على طاولة الحوار الوطني… كيف يدعم القطاع الصناعي المصري التنمية الاقتصادية؟
يتشابك القطاع الصناعي بروابط خلفية وأمامية قوية مع العديد من القطاعات الأخرى كالزراعة والخدمات. ولهذا، ينظر إليه كعنصر تحفيزي لنقل التكنولوجيا وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وكقاطرة للتوسع التصديرى وتوليد النقد الأجنبي وتحقيق الاكتفاء الذاتي للعديد من السلع. وعلاوة على ذلك، يساعد القطاع الصناعي على خلق فرص عمل لاسيما في الصناعات كثيفة العمالة.
وبناء على ذلك، يعد القطاع الصناعي محركًا رئيسًا للنمو الاقتصادي، وحجر الزاوية للتنمية المستدامة والنمو الاحتوائي، وعاملًا أساسيًا في تعميق الاندماج بشكل أكبر في سلاسل التوريد العالمية. ولهذا، تتجه الدولة بقوة نحو توطين الصناعة بشكل عام محليًا، وزيادة المكون المحلي؛ لكون الصناعة هي قاطرة التنمية في هذه الفترة، مع الحرص على نقل الخبرات والتكنولوجيات المطبقة عالميًا إلى الصناعة المحلية.
أولًا- انعكاسات ضاغطة:
تأثرت الصناعة المصرية بشكل ملحوظ جراء الأزمات العالمية المتلاحقة خلال العامين الماضيين؛ نظرًا إلى اعتمادها على مستلزمات الإنتاج المستوردة من الخارج، فقد ضربت جائحة كورونا العناصر الأساسية في سلاسل التوريد العالمية التي تعتمد عليها عملية الإنتاج الصناعي، وأخرت عمليات الشحن والتفريغ، وفرضت قيودًا على حرية تدفق السلع ومستلزمات الإنتاج عبر الحدود، بجانب عمليات الإغلاق الجزئي.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تفاقم الوضع مع اندلاع الحرب الأوكرانية التي رفعت أسعار الطاقة ومدخلات الإنتاج إلى مستويات قياسية، وأسهمت في انخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي، وهو ما أثر سلبًا على قطاع الصناعة.
وأسهم جميع ما سبق في إحداث خلل في جانبي العرض والطلب في هذا القطاع، وقاد إلى تراجع نشاط وإنتاجية المصانع، وتراجع المبيعات ومن ثم الإيرادات، مما أدى إلى مشاكل في نقص السيولة، فضلًا عن معاناة بعض المصانع المحلية من نقص مستلزمات الإنتاج المستوردة من الخارج وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج لبعض الصناعات.
ثانيًا- الوضع الراهن للقطاع الصناعي المصري:
تحتل الصناعة المصرية جزءًا لا يتجزأ من البناء الاقتصادي المصري، فتساهم بنحو 17% من الناتج المحلي الإجمالي، وتستوعب نحو 15% من جملة العمالة المنتظمة، علاوة على إسهامها في نشاط التصدير بنسبة تتراوح بين 80% و85% من إجمالي الصادرات السلعية غير البترولية، مما يجعلها تتبادل المركز الأول مع تحويلات المصريين بالخارج في قائمة المصادر الرئيسة الـمولّدة للنقد الأجنبي.
وبلغت نسبة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي نحو 16.8% خلال العام المالي 2021/2022، ليبلغ نحو (982 مليار جنيه) وهي أقل من نظيرتها على المستوى العالمي البالغة 27.6%، وتراجع إجمالي الاستثمارات المنفذة بقطاع الصناعة في العام المالي 2020/2021 ليسجل 70.9 مليار جنيه مقابل 80.1 مليار جنيه في العام السابق له، بنسبة تراجع بلغت 11.5%. وتمثل نسبة الاستثمارات الصناعية نحو 5.9% من إجمالي الاستثمارات المنفذة. ويستوعب القطاع الصناعي نحو 28.2% من إجمالي العمالة.
وقد حققت صادرات السلع تامة الصنع نموًا قدره حوالي 25.02% خلال الفترة (2016/2017 حتى 2020/2021) لتسجل أعلى مستوياتها خلال العام المالي 2020/2021 عند 11.29 مليار دولار مقابل 9.03 مليارات دولار سجلتها خلال العام المالي 2016/2017. وحقق القطاع الصناعي معدل نمو وصل إلى 6.3% عام 2019/2020، واحتلت الصناعات الغذائية النصيب الأكبر من التراخيص المصدرة خلال الفترة (2018- 2021) بإجمالي 51.2 ألف رخصة.
الشكل 1: تطور صادرات السلع تامة الصنع سنويًا (مليار دولار) – المصدر: البنك المركزي المصري، النشرة الإحصائية الشهرية – فبراير 2022.
ثالثًا- المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز القطاع الصناعي:
يُعد القطاع الخاص أحد الأعمدة الرئيسة في تنمية القطاع الصناعي؛ إذ يلعب دورًا في عملية توطين الصناعة التي تسعى الدولة إلى تحقيقها، ويقوم بدور رئيس جنبًا إلى جنب مع الحكومة المصرية في جهود التنمية الصناعية. وانطلاقًا من هذا، تستهدف استراتيجية “مصر 2030” خلق اقتصاد تنافسي متنوع يقوده القطاع الخاص ويتميز بمناخ مستقر ويحقق نموًا احتوائيًا ومستدامًا.
وفي نفس السياق، تعد المشروعات الصغيرة والمتوسطة إحدى الركائز الأساسية في عملية التنمية الصناعية؛ نظرًا إلى دورها في زيادة القيمة المضافة الصناعية، ودعم الصناعات الوطنية الكبرى، وتحسين تنافسية القطاع الإنتاجي. وترتبط بعلاقات تشابكية مع الصناعات التحويلية حيث تتجه إليها لتوفير المواد الخام والسلع الأساسية، وكذلك تربطها علاقات قوية مع القطاع الخاص.
رابعًا: التعليم الفني والصناعة المصرية
أسفر التطور التكنولوجي في القطاع الصناعي عن ظهور مهن جديدة تحتاج إلى مهارات تتناسب معها، ومن هنا تظهر أهمية التعليم الفني والمهني؛ لإعداد العمالة الماهرة والمتميزة التي يحتاجها هذا القطاع. ومن الممكن أن يسهم التعليم الفني والتدريب المهني في دعم منظومة التنمية التكنولوجية الحديثة، وتوفير العمل اللائق والمستدام، بالإضافة إلى رفع تنافسية الإنتاج الصناعي وزيادة الصادرات وتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة. وتعمل الدولة علي إنشاء المزيد من مدارس التكنولوجيا التطبيقية في التخصصات الصناعية والاستثمارية؛ لإتاحة الفرصة لعدد أكبر من الطلاب للالتحاق بها.
ورغم أهمية التعليم الفني، إلا إنه يواجه العديد من التحديات التي تحول دون تطويره، مثل: ارتفاع معدلات البطالة بين خريجي التعليم الفني، وضعف المناهج، ووجود معلمين غير مؤهلين، إلى جانب نقص الموارد المالية، وغياب التدريبات العملية.
خامسًا- المنتجات المتاح تصنيعها في مصر:
تسعى الدولة المصرية في الآونة الأخيرة إلى توطين عدد من الصناعات؛ بهدف الإحلال محل الواردات أو لتعظيم اندماج مصر في سلاسل الإمداد العالمية وخفض فاتورة الواردات، وتأتي في مقدمة تلك الصناعات:
● توطين صناعة السيارات الكهربائية، وذلك عبر الإعلان عن إطلاق استراتيجية تصنيع السيارات والتي تمنح مجموعة من الحوافز المتقدمة لمصنعي السيارات وعدد من الإعفاءات المتميزة.
● توطين صناعة الهواتف المحمولة، حيث تمثل واردات المحمول نحو (17%) من إجمالي الواردات وقد أعلن رئيس مجلس الوزراء بدء التفاوض وتنسيق مع إحدى الشركات العالمية الكبرى في هذا المجال؛ لإنشاء مصنع لهذا الغرض، مشيرًا إلى أن مصر تستهدف من خلال هذا التعاون الوصول بنسبة المكون المحلى في هذه الصناعة إلى 40 %.
● توطين صناعة الدواء، وبدا هذا واضحًا عبر إنشاء مدينة متكاملة لصناعة الدواء، وفتح أفق التعاون مع الشركات العالمية؛ بهدف توطين صناعة الدواء.
● التوسع في إنشاء المدن الصناعية وفي مقدمتها مدينة طربول الصناعية.
