الحوار الوطني

أولوية لقضية الزيادة السكانية على طاولة الحوار الوطني

لطالما وضعت مصر قضية الزيادة السكانية على رأس أولوياتها منذ ما يقرب من خمسين عامًا. وفي ظل تفاقم الأزمات العالمية والمؤثرة بالطبع على الشأن المحلي، زاد حرص الدولة على إيجاد حلول جذرية للحيلولة دون تفاقم الأزمة ولهذا؛ جاء تخصيص لجنة لمناقشة قضية الزيادة السُكانية من ضمن لجان المحور المجتمعي للدلالة على مدى محورية القضية بوصفها أحد أهم معوقات التنمية في مصر.

إجراءات سابقة للحد من الزيادة السكانية

عدة إجراءات اتخذتها الدولة المصرية كان آخرها توقيع رئيس الوزراء مراسم برتوكول تعاون بين وزارتَي التخطيط والتنمية الاقتصادية، والمالية، بشأن برنامج الحوافز المادية بالمشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، يقضي بأن الدولة ستدّخر مبلغ 1000 جنيه مصري سنوياً لكل امرأة متزوجة لديها طفلان بحد أقصى، ويتم تحصيل المبلغ المتراكم مع بلوغ المرأة 45 عاماً.

وقد سبقت تلك الخطوات خطوات عديدة أبرزها إطلاق استراتيجية المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية عام 2022 بهدف تحسين الخصائص الديموغرافية مثل التعليم والصحة والتمكين الاقتصادي والثقافة بالإضافة إلى ضبط النمو السكاني. وقد تضمنت الاستراتيجية كذلك عدة محاور: هي التمكين الاقتصادي للمرأة، وتحسين خدمات تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية وإتاحتها بالمجان للجميع، والتوعية الثقافية والتدخلات التربوية، بالإضافة إلى التحول الرقمي والإصلاح التشريعي. وسبقها إطلاق الاستراتيجية القومية للسكان (2015-2030). وكذلك تم إطلاق حملة “نظمي” للتعريف بمفهوم صحة الأسرة والصحة الإنجابية للعاملات والعاملين بالجهاز الإداري للدولة بالمجان، وذلك بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة، حيث شملت الحملة 16 وزارة على مدار ثلاثة أشهر ثم امتدت لباقي الوزارات.

وعلاوة على ذلك، أسهمت المؤسسات الدينية الرسمية على نشر الوعي بأهمية تنظيم الأسرة، حيث أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى تؤكد شرعية تنظيم الأسرة. وعقدت وزارة التعليم المصرية شراكة مع الأمم المتحدة لدمج مفاهيم الصحة الإنجابية في النظام التعليمي؛ بهدف “تثقيف الشباب والسكان في سن الإنجاب حول أهمية تنظيم الأسرة.

معدلات الزيادة السُكانية الأخيرة في مصر

وفقًا لآخر بيان نشره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يناير 2032؛ بلغ عدد سُكان مصر بالداخل (104.395 مليون نسمة) مقابل (102.812 مليون نسمة) في يناير 2022. وبذلك يكون قد تحققت زيادة سكانية ” الفرق بين أعداد المواليد والوفيات” قدرها 1.583 مليون نسمة خلال سنة ميلادية كاملة. وقد بلغ معدل الزيادة الطبيعية لعام 1.6% حيث تزيد أعداد الزيادة الطبيعية هذا العام بحوالي 9.7% مقارنة بعام 2021 وأرجع التقرير ذلك إلى الانخفاض الكبير في مستوى الوفيات خلال عام 2022 والذي يصل إلى 19.1% نتيجة لانحسار تأثير جائحة كورونا مع الانخفاض الطفيف في أعداد المواليد خلال عام 2022 مقارنة بعام 2021.

الأزمة والتداعيات

لا يكاد يخلوا أي حديث للرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه السلطة، من ذكر الأزمة السُكانية باعتبارها معوقاً رئيساً لجهود التنمية، واستمرار الزيادة السكانية بمعدلاتها الحالية قد يعني نتائج كارثية في المستقبل، وذلك وفقا لاهم نتائج وتوصيات دراسة التنبؤات السكانية لمصر 2020-2050، والتي تتناول فيها الإسقاطات السكانية حتى عام 2050 في ضوء ثلاث سيناريوهات لمعدل الإنجاب الكلى كالتالي:

السيناريو الاول: عدم ضبط الزيادة السكانية والوصول إلى معدل الانجاب الكلى (5.3 طفل / سيدة) يصبح عدد سكان مصر حوالي 183 مليون نسمة عام 2050 ونسبة السكان في قوة العمل من 15-65 حوالي 60 %، ونسبة الاعالة الكلية حوالي 0.68.

السيناريو الثاني: ثبات معدل الإنجاب الكلى عند (3.07طفل لكل سيدة) الوضع الحالي، يصبح عدد سكان مصر حوالي 160 مليون نسمة عام 2050 ونسبة السكان في قوة العمل من 15-65 حوالي 64 %، ونسبة الإعالة الكلية حوالي0.56.

السيناريو الثالث: تطبيق استراتيجية قومية للسكان تهدف إلى الوصول بمعدل الانجاب الكلى إلى (2.4 طفل لكل سيدة)، سيكون عدد سكان مصر حوالي 152 مليون نسمة عام 2050، ما يعنى أن تطبيق الاستراتيجية القومية للسكان سيكون له اثار إيجابية في توفير عبء من 10 إلى 25 مليون نسمة في حين ستكون نسبة السكان في قوة العمل من 15-65 حوالي 64%، ونسبة الإعالة الكلية 0.55.

  • الزيادة الغير منضبطة للسكان هدر ما يقرب من 28.5 ألف فدان سنويًا في البناء وانشاء العشوائيات، لذلك يلزم على الدولة لتلبية الاحتياجات استصلاح ما يقرب من حوالي نصف مليون فدان كل 5 سنوات. 
  • استيعاب الزيادة المتوقعة للمدارس الحكومية للتعليم ما قبل الجامعي يتطلب بناء حوالي 3100 فصل سنويًا (سعة الفصل 35 طالب) في حالة الزيادة المنضبطة او 5400 فصل في حال الزيادة الغير مخططة حتى عام 2030، في حين ان القدرة الاستيعابية الحالية (ما عدا الازهر حوالي 72 ألف فصل ومعهد) تقدر بـ 19280089 تلميذ/ة في 467334 فصل في 50753 مدرسة.
  • في ضوء الزيادة السكانية المتوقعة سيتم ضخ مليارات الجنيهات لتفعيل نظام التأمين الصحي الشامل وبناء العديد من المستشفيات والمراكز الطبية (حوالي 8000 سرير بحلول 2030 (  . كما يرتفع عدد الممرضين والممرضات المتوقع من 214 ألف ممرض عام 2017 إلى 345 ألف ممرض عام 2050 في حالة ضبط معدل الانجاب 2.4 طفل / سيدة، مقابل 429 ألف في حالة عدم ضبط النمو السكاني 3.5 طفل / سيدة، ولذلك يتطلب الأمر زيادة أعداد الممرضين والممرضات لتتناسب مع أعداد المرضى. 
  • وطبقًا لسيناريو 2.4 طفل / سيدة من المتوقع أن يرتفع عدد الأطباء المطلوب توفيرهم في كافة القطاعات الصحية من 128 ألف طبيب في عام 2017 إلى 207 ألف طبيب في عام 2050، بينما يرتفع إلى 257 ألف في حالة عدم ضبط النمو السكاني 3.5 طفل / سيدة، نتيجة للزيادة المتوقعة في عدد السكان ولضمان استمرار الخدمات الصحية. ونتيجة للزيادة المتوقعة في عدد السكان سترتفع عدد أسرة المستشفيات المطلوب توفيرها من 132 ألف سرير عام 2017 إلى 265 ألف سرير عام 2050 في حالة عدم ضبط الزيادة السكانية.

تجارب دولية

مع ارتفاع معدلات النمو السكاني التي تشهدها مصر وتراجع مؤشرات التنمية مقارنًة بالمستهدف، تُتجلى الحاجة إلى تفعيل سياسات تنظيم النسل، وقد أكدت تجارب بعض الدول على أن التخفيف من سرعة النمو السكاني أدت إلى زيادة قدرة تلك البلدان على التصدي لتحديات عديدة أبرزها الفقر، ومن أبرز تلك التجارب:

1 – تجربة إندونيسيا

وضعت إندونيسيا قانونًا عام 1992 خاصًا بالتنمية السكانية، هدفه الأساسي الربط بين نجاح منظومة الأسرة بقلة عدد الأبناء. وسعت إندونيسيا إلى نشر وعي ذهني شعبي بهذا المفهوم. ونص القانون على أن أي انتهاك له سوف يُجرم بما يتماشى مع القواعد والقوانين السائدة في المجتمع. واعتمد برنامج تنظيم الأسرة على عدم تشجيع الإنجاب للسيدات في مرحلة السن أقل من عشرين عامًا أو أكثر من ثلاثين عام لمن لديها ثلاثة أطفال فأكثر، بالإضافة إلى رفع الحد الأدنى لسن الزواج، بجانب زيادة الترويج بأهمية خدمات تنظيم الأسرة وطرح وسائل طبية ذات الجودة والكفاءة العالية.

مؤشرات تجربة إندونيسيا في تنظيم السكان

  • انخفاض مستويات الإنجاب انخفاضًا عامًا لكل 1000 من السكان من 44.55 عام 1960 إلى 17.75 مولود عام 2017.
  • انخفاض مؤشر النمو السكاني من 2.72% عام 1961 إلى 1.07 عام 2020.
  • انخفاض معدل الخصوبة لكل امرأة من 5.67 مولود عام 1960 إلى 2.29 مولود عام 2019.
  • انخفاض معدل السكان في الريف من 85.41% عام 1960 إلى 43.36% عام 2020.

2 – التجربة الإيرانية 

نجحت إيران في مدة زمنية قياسية لا تتجاوز خمس عشر سنة في تخفيض مستويات الإنجاب من 5.6 طفل إلى 2.1 طفل لكل سيدة في سن الانجاب، وتتلخص التجربة الإيرانية في تبني سياسات تشجيع خفض الإنجاب وتحديد عدد الأطفال بثلاثة فقط لكل أسرة، ويُعد أهم عوامل نجاح تلك التجربة في تبني رجال الدين بما لهم صوت وتأثير لدى الشعب.

وقد صدر قانون السكان وتنظيم الأسرة عام 1993 ويتلخص أبرز النقاط في: 

  • تمتع الأطفال حتى الطفل الثالث بالامتيازات التي يقررها هذا القانون فيما يتعلق بعدد الأطفال، في حين لا يتمتع بها الأطفال من ذوي الترتيب الرباعي فما فوق.
  • اجازات الأمومة الممنوحة للنساء العاملات عن الأطفال من الترتيب الرابع يتم منحها بعد اجراء دراسة منفصلة، مع محاسبة المؤمن عليهم عنها وفقًا لأسعار مؤسسة الضمان الاجتماعي وقتها. 
  • عدم تشجيع الحمل للسيدات أقل من 18 سنة وأكبر من 35 سنة.
  • تحديد حجم الأسرة بثلاثة أطفال.

مؤشرات التجربة الإيرانية في تنظيم السكان

  • انخفاض مستويات الإنجاب انخفاضًا حادًا في المناطق الريفية 8.1 مولود لكل سيدة عام 1976 إلى عام 2.4 مولود عام 2000.
  • انخفاض مؤشر النمو السكاني من 4.14 عام 1983 إلى 1.29 عام 2020.
  • انخفاض معدل الخصوبة لكل امرأة من 6.93 مولود في عام 1960 إلى 2.15 عام 2019.
  • انخفاض معدل السكان في الريف من 66.26% عام 1960 إلى 24.13 عام 2020.

نحو إجراءات أكثر فاعلية تجاه قضية الزيادة السكانية

مما لا شك فيه ان قضية الزيادة السكانية من أهم القضايا التي تؤرق الدولة المصرية بل وتعد قضية أمن قومي، ويرجع ذلك إلى كونها معوقًا رئيسًا أمام التنمية في كافة المحاور، بل وتلقي بظلالها على مؤشرات عديدة أبرزها الصحة والتعليم والرفاه. مما يستلزم إجراءات أكثر فاعلية على الأرض أبرزها:

  • إبراز الدعم الكامل والصريح من المؤسسات الدينية وتبنيهم قضية الزيادة السكانية.
  • توفير الوسائل الحديثة لتنظيم الأسرة بالجودة المطلوبة والكفاءة العالية وإتاحتها في جميع المحافظات خاصة الريفية منها.
  • إعادة النظر في الدعم الشامل المقدم للأسرة التي يكون لديها أكثر من طفلين على الأقل خلال العشرين سنة القادمة.
  • إعادة النظر في إجازة الوضع الممنوحة للسيدات في القطاع العام وتقييد عددها.
  • إعادة النظر في قيمة الحافز المادي المقدم للسيدة الملتزمة بعدد الأطفال المحدد؛ إذ إن قيمة الـ 1000 جنيه لا تتناسب مع معطيات العصر الحالي. 
  • سرعة تفعيل المزايا المقررة للأسرة الملتزمة بطفلين، حيث تستغرق المؤسسات الرسمية وقتًا طويلًا لتطبيق القرارات قد يصل لعام كامل.
  • منح مزايا إضافية للعاملين (ذكور/ إناث) في القطاعين الحكومي والخاص، كعلاوات تشجيعية، أو خصومات على السلع الغذائية التموينية بنسبة معينة، أو منح مكافآت في المناسبات الرسمية كشهر رمضان أو الأعياد.
  • منح مزايا إضافية للأسرة التي لا تنجب أكثر من طفلين، مثل منح الأبوين عند بلوغ الخمسين أسبقية الفوز برحلات الحج أو العمرة أو حتى رحلات ترفيهية للأسرة، وتخصيص نسبة لا تقل عن 5% لالتحاق أبناء تلك الأسر بشركات الأعمال العام أو بالكليات العسكرية والشرطية، أو تخفيض رسوم الخدمات الحكومية بنسبة 20% للأسر الملتزمة بالطفلين.
  • تفعيل دور القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني لتعديل اتجاهات المجتمع تجاه قضية الزيادة السكانية.
  • إدراج مناهج خاصة بالصحة الإنجابية والثقافة الصحية في المراحل التعليمية خاصة الثانوية.
  • ضرورة الإسراع في إصدار قانون منع زواج القاصرات؛ إذ إنه ومنذ عام 2019 توقف العمل على مشروع القانون رغم أهميته ورغم توجيه الرئيس عد الفتاح السيسي بضرورة السرعة في إخراجه.

المصادر:

1- نفهم انخفاض المواليد وارتفاع السكان في مصر، الإندبندنت، ديسمبر 2022.

2- القضية السكانية: مصر بعد الـ 100 مليون، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، فبراير 2021.

3- المسح الصحي للأسرة المصرية، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يونيو 2022.

4- تجارب دولية لتنظيم الزيادة السكَّانية “نماذج، وحلول”، نوفمبر 2021.

5- بيان الحالة السكانية، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يناير 2023.

كاتب

هالة فودة

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى