقاط أخرى تعود إلى تجربة خاصة بالسلطنة، فخلال 50 عامًا من تجربة السلطان الراحل قابوس بن سعيد، تمسكت عمان بمجموعة من المواقف في مواجهة تحديات بعينها أسهمت في تكوين الأسس الذي تبنى عليه السياسة العمانية الخارجية اليوم، وربما كان من أبرز هذه العوامل محاولات نظام جنوب اليمن الاشتراكي تصدير الثورة إلى المنطقة مدعومًا بالاتحاد السوفيتي حينها، حيث نجحت سلطنة عمان وقتها في صد حالة التمرد في الجنوب عن طريق مساعدة شاه إيران، وهو ما أسس إلى أن إيران شريك يمكن أن يعتمد عليه بالنسبة لمسقط، وفي هذا عبرة أخرى تتعلق بكيفية تعامل عمان مع الاشتراكيين في اليمن، حيث نجحت خلال ذلك التوقيت في فتح قنوات اتصال مع الاشتراكيين في اليمن على الرغم مما أثاروه من قلاقل في عمان، وهو نفس المبدأ الذي تسحبه عمان اليوم حين الربط بين دول الخليج وإيران من خلال محاولات للوساطة وتقريب وجهات النظر.
وفي هذا الإطار، فإن العلاقات العمانية الإيرانية هي علاقات تفضي بشكل أو بآخر لصالح أمن واستقرار المنطقة، من خلال عدد من السياقات أبرزها الاتفاق السعودي – الإيراني والأطراف التي توسطت فيه سواء مسقط أو بغداد، والذي يشير إلى أن هذا الاتفاق التاريخي يمكن أن يؤسس عليه لاحقًا في تقارب مناطقي في الإقليم، بين إيران والبحرين على سبيل المثال أو بين مصر وإيران أو حتى على طريق فتح الباب على مصراعيه لدول أخرى في المنطقة، للعب أدوار رئيسة وعلى رأسها العراق وسوريا التي سارت السلطنة على مقاربة مغايرة بشأنها أيضًا، فكانت مسقط من أوائل العواصم التي انفتحت على دمشق وساهمت في عودتها لمقعدها في الجامعة العربية.
وواحدة من الركائز الأساسية للسياسة العمانية أيضًا مسألة تأمين الملاحة في مضيق هرمز، ويأتي جانب من قوة العلاقات العمانية- الإيرانية بالاستناد على هذا المبدأ حيث يمر عبره ثلث إمدادات النفط في العالم، وتمثل مسقط صمام أمان في هذا المنحى، وعند اندلاع التوترات تحرص عمان على إزالة المخاطر الملاحية فورًا، وهنا تبرز أهمية إقليمية أخرى للعلاقات بين مسقط وطهران بطريقة تجعل واشنطن تعتبر مسقط شريكًا إقليميًا ودوليًا دائمًا ومهمًا.
تستند السلطنة إلى مبدأ آخر في سياستها الخارجية وهو إعلاء قيمة الحوار مهما بلغت بواطن الخلاف، ولكن باعتبار أن يؤدي الحوار إلى تقارب حذر، ويمكن فهم ذلك من خلال تفصيل العلاقات العمانية – الإسرائيلية من خلال حرص مسقط على الاحتفاظ بالدور الحيادي في المنطقة، وعدم الانخراط في معادلة الصراع بين إسرائيل وإيران.
واستحدثت عمان ركيزة جديدة في سياستها الخارجية وهي الاتساق مع التوجه العربي العام في الفترة الحالية، والذي يركز على مسألة تصفير الخلافات والأزمات، وفي هذا السياق فإن القمة العربية في جدة استطاعت إرساء هذه القاعدة ومهرها بالأختام الرسمية بعد عودة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية، ويمكن أن يفضي ذلك لخلق تكتل عربي قوي في مواجهة التكتلات والتحالفات العالمية التي تتشكل ببراجماتية المصالح الاقتصادية في ظل تراجع ملحوظ للعامل السياسي.
وربما حالة الاقتناع بأهلية مسقط في الاضطلاع بدور رئيس في هذا الإطار، هو استحقاق قد كسبته نتيجة حيادها الإيجابي الذي التزمت به بصورة تناهز المثالية إلى حد بعيد، بحيث يشكل الحياد الإيجابي والوساطة أهم قوتين ناعمتين تتميز بهما مسقط، مما يؤهلها ربما للدخول على خط الوساطة بين روسيا وأوكرانيا خصوصًا بعد حضور مفاجئ للرئيس الأوكراني في قمة جدة، وربما تنتظر مسقط طرق الأطراف لبابها من باب الكياسة الدبلوماسية.