نظرة على العلاقات المصرية العمانية
يزور السلطان هيثم بن طارق سلطان عمان القاهرة، الأحد 21 مايو 2023 في زيارة هي الأولى من نوعها بعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مسقط في يونيو من العام الماضي. تهدف هذه الزيارة إلى مناقشة العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين البلدين التي استمرت على مدار سنين في نمو ملحوظ. وتأتي هذه الزيارة في ظل احتفال البلدين بمرور 50 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بينهما، والتي شهدت توافقًا كبيرًا في الاتجاهات السياسية وازدهارًا واضحًا في المجالات الاقتصادية والثقافية.
العلاقات السياسية والدبلوماسية
لطالما ارتبطت القاهرة ومسقط بعلاقات جيدة وقوية في مختلف المجالات، وكان هناك دائمًا توافق واقتراب واضح بين السياسات المصرية والعمانية. من أهم اللمحات للعلاقات بين البلدين هو مساندة سلطنة عمان لمصر بعد المقاطعة العربية لمصر إثر توقيع معاهدة كامب ديفيد التي نتج عنها استعادة مصر لكامل أراضي سيناء، وهو الموقف الذي كان له دور كبير في تعميق وتقوية العلاقات الثنائية بين البلدين. أيضًا تتشارك القاهرة ومسقط في سياسة عدم التدخل في شؤون الآخرين، والسعي الدائم إلى حفظ الاستقرار والأمن والعلاقات الجيدة في المنطقة.
وبالرغم من تبادل مسؤولي البلدين التواصل بمختلف أشكاله بشكل مستمر للمناقشة العديد من القضايا ومتابعة الأحداث بالإضافة إلى تبادل التهنئة أو التعازي، إلا أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لسلطنة عمان في يونيو الماضي أكدت بشكل واضح على التوافق في الرؤى المصرية والعمانية في مختلف القضايا التي تهم المنطقة العربية، ونتج عن هذه الزيارة توقيع البلدين عددًا من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مختلف المجالات. وكان هذا مؤشر على التوافق الكبير على توافق الرؤيتين: عمان 2040 ومصر 2030. ومن المتوقع توقيع عدد من الاتفاقيات المشابهة في هذه الزيارة والتي تعد امتدادًا وتكملة لاتفاقيات العام الماضي.
العلاقات الاقتصادية والتجارية
تمتد العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين لآلاف السنين، حيث أشارت العديد من الدراسات إلى وجود رحلات تجارية بين المصريين القدماء وقبائل جنوب عمان واستخدام المصريين القدماء لللبان العماني في بناء المعابد. وتشهد الآن العلاقات الاقتصادية بين البلدين ازدهارًا واضحًا حيث تؤمن إدارات كل من عمان ومصر بأهمية التعاون في مجالات الصناعة والتجارة والاستثمار، مما نتج عنه زيادة في قيمة التبادل التجاري في السنوات الثلاثة الماضية حيث ارتفعت قيمة التبادل التجاري بنسبة 52% عما كانت عليه في 2020. ومن أهم السلع التي تصدرها الدولة المصرية لسلطنة عمان الفواكه والأثاث والأجهزة الكهربائية والألبان ولدائن المصنوعات، في مقابل استيراد الأسماك وخامات المعادن والألومنيوم والمنتجات الكيميائية العضوية.
أيضًا شهدت العلاقات الاستثمارية تقدمًا كبيرًا، حيث بلغت قيمة الاستثمارات العمانية في مصر 68.8 مليون دولار خلال العام المالي 2020/2021 مقابل 15.8 مليون دولار خلال العام المالي 2019 /2020 بنسبة ارتفاع قدرها 334.8%. وتشجع دائمًا الحكومة العمانية المستثمرين المصريين للاستثمار في عمان في مختلف المجالات في ظل تقديم الكثير من التسهيلات لاستقبال أكبر عدد ممكن المستثمرين، وكذلك تشجع الحكومة المصرية المستثمرين العمانيين للاستثمار في مصر والاستفادة من الإصلاحات التي قامت بها الدولة على المستويات التشريعية والإدارية لتحسين مناخ الاستثمار في مصر.
