كيف يمكن قراءة زيارة سلطان عمان إلى القاهرة؟
أجرى السلطان العماني هيثم بن طارق زيارة مهمة إلى القاهرة، استمرت لمدة يومين وعقد خلالها جلسات مباحثات مع عدد من المسؤولين في مصر على رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقد اكتسبت هذه الزيارة أهمية كبيرة في ضوء بعض الاعتبارات، ومنها أنها جاءت بالتزامن مع احتفال البلدين بمرور 50 عامًا على العلاقات الدبلوماسية الثنائية، فضلًا عن عقد الزيارة عقب القمة العربية 32 التي عُقدت في المملكة العربية السعودية، مما يعكس وجود مساحة من النقاشات والتفاهمات بين البلدين حول مخرجات هذه القمة، وبالإضافة لما سبق فإن هذه الزيارة هي الأولى من نوعها للسلطان هيثم بن طارق إلى القاهرة منذ توليه مقاليد الحكم، وهي اعتبارات زادت من الزخم الذي حظيت به الزيارة.
علاقات راسخة
تحظى العلاقات المصرية العمانية بحالة من الخصوصية، إذ تجاوزت على مدار 50 عامًا الحالة التي توصف في حقل العلاقات الدولية بـ “الصداقة والتعاون” ووصلت إلى مرحلة التحالف، استنادًا إلى مجموعة من الاعتبارات والروابط التي جمعت البلدين، وذلك على النحو التالي:
1- ترتبط مصر بسلطنة عمان بالعديد من الروابط القومية والثقافية والتاريخية والدينية، التي جعلت العلاقات بينهما تتجاوز حتى مفهوم التحالف الاستراتيجي، وتفرض عليهما درجة من التوأمة والأخوة، فضلًا عن ارتباطهما بالعديد من المصالح المشتركة.
2- العلاقات المصرية العمانية هي جزء من العلاقات الاستراتيجية التي تربط مصر بدول الخليج، وهي العلاقات التي تعززت بعد ثورة الثلاثين من يونيو، في ضوء الدعم والمساندة الكبيرة التي حظيت بها مصر في تلك الفترة العصيبة، وهو الدعم الذي كان له دورًا كبيرًا في توفير مظلة حماية سياسية واقتصادية ومعنوية لمصر.
3- تمثل الرؤية الإقليمية والعربية لكلا البلدين محددًا مهمًا من محددات التحالف الاستراتيجي بينهما، وهو ما تم التأكيد عليه خلال مباحثات الرئيس عبد الفتاح السيسي مع السلطان هيثم بن طارق، حيث تم التأكيد على أن الهدف الإقليمي والعربي الرئيس لكليهما، يتمثل في السعي لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، حيث تطابقت رؤى الجانبين حول ضرورة تكثيف الجهود لتسوية الأزمات القائمة، على النحو الذي يحمي المصالح العليا للشعوب العربية ويصون مقدراتها ومكتسباتها.
ويدعم الوزن الاستراتيجي للدولتين في المنطقة والإقليم أهمية هذا المحدد في العلاقات الثنائية، إذ تلعب الدولتين دورًا محوريًا على مستوى السعي لتسوية العديد من الأزمات والقضايا الإقليمية العالقة.
4- يجمع البلدين موقف واحد ومشترك فيما يتعلق بمسألة مكافحة التطرف الذي يدفع باتجاه تبني الإرهاب، فمصر معروفة بجهودها في هذا الصدد منذ الإطاحة بحكم جماعة الإخوان في عام 2013، وسلطنة عمان قامت مبكرًا بتحجيم أنشطة هذه التيارات وخصوصًا جماعة الإخوان المسلمين، فقامت عام 1994 بإصدار بيان إدانة رسمي لحاملي تلك الأفكار تحت تهمة: “الانتماء لتنظيم دولي محظور، له فروع في دول أخرى” في إشارة واضحة إلى تنظيم الإخوان، وفي عام 2014 قامت الحكومة العمانية بإصدار حكم إسقاط الجنسية عن “كل عُماني يثبت انتماؤه لتنظيم الإخوان”، وهو الحكم الذي لا يمكن فصله عن التطورات الإقليمية في تلك الفترة، وقد قطعت هذه التحركات العمانية الطريق على جماعة الإخوان التي سعت إلى التغلغل داخل المجتمع العماني.
5- يمثل العامل الاقتصادي أحد المحددات الرئيسة الحاكمة للعلاقات الاستراتيجية بين مصر وعمان، وهو المحدد الذي تعاظمت أهميته في ضوء تداعيات جائحة كورونا، وكذا الحرب الروسية الأوكرانية، وفي هذا السياق كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن ارتفاع قيمة التبادل التجاري بين البلدين في 2021 بنسبة 7.2% مقارنةً بالعام 2020، وبلغ عدد الشركات المصرية المستثمرة في سلطنة عُمان في عام 2020 نحو 744 شركة بإجمالي رأسمال مستثمر بلغ أكثر من مليار و856 مليون دولار أمريكي.
ملفات مطروحة
أحد الاعتبارات الرئيسة التي عززت من أهمية الزيارة الأخيرة لسلطان عمان إلى القاهرة، تمثلت في السياق الإقليمي الذي جاءت في ظله الزيارة، وهو ما يعكس طبيعة الملفات التي كانت محل نقاش بين الجانبين، وذلك على النحو التالي:
1- القمة العربية الـ 32: جاءت زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى القاهرة في أعقاب القمة العربية الـ 32 التي عُقدت في جدة، ما يعبر بشكل ضمني عن أن الزيارة استهدفت في أحد أبعادها بناء تفاهمات بخصوص مخرجات القمة الأخيرة والتباحث حولها، بما يضمن تقريب مواقف الطرفين بخصوصها، ووضع آليات للتعامل معها.
2- بحث أزمات المنطقة: تحظى مصر وعمان بوزن وثقل استراتيجي كبير في المنطقة، وهو ما انعكس على الأدوار المحورية التي لعبتها الدولتين في عدد من الأزمات والملفات الرئيسة في الإقليم، وفي هذا السياق تطرقت المباحثات الثنائية بطبيعة الحال إلى بعض المستجدات المهمة وعلى رأسها الأزمة اليمنية، والأزمة السودانية، وملف عودة سوريا إلى الحاضنة العربية.
3- ملف التهدئة الإقليمية: قادت سلطنة عمان في السنوات الأخيرة جهودًا حثيثة على مستوى تسوية العلاقات بين بعض الأطراف الإقليمية المتنازعة، ويُشير الواقع إلى أن الدبلوماسية العمانية كانت فاعلة بشكل كبير على مستوى إحداث اختراق في هذا الملف، إذ قادت السلطنة ولا تزال جهود الوساطة في الملف اليمني، كذلك كانت السلطنة هي أولى الدول التي قادت قطار عودة العلاقات مع سوريا، فضلًا عن استضافتها إلى جانب العراق مباحثات وجهود الوساطة بين دول الخليج وإيران، وفي هذا السياق لا يُستبعد أن يكون ملف العلاقات المصرية الإيرانية موضوعًا على أجندة المباحثات الثنائية بين مصر وعمان في الفترات المقبلة، آخذةً في الاعتبار ثوابت السياسة الخارجية المصرية، خصوصًا أن إيران أرسلت في الفترات الأخيرة العديد من الرسائل الإيجابية التي أعربت فيها عن رغبتها في بناء علاقات بناءة وإيجابية مع الدولة المصرية.
4- الملف الاقتصادي: يحظى الملف الاقتصادي بأهمية كبيرة على سلم أولويات العلاقات المصرية العمانية، وذلك في ضوء التطور الكبير الذي يتسم به التعاون الاقتصادي بين البلدين، فضلًا عن حاجة البلدين إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية في مواجهة الضغوط والتحديات الراهنة، وفى هذا السياق، وقعت مصر وسلطنة عمان على هامش الزيارة اتفاقية بشأن منع الازدواج الضريبى، وأخرى بشأن التعاون في المجالات المتعلقة بالسياسات والتطورات المالية، وانطلقت فعاليات منتدى الأعمال المصرى العمانى فى ختام زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى مصر.
وفي الختام يمكن القول إن زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى مصر تأتي كتعبير عن الشراكة الاستراتيجية العميقة بين البلدين، وكجزء من المساعي الرامية إلى تعزيز أطر العمل العربي المشترك، بما يتوافق وحجم التحديات والتهديدات الراهنة.