الحوار الوطني

“قانون الوصاية” من الركود إلى مناقشات الحوار الوطني

يعد موضوع الوصاية أو الولاية على المال من أهم وأخطر المسائل القانونية التي تثار بشأن القصر وعديمي الأهلية، خصوصًا بعد وفاة عائله الوحيد وتركه وحيدًا في ظل أطماع من حوله من عائلته وأقاربه فيما تركه له، وهو الأمر الذي دفع الدولة المصرية إلى سن القوانين لحماية أموال القصر وتجريم الاستيلاء عليها أو إخفائها عن المكلفين بحمايتها. ومع تعاقب السنوات في ظل بقاء هذه التشريعات دون تغيير، زادت الحاجة إلى النظر في تعديلها بما يلائم حالة المجتمع المصري في الوقت الحالي. ولعل هذا ما دفع المسؤولين عن الحوار الوطني إلى إثارة هذه القضية وفتح باب المناقشات للتوصل إلى حلول منطقية وقابلة للتنفيذ بما يخدم مصلحة القُصّر.

قوانين الولاية على المال في مصر والعالم

في البداية يجب أن نعرف أن الوصاية أو الولاية على المال، هي إجراء قانوني تم تشريعه لتعيين ولّي على مال القاصر أو عديم الأهلية من أجل رعاية الأموال المملوكة له، سواء الأموال العقارية أو المنقولة حتى لا تضيع عليه أو تضيع مصلحته فيها.

والقانون الحالي للوصاية هو القانون رقم 119 لسنة 1952، وينص على أن:” تثبت الوصاية قانونًا للولي الطبيعي (الأب) وفي حالة وفاته إلى (الجد لأب) وفي حالة وفاته تثبت إلى (الأم) ما لم يكن الأب قد ترك وصية مشهرة قانونًا بتعيين شخص معين وصي على أبنائه، هذا ويجوز للأم أن تتنازل عن الوصاية لشخص آخر شريطة أن يكون ذا صلة دم القاصر مثل (العم أو الأخ)، ولا يمكن للولي أن يتنحى إلا بأمر من المحكمة”، وتنتهي الولاية ببلوغ القاصر إحدى وعشرين سنة ما لم تحكم المحكمة قبل بلوغه هذه السن باستمرار الولاية عليه”. وبالتعمق داخل القانون يجدر الإشارة إلى أبرز النقاط المهمة وهي:

  • يحق للوصي مبدئيًا التصرف في أموال القصر سواء بالبيع أو الشراء، ولكنه حق منقوص تحت رقابة صارمة من النيابة العامة للولاية على المال وبتصريح رسمي وبحكم محكمة، فيما عدا الصرف المباشر الذي يتم بإذن من النيابة فقط، وحق التصرف هذا مقيد بقيد مهم للغاية ألا وهو (ضرورة تقديم جرد التركة واعتماده من المحكمة).
  • يبرز دور النيابة العامة للولاية على المال هنا كونها مهيمن على تصرفات الوصي، فلا يستطيع الوصي القيام بأي تصرف يتناول أموال القصر إلا بتصريح رسمي منها، عن طريق معاونة النيابة وتأشيرة من رئيس النيابة ثم العرض على محكمة الأسرة للولاية على المال، فيما عدا الصرف المباشر.
  • يمكن عزل الوصي إذا تحقق أحد هذه الأسباب: خيانة الأمانة، وتعمد إخفاء بعض الأموال وعدم ذكرها في جرد التركة، التسبب في ضياع أموال القصر حتى لو بحسن نية، التصرف في أموالهم دون إذن النيابة، خاصة أن كل تصرف مادي في الأموال العقارية ينتدب له خبير لتقدير مدى مصلحة القاصر في ذلك التصرف، كذلك يمكن وقف الولاية إذا اعتبر الولي غائبًا أو تم اعتقاله تنفيذًا بحكم لعقوبة جنائية أو بالحبس مدة تزيد على سنة.

وإذا نظرنا إلى قوانين الوصاية على المال في الدول العربية، نجد أنها تتشابه إلى حد كبير في تحديد الأم كوصي مباشر على أولادها بعد وفاة الأب، ولنا فيما قامت به المملكة العربية السعودية من تعديلات على نظام وثائق السفر والأحوال المدنية عام 2019 نموذجًا، فوفقًا لمرسوم ملكي تم تعديل المادة 91 التي كانت تنص على أن رب الأسرة هو: الزوج بالنسبة للزوجة، أو الأب بالنسبة لأولاده المضافين معه وبناته غير المتزوجات، أو الأم بالنسبة لأولادها القصر وبناتها غير المتزوجات بعد وفاة والدهم”، لتكون بالنص الآتي:” يعد رب الأسرة في مجال تطبيق هذا النظام هو الأب أو الأم بالنسبة إلى الأولاد القصر“.

وعن قوانين الوصاية في الغرب، نجد أن في المملكة المتحدة، تنظر المحكمة فيما يخص حضانة القاصر أو تربيته، وإدارة أي ممتلكات مملوكة لقاصر، لمصلحة القاصر أولًا، ولا تأخذ في الاعتبار حق أي من الأبوين أعلى من الآخر بموجب القانون، بالإضافة إلى تمتع والدة القاصر بالسلطات المماثلة للتقدم إلى المحكمة فيما يتعلق بأي مسألة تمس القاصر مثلما يمتلكها الأب.

وعند وفاة والد القاصر، يجب أن تكون الأم، إذا بقيت على قيد الحياة، بموجب أحكام القانون وصية على القاصر إما بمفردها أو بالاشتراك مع أي وصي يعينه الأب، وإذا لم يعين الأب وصي، أو في حالة وفاة الوصي أو الأوصياء المعينين من قبل الأب، فإنه للمحكمة، إذا رأت ذلك مناسبًا أن تعين وصيًا للعمل بالاشتراك مع الأم.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، يعتبر القانون أيضًا أن القاصر، الذي يُعرّف بأنه أي شخص دون سن 18 عامًا، يخضع لتعيين وصي على الشخص أو على التركة، ويمكن تقديم عريضة من قبل أي شخص بالغ يسعى إلى تعيينه وصيًا على الشخص، وإذا تم تقديم التماس لتعيين وصي على تركة قاصر، فإن الغرض بشكل عام هو السماح لشخص بالغ بتلقي الأموال أو الممتلكات الممنوحة للقاصر واستثمارها وإنفاقها. 

بصفة عامة، الوصي على تركة القاصر هو أحد الأبوين أو كليهما. على أي حال، يجب على الوصي على تركة القاصر أن يودع تعهدًا لضمان أن ممتلكات وأموال القاصر سيتم الإشراف عليها بشكل صحيح وإنفاقها فقط لصالح القاصر، وتنتهي ولاية القاصر، سواء كانت على الشخص أو التركة، عندما يبلغ القاصر 18 عامًا، بشرط تقديم الطلب المناسب إلى المحكمة.

المشاكل والتحديات التي تعاني منها المرأة وتواجهها في قانون الوصاية في مصر 

ترى العديد من السيدات اللاتي فرض عليهن القدر أن يتوفى أزواجهن تاركين لهن مسؤولية الأولاد، بينما المسؤول عن أموالهم يتمثل في الولي سواء كان الجد للأب والنيابة الحسبية المنوطة بمراقبة الأموال حتى بلوغ الأطفال السن القانوني، أن القانون الحالي يغفل جانب الأم تمامًا، وعليها أن تتقدم بطلب لانتزاعها إن لم يكن الأب قد حدد وصيًا غيره قبل وفاته وهو ما لا يحدث بالتأكيد، ومن هنا تطالب العديد من السيدات بإلغاء نظام المجلس الحسبي على المرأة الأرملة، وجعله اختيارًا لا يتبع إدارة وتقدير الزوج في قرار له يكتبه، ويفوض فيه المجلس الحسبي بدلًا من الزوجة. ومن أبرز المشكلات التي تواجهها الأمهات مع قانون الولاية على المال:

  • المعاناة مع أروقة المجلس الحسبي للحصول على أموال الأطفال الصغار، وعليه تبدأ رحلة من التعب والمشقة لا سيما مع كثرة القضايا المنظورة كي تتمكن من الإنفاق على أولادها، بالحصول على حقها في الوصاية على أموال أبنائها.
  • إجراءات استخراج الأموال من التركة في حالة احتياج القصر إليها.
  •  طرق وضع أموال القصر في البنوك وعدم وجود رؤية واضحة وحلول نهائية حول إيداع الأموال في أنسب وضع مالي، وأعلى فائدة بنكية حفاظا على أموال القصر وتنميتها.
  •  الإجراءات الأخرى الخاصة بالمدارس والأمور التعليمية، وغيرها من الأمور التي تمس حياة القصر يوميًا مما يتسبب في تعطيل مصالحهم.

