دول المغرب العربيمكافحة الإرهاب

هجوم جربة: عودة المخاوف من التهديد الإرهابي في تونس

شهدت جزيرة جربة الواقعة في جنوب شرق تونس وتعد من أكبر الجزر الموجودة في منطقة الشمال الأفريقي، هجومًا إرهابيًا استهدف كنيس الغريبة اليهودي، وهو أقدم كنيس في أفريقيا والعالم ويحتوي على واحدة من أقدم نسخ التوراة في العالم. وجاء الهجوم بالتزامن مع موسم الحج السنوي للكنيس، والذي يشارك فيه آلاف الحجاج اليهود من كافة دول العالم. وقد أدت هذه العملية الإرهابية إلى تصاعد التخوفات بخصوص عودة النشاط الإرهابي لتونس، استغلالًا لحالة عدم الاستقرار السياسي وما صاحبها من تداعيات اقتصادية، وهي الحالة التي تعيشها البلاد منذ إجراءات الرئيس قيس سعيد الاستثنائية في 25 يوليو 2021.

حيثيات العملية

بحسب وزارة الداخلية التونسية، فإن حارسًا في مركز بحري قريب من الكنيس قتل بالرصاص زميلًا له قبل أن يتجه نحو الكنيس ويفتح النار بشكل عشوائي، مما أسفر عن إصابة خمسة من ضباط الأمن وأربعة زوار، ثم قُتل الجاني بعد تبادل إطلاق نار بينه وبين الشرطة. وقد أسفرت العملية وفق البيانات الرسمية عن مقتل اثنين من عناصر الأمن، بالإضافة إلى شخصين أحدهما تونسي والآخر فرنسي.

ويعد هذا الحادث ثالث حادث من نوعه تشهده الجزيرة؛ إذ تعرض كنيس الغريبة لاعتداء عام 1985 حين قتل شرطي العديد من الأشخاص. وكذلك في أبريل 2002، نفذه موالون لتنظيم القاعدة، وأسفر عن سقوط 21 قتيلًا من بينهم 14 سائحًا ألمانيًا.

وعقب الحادث، تحركت الحكومة التونسية بشكل عاجل لتطويق الحادث وإعادة  الحياة إلى طبيعتها في جزيرة جربة وطمأنة زوار الكنيس اليهودي والبعث برسالة واضحة لوسائل الإعلام الخارجية. وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية التونسي نبيل عمار أن “هذا الحادث لن يؤثر على صورة تونس الخارجية”. وقال وزير السياحة التونسي معز بالحسن إن نسق الرحلات الجوية إلى تونس وجزيرة جربة يسير بنسق اعتيادي، وإنه لم تسجل عملية إلغاء للحجوزات على خلفية الهجوم.

تفسيرات متباينة

منذ اللحظة الأولى لحادث جربة الإرهابي، تصاعدت التفسيرات والتأويلات التي تحاول الوقوف على دوافع الهجوم، لكن الإجماع كان على أن الحادث يستهدف زعزعة الاستقرار في تونس، وضرب الموسم السياحي في البلاد. وفي هذا السياق توجد بعض التفسيرات الرئيسة للحادث، وذلك على النحو التالي:

1- اختراق المنظومة الأمنية: عقب الحادث مباشرةً، وجهت بعض الاتجاهات السياسية التونسية اتهامات لحركة النهضة بالوقوف خلف الحادث، عبر آلية “الاختراق الأمني”؛ بمعنى أن العنصر الذي نفذ العملية هو أحد العناصر التي زجت بهم حركة النهضة داخل المؤسسة الأمنية لاختراقها في أثناء الفترة التي تولت فيها الحركة حكم البلاد، خصوصًا وأن العنصر الأمني الذي نفذ العملية هو من خريجي عام 2017 وتُشير بعض الدوائر التونسية إلى احتمالية تبعيته لحركة النهضة.

ودعت كتل سياسية وبرلمانية إلى “مراجعة شاملة للسياسات الأمنية، لكشف اختراقات حركة النهضة إبان حكمها في تونس”؛ فعلى سبيل المثال قالت النائبة بالبرلمان التونسي فاطمة المسدي خلال جلسة عامة للبرلمان، الخميس، إن حادثة جربة “أثبتت اختراق النهضة للمؤسسة الأمنية”، داعيةً إلى مراجعة كل التعيينات في الجهاز الأمني التي تمت خلال السنوات الـ10 التي حكمت فيها الحركة البلاد (2011-2021)، وطالبت بحل الحركة وتصنيفها كتنظيم إرهابي. كذلك اتهم حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد “النهضة” بالوقوف وراء الهجوم، معتبرًا أن “نشر الإرهاب تزامن مع صعودها إلى الحكم في 2011”.

2- ضرب المسار السياسي بتونس: أحد التفسيرات الرئيسة لحادث جربة الإرهابي تتمثل في كونه حادثًا يستهدف ضربة حالة الاستقرار التي تشهدها البلاد على المستوى الأمني، بما يمثل طعنًا في مشروعية المسار السياسي للرئيس قيس سعيد في مرحلة ما بعد 25 يوليو 2021، بمعنى أن هذه العملية جاءت في إطار الرد على المسار السياسي الحالي، ولزرع الفتنة في تونس وضرب استقرارها، وفق ما صرح به الرئيس قيس سعيد.

وفي كل الأحوال، لا يوجد خلاف على أن هذه الاعتبارات تمثل الأهداف الرئيسة للعملية، بعيدًا عن طبيعة الجهة المسؤولة عنها، سواءً كانت حركة النهضة أو أحد الذئاب المنفردة، أو تنظيمات إرهابية أخرى نشطة في تونس. وما يعزز من منطقية هذه الاعتبارات هو توقيت العملية، والذي جاء بالتزامن مع الموسم السياحي بالجزيرة.

3- الرد على التصعيد الإسرائيلي: أحد التفسيرات المطروحة للعملية الأخيرة في جربة يتمثل في أنها جاءت كرد فعل على التصعيد الإسرائيلي الحالي ضد عدد من الفصائل الفلسطينية، واغتيال العديد من قادة هذه الفصائل في الأيام الماضية، خصوصًا وأن العملية جاءت بالتزامن مع تصاعد الدعوات لوقف أي مسار تطبيعي تونسي مع إسرائيل، فضلًا عن طبيعة المستهدف وهو كنيس يهودي. وتأكيدًا على شيوع هذه السردية، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب الحادث أن “فرنسا ستعمل دائمًا ودون كلل على مكافحة معاداة السامية” وفق تعبيره.

ويبدو أن الرئيس قيس سعيد قد أدرك تصاعد هذه الفرضية والترويج لها على مستوى كبير، ومن هنا جاءت تصريحاته الأخيرة يوم الجمعة 12 مايو والتي نفى فيها أي مزاعم عن معاداة الدولة للسامية، وأعرب عن “استغرابه” من “المواقف التي وردت فيها اتهامات لتونس بمعاداة السامية”، بدون أن يحدد جهة معينة.

دلالات مهمة

حملت العملية الإرهابية الأخيرة في تونس بعض الدلالات المهمة، وذلك على النحو التالي:

1- الحاجة إلى مراجعة المنظومة الأمنية: كشف حادث جربة الإرهابي، والذي تورط فيه أحد عناصر المنظومة الأمنية، الحاجة إلى إجراء مراجعة شاملة للمنظومة الأمنية في تونس، خصوصًا على مستوى العناصر المنخرطة في هذه المنظومة في السنوات الأخيرة، ومواجهة الظاهرة التي تصفها بعض الدوائر التونسية بـ “الأمن البديل” في إشارة إلى مجموعة العناصر التي زجت بها حركة النهضة في المنظومة الأمنية للبلاد، بغية اختراقها وتكوين أجهزة أمنية موالية لها، خصوصًا وأن التعيينات في المؤسسات الأمنية التونسية في العشر سنوات الأخيرة لم تكن خاضعة لاعتبارات صارمة ومحددة تضمن تجنب ضم العناصر ذات الخلفيات الأيديولوجية والسياسية والحزبية.

2- السعي إلى توظيف الأوضاع الراهنة: تعاني تونس في الفترة الراهنة من أزمة سياسية كبيرة، ارتبطت بشكل رئيس بالقرارات المتسارعة التي تبناها الرئيس قيس سعيد لتحجيم نفوذ أنشطة حركة النهضة الإخوانية، وهو الأمر الذي أدى إلى لعب الحركة على اتجاهين رئيسين: الأول يتمثل في تحريض الشعب التونسي ضد السلطات استغلالًا للأوضاع الاقتصادية الراهنة، والثاني يتمثل في التلويح بفزاعة الإرهاب، وبالتالي فإن الهجوم الأخير لا ينفصل عن هذا السياق أيضًا. وبشكل عام، تمثل هذه البيئة عاملًا محفزًا للنشاط الإرهابي، سواءً لبعض المجموعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة (تعبر عنه جماعة أنصار الشريعة، وما يُعرف بكتيبة عقبة بن نافع)، وكذلك تنظيم داعش (يُعبر عنه بشكل رئيس ما يُعرف بتنظيم جند الخلافة)، وكذا الذئاب المنفردة والعائدون من التنظيمات الإرهابية.

تنامي تهديد الذئاب المنفردة: تعد “الذئاب المنفردة” التهديد الأمني الأخطر بالنسبة لتونس، وذلك في ضوء التضييق الكبير الذي تقوم به أجهزة الأمن التونسية على الخلايا والمجموعات الإرهابية المُنظمة، والجاذبية التي تتمتع بها تنظيمات الإرهاب المعولم بالنسبة للعديد من التونسيين. ويعزز من صحة هذه الفرضية كون أكثر العمليات الإرهابية التي جرت في السنوات الأخيرة في تونس كانت عبر “ذئاب منفردة”، وبالتالي يمثل هذا النمط من أنماط النشاط الإرهابي الأكثر شيوعًا وخطورةً في تونس.

وفي الختام، يمكن القول إن العملية الإرهابية الأخيرة في جزيرة جربة حملت تأكيدًا على الخطر الذي تمثله ظاهرة الذئاب المنفردة على تونس في الفترة الراهنة، على اعتبار أن هذه الظاهرة هي النمط الإرهابي الأكثر شيوعًا في تونس حاليًا، لكن السلطات التونسية حرصت على التعامل مع هذه الظاهرة بشكل استباقي ممثلًا في إلقاء القبض على مجموعات كبيرة من هذه العناصر في الفترات الأخيرة، أو التعامل الآني على كافة الأصعدة حال إقدام هذه العناصر على تنفيذ عمليات إرهابية، وهو ما تجسد في تعامل السلطات مع العملية الأخيرة.

كاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى