تحديات ماثلة… الجمعيات التعاونية في مصر ودورها في النهضة المجتمعية
ناقشت الجلسة الأولى للجنة النقابات والمجتمع الأهلي بالحوار الوطني أهمية تفعيل دور التعاونيات ووضع حلول لكل التحديات التي تواجهها نظرًا لمشاركتها في تقديم خدمات ملموسة غير هادفة للربح. وفي ضوء ذلك، يستعرض التقرير الآتي تعريف الجمعيات التعاونية وأنواعها، مع تحليل أهميتها المجتمعية، وأهم التشريعات التي تنظم عملها، وإبراز التحديات التي تواجه عملها.
أولًا- تعريف الجمعيات التعاونية وأنواعها:
تُعرف التعاونيات على إنها مجموعة من الأشخاص يتحدون طوعيًا من أجل العمل الاقتصادي المشترك، بما يضمن دخولهم السوق كجماعة وليس كأفراد، بهدف دعم المصالح الاقتصادية لجميع الأعضاء بالاعتماد على الجهود الذاتية وليس على الحكومة أو الدولة.
وتستهدف التعاونيات بشكل أساسي حل المشاكل الاقتصادية والقضاء على البطالة وخلق فرص عمل، مع مراعاة الفرق بين الجمعية والتعاونية؛ فالجمعية الهدف منها إفادة المجتمع ولا يوجد فيها مكسب اقتصادي أو مادي لأعضائها، بينما التعاونية هي إفادة لأعضائها وفيها مكسب مادي واقتصادي عن طريق مشاركة الأعضاء بأسهم داخل التعاونية.
وتنقسم الجمعيات التعاونية إلى خمسة أقسام، وهي: الجمعيات الاستهلاكية، والإنتاجية، والإسكانية التي تقدم الخدمات اللازمة للتجمعات السكنية، وتتولى صيانتها وإدارتها لتحسين واكتمال البيئة السكنية، والزراعية التي تستهدف تحقيق الأمن الغذائي وزيادة الإنتاجية، إلى جانب الثروة السمكية.
ثانيًا- أهم التشريعات المنظمة لعمل الجمعيات التعاونية:
يُمكن استعراض أهم المواد الدستورية التي تنظم عمل الجمعيات التعاونية على النحو الآتي:
المادة رقم 27 من الدستور المصري: يهدف النظام الاقتصادي إلى تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر.
ويلتزم النظام الاقتصادي بمعايير الشفافية والحوكمة، ودعم محاور التنافس وتشجيع الاستثمار، والنمو المتوازن جغرافيا وقطاعيا وبيئيا، ومنع الممارسات الاحتكارية، مع مراعاة الاتزان المالي والتجاري والنظام الضريبي العادل، وضبط آليات السوق، وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، والتوازن بين مصالح الاطراف المختلفة، بما يحفظ حقوق العاملين ويحمى المستهلك
ويلتزم النظام الاقتصادي اجتماعيًا بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية وتقليل الفوارق بين الدخول، والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن الحياة الكريمة، وبحد أقصى في أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر، وفقًا للقانون.
المادة 33 من الدستور المصري: تحمى الدولة الملكية بأنواعها الثلاثة، الملكية العامة، والملكية الخاصة، والملكية التعاونية
المادة 37 من الدستور المصري: الملكية التعاونية مصونة، وترعى الدولة التعاونيات، ويكفل القانون حمايتها، ودعمها، ويضمن استقلالها. وال يجوز حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي.
المادة 42 من الدستور المصري: ينظم القانون تمثيل صغار الفلاحين، وصغار الحرفيين، بنسبة لا تقل عن 80% في مجالس إدارة الجمعيات التعاونية الزراعية والصناعية والحرفية.
المادة 78 من الدستور المصري: تلتزم الدولة بوضع خطة وطنية للإسكان تراعى الخصوصية البيئية، وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية في تنفيذها، وتنظيم استخدام أراضي الدولة ومدها بالمرافق الأساسية في إطار تخطيط عمراني شامل للمدن والقرى واستراتيجية لتوزيع السكان، بما يحقق الصالح العام وتحسين نوعية الحياة للمواطنين ويحفظ حقوق الأجيال القادمة.
ثالثًا- الأهمية المجتمعية للتعاونيات وعلاقتها بالتنمية المستدامة:
يُنظر إلى الجمعيات التعاونية كأداة مهمة لتحقيق التنمية الشاملة وأداة فعالة لمواجهة الفقر والبطالة في جميع دول العالم، كما يتبين تاليًا:
دور التعاونيات الإنتاجية في خدمة المجتمع: تسهم التعاونيات الإنتاجية في معالجة أزمات البطالة والحد من الفقر بتوفير فرص عمل منتجة للشباب من الجنسين بجمعياتها ومشروعات اعضائها التعاونيين، إلى جانب المساهمة في دعم سياسة الاكتفاء الذاتي والحد من الاستيراد من خلال تلبية الاحتياجات الاساسية للمواطنين من السلع المتنوعة بالجودة المتميزة والأسعار المنافسة خاصة الأحذية والمنتجات الجلدية والأثاث المتنوع والملابس الجاهزة والمفروشات والاقمشة والتريكو والسجاد والمنتجات المعدنية والأجهزة والادوات المنزلية والمنتجات الغذائية المتنوعة.
ذلك فضلًا عن توفير الخدمات الانتاجية المتنوعة، ومساندة جهود الدولة في مجال التنمية البشرية من خلال تبني برامج التدريب الإداري والفني والتعاوني وفق الأسس العلمية الحديثة، ودعم الصناعات الوطنية الكبيرة من خلال قيام الورش الحرفية والمصانع التعاونية الصغيرة بتوفير احتياجاتها من الأجزاء والمكونات المغذية لها، وكذلك دعم قدرة الاقتصاد المصري من خلال العمل علي فتح الأسواق الخارجية أمام تصدير السلع والمنتجات الحرفية وتبني الآليات التي تساعد على ذلك.
الأهداف الأساسية للتعاونيات الاستهلاكية: تستهدف التعاونيات الاستهلاكية الإسهام في خفض ارتفاع الأسعار عن طريق اختصار الحلقة الوسطى وتقليل الإنفاق الحكومي على أنشطة التوزيع، وتحقيق التوازن في الأسعار وذلك عن طريق دفع القطاع الخاص لخفض الأسعار لتكون قريبة من التعاونيات.
أهداف تعاونيات الثروة السمكية: تسعى تعاونيات الثروة السمكية إلى إمداد أعضائها الصيادين بأدوات ومعدات الصيد المحلية منها والمستوردة، وتمكين أعضائها من امتلاك مراكب الصيد وقواربه ولوازمه، وامتلاك أو تدبير وسائل النقل المجهزة لنقل الإنتاج، وتسويق منتجات الثروة المائية وإقامة المنشآت التسويقية اللازمة لذلك، إلى جانب إنشاء وإدارة المزارع السمكية التعاونية، وإقامة مراكز تجمع للصيادين بالتعاون مع المحافظة التي تقع فيها منطقة عمل الجمعية والهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية.
رابعًا- التحديات التي تواجه عمل الجمعيات التعاونية في مصر:
تتمثل أبرز التحديات التي تواجه عمل التعاونيات المصرية في تفعيل مواد القانون وعدم اقتصار أعضاء الجمعيات التعاونية ورئاستها على فئة معينة. وبالتحول صوب تحديات التعاونيات السكانية، يتضح إنها ترتكز في زيادة عدد السكان ونمو سكان الحضر، وارتفاع التكلفة لبناء المساكن وقلة الأراضي الصالحة للبناء، ونقص الوحدات السكانية، وتوفير تمويل طويل وميسر حتى يتمكن الأعضاء من السداد، كذلك توفير الدولة لأراضي منخفضة التكاليف ومرخصة.
أما عن التعاونيات الزراعية، فإنها تواجه عددًا من المشاكل والمعوقات، تتمثل في عدم ثقة المزارع في الجمعيات الزراعية بسبب أن معظم المجالس تدار بشكل فردي مما أدى إلى عدم اهتمام المزارعين بحضور اجتماعات الجمعية، وعدم وجود مصادر تمويل خاصة بالتعاونيات الزراعية وانخفاض العائد المادي وقيمة الأسهم، ووجود قيود تعوق مستلزمات الإنتاج واستيرادها، كذلك حماية الأراضي الزراعية وعدم التعدي عليها واستكمال الحيز العمراني.
وبشأن التعاونيات الاستهلاكية، فإنها تعاني من عدم حصولها علي حصة مناسبة من السلع الاستراتيجية المدعمة، وتقليص ما تتمتع به من مزايا بدءًا من إلغاء الدخول في المناقصات والمزايدات العامة وانتهاءً بإخضاع هذه الجمعيات لضريبة القيمة المضافة، وإلزام مؤسسي الجمعية بتأجير “محل تجاري” مقر الجمعية بعقد إيجار لا يقل عن 9 سنوات والتصديق على تاريخها في السجل العقاري. ويعج هذا شرطا مُعيقًا لأن صاحب العقار لا يقبل العقد لهذه الفترة الطويلة من الوقت.
خامسًا- مقترحات وحلول:
يُمكن مواجهة التحديات سالفة الذكر من خلال المقترحات الآتية:
- إنشاء تعاونيات استهلاكية جديدة وإدخال أنشطة جديدة غير تقليدية، مثل إدخال أنظمة التعبئة والتغليف وبيع الأسماك واللحوم حيث توفر هذه الأنشطة فرص عمل كبيرة تحد من البطالة.
- يمكن للتعاونيات إدخال صناعات تحويلية في مناطق الإنتاج الزراعي مما يؤدي إلي زيادة تشغيل المنشآت القائمة وتوفير فرص عمل إضافية.
- تشجيع إنشاء جمعيات تعاونية في مجالات الخدمات والبيئة والتعليم والخدمات الصحية وخدمات النقل والخدمات السياحية والخدمات الثقافية التي تستوعب عددًا كبيرًا من العمالة وبالتالي يقلل من مشكلة البطالة.
- زيادة التمويل الداخلي للتعاونيات عن طريق زيادة مساهمة الأعضاء في رأس مال الجمعيات التعاونية.
- يمكن أن تكون التعاونيات القناة التسويقية الرئيسة لمنتجات الشباب الخريجين، وعلى الدولة رعاية تلك الشراكة وتوفير أماكن العرض الملائمة وتدريب العمالة لإدارتها.
- إنشاء بنك تعاوني بمقومات خاصة لجذب مدخرات الأعضاء وتمويلهم بقروض ميسرة تساعدهم في إطلاق مشروعاتهم الخاصة.
- رفع نسب مشاركة القطاع الخاص لتمويل المشروعات التي تقوم بها الجمعيات التعاونية.