العلاقات العسكرية
بشكل طبيعي نتج عن قوة العلاقات في مختلف المجالات تقارب في المجال العسكري بدوره، حيث تشاركت القوات المسلحة المصرية والعمانية التدريبات والمناورات في أكثر من مناسبة ومن أهمها:
تدريب قلعة الجبل: والذى أجريت فعالياته بولاية الجبل الأخضر بسلطنة عمان في 15 سبتمبر 2022، حيث نفذت القوات الخاصة المصرية والعمانية تدريبًا مشتركًا في إطار خطة التدريبات المشتركة للقوات المسلحة مع الدول الصديقة والشقيقة لدعم علاقات التعاون بمختلف المجالات العسكرية. واشتمل التدريب على عدد من الأنشطة والفعاليات التي تضمنت عقد مجموعة من المحاضرات النظرية في مختلف الموضوعات والتدريب على تنفيذ دوريات استطلاع الكمائن والإغارة والتدريب على أعمال القتال في المناطق المبنية والجبلية، وكذلك الرماية بمختلف الأسلحة ومن مختلف الأوضاع، واختتم التدريب بتنفيذ بيان عملي لاقتحام قرية حدودية.
تدريب طويق – ٢: والذي تم تنفيذه على مدار عدة أيام بقاعدة الأمير سلطان الجوية بالسعودية، في 19/6/2021، بمشاركة عناصر من القوات الجوية وقوات المظلات لكل من مصر والسعودية والإمارات والأردن وسلطنة عمان، فضلًا عن مشاركة البحرين والكويت بصفة مراقب. وتضمنت المرحلة الختامية للتدريب عددًا من الأنشطة التدريبية المختلفة وتنفيذ إسقاط جوي بالمظلات.
مناورة درع الخليج: التي أقيمت في السعودية في 16/4/2018، وتُعد أضخم التدريبات العسكرية في المنطقة على الإطلاق، سواء من حيث عدد القوات والدول المشاركة والتي وصلت إلى 25 دولة وكان من بينها مصر وعُمان، أو من ناحية تنوع خبراتها ونوعية أسلحتها.
العلاقات الثقافية والاجتماعية
لا تقل العلاقات الثقافية والاجتماعية أهمية عن العلاقات السياسية والاقتصادية؛ إذ تعتبر العلاقات الثقافية هي الرابط الحقيقي بين الشعبين المصري والعماني، وتمتاز هذه العلاقات بين البلدين بالقوة والصلابة حيث أنها امتدت لسنين طويلة. وتظهر بعض معالم هذه العلاقات في الدور الذي لعبه المعلمون المصريون في بداية النهضة العمانية في تعليم أبناء عمان.
وخلال زيارة الرئيس السيسي إلى مسقط العام الماضي، جرى التوقيع على اتفاقيات منها ما يتصل بالجوانب الثقافية والتعاون في المجالات الأكاديمية. ومن المتوقع أن تكون هناك اتفاقيات أخرى في المجالات الثقافية مثل التعاون في مجال الوثائق والتراث من حيث الترميم والآثار، إضافة إلى التعاون الأكاديمي بين الجامعات العمانية والجامعات المصرية. وهو ما يؤكد على اهتمام البلدين بالجانب الثقافي بشكل واضح وتقدير مدى أهميته وتأثيره والتعاون لتطويره لتطوير العلاقات بين الشعبين.
ختامًا، تشير زيارة السلطان هيثم بن طارق بشكل أساسي إلى أهمية العلاقات المصرية العمانية واهتمام كل من البلدين بها بشكل واضح، مما نتج عنه زيادة وازدهار كبير في العلاقات بين البلدين على كافة الأصعدة. ويعد السبب الرئيس في ازدهار العلاقات بين البلدين هو التقارب في الرؤى المستقبلية والسياسات سواء الخارجية أو الداخلية، فيعتبر هذا المحرك الأساسي لرغبة حكومات البلدين في دفع العلاقات لمستويات أعلى بشكل دائم. ومن المأمول أن ينعكس هذا التقارب في تعاون أعمق على المستوى الاقتصادي استغلالًا للتقدم المحرز في هذا الإطار. ذلك بالإضافة إلى جودة العلاقات العسكرية الناتجة عن تقارب الدولتين والتي نتج عنها العديد من المناورات والتدريبات المشتركة بين القوات المسلحة للبلدين. ولا يجب الإغفال عن أهمية تقارب وزيادة العلاقات الثقافية بين البلدين التي تعتبر العامل الحقيقي في تقارب الشعبين: المصري والعماني، ونتج عن علاقة المحبة المتبادلة هذه التقارب في العديد من المجالات الثقافية والاجتماعية، مثل المجالات العلمية والأدبية وأيضًا الفنية.