الحوار الوطني

التعليم على طاولة الحوار الوطني: ماذا ننتظر؟

تبدأ لجنة التعليم والبحث العلمي أولى جلساتها النقاشية ضمن جلسات المحور المجتمعي للحوار الوطني في 25 من الشهر الجاري، بمشاركة موسعة من المتخصصين والمجتمع المدني والشباب ونواب البرلمان والإعلاميين، لمناقشة أبرز قضايا التعليم والبحث العلمي في الوقت الراهن وتفكيك مشكلاته إلى وحدات يمكن التعامل معها، وتقديم الحلول التي تسهم في تحسين أوضاعه في المستقبل القريب. وتحظى هذه الجلسة باهتمام بالغ من مختلف الفئات على المستويين الرسمي والشعبي، نظرًا لما تتمتع به قضايا ومشكلات التعليم من أولوية ضمن أبرز شواغل الرأي العام خلال الأعوام السابقة. فهل يسفر الحوار الوطني عن تقديم حلول ترتقي بنظام التعليم لمستوى طموحات الجمهورية الجديدة؟

ماذا تناقش لجنة التعليم في الحوار الوطني؟

تركز لجنة التعليم والبحث العلمي في الحوار الوطني على أربعة محاور رئيسة، وهي: التعليم قبل الجامعي، والتعليم الجامعي، والبحث العلمي والابتكار، ومحو الأمية، ويندرج تحت كل محور رئيس محاور وقضايا فرعية عديدة. لذلك ونظرًا لتشعب القضايا، يمكن أن يركز هذا المقال على التعليم قبل الجامعي باعتباره يمس القطاع الأكبر من المجتمع المصري، ويؤسس لمراحل التعليم التالية ويهيئ خريجي التعليم الفني لسوق العمل.

وفقًا لما هو متداول، من المنتظر أن تتناول الجلسة النقاشية حول التعليم قبل الجامعي قضايا (الإتاحة – المعلمين والإدارة المدرسية – المناهج والأنشطة والامتحانات – الدروس الخصوصية والعدالة الاجتماعية في التعليم – التعليم الفني – القوانين والتشريعات المنظمة)؛ ولا يمكن إنكار أن مناقشة كل تلك القضايا يمنح قدرًا كبيرًا من الشمولية للحوار، ولكن في نفس الوقت تتسم بعض العناوين مثل “العدالة الاجتماعية في التعليم” بالعمومية التي تتطلب شيئًا من التفصيل، فضلًا عن أن بعض القضايا الرئيسة، مثل التمويل، والتكنولوجيا في التعليم، والتعليم الخاص، والتغذية المدرسية، وظاهرتي الغياب والعنف داخل المدارس، لم تظهر ضمن القضايا المطروحة على طاولة الحوار الوطني بشأن التعليم.

ولعل ترتيب الأولويات خلال الفترة الراهنة وعامل الوقت، هما ما ساهما في اختيار القضايا سالفة الذكر باعتبارها قضايا ملحة تحتاج لحلول عاجلة، فقضية الإتاحة على سبيل المثال اشتملت عليها بالتفصيل استراتيجية التعليم قبل الجامعي التي تم إعدادها خلال تولي الدكتور محمود أبو النصر، المقرر المساعد للجنة التعليم والبحث العلمي، حقيبة التربية والتعليم، وكان من المخطط أن تتغلب الحكومة المصرية على جُل المشكلات المتعلقة بإتاحة الخدمة التعليمية خاصةً في مرحلة رياض الأطفال والصفوف الابتدائية الأولى خلال الفترة بين عامي 2014 و2017، إلا أن ذلك لم يتحقق بالدرجة المستهدفة، لتعيد وزارة التربية والتعليم الكَرّة من جديد في 2018 من خلال برنامج إصلاح التعليم الذي بدأه الدكتور طارق شوقي بالتعاون مع البنك الدولي، ولكن مرةً أخرى تمت مراجعة الهدف الخاص بإتاحة التعليم في مرحلة رياض الأطفال، لتركز الوزارة على جودة الخدمة التعليمية في هذه المرحلة وليس التوسع في الإتاحة.

أما مسألة المعلمين والإدارة المدرسية، فهي ضرورة فعلية في ظل العجز الواضح في أعدادهم داخل المدارس الحكومية، حيث بلغ وفقًا لتقديرات الوزارة 320 ألف معلم، ولا ينبغي أن يتوقف الأمر عند المؤشرات الكمية التي تتعلق بالأعداد ونصيب كل معلم من التلاميذ، وعدد الحصص المفروض على كل معلم ومستويات رواتب المعلمين، وإنما يجب أن يمتد ليشمل مؤشرات كيفية تتعلق ببرامج إعداد وتأهيل المعلمين قبل الخدمة، وبرامج التنمية المهنية أثناء الخدمة، ونظم تقييم الأداء المتبعة داخل المدارس الحكومية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الهدف تم التركيز عليه كأحد المحاور الرئيسة الأربعة لبرنامج إصلاح التعليم الذي يمتد من عام 2018 حتى عام 2025، إلا أن التقدم نحو تحقيقه ما زال بطيئًا بعض الشيء.

وعلى الرغم من أن عملية إصلاح المناهج الدراسية ونظم التقييم والامتحانات اتخذت مسارًا إيجابيًا منذ عام 2018 بالتزامن مع بدء تطبيق نظام التعليم الجديد الذي استهدف تلاميذ رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية حتى الصف الخامس، إلا أن استكمال ذلك المسار وصولًا بهؤلاء التلاميذ لنهاية التعليم قبل الجامعي، والتغلب على مشكلات التطبيق التي ظهرت مؤخرًا، يتطلب أن تبقى مسألة تطوير المناهج ونظم التقييم مطروحة للنقاش، لضمان أن تكون عملية التطوير مواكبة للتغيرات المستمرة في طبيعة احتياجات سوق العمل على الصعيدين المحلي والدولي.

نفس الأمر ينطبق على قطاع التعليم الفني، الذي يشهد تحسنًا ملحوظًا بعد الشروع في تطبيق نظام الجدارات وإنشاء مدارس التكنولوجيا التطبيقية، ولكن مناقشة عملية التطوير المستمر دون إجراء تعديلات جذرية على قانون التعليم أو استحداث قانون جديد كليًا، يراعي التنوع الكبير الذي يتمتع به المجتمع المصري لا يمكن أن تحقق أهداف الجمهورية الجديدة بحلول 2030.

الواقع يفرض أن نكون أكثر تحديدًا

تضمنت رؤية مصر 2030 أن تتم إتاحة التعليم والتدريب للجميع بجودة عالية دون تمييز، وفي إطار نظام مؤسسي، وكفء وعادل، ومستدام، ومرن. بالتالي، فإن الحديث عن التعليم داخل أسوار المدرسة فقط ليس كافيًا وإنما ينبغي أن يتم التركيز على التعليم خارج المدرسة أيضًا، خاصةً في ظل تراجع دور المدرسة في المراحل الدراسية الأعلى، وزيادة معدلات انقطاع الطلاب عن المدارس واللجوء لمراكز التعليم التكميلي، بما يعمق الفجوة بين القادرين اقتصاديًا وغير القادرين، وبين المجتمعات الريفية والحضرية، ويقلل إمكانية تكافؤ الفرص للجميع.

على ذلك، من المتوقع أن يكون المشاركون في المناقشة حول قضايا التعليم أن يكونوا أكثر تحديدًا عند طرح المخرجات النهائية للحوار، خاصةً فيما يلي:

  1. الإتاحة: من يقوم ببناء المدارس وإدارتها بالشكل الذي يحقق الجودة المنشودة؟ هل تستمر وزارة التربية والتعليم في البناء بنفس الآلية ونفس الوتيرة التي أفرزت مشكلات تتعلق بالكثافة؟ أم يتم تحفيز القطاع الخاص للاستثمار بشكل أكبر في إنشاء وإدارة الأصول التعليمية وفق ضوابط معينة تحقق العدالة التعليمية مقابل تسهيلات وحوافز تتحملها الحكومة؟
  2. الدروس الخصوصية: هل يتم تقنين مراكز الدروس الخصوصية أو التعليم التكميلي وفق ضوابط ومحددات تحقق الرغبة المجتمعية في فرص تعليمية أفضل ولا تلغي دور المدرسة؟ أم يتم تجريمها وتقديم البدائل المناسبة للطلاب في مراحل التعليم الأعلى وأولياء أمورهم والمعلمين بالشكل الذي يقضي تمامًا على هذه الظاهرة؟
  3. التقييم والامتحانات: هل يتم الإبقاء على نظام التقييم الحالي خاصةً في المرحلتين الإعدادية والثانوية وتستمر مشكلات الغش وتسريب الامتحانات بسبب المركزية في وضع أسئلة الامتحانات وضرورة أن تكون موحدة؟ أم يتم إجراء تعديلات تسمح بتقييم لا يعتمد فقط على امتحان آخر العام أو إنشاء مراكز مخصصة لأداء امتحانات إتمام الشهادتين الإعدادية والثانوية، تستقبل الطلاب في توقيتات مختلفة من العام دون الحاجة لتوحيد الأسئلة؟
  4. المعلمون والمديرون: إذا كانت عملية إعداد وتدريب وتقييم أداء المعلمين والمديرين بشكلها الحالي لا تحقق النتائج المرجوة، فإن الاعتماد على جهات أخرى غير الأكاديمية المهنية للمعلمين أو إعادة هيكلة هذه المؤسسة أصبح ضرورة في ظل الوضع الراهن؛ يضاف إلى ذلك أن الاستمرار في آلية تعيين مديري المدارس الحكومية لن يغير الواقع؛ فهل أصبح من الضروري أن تلجأ الوزارة إلى التعاقد مع مديرين من خارج قطاع التعليم؟ أم يبقى الوضع على ما هو عليه؟
  5. مدة العام الدراسي: يشير الواقع إلى أن عدد الساعات الفعلية للدراسة للطلاب في المدارس المصرية يقل كثيرًا عن نظرائهم في كثير من دول العالم، وهو ما يرتبط بشكل أو بآخر بقدرة المدارس على تدريس المناهج بطريقة تحقق أهدافها، وتنفيذ الأنشطة المختلفة التي تسهم في تشكيل شخصية الطلاب؛ الأمر الذي يضع على المشاركين في الحوار الوطني عبء تحديد ما إذا كان شكل العام الدراسي الحالي مناسبًا أم يجب تعديله؟

وفي كل الأحوال، لا يمكن الإجابة عن هذه التساؤلات والتحرك للتنفيذ في معزل عن إحداث حالة من التوافق المجتمعي وتعديل التشريعات والقوانين اللازمة لتنفيذ كل خطوة.استخلاصًا مما سبق، يمكن القول إن واقع التعليم قبل الجامعي يؤكد على أن الحوار الوطني يعد بمثابة فرصة ذهبية لمناقشة قضايا وسياسات التعليم بجدية، وإعادة تقييم مشروع إصلاح التعليم والتقدم المحرز نحو تحقيق أهدافه، وطرح قضايا جديدة على طاولة النقاش، الأمر الذي يمكن أن يفضي في نهاية الحوار الوطني إلى طرح حلول واقعية ومقبولة مجتمعيًا وقابلة للتنفيذ في ضوء الموارد والإمكانات المتاحة، ويسمح باستكمال ما تم من خطوات منذ 2018 نحو نظام تعليم يتماشى مع أهداف الجمهورية الجديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى