“المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية”.. جعل المشروعات البيئية هدفًا مجتمعيًا
تستعد مصر لنقل رئاسة مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغير المناخ الشهر القادم إلى دولة الإمارات العربية تمهيدًا لعقده في شهر نوفمبر القادم. وهناك مسؤولية منتظرة من الدورة الثامنة والعشرين للمؤتمر (28COP) في البناء على ما أُنجز من مكتسبات في القمة السابقة (27COP) والتي عقدت في مدينة شرم الشيخ في نوفمبر 2022، والتي رفعت مصر لها شعار “معًا للتنفيذ”، الأمر الذي لم يكن سهلًا على الإطلاق في وسط تحديات عالمية متسارعة، جاء على رأسها تسارع وتيرة التأثيرات السلبية لتغير المناخ على العالم أجمع وزيادة حدتها، الأمر الذي جعل العالم يدرك أهمية اتخاذ إجراءات عاجلة وطويلة المدى على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي، والوصول لحلول تطبيقية وعملية من شأنها الحد من تلك التداعيات والتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ والتخفيف منها وخاصة على المجتمعات النامية.
فقد أكدت معظم المنصات الإعلامية العالمية على نجاح مصر في استضافة الدورة السابعة والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغُّير المناخ (27COP)، على المستوى التنظيمي واللوجيستي، ناهيك عن النتائج والمخرجات التي حققت مكاسب على المستويين المحلي والدولي لا مثيل لها وسط التحديات العالمية الذي يمر بها العالم خلال تلك الفترة.
فقد حققت مصر على المستوى الوطني عددًا من المكاسب؛ فنجحت في حشد التمويل اللازم لبرنامج الطاقة والغذاء والمياه (NWFE)، مع تنفيذ جزئي لخطة المساهمات الوطنية المحدثة من خلال مؤسسات التمويل الدولية بمبلغ يتجاوز 10 مليارات دولار أمريكي، بالإضافة إلى التوسع في مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة والنقل والهيدروجين الأخضر بتوقيع اتفاقيات فاقت 83 مليار دولار، مع إطلاق كل من “الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050 “، و”الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر” للتأكيد علب الخطوات الجادة التي تتخذها مصر نحو التحول الأخضر، وسعي مصر لأن تكون مركزًا إقليميًا للطاقة الجديدة والمتجددة، وفتح المجال أمام القطاع الخاص الدخول للسوق الطوعي للكربون، ومشروعات تغير المناخ.
وامتدت المكاسب على المستوى الإقليمي، فكانت أفريقيا في قلب الجهود المصرية، وكان من أهم نتائج المفاوضات إطلاق ثلاث مبادرات أفريقية مهمة هي: الانتقال العادل للطاقة في أفريقيا، والمرأة الأفريقية والتكيف مع تغير المناخ -بوصفها الأكثر تأثرًا بتغير المناخ-، ومبادرة المخلفات العالمية 50 بحلول عام 2050 والتي يتم تنفيذها بمشاركة البنك الدولي و10 دول أفريقية وتهدف إلى معالجة وإعادة تدوير ما لا يقل عن 50٪ من المخلفات الصلبة المنتجة في أفريقيا بحلول عام 2050.
أما على المستوى العالمي، فقد كان إنشاء صندوق الخسائر والأضرار إنجازًا خارج التوقعات، خاصة في ظل الظروف الدولية القائمة، مع كونه خطوة مهمة طال انتظارها لعدة سنوات للتقدم في مسار العدالة المناخية، وتوفير تمويل تكميلي للدول النامية المتضررة من الآثار السلبية لتغير المناخ، والاتفاق على برنامج عمل التخفيف، واستكمال المفاوضات على الهدف العالمي للتكيف والتمويل في المؤتمر القادم في الإمارات (COP28).
مع كل هذه الإنجازات والمكاسب التي حققتها مصر في ملف تغير المناخ والمضي قدمًا نحو التحول الأخضر وتحقيق التنمية المستدامة، إلا أن الوعي المجتمعي بقضايا البيئة والمناخ لابد أن يتزايد ويظهر بوضوح أكثر في الممارسات اليومية للأشخاص وكذلك المشروعات؛ إذ أوضحت دراسة استطلاع رأي أجراها المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) أن 69% من المصريين لم يسمعوا عن تغير المناخ من قبل أو مدركين لمعناه، ومن هذا المنطلق أطلق مجلس الوزراء المصري “المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية” كأول مبادرة من نوعها تركز على التطبيق والتنفيذ العملي لمشروعات مواجهة تغير المناخ في أقاليم مصر المختلفة.
المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية
انطلقت المبادرة في أغسطس 2022، بتشجيع من رئيس الجمهورية وبقرار رسمي من رئيس مجلس الوزراء؛ للتشجيع على الأفكار الإبداعية والابتكار في المجالات البيئية المتعلقة بمواجهة تغير المناخ، ومساعدة الأفكار والمشروعات المتقدمة بعد تقييم قابليتها للتنفيذ وإيجاد سبل التمويل اللازمة لها، وإعلان المشروعات الفائزة في مؤتمر الأطراف السابع والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغُّير المناخ (27COP) بشرم الشيخ .
الهدف من هذه المبادرة هو تعزيز تفاعل المحليات والمحافظات مع قضايا البعد البيئي في التنمية، والاتساق مع الأهداف البيئية في استراتيجية مصر 2030، من خلال وضع خريطة تفاعلية على مستوى الجمهورية للمشروعات الخضراء الذكية، وربطها بجهات التمويل المختلفة وجذب الاستثمارات اللازمة لتنفيذها، وهو ما يساعد في زيادة الوعي المجتمعي بالقضايا البيئية، ويساعد في تحقيق التنمية الإقليمية والمحلية المستدامة في المحافظات.
وقد انتهت المرحلة الأولى من المبادرة باختيار 18 مشروعًا فائزًا على مستوى الجمهورية؛ بواقع 3 مشروعات لكل فئة من فئات المبادرة، وإعطاء الفرصة للمشروعات الفائزة بعرضها في الحدث البيئي الأهم عالميا (27COP) بشرم الشيخ، وقد تقدم حوالي 6281 مشروعًا من مختلف المحافظات، تم اختيار 162 مشروعًا مؤهلًا، جميعها يندرج حول الفئات الست للمبادرة وهي:
- المشروعات الكبيرة
- المشروعات المتوسطة
- المشروعات الصغيرة (المرتبطة بمبادرة حياة كريمة)
- المشروعات المقدمة من الشركات الناشئة
- المشروعات التنموية المتعلقة بالمرأة وتغير المناخ والاستدامة
- المبادرات المجتمعية غير الهادفة للربح
وكانت أهم معايير التقييم والاختيار للمشروعات المقدمة، 6 معايير رئيسة يجب أن يتضمنها المشروع وهي ( المكون الأخضر – المكون الذكي أو التكنولوجي – القابلية للتكرار أو التوسع – الأثر التنموي للمشروع – التمكين وتكافؤ الفرص لمشروعات الفئات)، بالإضافة إلى 23 معيارًا فرعيًا منبثقًا من المعايير الرئيسة.
و من أهم المكاسب التي حققتها المبادرة في المرحلة الأولى:
- توفير قاعدة بيانات عن المشروعات الخضراء الذكية، مع رسم خريطة تفاعلية لها على مستوى محافظات الجمهورية؛ للمساعدة في تحديد أولويات وجذب الاستثمارات لها.
- دعم وتشجيع ورفع كفاءة الكوادر البشرية في مختلف المحافظات وحثهم على الإبداع والابتكار وإيجاد حلول ذكية لمواجهة تغير المناخ.
- تعظيم استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إطار خطة الدولة للتحول الرقمي.
- إشراك جميع الفئات في المبادرة مثل تمكين المرأة والشباب ومؤسسات المجتمع المدني.
- تحقيق الشراكة بين الإدارة المحلية والشركات والمؤسسات الوطنية والدولية المختلفة.
مع الإعلان عن بدء انطلاق التقديم للمرحلة الثانية من المبادرة في أول إبريل 2023 حتى نهاية مايو 2023، يتم العمل على تطوير أهداف المبادرة وتقديم الدعم الفني للمتقدمين و حشد الجهود الوطنية للتعاون مع مؤسسات التمويل الدولية والقطاع الخاص، والعمل على زيادة التعريف بالمبادرة ونشر الوعي بأهمية قضايا المناخ.
دور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التحول نحو الاقتصاد الأخضر
أصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أحد أهم ركائز الاقتصاد المستدام، وأحد أهم أدواته لبناء مجتمعات خضراء ذكية ومستدامة، ومن هنا جاء الدور الهام الذي تلعبه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تحفيز الابتكار في أساليب ووسائل مواجهة التغير المناخي، وتحقيق التنمية المستدامة بكافة أبعادها الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، وكذلك بناء ورفع قدرات العنصر البشري في تقنيات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، ودعم الابتكار والإبداع في خدمة المشروعات البيئية.
ويبرز دور التكنولوجيا أكثر في التطبيقات الذكية في المجالات المختلفة مثل: (الزراعة الذكية – الري الذكي – النقل النظيف – استخدام أنظمة الطاقة الشمسية – تدوير المخلفات – الإدارة الرشيدة للموارد) من خلال دمج التكنولوجيا مع أنظمة تحليل البيانات ونظم المعلومات الجغرافية وتحليل الموقع والاستشعار عن بعد والذكاء الاصطناعي وغيرها من التطبيقات، والتي كانت من أهم محاور تقييم المشروعات المقدمة.
أهم المشروعات الفائزة في المرحلة الأولى من المبادرة
قدم 18 مشروعًا فائزًا في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية في مرحلتها الأولى حلولًا عملية لبعض المشكلات البيئية المختلفة مثل: إدارة المخلفات – معالجة مياه الصرف الصحي – تلوث المياه – حماية السواحل – الزراعة المستدامة – النقل الكهربي الخفيف – السياحة البيئية – الطاقة المتجددة – المباني الخضراء المستدامة).
لا شك أن العالم حقق نجاحات معقولة في مسار مواجهة تغير المناخ، لاسيما في مجال خفض الانبعاثات الكربونية وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، ولكن لا يزال الطريق طويلًا نحو تحقيق الحياد الكربوني للوقوف عند هدف 1.5 درجة مئوية، خاصة مع الأزمات الاقتصادية التي يواجهها العالم جراء الحرب الروسية الأوكرانية وما ترتب عليها من أزمة في الطاقة والغذاء وسلاسل الإمداد والتوريد، الأمر الذي أبطأ من مسار التحول نحو الطاقة النظيفة. ذلك بالإضافة إلى ضرورة التوصل إلى حلول عادلة بشأن مساعدة الدول المتقدمة للدول النامية، وتحمل مسؤولياتها نحو الآثار السلبية لتغير المناخ وبرامج التكيف والتخفيف.
وفي هذا الإطار، تسعي مصر دائمًا إلى مجاراة التحول العالمي إلى الاقتصاد الأخضر من خلال: الخطط والاستراتيجيات والاستثمارات في الطاقة المتجددة، والصناعات الخضراء منخفضة الكربون، والنقل الكهربائي، والزراعة الحديثة، وترشيد استهلاك المياه، وبرامج الحفاظ على التنوع البيولوجي، وحسن استخدام الأرض، وغيرها من الأنشطة البيئية. علاوة على إطلاق ودعم مثل تلك المبادرات البيئية سواء على مستوى الأفراد أو الشركات الناشئة والمشروعات الصغيرة أو على مستوى الاستثمارات الدولية والمشروعات الكبرى؛ لتحقيق استراتيجيتها المستدامة 2030. هذا علاوة على أن مصر دائمًا تنادي بحق القارة الأفريقية في التنمية الاقتصادية، والمساندة ضد آثار تغير المناخ، وتدعم تحقيق استراتيجية أفريقيا للتنمية المستدامة 2063 وأهدافها المناخية.