الحوار الوطني

التجربة المصرية.. أوجه متعددة للعدالة الاجتماعية على طاولة الحوار الوطني

انعقدت أولى جلسات الحوار الوطني بالمحور الاقتصادي حول “برامج الحماية الاجتماعية.. الوضع الراهن والتطورات الجديدة”، وهو ما يؤكد أن العدالة الاجتماعية في منظورها الأكبر هي حق أصيل للمواطن المصري؛ اذ يرتبط تحقيقها بجودة حياة الأفراد وما يعود على الدولة من تحقيق أهداف التنمية المختلفة. 

وينبغي التفريق بين مفهوم الحماية الاجتماعية ومفهوم العدالة الاجتماعية؛ إذ يرتبط مفهوم الحماية بإغاثة المواطن في حال حدوث أزمة محلية أو عالمية لتخفيف العبء عن كاهله وذلك بتقديم إجراءات حمائية عاجلة سواء بتقديم الدعم النقدي او الدعم العيني؛ لكن العدالة الاجتماعية تمثل المفهوم الأوسع الذي تسعى الدولة لإرسائه لتحويل المواطن من متلقٍ للدعم إلى مشارك فعّال في المجتمع بما يحقق استدامة التنمية. وتشتمل ركائز العدالة الاجتماعية على “تمكين الفئات الأضعف – الأجور والمعاشات – تحقيق السكن الكريم- الاستثمار في صحة الإنسان”. وقد اهتمت الدولة بتلك الملفات كلٍ على حدة بالتوازي لتحقيق الغاية الكبرى في إرساء مبادئ العدالة وعدم التمييز.

أولًا: تمكين الفئات الأضعف

أولت الدولة المصرية منذ عام 2014 اهتمامًا خاصًا بالفئات الأضعف، فجرى تمكين المرأة المصرية على كافة المستويات؛ إذ تقلدت المناصب القيادية بالقضاء المصري والذي كان بعيد المنال لسنوات طويلة، إضافة إلى المناصب الإدارية العليا والتي وصل تمثيل النساء فيها إلى حوالي 20%، ناهيك عن البيئة التشريعية القوية التي من شأنها حماية المرأة وزيادة معدلات تمكينها.

وكفلت الدولة المصرية كذلك حقوق المسنين اجتماعيًا واقتصاديًا، فعملت على إنشاء دور رعاية لكبار السن، إضافة إلى افتتاح العديد من وحدات العلاج الطبيعي لكبار السن. ولم تغفل الدولة المصرية التمكين الاقتصادي لهم للحفاظ عليهم من تقلبات الزمن فوجهت القيادة السياسية بتقديم المشروعات الضمانية ومشروعات الأسر المنتجة، إضافة إلى مشروع المرأة الريفية الذي يساعد على رفع المستوى الاقتصادي للمرأة المسنة والمعيلة في الريف المصري.

وعملت الدولة كذلك على إطلاق العديد من الاستراتيجيات الخاصة بحماية الطفل، حيث أطلقت الاستراتيجية القومية لمناهضة الختان والاستراتيجية القومية للحد من الزواج المبكر، ودعمت الدولة تلك الاستراتيجيات بحزمة قوية من التشريعات والقوانين مثل: تغليط عقوبة ختان الإناث، وقانون مواجهة التنمر وتشديد عقوبته، إضافة إلى تعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون الطفل.

واستكمالًا لرعاية الدولة للفئات الأضعف، أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2018 عامًا خاصًا لذوي الهمم، ومنذ هذا الإعلان حظي ذوو الهمم باهتمام بالغ؛ فصدر القانون رقم 10 لعام 2018 والذي يعمل على تمكينهم ورعايتهم، وجرى تخصيص 500 مليون جنيه من صندوق تحيا مصر تحت تصرف وزير التربية والتعليم لرعايتهم. ذلك بجانب العديد من الامتيازات الأخرى مثل تخفيض ساعات العمل لهم بواقع ساعة يوميًا وتخصيص وزارة الإسكان نسبة 5% من الوحدات السكنية للأشخاص ذوي الهمم ضمن مشروعات الإسكان الاجتماعي. ويمثل اهتمام الدولة بالفئات الأولى بالرعاية والأضعف في المجتمع ركيزة مهمة في إرساء مبدأ العدالة الاجتماعية وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنين في الدولة المصرية.

ثانيًا: الأجور والمعاشات

استهدفت الدولة المصرية زيادة الأجور والمعاشات بصورة مستمرة، تماشيًا مع حجم التضخم وزيادة الأسعار الناتجة عن أزمات عالمية متتالية، فزادت مخصصات الأجور وتعويضات العاملين في مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2024/2023 لتقدر بنحو 470 مليار جنيه، مقابل 400 مليار في الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2022/2023 بزيادة قدرها 70 مليار جنيه. 

أما فيما يخص الحد الأدنى للأجور، فمنذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي شهد العاملون بالجهاز الإداري للدولة 6 زيادات متتالية كان آخرها في شهر مارس 2023؛ إذ وجه الرئيس بزيادة الحد الأدنى للأجور لموظفي الجهاز الإداري للدولة ليصبح 3500 بزيادة تصاعدية من 1200 جنيه في 2017.

وفي نفس السياق، هناك جدل قائم حول تحديد الحد الأقصى للأجور؛ إذ يراه البعض عبئًا على موازنة الدولة، ويرى البعض الآخر أن تحديد الحد الأقصى للأجور يؤدي إلى غياب مبدأ العدالة الاجتماعية ويمنع استقطاب الكفاءات داخل الجهاز الإداري للدولة وتفريغه من العناصر الفعالة وهروبها خارجًا أو للقطاع الخاص.

وعلى الصعيد الآخر، تهتم الدولة المصرية اهتمامًا بالغًا بأصحاب المعاشات حيث أقر الرئيس عبد الفتاح السيسي زيادات متتالية لأصحاب المعاشات تقديرًا لرحلتهم الطويلة في خدمة الدولة المصرية، وتمثلت الزيادات في الآتي: 

  • أصدرت في عام 2014 قرارًا بقانون بشأن زيادة النسبة المقررة للمعاشات عام 2007 بنسبة 5%، لتصبح 15% اعتبارًا من 1/7/2007 للمعاشات المستحقة قبل هذا التاريخ. 
  • أقرت في عام 2015 العلاوة الاجتماعية لأصحاب المعاشات بنسبة 10% من شامل المعاش.
  • في عام 2016، وجه الرئيس بزيادة جميع المعاشات التأمينية التي يستفيد منها نحو 9 ملايين مواطن، وذلك بنسبة 10%. 
  • في عام 2020، كلف الرئيس عبد الفتاح السيسي، الحكومة بضم العلاوات الخمس المستحقة لأصحاب المعاشات بنسبة 80% من الأجر الأساسي.
  • زيادة قيمة المعاشات بنحو 13% بتكلفة إجمالية حوالي 31 مليار جنيه في الموازنة 2021-2022.
  • تقرر زيادة المعاشات المُنصرفة لأصحابها والمستفيدين عنهم لتكون بنسبة 15% اعتبارًا من أول أبريل 2023.

وعلى نفس الصعيد، فقد بلغت مخصصات معاش الضمان الاجتماعي بمشروع الموازنة العامة 2022-2023 نحو 22 مليار جنيه مقابل 19 مليار جنيه فقط للموازنة العامة 2021-2022. ويأتي القرار بتخصيص 31 مليار جنيه في الموازنة المقبلة 2023-2024 كحماية لطبقة واسعة من الأفراد من الوقوع في براثن الفقر. 

ثالثًا: تحقيق السكن الكريم

ينص الدستور المصري في المادة 78 على كفالة الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية، وبناء عليه فقد عززت الدولة المصرية الجهود الرامية إلى تحقيق السكن اللائق بنظرة أكثر شمولية نستعرضها كما يلي:

1- تطوير المناطق العشوائية غير المخططة وغير الآمنة

– بلغ عدد المناطق غير الآمنة التي طورت من عام 2014 حتى عام 2020 نحو 296 منطقة من إجمالي 357 منطقة. ومازال العمل مستمرًا على تلك المناطق حتى العام الجاري. 

– انخفض عدد السكان في المناطق غير الآمنة بنسبة 35%، عام 2019. وتستهدف استراتيجية التنمية المستدامة لمصر لخفض عدد السكان في المناطق غير الآمنة بنسبة 100% بحلول عام 2030.

– بلغت مساحة المناطق العشوائية غير المخططة قرابة 152 ألف فدان في عام 2014، وعملت الدولة على تطوير ورفع كفاءة تلك المناطق فأسفرت تلك الجهود عن تطوير 53 منطقة بمساحة 4616 فدانًا عام 2020، بتكلفة قدرت بـ 318 مليار جنيه.

– افتتحت الدولة عددًا من المشروعات التي تحقق تقديم السكن اللائق للمواطن منذ عام 2014 كان أبرزها: مشروع “بشاير الخير” بمراحله الثلاث بمحافظة الإسكندرية، ومشروع حي الأسمرات بالقاهرة، إضافة إلى مشروع المحروسة 1 بمدينة النهضة لحي السلام. 

جدير بالذكر أنه يتم نقل المواطنين من المناطق العشوائية غير الآمنة وغير المخططة بثلاث طرق على حسب رغبة المنتقل دون إجبار: أولًا الانتقال الفوري إلى منزل في منطقة حديثة التطوير في نفس المدينة، ثانيًا تعويض مالي لإيجاد سكن بديل خلال فترة التطوير مع تخصيص وحدة مماثلة بعد الانتهاء من المنطقة، ثالثًا التعويض المالي المناسب لإيجاد سكن بديل في منطقة أخرى. 

2- توفير السكن الكريم لمحدودي الدخل:

– أُعلن في عام 2014 عن إنشاء مليون وحدة سكنية لدعم أصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة.

– صدر القرار الجمهوري رقم 33/2014 والمعدل برقم 93/2018 بشأن الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري.

– بلغ عدد المستفيدين من برنامج الإسكان الاجتماعي حتى عام 2020 قرابة 312 ألف مستفيد، حصلوا على دعم نقدي من صندوق الإسكان الاجتماعي وصل إلى 4.9 مليارات جنيه. وبتمويل عقاري بلغ 30.8 مليار جنيه.

– بلغت تقديرات الاعتمادات المدرجة لدعم برنامج الإسكان الاجتماعي في مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2022-2023 نحو 7 مليارات جنيه بدلًا من مليارين و62 مليون جنيه عن الاعتماد المدرج بموازنة 2021-2022. ويمثل التوجيه بتخصيص 10.2 مليار جنيه للإسكان الاجتماعي في الموازنة الجديدة 2023-2024 بمثابة طفرة في تحقيق السكن اللائق الذي يعد أحد المحاور الأساسية لحقوق الإنسان.

3-  “استيعاب الزيادة السكانية المستمرة” من خلال المدن الجديدة 

  • تعمل الدولة على إنشاء 26 مدينة جديدة من المدن الذكية من «الجيل الرابع».
  • 30 مليون نسمة الكثافة السكانية المنتظر استيعابها عقب الانتهاء من إنشاء المدن الجديدة.
  • محافظات “الجيل الرابع” تشمل 18 محافظة من أصل 27 محافظة يتم إنشاء مدن جديدة فيها بمختلف الاتجاهات الاستراتيجية للبلاد.
  • تشمل المدن الـ26 الجديدة ” العاصمة الإدارية الجديدة – تجمع جنوب القاهرة الجديدة- مدينة 6 أكتوبر الجديدة – مدينة حدائق أكتوبر – مدينة سفنكس الجديدة – مدينة امتداد الشيخ زايد – تجمع الوراق الجديدة – مدينة العبور الجديدة- مدينة العلمين الجديدة- مدينة الإسكندرية الجديدة- مدينة المنصورة الجديدة- امتداد النوبارية الجديدة- مدينة الإسماعيلية الجديدة – مدينة شرق بورسعيد- مدينة غرب بورسعيد- مدينة السويس الجديدة – مدينة بئر عبد الجديدة” شمال سيناء”- مدينة الفشن الجديدة – مدينة ملوي الجديدة – مدينة بني مزار الجديدة- مدينة غرب أسيوط- مدينة غرب قنا الجديدة- مدينة اسوان الجديدة- مدينة الأقصر الجديدة – مدينة توشكي الجديدة.

4- البنية التحتية” توسيع نطاق تغطية مرافق المياه والصرف الصحي:

 تبذل الدولة المصرية جهودا مستمرة في مجال توفير خدمات مياه الشرب والصرف الصحي كالتالي: 

  • ارتفاع نسبة التغطية لمياه الشرب على مستوي الجمهورية لتصل إلى 98.7%، في عام 2020. (100% على مستوي الحضر و97.4% على مستوي الريف) مقارنة بنسبة بلغت 97% عام 2014.
  • ارتفعت نسبة التغطية لمياه الصرف الصحي إلى نحو 65% في 2020، (79% بالنسبة للحضر و37.5% على مستوى الريف) مقارنة بنسبة بلغت 50% عام 2014.
  • تنفيذ 1131 مشروعًا لمياه الشرب والصرف الصحي بتكلفة 124 مليار من عام 2014-2020.
  • اجمالي ما أنفق بقطاع المياه والصرف الصحي 174 مليار جنيه من عام 2014-2020.

رابعًا: الاستثمار في صحة الانسان

أطلقت الدولة المصرية العديد من البرامج والمبادرات الصحية التي اختصت بالاستثمار في صحة الإنسان، فقدمت تجربة مصرية رائدة في مكافحة فيروس سي، بتقديم ملفها كأول دولة في العالم خالية من هذا المرض الذي طالما كان مصاحبًا للمواطن المصري ومستوطنًا لسنوات طويلة. 

وجنت المبادرات ثمارها، فأفاد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لرئاسة مجلس الوزراء باستفادة 34.7 مليون سيدة من خدمات الفحص المبكر والتوعية الصحية ضمن المبادرة الرئاسية لدعم صحة المرأة المصرية منذ انطلاقها في يوليو 2019 وحتى مارس 2023. وأجريت 1.6 مليون عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار منذ انطلاقها في يوليو 2018. 

وضمن مبادرة الكشف عن فيروس سي لطلاب المدارس جرى فحص 1.7 طالب بالمجان خلال العام الدراسي الحالي وحتى 15 مارس 2023. وقد توسعت الدولة خلال الفترة الممتدة من عام 2015 -2018 في إنشاء وتطوير 67 مستشفى و44 مركزًا متخصصًا للأمراض. أما عن التأمين الصحي الشامل فقد استفاد 2.7 مليون مواطن في ثلاث محافظات (بورسعيد، الأقصر، الإسماعيلية). وجسدت تلك المبادرات اهتمام الدولة المصرية بالصحة العامة للمواطن المصري كحق أصيل له دستوريًا وإيمانًا بأن الرعاية الصحية لها تأثير إيجابي مهم يؤدي بشكل مباشر إلى تحسين جوده الحياة.أخيرًا؛ سخرت الدول المصرية جميع إمكاناتها وطاقاتها لدعم محدودي الدخل والفئات الأكثر احتياجًا ووسعت مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل أكبر فئة من المواطنين، في ظل أزمات عالمية متتالية وموجات من التضخم، وجاء الآن دور الحوار الوطني بما فيه من تبادل للآراء ووجهات النظر المختلفة ليسهم بشكل أكبر في الخروج بمقترحات وتوصيات تفتح آفاقًا وأوجهًا أخرى للحماية الاجتماعية وآليات وصول الدعم لمستحقيه.

آلاء برانية

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى