
تراجع مصادر المياه بفعل التغيرات المناخية.. هل من دور لمنظمة أوبك؟
أصدرت مجلة Science العلمية المرموقة يوم الخميس 18 مايو من العام الحالي 2023 دراسة عرضت آخر الظواهر المرصودة والمتعلقة بنسب تدهور المخزون المائي العذب على كوكب الأرض، وخاصة السطحي منه والممثل في الأنهار والبحيرات. وأظهرت أن كميات المياه تتقلص بصورة ملحوظة في أغلب البحيرات والخزانات المكشوفة حول العالم، وهو مؤشر شديد خطورة ترجع أسبابه بنسبة كبيرة إلى التغيرات المناخية والاحتباس الحراري، بالإضافة إلى الإدارة غير المستدامة لموارد المياه، خاصة مع استمرار معدلات الزيادة السكانية في تخطي حد التشبع من الموارد ومقدار التنمية الاقتصادية المكافئين.
يزداد الأمر خطورة بالنظر إلى أن مواسم الكوارث التي يسببها التغير المناخي لا تتوقف على الأرض وسكانها، بما في ذلك الاحتباس الحراري والجفاف والتصحر وندرة الأمطار، والتي باتت تهدد بانهيار التوازن البيئي في مختلف قارات العالم، واختفاء وجفاف بحيراتها وأنهارها ومسطحاتها المائية.
التغيرات المناخية وخطر الجفاف
تعد المياه العذبة من أكثر الموارد الحيوية المهمة على سطح الأرض، وتشكل مصدرًا رئيسًا للحياة النباتية والحيوانية والبشرية. ومع ذلك، فإن التغيرات المناخية التي تحدث على سطح الأرض تؤثر بشكل كبير على توزيع وجودة المياه العذبة، وتسبب جفاف الأنهار والبحيرات العذبة، وهذا يمثل تحديًا كبيرًا للعديد من الدول حول العالم.
تتسبب التغيرات المناخية في جفاف الأنهار والبحيرات العذبة بسبب عدة عوامل، بما في ذلك: ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض معدلات تساقط الأمطار، مما يؤدي إلى تقليل حجم تدفق ووفرة المياه العذبة وتغيير مسارها وأماكن وجودها. وهذا يؤثر بشكل كبير على النظم البيئية المحيطة بالأنهار والبحيرات، ويؤثر بشكل مباشر على كافة الأنشطة البشرية.
يعيش نحو 25٪ من سكان العالم بالفعل في أماكن تعاني مياهها السطحية من بحيرات وأنهار من الجفاف أو تبخر مياه خزانات السدود بها. ومع زيادة معدلات الجفاف، تزيد معدلات البخر لتؤدي إلى انخفاض مستوى المياه في الأنهار والبحيرات العذبة، وهذا يؤثر على نوعية المياه ويزيد من تركيز المواد العضوية والمعادن الموجودة فيها، مما يؤدي إلى تغيير جودة المياه وليس فقط كمياتها. وبالطبع تؤثر جودة المياه المتدهورة على الحياة النباتية والحيوانية الموجودة في الأنهار والبحيرات، مما يؤدي إلى موت بعض الأنواع وتخفيض التنوع الحيوي في المنطقة.
وتؤثر التغيرات المناخية كذلك على زيادة تركيز الملوحة في المياه، وهو ما يحدث بسبب انخفاض مستوى المياه الجوفية العذبة في بعض المناطق، مما يؤدي إلى زيادة تدفق المياه المالحة من البحار والمحيطات إلى الأنهار والبحيرات العذبة.
منظمة الأوبك.. التأثيرات والاستجابة
منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك OPEC هي منظمة تمكن من التعاون بين الدول المنتجة للنفط، من أجل التأثير بشكل جماعي على السوق العالمية وتعظيم الأرباح. تلعب أوبك دورًا بارزًا في سوق النفط العالمية والعلاقات الدولية. ومع بروز النقاش بالمجتمع الدولي حول التغيرات المناخية، تعرض الوقود الأحفوري للضغط، بما في ذلك صناعة النفط.
يتضح هذا من الاحتجاجات المنتظمة من النشطاء البيئيين في سياق سعيهم نحو دفع الحكومات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ إذ يطالب المجتمع المدني بضرورة تعزيز مبادئ العدالة المناخية، بما في ذلك القضاء على آفة فقر الطاقة في الدول النامية. ويتضح الضغط كذلك في تردد البنوك الاستثمارية في الاستثمار والإنفاق على قطاعات الوقود الأحفوري.
من هنا أتت حاجة العديد من الدول الأعضاء في أوبك إلى التحول كي تصبح رائدة في مكافحة تغير المناخ من خلال عدد من السياسات مثل: عدم حرق الكربون، والاستثمار في حلول مثل احتجاز وتخزين الكربون (CCS)، وتحسين كفاءة الطاقة. فدعمت أوبك اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وتحسينات كفاءة الطاقة، واستثمر العديد من الدول الأعضاء في أوبك بقوة في تكنولوجيا التخفيف من الغازات الدفيئة.
وكان الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية، أمين ناصر، قد صرح في مؤتمر الطاقة العالمي في سبتمبر 2019، بأن انتقال الطاقة سيحدث وإن شكل تحديًا. لكنه صرح أيضًا بأن العالم بحاجة إلى أن يدرك أن النفط والغاز لا يزالان ضروريين وسيظلان جزءًا من قلب مزيج الطاقة العالمي لسنوات قادمة. وحذر من أن استمرار تأثير أزمة الإدراك على الاستثمارات طويلة الأجل في صناعة النفط والغاز يمكن أن يؤدي إلى نقص في الإمدادات. وهذا بدوره من شأنه أن يضر بالاقتصادات الوطنية ويهدد أمن الطاقة ويحتمل أن يؤدي إلى اضطراب اجتماعي.
فضلًا أن الدول الأعضاء تحاول في المقابل دعم خطط تقليل الانبعاثات الكربونية. فعلى سبيل المثال، تهدف دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تقليل انبعاثات الكربون بنسبة 70 في المائة بحلول عام 2050. إذ كانت قد قدمت استراتيجية طويلة الأجل في المنطقة لتعزيز الطاقة منخفضة الانبعاثات. ووضعت شركة بترول أبوظبي الوطنية العملاقة للنفط والغاز المملوكة للدولة خططًا لإنفاق 1.8 مليار دولار حتى العام الحالي 2023 في مشاريع تشمل احتجاز وتخزين الكربون، وتشمل تخفيف الاشتعال وتقليل الانبعاثات. وتعالج الدول الأخرى الأعضاء في أوبك هذه القضية بالمثل.
فترى الدول الأعضاء أن الحوار والتعاون هو السبيل الوحيد للمضي قدمًا في مواجهة أزمة التغيرات المناخية دون صناعة فجوة في قطاع الطاقة العالمي. وأيدت منظمة الأوبك في أكثر من مناسبة الخطط العاملة على عكس الخلل الحاد في سوق النفط، بالتوازي مع الدعوة إلى تطبيق الأدوات المختلفة لمعالجة أزمة التغيرات المناخية.
وعلى نفس الصعيد، وافق صندوق الأوبك للتنمية الدولية على تمويل جديد بأكثر من 300 مليون دولار أمريكي في الربع الأول من عام 2023، في ما عدّته الدول الأعضاء يعكس التزام المؤسسة بتنفيذ خطة العمل المناخي الخاصة بها. وجاءت أغلب المشاريع الموافق عليها من قبل مجلس إدارة صندوق أوبك داعمة لخطط تمويل المناخ بشكل مباشر.
وهذه ليست المرة الأولى التي قام فيها الصندوق بتبني القضية؛ إذ اعتمد الأوبك أول خطة عمل مناخية مخصصة له في سبتمبر 2022. وألزمت الخطة المنظمة بزيادة حصة تمويلها المناخي إلى 40 في المائة من التمويل الجديد بحلول عام 2030 وتعميم العمل المناخي في المشروعات، وزيادة التكيف مع المناخ، وتعزيز استثمارات التخفيف والصمود في الطاقة والنقل والزراعة والغذاء والمياه والمدن الذكية.
ووافق مجلس إدارة صندوق الأوبك كذلك على عدة مشاريع أغلبها في دول نامية أو ذات مناطق سكنية مكدسة وبمناعة أقل تجاه أضرار آثار التغيرات المناخية. ففي أرمينيا، تم توفير قرض بقيمة 50 مليون يورو يهدف لدعم السياسات الرامية إلى زيادة مرونة المناخ والتخفيف من حدته من خلال سلسلة من الإصلاحات المتعلقة بكفاءة الطاقة ومعايير جودة الهواء وتمويل تقييمات الأثر البيئي. أما في كولومبيا، فتم توفير قرض بقيمة 150 مليون دولار أمريكي لدعم السياسات الرامية إلى تعزيز النمو المستدام والمرن من خلال تعزيز قدرة الحكومة على التخطيط للعمل المناخي وتعزيز انتقال الطاقة.
وفي القارتين الأكثر عرضة للأضرار والجفاف وتبدل دورة المياه الهيدرولوجية، تمت الموافقة على مشروعين بالهند بآسيا وسيشيل بأفريقيا. وإن كان مشروع سيشيل له باع أكبر بقضايا المناخ، إذ سيساعد قرض بقيمة 20 مليون دولار أمريكي البلاد على تعزيز سياساتها لتعزيز النمو الشامل والمستدام. ومن بين الإجراءات المخطط لها الإصلاحات المتعلقة بالمناخ لتطوير الأراضي وحماية بيانات المستهلك وأنظمة صيد الأسماك.
إلا أن هذه المشروعات وحدها ليست كافية لإصلاح العلاقة المتوترة بين منظمة أوبك والمجتمع الدولي الذي يلقي اللوم على الاعتماد المبالغ فيه على الطاقة الأحفوري في كل مشاكل الفيضانات والجفاف التي تزداد انتشارًا مع زيادة فداحة آثار التغيرات المناخية. فالعالم بالفعل على أعتاب مرحلة جديدة من التغيرات الديموجرافية بسبب الهجرات المناخية المتوقعة والصراعات في المناطق الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية، خاصة تلك الموجودة في الدول النامية غير المعدة بالبنية التحتية اللازمة لمواجهة مضاعفات التغيرات المناخية.
باحث ببرنامج السياسات العامة