المشكلات التي تواجه المرأة المعيلة في مصر

المرأة المعيلة لنفسها أو لأسرتها، هي التي تتولى رعاية شؤونها وشؤون أسرتها ماديًا دون الاستناد إلى وجود” أب – أخ – زوج” فهي إما أن تكون أرملة أو مطلقة أو مهجورة، وقد تكون المرأة المعيلة لنفسها متزوجة والزوج إما مريضً أو عاجز عن العمل لذا فهي التي تتولى إعالة أسرتها، أو كانت المرأة غير متزوجة وليس لها معيل واضطرت نتيجة ضيق الظروف المادية أن تلجأ إلى البحث عن مصدر للرزق.

تعكس المؤشرات مشكلة هذه الشريحة من النساء في التعامل مع المجتمع إلى الحد الذي يؤثر تأثيرًا كبيرًا على مداركهن ومعارفهن الأساسية، ويضعف من قدرتهن على التمتع بالحقوق التي يكفلها لهن القانون وتمكينهن من الاندماج في مسار المجتمع، وتتيح أمامهن سُبل الخروج من دائرة التهميش إلي دائرة المشاركة الإيجابية في الحياة العامة، ومن خلال سعي النساء العائلات لأسرهن إلى توفير الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، تستغرق هذه الشريحة من النساء في مشكلات الحياة اليومية، مما ينعكس سلبًا على مشاركتهن المجتمعية، وبتقسيم مشكلات هؤلاء النساء نجد أنهن أمام:

  • مشكلات نفسية: فهؤلاء النساء يعانين من نظرات الشفقة والترحم، مما قد يجعلهن يشعرن بالذل والنقص مما يولد أزمة ثقة بالنفس، فيشعرن بالضعف شيئًا فشيئًا أمام العرف الاجتماعي والضغوط النفسية التي تخلفها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الشديدة التي تدفعهن إلى كثير من الاضطرابات النفسية، ويصبحن أسيرات العقد النفسية ويفضلن العزلة والتواري عن المجتمع.
  • مشكلات اقتصادية: يتضح أن هذه الشريحة كانت تعتمد اعتمادًا كليًا على الطرف الأخر (الرجل) في الإعالة، فهي لا تشمل المرأة العاملة التي اعتادت العمل قبل الزواج وبعده كطريقة لتحقيق الذات، ومن ثم فغياب المعيل المفاجئ يحدث أزمة اقتصادية واضحة، تضطر المرأة المعيلة للعمل في سن قد لا يصلح للعمل أصلا وقد لا تملك المؤهلات والمهارات الكافية للعمل.
  • مشكلات اجتماعية: تدور في إطار العرف الاجتماعي “نظرة المجتمع” التي قد لا تكون متفقة مع الأصول الإسلامية، فهناك أعراف تجبر المرأة أما على الزواج السريع أو تمنعها من الزواج الثاني مثلا بحجة السمعة، أو خوفًا على أولادها من أن يتم إبعادها عنهم.
  • مشكلات بيروقراطية: فالمرأة المصرية المطلقة والحاضنة لأطفالها، لا يسمح لها مثلًا بنقل أطفالها من مدرسة لأخرى أو استخراج أي أوراق رسمية من دون إذن طليقها، في حين يسمح للأب وأقاربه من الذكور القيام بذلك من دون علمها، كما أن المرأة المصرية المتزوجة لا يسمح لها بفتح حساب مصرفي لأبنائها بأموالها الخاصة من دون إذن الزوج.

هل ساهمت القوى الناعمة في إثارة الجدل حول قوانين الأحوال الشخصية؟

عملت القوى الناعمة على مدار سنوات طويلة في إثارة العديد من القضايا التي تخص شأن الأحوال المدنية وتحديدًا قضايا المرأة، ولعل آخرها هو مسلسل “تحت الوصاية” الذي عرض خلال الموسم الدرامي الرمضاني الماضي، والذي أعاد قضية الوصاية على أموال القصر للواجهة مجددًا، حيث قوبل المسلسل بتفاعل واسع من جانب الجمهور، وكذلك المجلس القومي للمرأة وأعضاء غرفتي البرلمان في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، الذين تقدموا باقتراحات للتعامل مع تلك الأزمة التي تحتاج إلى تعديلات تشريعية لحسمها.

وقد يكون مسلسل “عملة نادرة” هذا العام أيضًا من أكثر الأعمال التي حظيت باهتمام فيما يتعلق بإثارته قضايا شائكة لا سيما في صعيد مصر، حيث تدور الأحداث حول امرأة يتوفى زوجها ويترك لها طفلًا، ومساحة شاسعة من الأراضي، وهنا تواجه عائلته شديدة التحكم والتقليدية التي ترفض منحها وطفلها الميراث المستحق بحجة أن النساء لا يرثن الأرض، لكن البطلة تصر على حقها الشرعي والقانوني، وهنا تتفجر الأحداث المليئة بالإصرار من جهة، وأيضًا بممارسة القهر والظلم من جهة أخرى. مما جعل المجلس القومي للمرأة يشيد بالعمل.

كذلك أثار مسلسل “لعبة نيوتن” قبل عامين قضية الطلاق الشفهي وتأثيره الصادم في حياة الطرفين لا سيما المرأة، ثم ناقش مسلسل “فاتن أمل حربي” في موسم رمضان 2022 قضايا عدة مرتبطة بتداعيات الطلاق على الزوجة فيما يتعلق بحق الأم في الولاية التعليمية والنفقة، وقبلها العنف الزوجي، وغيرها من الأعمال الجوهرية على مر السنين، وكأن تلك الأعمال بمثابة رسالة للمعنيين بالأمر تحثهم على ضرورة إنجاز قانون الأحوال الشخصية الجديد المنتظر إقراره منذ مدة.

موقف القانون المصري من التعديلات رغم التطورات التي شهدها المجتمع المصري 

لم يتم تعديل القانون رقم 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال منذ إقراره وحتى عام 2023، برغم التطورات التي شهدها المجتمع المصري، ويرجع السبب في ذلك في أن بعض القانونيين يرون أن قانون الوصاية لا يحتاج إلى تعديل، وأنه حافظ على مال اليتيم، بالإضافة إلى أنه منح الأم الحق في سحب الولاية من الوصي إذا لم يكن أمينًا على المال، في حين طالب آخرون بتعديل بعض الإجراءات المتعلقة بالوصاية، والتي تعيق حق الأطفال اليتامى في الحصول على أموالهم المودعة بالمجلس الحسبي، خاصة ما يتعلق بإجراءات الحصول على المال أو نقل الأطفال من المدارس.

وبينما تؤول الوصاية المالية بعد وفاة الأب بالتبعية إلى الجد ثم إلى العم، وفي حال رغبة الأم في انتقال الوصاية المالية إليها عليها أولًا التقدم للمجلس الحسبي بطلب وصاية قد يعوقه عدم رغبة الجد والعم، ونظرًا للقياس العملي للقانون القائم ثبت وجود قصور به وعدد من المشاكل في المجتمع المصري حيث مر عليه قرابة 70 عامًا، مما يستوجب إعادة النظر في التشريع القائم حتى يتلاءم مع التطورات الحديثة، ما يُمكن من معه حق الولاية لاستثمار تلك الأموال حتى يبلغ الطفل السن القانونية، وذلك حتى لا تفقد الأموال قيمتها الثابتة مع الزمن.

ولهذا، يجادل العديد من الخبراء القانونيين أن القانون يحتاج إلى تعديل جوهري عميق، لأنه يواجه العديد من القصور التشريعي، لكونه يتحكم في حياة إنسان ويهدد مستقبل أبناء إذا لم يتم إحكامه، ولأنه أصبح لا يساير مستجدات الحياة، ولا يراعي حقوق المرأة.

ختامًا، في عهد القيادة السياسية الحالية التي تشهد حالة من الأمان والرعاية في ظل الإجراءات التي يوجه بها الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة لتعديل القوانين التي تمنح المرأة العديد من المكتسبات، فقد أصبح الأمر يتطلب تدخلًا لمواجهة هذا الجدل، وعليها تغيير نظام المجلس الحسبي أو تعديله بما يضمن حقوق القصر والأم المعيلة لهم، وجعله اختياريًا للزوج في حال رؤيته أن زوجته جديرة بالولاية على القصر في جميع المجالات ماديًا وتعليميًا، وهذا قد يكون قابلًا للتحقق عقب جلسات الحوار الوطني الذي أصبح أداة لوضع حلول قابلة للتنفيذ فورًا للمعضلات التي يواجهها المجتمع المصري.

مي صلاح

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى