الحوار الوطني

العنف الأسري على طاولة الحوار الوطني.. الإحصائيات وآليات المواجهة

أكد الدستور المصري في مادته العاشرة بأن “الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة علي تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها.” وبالفعل فقد التزمت الدولة المصرية منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الارتقاء بالأسرة المصرية والعمل على تماسكها انطلاقًا من الإيمان بأن هدم قوام أي مجتمع يتم أولًا بهدم منظومة الأسرة. 

وتمثل ظاهرة العنف الأسري من أهم التحديات التي تواجه الأسرة المصرية وتهدد استقراراها؛ نظرًا لما تسببه من مشاكل نفسية وجسدية واقتصادية لكل من المرأة والطفل، مما يؤثر بالضرورة على قوام المجتمع المصري. وهو ما جعل طرح الظاهرة من أولويات القضايا الخاصة بلجنة الأسرة والتماسك المجتمعي في الحوار الوطني، وفيما يلي نستعرض أهم المؤشرات الخاصة بالعنف الأسري وسبل المواجهة لتلك الظاهرة.

من هم المعرضون للعنف الأسري؟

يُشار إلى العنف الأسري بوصفه ظاهرة شائعة؛ إذ ينظر له انه سلوك عادي في العديد من المجتمعات، وطالما يبرر له بأسباب واهية تخص العادات والتقاليد والأفكار الدينية المغلوطة التي تبيح العنف في نطاق الأسرة المصرية، إضافة إلى الصور الإعلامية المتكررة التي ترسخ تصورات النساء عن مشروعية السيطرة الذكورية. 

وتعاني النساء والأطفال من الآثار الجسدية والنفسية الناتجة عن ممارسات العنف داخل الأسرة سواء من “الأب – الزوج- الأخ – الخطيب”؛ اذ خلصت الدراسات إلى أن العنف الأسري من الأسباب الرئيسة في اعتلال صحة المرأة بما في ذلك صحتها الإنجابية والجنسية، وأن الأطفال الذين يشهدون تلك الممارسات هم الأكثر عرضة للأمراض النفسية وممارسة تلك الأفعال وتكرارها مستقبلًا.

بيانات وإحصائيات

يشير المسح الصحي للأسرة المصرية، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في عام 2022، إلى أن حوالي ثلث السيدات اللاتي سبق لهن الزواج في العمر 15-49 قد تعرضن لصورة من صور العنف من قبل الزوج. وبشكل عام، فتتعرض النساء داخل نطاق الأسرة إلى العنف الجسدي بنسبة 25%، وتتعرض 22% إلى العنف النفسي، وحوالي 6 % يتعرضن إلى العنف الجنسي.

المسح الصحي للأسرة المصرية 2022. الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء

وقد أشار مسح التكلفة الاقتصادية القائم على النوع الاجتماعي الصادر في عام 2015، بتعاون الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء مع المجلس القومي للمرأة وصندوق الأمم المتحدة للإنماء، إلى معاناة أطفال لـ 300 ألف أسرة من الكوابيس والخوف بسبب العنف المرتكب على يد الزوج سنويًا. ويتغيب أطفال نحو 113 ألف أسرة عن الدراسة بسبب العنف المنزلي على يد الزوج، بما يؤدي إلى فقدان نحو 900 ألف يوم دراسي سنويًا.

وقدرت الدراسة عدد النساء المتزوجات اللاتي يتركن منزل الزوجية نتيجة للعنف على يد الزوج بنحو مليون امرأة سنويًا، وبتكلفة سكن بديل قدرها 585 مليون جنيه مصري سنويًا. وتتعرض نحو 200 ألف امرأة لمضاعفات الحمل نتيجة للعنف المنزلي، إضافة إلى زيادة قدرها 3.5% في معدلات الإجهاض بين النساء المعنفات.

وخلصت الدراسة إلى إصابة نحو مليونين و400 ألف امرأة بنوع واحد على الأقل من الإصابات نتيجة للعنف المنزلي، بتكلفة اقتصادية تتكبدها النساء الناجيات من العنف وأسرهن تقدر بنحو مليارين و17 مليون جنيه مصري. وتفقد الدولة نحو نصف مليون يوم عمل للنساء المتزوجات الناجيات من العنف و200 ألف يوم عمل للزوج سنويًا بسبب العنف الأسري. 

وفي دراسة حديثة أجراها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية عام 2020، بعنوان” العنف المجتمعي ظاهرة تحتاج إلى حل“، تم رصد 211 حالة عنف ضد النساء موزعة على معظم محافظات الجمهورية. وانقسمت ممارسات العنف ضد المرأة وفقًا لنوعية الجريمة؛ إذ احتل القتل والشروع في القتل مقدمة القائمة بعدد 173 حالة، يليها الجرائم الجنسية “اغتصاب – تحرش – ابتزاز” بعدد 38 حالة. وبملاحظة منحنى نوعية الجريمة وُجد أن الاتجاه السائد هو نحو ممارسات أكثر عنفًا تجاه المرأة، خاصة في الجرائم الناجمة عن الخلافات الأسرية.

وقد لعبت صلة القرابة بين الجناة والمجني عليهن دورًا وثيقًا؛ إذ جاءت أغلب حالات العنف من الأقارب بمختلف الدرجات بنسبة 61.6% بعدد 130 حالة من إجمالي 211 حالة، وتصدر الزوج تلك القائمة بنسبة 39.3%، فيما جاءت 25 حالة من قِبل الخطيب أو الجار أو العشيق. وكان عدد الحالات التي لا توجد بها صلة قرابة 59 حالة، وهو ما يتسق إلى حد كبير مع البيانات الصادرة عن المسح الصحي المصري لعام 2022، مما يُسلط الضوء على العلاقة بين الترابط الأسري ومن ثم المجتمعي والأمان الذي تتمتع به المرأة في محيطها الضيق الخاص بالأسرة والعائلة. 

أنماط العنف الأسري

ينقسم العنف الأسري إلى نوعين، وهما: العنف الموجه ضد المرأة داخل محيط الأسرة، والعنف الموجه ضد الأطفال. وتتضمن أشكاله الإساءة البدنية سواء بالضرب أو إحداث الإصابة أو الاعتداء على حرمة الجسد كممارسة ختان الإناث. وتتمثل الإساءة النفسية في: التنمر، والإهانة، وزعزعة الثقة بالنفس. إضافة إلى الإساءة الجنسية والتي تشمل ممارسات: هتك العرض، والاغتصاب، والتحرش الجنسي. أما الإساءة الاقتصادية فهي من الأنماط الأكثر شيوعًا؛ إذ تحرم فئة من النساء في بعض المناطق من الخروج إلى التعليم أو العمل أو حتى المطالبة بالميراث الشرعي. وفيما يلي نستعرض صورًا لممارسات العنف الأسري:

أولًا: العنف الموجه ضد الأطفال في محيط الأسرة 

العنف البدني: أشارت دراسة بعنوان “العنف ضد الأطفال في مصر” الصادرة في عام 2015 بالتعاون بين المجلس القومي للطفولة والأمومة ومنظمة اليونيسيف، إلى أن اغلب الأطفال المشاركين في الدراسة قد تعرضوا للعنف الجسدي “الضرب- التعنيف- الصفع – الضرب بأداة”، وأن مثل تلك الأشكال من العنف قد حدثت الغالبية منها في المنزل عن المدرسة أو الشارع.  وعلى الرغم من الأذى الجسدي والنفسي البالغ الذي يتعرض له الطفل، إلا أن الأطفال الذين تعرضوا لمثل تلك الحوادث ما زالوا يرون أن العقاب الجسدي أمر مقبول للتأديب، وأن من حق أفراد الأسرة الأكبر منهن ضربهن كنوع من أنواع العقاب، وأن تلك الممارسات هي نوع من أنواع الاهتمام الذي يجعلهم أكثر ادبًا وطاعة. وهو ما يعكس التشوه النفسي الذي لحق بالأطفال الذين تعرضوا لتلك المواقف.

ختان الإناث: يعد من الممارسات التي تندرج تحت بند العنف الأسري؛ إذ إن متخذ قرار الختان يكون من أحد أفراد الأسرة الذكور. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الدولة في معالجة الظاهرة، فإن المسح الصحي للأسرة المصرية قد أشار إلى استمرار الظاهرة بنسبة 86% بين النساء التي سبق لهن الزواج و14% بين الأطفال من سن 0-19 عامًا. واشارت النتائج إلى ارتفاع الظاهرة في الوجه القبلي مقارنة بالمحافظات الحضرية والوجه البحري.

وقد خص المشرع المصري بجزء من العقوبة المترتبة بختان الإناث على من طلب الختان والمتمثل في أحد أفراد أسرتها؛ لما يترتب على الأنثى من أضرار نفسية وجسدية ناتجة عن تلك الممارسة؛ ففي عام 2016، بموجب القانون رقم 78 غُلّظت العقوبة بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تجاوز سبع سنوات على كل من قام بختان أنثى “دون مبرر طبي”، والسجن المشدد “إذا أدى الختان إلى عاهة مستديمة، أو إذا أفضى إلى الموت”. ومعاقبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز ثلاث سنوات كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناء على طلبه.

زواج الأطفال: يعدّ زواج القاصرات أحد اشكال العنف الأسري الموجه ضد الطفلة الأنثى، والذي ترجع أسباب انتشاره إلى الموروثات الثقافية والمفاهيم الدينية المغلوطة. وتسبب الظاهرة العديد من الأمراض المجتمعية الأخرى مثل: زيادة نسبة زواج التصادق، وقضايا النسب، وزيادة معدلات التسرب من التعليم للفتيات، ناهيك عن الأضرار الجسدية والنفسية التي تحدث للفتاة. لذلك وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال احتفالية المرأة المصرية في مارس 2021، مجلس النواب بسرعة إصدار تشريع قانوني خاص يجري بموجبه منع زواج للأطفال. ويُعدّ طرح مشروع القانون على مائدة الحوار الوطني من أولويات لجنة الأسرة والتماسك المجتمعي.

ثانيًا: العنف الموجه ضد النساء في محيط الأسرة

الإساءة الجسدية: وهو كل ما يتعلق بممارسات الضرب والإهانة الجسدية. وتشير دراسة مسح التكلفة الاقتصادية القائمة على النوع الاجتماعي بأنها أكثر الممارسات انتشارًا، حيث تعرضت 46% من النساء اللاتي سبق لهن الزواج في سن “18-64” عامًا للعنف الجسدي. وتناول المسح الصحي السكاني لعام 2014 مدى قبول المرأة لفكرة ضرب الزوج لزوجته، ووجد أن 69% من النساء أعطوا مبررًا واحدًا على الأقل لضرب الزوج لزوجته مثل “الخروج بدون إذن الزوج- الإهمال في الاعمال المنزلية ورعاية الأطفال- رفض إقامة العلاقة الحميمة مع الزوج- الرد علي الزوج والاختلاف معه في الرأي”. تلك المؤشرات إن دلت فتدل على الصورة الذهنية المرسخة في عقل المرأة عن إمكانية استباحة جسدها بالضرب والإهانة وإيجاد مبررات لهذا الفعل، مما يزيد صعوبة القضاء على تلك الظاهرة.

العنف النفسي: يشير المسح الصحي السكاني لعام 2014 إلى شيوع أشكال العنف النفسي الذي تتعرض له النساء في محيط الأسرة سواء بـ “التنمر -الإهانة -الألفاظ النابية – الإذلال أمام الاخرين- الترهيب المتعمد- التهديد”، حيث ذكر المسح بأن 4 من كل 10 نساء قد تعرضن للعنف النفسي مرة واحدة على الأقل. 

العنف الاقتصادي: ويشير العنف الاقتصادي إلى السيطرة والتحكم المالي سواء من الزوج أو الاب أو الأخ، وحرمان المرأة من حقوقها المالية عن طريق المنع من العمل لعدم التربح أو الحصول على المال أو الحرمان من الميراث. ويزداد التحكم المالي وصعوبة النفاذ إلى الموارد المالية في حالة طلاق الزوجة. 

المصدر: مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي

وقد تصدى القانون الصادر برقم 219 لسنة 2017 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث لهذه الظاهرة بعقوبات مشددة تصل إلى الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تجاوز 100 ألف جنيه لمن يمتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث. وقد ساعد هذا القانون في إعادة الحق المنهوب بعدم توريث المرأة في بعض المناطق وعدم تمكينها من مواردها المالية.

أخيرًا، بذلت الدولة العديد من الجهود سواء على نطاق التشريعات التي تكفل حماية المرأة والأطفال داخل نطاق الأسرة، أو على النطاق المؤسسي بإطلاق المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية وإصدار الدراسات الخاصة بالتكلفة الاقتصادية القائمة على النوع الاجتماعي والمسوح الصحية السكانية المتتالية التي تقوم بتحديث البيانات الخاصة بتطور ظاهرة العنف الأسري. وعليه، هناك بعض المقترحات التي من شأنها القضاء على الظاهرة وتتمثل في: 

  • إطلاق استراتيجية قومية لمناهضة العنف الأسري.
  • سرعة إصدار القانون الموحد لمكافحة العنف ضد المرأة.
  • إنشاء قاعدة بيانات موحدة لضحايا العنف المنزلي وإتاحتها للباحثين للقيام بدراسة الظاهرة وإيجاد حلول واقعية وفقًا لمعدلات تطورها.
  • التوسع في برامج المقبلين على الزواج لتشمل أيضًا برامج الدعم النفسي لضحايا العنف الأسري.
  • إتاحة خدمة الاستشارات الأسرية ووجود استشاري أسرى في عيادات الأسرة التابعة لوزارة الصحة.
  • تعاون المؤسسات الدينية مع منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية لتصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة ومعالجة الصورة الذهنية الخاصة بالمرأة وصور السيطرة الذكورية المندرجة تحت مبررات العادات والتقاليد.

كاتب

د.آلاء برانية

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى