عودة الاشتباكات في إثيوبيا ومصير السلام الشامل
لم تلبث إثيوبيا تتحدث حول السلام مع التيجراي واحتمالية انتقال عدوى السلام “الهش” إلى الأقاليم المجاورة لتحقيق “السلام الشامل”، حتى تجدد التصعيد بين جيش تحرير الأورومو والحكومة الإثيوبية في الإقليم، بالتزامن مع مفاوضات الجولة الأولى لبدء مباحثات حول تحييد الخلافات بين الجانبين ومبادرة لتوقيع اتفاقية للسلام في تنزانيا، والتي سبقها خلاف الحكومة الإثيوبية مع قومية الأمهرة بعد إعلان الحكومة توحيد الجيش النظامي بدمج الحركات المسلحة، في خطوة اعتبرتها الأمهرة انقلابًا من الحكومة ومحاولة لتقييد دورها، وهو ما يضعنا أمام سيناريوهات عدة أحدها يتعلق باحتمالية اندلاع حرب جديدة في إثيوبيا لتقييد الحركات المسلحة، في ظل تغير خريطة التحالفات بالداخل الإثيوبي.
الخلاف مع الأورومو:
فشل محادثات السلام الأولية المنعقدة في إقليم زنجبار التنزاني والتي بدأت من أبريل الماضي، عقب اتهام جيش تحرير الأورومو -المنشق عن جبهة تحرير الأورومو منذ 2018 على خلفية رفض نزع السلاح– لحكومة آبي أحمد بشن هجوم عليهم؛ ما يتعارض مع “وقف التصعيد المأمول” وذلك في 17 مايو الجاري، عقب اتهامات الأورومو بعدم جدية حكومة آبي باتخاذ إجراءات فعلية تسهم في تحقيق سلام فعلي. وتحاول الحكومة الإثيوبية فرض سياسة الأمر الواقع عقب فرض سيطرتها ونفوذها على الإقليم، والتفاوض من وضع القوى سيجعلها أكثر قدرة على فرض شروطها بعيدًا عن الأهداف الأورومية، خاصةً في ظل الحجم العددي والتسليحي الموجود في الإقليم.
وجاءت الجولة الأولى من المفاوضات برعاية “طرف ثالث” متمثل في “النرويج من مجموعة الترويكا”، و”كينيا من منظمة الإيجاد” وتوقع بانضمام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في حال نجاح المفاوضات؛ في محاول لبث الثقة في نفوس الأورومو التي رأت في الوساطة السبيل الوحيد لضمان تنفيذ الاتفاقات بعيدًا عن المحادثات المحلية التي وصفتها الجماعة الأورومية بأن المحاولات من قبل وسطاء محليين جاءت لإقناعهم بالاستسلام مقابل التهديد بتكثيف عمليات إنفاذ القانون دون وجود مجموعة مركزية تقود عملية السلام ووصفها بغير الواقعية.
وهو ما يضعنا أمام اتفاق هش غير مكتمل قبل البدء فيه، في ظل عدم واقعية بنود النقاش، وتجاهل الخلافات الواقعية والصراعات التي يشهدها الإقليم؛ فشهد الإقليم مجازر عرقية بين القوميتين الأكبر في إثيوبيا وهما الأورومو والأمهرة، بجانب النزاع الحدودي حول منطقة ميتكيل الواقعة بين الأقاليم الثلاثة “الأورومو والأمهرة وبني شنقول – جوميز” والسودان.
انقلاب الحليف الأوحد:
عقب توقيع اتفاقية بريتوريا في نوفمبر 2022 بين جبهة تحرير التيجراي والحكومة الإثيوية بعد عامين من النزاع الذي خلف وراءه ما يزيد على 500 ألف شخص وفقًا للتقديرات الأممية، انقلبت جماعة الأمهرة على حكومة آبي أحمد، خاصة بعد إعلان الأخير عن توحيد القوات المسلحة النظامية، ونزع السلاح من الجماعات العرقية المسلحة، والبدء بنزع سلاح جماعة الأمهرة، مما أشعل الاحتجاجات داخل الإقليم الذي وجد في هذا القرار محاولة لإضعاف الإقليم؛ في محاولة للتقارب مع التيجراي لدعم النفوذ الغربي، ومحاولة لإرضاء الغرب ممثل في الولايات المتحدة الأمريكية لاستئناف الحصول على المساعدات الدولية وتنشيط التعاون الاقتصادي في ظل انخفاض المؤشرات الدولية للوضع الاقتصادي في إثيوبيا.
ويرجع هذا التخوف نتيجة مشاركة الأمهرة لحكومة آبي أحمد في حربها ضد التيجراي، وبالتالي انسحابها من القتال وتوقيع اتفاقية السلام عقب رفع اسم التيجراي من أسماء المنظمات الإرهابية وكذلك أسماء قادتها، مما يعني انسحابها من الأراضي التي سيطرت عليها بعد التصعيد ضد الإقليم، حيث سيطرت على أراضٍ عدة في منطقتي “والكيت وراما” وهي أراضٍ تابعة لإقليم التيجراي، والتي قامت الأمهرة بالزراعة فيهما كبديل عن الأراضي التي استعادها السودان من قبضة المزارعين الإثيوبيين، وخاصة جماعة الشفتا التابعة للأمهرة والتي يرى السودان أنها مدعومة من القوات الإثيوبية والإريترية. وهو ما أدى إلى تحول الأمهرة من حلفاء لآبي أحمد إلى معارضة شديدة واتهمته بإضعاف القوات الإقليمية لتنفيذ مخططه بإرضاء القوى الدولية.
تغير شكل التحالفات الإقليمية
أدى توقيع اتفاقية السلام مع التيجراي إلى حدوث خلاف في اتفاق المصالح المنعقد بين الحكومة الإريترية ممثلة في أسياس أفورقي والحكومة الإثيوبية الممثلة في آبي أحمد، وشابت العلاقات بين البلدين حالة من الفتور؛ فقد اجتمع الطرفان عقب توقيع اتفاق السلام بين البلدين في ظل اختلافهم المعلن ضد التيجراي والتي تسيطر على قرية “بادمي” الحدودية مع إريتريا والتي حالت دون تنفيذ اتفاق السلام الموقع بين البلدين.
وظهر الخلاف علنيًا في توقف الزيارات المتبادلة بين قادة البلدين، والنقد العلني الذي وجهه “أفورقي” لاتفاق بريتوريا برعاية جنوب أفريقيا، هذا بجانب التصريحات الإثيوبية بعد الاضطرابات التي شهدها إقليم الأمهرة برفض تدخل أحد دول الجوار في الصراع في الأمهرة، على خلفية العداء الصامت بين البلدين من ناحية، والتخوف من التعاون بين قادة الأمهرة والنظام الإريتري في ظل الاتفاق البرجماتي حول مواجهة العدو المشترك المتمثل في التيجراي، وهشاشة الاتفاقات بن النظامين الإريتري والإثيوبي.
وتلعب رغبة الدولتين في إيجاد موطئ قدم لهما بين القوى الإقليمية لدول الشرق الأفريقي دورًا في محاولات إثيوبيا للتعاون مع دول الجوار مقابل فتور العلاقات مع الدول الإقليمية الأخرى، ولعل آخرها ظهر في الاتفاق الموقع بين إثيوبيا وجنوب السودان لإنشاء طريق سريع يربط غرب إثيوبيا بشمال شرق جنوب السودان بمدينة جوبا؛ كمحاولة لدعم وجودها الإقليمي، مقابل التحالفات الإقليمية الداخلية التي تهدد الوجود المركزي لحكومة آبي أحمد.
التحالفات الهشة وسيناريوهات متعددة
وفقًا للوضع الراهن في إثيوبيا، وعرقلة تحقيق “اتفاق السلام الشامل” وسط تغير شكل التحالفات القائمة على تغير المصالح الداخلية، فإن الوضع الداخلي لإثيوبيا ودعم دول الجوار قد ينذر بالسيناريوهات التالية:
عرقلة اتفاق السلام: يبدو أن التوافق بين الجانب السياسي في الأمهرة والأورومو والذي أوصل آبي أحمد للحكم قد يعقبه تحول في اتفاق برجماتي جديد بين الأمهرة وحركة تحرير الأورومو التي اندمجت بالسابق مع التيجراي ضد حكومة آبي أحمد، لينتج عنه تحالف آخر جديد قائم أيضًا على المصالح يتمثل في الاتفاق على العدو المشترك، لتكون حكومة آبي أحمد الآن حول توافق رؤيتهما في محاولته لإضعافهم لفرض سياسة الأمر الواقع التي ينتهجها من توليه الحكم، وهو ما سيؤدي نحو انزلاق البلاد لمزيد من الاضطرابات بين أكبر قوميتين إثيوبيتين، وبالتالي عرقلة الهدف الأكبر الذي تسعى إليه حكومة آبي أحمد وهو تحقيق السلام الشامل ليضم كافة الأقاليم، خاصة في ظل الدعم الإقليمي لأحد أطراف النزاع، وعدم وضوح سياسات التعاون وسبل دمج الحركات المسلحة لاتفاقية السلام الشامل.
استعادة المسار التفاوضي: قد تدفع رغبة آبي أحمد في تحسين صورته الدولية إلى محاولة استعادة المسار التفاوضي، وتوسيعه ليضم حركات أخرى، في ظل المحاولات الإقليمية في تحقيق مصالحهم مع الجماعات الفرعية في إثيوبيا، وهو أمر معقد في ظل تشابك المصالح الإقليمية والأهداف الداخلية، بالرغم من إعلانهم عن الانفتاح الأولي والذي أفقدته التصرفات الحكومية لثقة الجماعات الداخلية في تنفيذ بنوده.
يتمثل الطرح السابق في تعقد المشهد الداخلي، مع محاولات فرض سياسة الأمر الواقع، والذي قد يؤدي إلى تغير شكل التحالفات، مما ينذر بمزيد من النزاعات في القرن الأفريقي في حال عدم استعادة التوازن الحكومي واسترجاع المسار التفاوضي.