سادسًا- التحديات التي تواجه القطاع الصناعي في مصر:
تمثلت التحديات الرئيسة التي تواجه القطاع الصناعي في مصر في الآتي:
- صعوبة تخصيص الأراضي الصناعية وبطء إجراءات التخصيص.
- عدم توافر قواعد بيانات عن الصناعة ككل وعن الصناعات ذات الأولوية.
- عدم وجود معامل اختبار معتمدة لاختبار المنتجات.
- عدم اعتماد المواصفات العالمية للمنتجات.
- نقص العمالة الفنية وانخفاض مهاراتها وعدم مواكبة مهاراتهم للتخصصات الجديدة.
- مشاكل التمويل والحصول على القروض خاصة للشركات الناشئة.
- بطء إجراءات الاستيراد والإفراج الجمركي.
- ارتفاع أسعار ايجار الوحدات بالمناطق الصناعية.
- نقص بعض المهمة الهامة للمناطق الصناعية مثل وسائل النقل والمخازن وغيرها.
سابعًا- جهود دعم القطاع الصناعي في مصر:
تتمثل أولويات الحكومة لدعم قطاع الصناعة والتجارة في تعميق الصناعة، وزيادة تنافسية القطاع الصناعي، واستهداف الصناعات ذات الأولوية. وتعزيز الصادرات. وتمثلت أهم القرارات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة لدعم القطاع الصناعي فيما يلي:
- إعفاء 19 قطاعًا صناعيًا من الضريبة العقارية لمدة 3 سنوات.
- خفض مدة إصدار التصاريح والموافقات الخاصة بإنشاء وتشغيل المشروعات الاستثمارية إلى 20 يوم عمل.
- تيسيرات قانون رقم 17 لسنة 2010 الخاص بتنظيم مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية.
- تخصيص الأراضي بحق الانتفاع بقيمة سنوية (٥%) من سعر متر التمليك مع تثبيت مقابل حق الانتفاع السنوي لأول أربع سنوات من التعاقد.
- تفعيل حوافز قانون الاستثمار رقم ١٧٢ لسنة ٢٠١٧ سواء الضريبية أو غير الضريبية.
- منح الرخصة الذهبية لبعض المشروعات التي تحقق معايير معينة.
- إعداد قائمة مبدئية تشمل 131 منتجًا تستهدف توفير البدائل المحلية منها طبقًا لاحتياجات السوق المحلية.
وفيما يتعلق المبادرات الحكومية لدعم قطاع الصناعة في مصر، يأتي أهمها ما يلي:
- المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة المصرية “مبادرة ابدأ”: وتتمثل المحاور التي تقوم عليها مبادرة “ابدأ” في الآتي:
- تطوير الصناعة وتعميق المكون المحلي.
- دعم المصانع القائمة وتقليل الفجوة الاستيرادية.
- الاهتمام بتنمية قدرات العنصر البشري وتوفير فرص العمل بالتكامل مع جهود الدولة والمبادرات السابقة.
- منظومة مجمعات صناعية متخصصة تتضمن 17 مجمعًا صناعيًا بـ 15 محافظة، بإجمالي 5046 وحدة صناعية توفر نحو 48 ألف فرصة عمل مباشرة.
- قاعدة صناعية متنوعة تتضمن أكثر من 120 منطقة صناعية موزعة على مستوى الجمهورية. وتمثل مدينة طربول الصناعية أحد أبرز تلك المناطق الواعدة:
– تتفق مدينة طربول الصناعية مع توجهات الدولة المتمثلة في برنامج الإصلاحات الهيكلية الذي أُطلق في منتصف عام 2021 لتطوير وتعظيم العائد من قطاعات الاقتصاد الحقيقي.
– تتيح المدينة فرصًا لإنشاء المصانع الكبرى والمتوسطة حتى المشروعات الصناعية الصغيرة ومنح أصحاب الأفكار التي تحتاج لإنشاء مصانع تعتمد على تكنولوجيا متقدمة لإقامة مشروعاتها.
– جذب عدد كبير من الشركات العالمية العاملة في قطاع الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر والسيارات الكهربائية.– عقد لقاءات/ مؤتمرات دورية للتعرف على المشكلات التي تواجه المستثمرين: ومن أهمها مؤتمر مصر تستطيع بالصناعة، والملتقى والمعرض الدولي للصناعة، والمؤتمر الاقتصادي.