
لماذا جرى إبعاد مستشار الأمن القومي الإيراني علي شمخاني؟
أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية في نسختها الفارسية (ايرنا) يوم الاثنين 22 مايو 2023 عن اختيار الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، أمينًا عامًا جديدًا للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، والذي يتولى بدوره أيضًا منصب مستشار الأمن القومي في إيران، وهو العميد البحري “علي أكبر أحمديان”، ليخلف الأدميرال البحري أيضًا “علي شمخاني”.
وقالت “إيرنا” إن تعيين أحمديان يأتي ليضع نهاية للجدل المثار داخل إيران منذ أشهر حول احتمالية استبدال مستشار الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، مضيفة أن هذا القرار الرئاسي الإيراني سبقته حالة من الجدل حول الأسماء المرشحة لتولي هذا المنصب الأمني الأعلى في عموم إيران. ووصفت الوكالة مستشار الأمن القومي الإيراني الجديد العميد البحري أحمديان بأنه لم يكن معروفًا قبل ذلك وأن احتمالية اختياره لهذا المنصب من بين الأسماء الأخرى التي كانت مرشحة كان ضئيلًا.
من هو علي أكبر أحمديان ؟
وُلد مستشار الأمن القومي الإيراني الجديد، العميد البحري علي أكبر أحمديان، عام 1961 ميلاديًا في مدينة شهربابك “Shar-e-babak” الواقعة في محافظة كرمان، مسقط رأس قائد وحدة “فيلق القدس” السابق قاسم سليماني. والتحق “أحمديان” بكلية طب الأسنان، إلا أنه سرعان ما تركها بشكل مؤقت ليلتحق بصفوف القوات الإيرانية خلال حرب الثماني سنوات ضد العراق عام 1980. ولاحقًا، حصل “أحمديان” على الدكتوراه في طب الأسنان من جامعة طهران، وأيضًا على الماجستير في العلوم العسكرية والدكتوراه أيضًا في علم “الإدارة الإستراتيجية” من جامعة الدفاع الوطني العليا الإيرانية.
ومنذ عام 1980، انضم “أحمديان” إلى الحرس الثوري الإيراني، وكان خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية من بين قادة وحدات الحرس الثوري؛ فقد تولى رئاسة “مقر نوح” العسكري التابع للحرس، وشارك في عمليات كثيرة قامت بها القوات الإيرانية خلال فترة الحرب مع العراق كان من بينها عمليات “الفتح المبين” وخيبر و”الفجر” الهجومية و”كربلاء3″ و”كربلاء 4″.
وفي عام 1985، تولى “أحمديان” رئاسة هيئة الأركان العامة للقوات البحرية التابعة للحرس الثوري، وذلك بأمر صادر من المرشد الإيراني السابق ومؤسس النظام الحالي روح الله الخميني. وترقى لاحقًا في القوات البحرية حتى أصبح القائد العام لها بين عامي (1997-2000).
أما بين عامي (2000 – 2007)، فقد شغل منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة للحرس الثوري. ويُشار إلى “أحمديان” بين قادة الحرس الثوري البحريين على أنه من بين “مهندسي التحول في القوات البحرية” للحرس. ولاحقًا، ولمدة 16 عامًا، عمل “أحمديان” رئيسًا لـ”المركز الاستراتيجي” التابع للحرس الثوري، وترأّس في السابق أيضًا جامعة “الإمام الحسين” العسكرية التي لا يمكن لشخص الالتحاق بها من دون تدربه على يد الحرس وبتوصية منه. وشغل أيضًا عضوية مجمع تشخيص مصلحة النظام في السابق. وقد كان مستشار الأمن القومي الإيراني الجديد “أحمديان” من بين الأفراد الرئيسين الذين فرضت عليهم وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عام 2007. وقد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات أيضًا عليه في العام نفسه.
لماذا عُزل شمخاني؟
منذ إعدام نائب وزير الدفاع الإيراني الأسبق “علي رضا أكبري” في 12 يناير 2023، الذي كان نائبًا لعلي شمخاني حينما شغل منصب وزير (1997-2005) تزايدت الاتهامات الإعلامية، وليست الرسمية، الموجهة لمستشار الأمن القومي السابق علي شمخاني وطالب كثيرون بعزله، وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعية في إيران، الممول كثير من صفحاتها من جانب تيارات سياسية، بمنشورات تهاجمه بحدة وتطالب بعزله. وفي الواقع، كان إعدام “أكبري” بمثابة نهاية لحياة شمخاني السياسية.
ولم تقف الاتهامات الموجهة لعلي شمخاني، الذي تولى رئاسة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لمدة 10 سنوات، بشأن علاقته بعلي رضا أكبري الذي أُعدم بالأساس بتهمة الجاسوسية للخارج، بل اتهمه البعض بالتورط في ملف “المعنيين بالبيئة” في إيران، وهي قضية سياسية معروفة في الداخل الإيراني. وقد تحدث عن هذه القضية على وجه التحديد المحامي الإيراني “محمد حسين آقاسي”.
وكان النائب الأصولي الإيراني السابق حميد رسايي قد طالب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بإقالة عدد من المسؤولين الأمنيين الكبار في إيران ومن بينهم شمخاني، وقد أقدم “رئيسي” بالفعل على هذه الخطوة بعد عزله لـ “سعيد رضا عاملي” الأمين العام للمجلس الأعلى للثورة الثقافية في إيران وبات بالتالي عزل شمخاني أمرًا شبه حتمي.
ويبدو أن التوترات التي نشأت عن عمل أسرة شمخاني بالتجارة كانت من بين الأسباب المحتملة غير المعلنة لعزله، فقد أثارت هذه التجارة الواسعة النطاق الكثيرَ من الجدل المحلي في إيران خلال السنوات الماضية، خاصة بعدما تم توقيف سفينة تعود لنجل شمخاني قبل حوالي عامين، وصلة ابن أخيه “موعود شمخاني” بمالك برج “متروبول” التجاري في مدينة آبادان الذي انهار العام الماضي 2022 وخلف وراءه عشرات القتلى.
وفي الوقت نفسه، يمكن القول إن بعض التيارات القومية في إيران لم تكن راضية بشكل كامل عن شخص شمخاني نفسه، لانتمائه إلى القومية العربية، حيث ينحدر من محافظة خوزستان العربية غربي إيران، وينتمي إلى عشيرة “الشماخنة” التابعة لقبيلة بني ربيعة، بينما ينتمي مستشار الأمن القومي الإيراني الجديد “علي أكبر أحمديان إلى محافظة كرمان الفارسية.
ومع ذلك، فإن المرشد الأعلى، علي خامنئي، قد أعلن في نفس يوم عزل شمخاني عن تعيينه مستشارًا سياسيًا له وعضوًا في مجمع تشخيص مصلحة النظام. وهو ما يمكن قراءته في سياق العلاقات المقربة بين شمخاني وخامنئي، وفي سياق أيضًا أنه لم يتم توجيه أية اتهامات رسمية لا من قريب ولا من بعيد لشخص شمخاني.
فقد أثيرت فقط ضده حملات إعلامية موجهة، خاصة من جانب الأصوليين في إيران، أثّرت في الواقع على مهمة بقائه في منصبه؛ ذلك لأن هذه الحملات قد مثّلت ضغطًا سياسيًا داخليًا كبيرًا على المرشد الأعلى وأصحاب القرار في إيران. وما جعلها أكثر تأثيرًا هو أنها جاءت من جانب الطرف السياسي الأكثر تأثيرًا في البلاد في الوقت الراهن، وهم الأصوليون الذين تنتمي إليهم بالأساس حكومة الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي.
وإلى جانب أن عزل شمخاني قد أعقب تلك الاتهامات الإعلامية التي وُجِّهَت إليه بشأن علاقته بنائبه السابق حينما كان وزيرًا والذي تم إعدامه قبل أشهر “علي رضا أكبري، فإن إبعاد شمخاني عن رئاسة المجلس الأعلى للأمن القومي يعني بالتالي إسناد مهمة التقارب بين إيران والدول العربية، والتي تسعى إليها إيران منذ أشهر، إلى شخص آخر وهو “أحمديان”، وإن كان الشخصان ينتميان بالأساس إلى الحرس الثوري.
وفي الوقت نفسه، لا يمكننا القول إن إبعاد علي شمخاني قد يؤثر على مسار الانفتاح الإيراني على الدول العربية؛ ذلك لأن قرار ومساعي التقارب مع العرب قد جاءت بقرارات عليا وتخطيط استراتيجي طويل المدى من جانب مؤسسة القيادة الإيرانية (الإرشاد)، أي أنها ليست قرارات فجائية أو مؤقتة، بل يبدو أنها مدروسة؛ من أجل أهداف إيرانية طويلة المدى وواسعة النطاق تشمل مناحي مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والعلاقات الخارجية لإيران.